الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ [البقرة ٢٥٩] الإعراب ﴿أَوْ﴾ حرف عطف، والكاف قيل: إنها زائدة للتوكيد، وقيل: إنها اسم بمعنى (مثل)، وعلى كلا القولين فهي معطوفة على ﴿الَّذِي﴾ في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ يعني: أو إلى مثل الذي مرَّ، إذا جعلنا أن (الكاف) بمعنى (مثل) يكون التقدير: أو إلى مثل؛ يعني: أو ألم تَرَ إلى مثل الذي مر على قرية، فإن جعلنا (الكاف) زائدة فالتقدير: أو إلى الذي مر على قرية؛ يعني: ألم ترَ إلى الذي مر على قرية، إلى آخره.
وجملة: ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ في محل نصب على الحال، و﴿أَنَّى﴾ اسم استفهام، والمراد به الاستبعاد، وقيل: المراد به الاستعجال والرجاء.
وقوله: ﴿يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ في هذا تقديم المفعول على الفاعل؛ لأن ﴿هَذِهِ﴾ مفعول مقدم، و﴿اللَّهُ﴾ فاعل مؤخر.
وقوله: ﴿مِائَةَ عَامٍ﴾ هذه نائبة مناب الظرف؛ لأنها مضافة إليه، فهي منصوبة على أنها نائبة مناب الظرف، فما هو الظرف إذن؟ هي كلمة؟
* طالب: ﴿عَامٍ﴾.
* الشيخ: كلمة ﴿عَامٍ﴾، وهي متعلقة بـ﴿أَمَاتَهُ﴾، وقيل: متعلقة بفعل محذوف تقديره: فأبقاه مئةَ عام، لماذا؟
قالوا: لأن الموت لا يتأجل، الموت موت، ولكن الذي تأجل هو بقاؤه ميتًا مئة عام.
وقوله: ﴿كَمْ لَبِثْتَ﴾ ﴿قَالَ بَلْ لَبِثْتُ﴾ ﴿قَالَ بَلْ لَبِثْتَ﴾ اختلفت الحركة في التاء باعتبار من ترجع إليه، وقوله: ﴿كَمْ لَبِثْتَ﴾ هذه مفعول مقدم لأي شيء؟ لـ﴿لَبِثْتَ﴾ يعني كم مدة لبثت؟
وقوله: ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ فيها قراءتان: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ بالهاء، و﴿لَمْ يَتَسَنَّ﴾ عند الوصل، فالقراءتان تختلفان في حال الوصل لا في حال الوقف؛ في حال الوقف بالهاء على كل حال ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾، في حال الوصل فيه قراءة سبعية بحذف الهاء: ﴿لَمْ يَتَسَنَّ وَانْظُرْ﴾ .
وقوله: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ الواو حرف عطف، والمعطوف عليه محذوف دل عليه السياق، تقديره: لتعلم قدرة الله ولنجعلك آية للناس.
وقوله: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ﴾ وفي قراءة: ﴿قَالَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ والقائل له هو الله.
يقول الله عز وجل في سياق ما بينه لنا من آياته الدالة على وحدانيته وعلى كمال قدرته: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ يعني: أوْ لَمْ ترَ ﴿كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ أي: مثل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها. وأنتم ترون الآن أن المار مبهم والقرية مبهمة أيضًا، فمن هذا المار؟ وما هذه القرية؟
اختلف فيها المفسرون: ما هي القرية؟ ومن هو المار؟ وهذا الخلاف ليس له أصل، أي أنه مبني على أمور أخذت من بني إسرائيل الذين أُمرنا بأن لا نصدقهم ولا نكذبهم.
والمقصود ليس هو عين المار أو القرية التي مر بها، وإنما المقصود العبرة والعظة في هذه القصة؛ لأن هذه القصة إذا جهلنا من الذي مر وما القرية هل يفوتنا شيء من الاتعاظ بها؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: أبدًا، ولهذا نجد في آيات كثيرة يذكر الله عز وجل مثل هذه القصص فيذهب الناس يتساءلون: من هذا؟ ما اسم هذا؟ كما اختلفوا في اسم كلب أصحاب الكهف ولونه وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا يضرنا جهلها، وعلمها ليس بأمر لازم.
وقوله: ﴿كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ القرية مأخوذة من (القَرْي)، وهو الجمع، وتطلق على الناس المجتمعين في البلد، وتُطلق على البلد نفسها، حسب السياق، فمثلًا في قوله تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ [العنكبوت ٣١] ما المراد بها؟
* الطلبة: (...)، قرية قوم لوط، قوم لوط، (...).
* الشيخ: يا إخوان! ما أريد منْ ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ ما المراد بالقرية؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: المساكن يا أخي؛ لأنه قال: أهل، لو قلنا: القرية هنا بمعنى الأهل صار: أهل هذه الأهل، وهذا لا يستقيم، ﴿أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ يعني البلد، أهل هذا البلد، واضح؟
* طالب: ما هو بواضح.
* الشيخ: ما هو بواضح، ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ ما المراد بالقرية؟
* الطالب: كلامنا أن نقول: (...) المقصود بالمسألة.
* الشيخ: إي، البلد يعني؟
* الطالب: البلد.
* الشيخ: البلد، وليس المراد أهلها، لأنه قال: ﴿أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ صرح بـ(أهل)، فـ(أهل) مضاف، و(القرية)؟
* طالب: مضاف إليه.
* الشيخ: (...) بعد دخول (...)، واضح؟
* طالب: هناك تعارض، قد يقول..
* طالب آخر: (...) يحصل التباس (...).
* الشيخ: (...) فكلمة (...) ما المراد بها؟
* طلبة: المساكن.
* الشيخ: المسألة هذه، الأهل هم السكان لكن كلامي الآن على القرية، من؟
* الطلبة: المساكن.
* الشيخ: المساكن هذه، الدليل أنه أضاف (أهل) إليها؛ قال: ﴿أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ فلا يمكن أن يراد بالقرية هنا أهل القرية لا يمكن، لماذا؟ لفساد المعنى، لو قلت: ﴿أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ أهل هذه الأهل؟
* طالب: ما يستقيم.
* الشيخ: ما يستقيم، ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ [الحج ٤٥].
* الطلبة: (...).
* الشيخ: المراد أهلها ويش الدليل؟
* الطلبة: ظالمة (...).
* الشيخ: قوله: ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾، وقوله: ﴿ظَالِمَةٌ﴾، هذا لا يُوصف به البلد، فتبين الآن أن القرية يراد بها أحيانًا البلد اللي هي محل مجتمع الناس، ويراد بها القوم المجتمعون، على حسب أيش؟ على حسب السياق.
قال أولاد يعقوب لأبيهم: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ [يوسف ٨٢]؟
* الطلبة: أهل القرية.
* الشيخ: ويش يدريكم؟
* طالب: مجاز.
* طالب آخر: واسأل.
* الشيخ: مجاز، اترك مجاز هذه، المجاز غير مُجاز. ﴿اسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ المراد أيش؟
* الطلبة: أهل القرية.
* الشيخ: ويش الدليل؟
* الطلبة: ﴿اسْأَلِ﴾.
* الشيخ: ﴿اسْأَلِ﴾؛ لأن السؤال لا يمكن أن يُوجَّه إلى القرية، وإذا كانت القرية تُطلق على أهل القرية بنص القرآن ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ كما سمعتم، إذن لا حاجة إلى أن نقول: هذا مجاز، وأصله: واسأل أهل القرية، لأنَّا رأينا في القرآن الكريم أن القرية يُراد بها؟
* الطلبة: الساكنون.
* الشيخ: الساكن، يراد بها الساكنون، وحينئذٍ نقول في قوله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾، جملة: ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾ قلنا؟
* طالب: حال
* الشيخ: حال. ﴿خَاوِيَةٌ﴾ بمعنى ساقطة، متراكم بعضها على بعض، والعروش: السقوف، وكيف تكون القرية خاوية على السقوف؟ قد يقول قائل: إن المتبادر أن السقوف هي العليا.
فيقال: سقط السقف أولًا ثم سقطت الجدران ثانيًا، وهذا واضح ولّا لا؟
* الطلبة: واضح.
* الشيخ: واضح، ﴿خَاوِيَةٌ﴾ أي: متهالكة ومتداعية على أيش؟
* الطلبة: عروشها.
* الشيخ: أيْ؟
* الطلبة: سقوفها.
* الشيخ: سقوفها، فيسقط السقف، ثم يسقط الجدار عليه، فـ(العروش) جمع (عرش) وهو السقف، ولهذا كان عرش الرحمن جل جلاله سقف المخلوقات (...) السقف.
﴿خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ وأهلها وين؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: لا، ميتون، أهلها ميتون، أو أهلها راحلون عنها؛ يحتمل أنهم هالكون وأنهم تحت الأنقاض، ويحتمل أنهم قد رحلوا عنها.
هذا الرجل لما مر على هذه القرية وكأنها -والله أعلم- قرية عريقة في السكان والتجارة مر عليها مرورًا عابرًا رآها بهذه الحال قال: أنى..
مرورًا عابرًا رآها بهذه الحال ﴿قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة ٢٥٩] ﴿أَنَّى﴾ اسم استفهام، وقلنا: إنه للاستبعاد، وقال بعضهم: إنه للاستعجال والتمني، كأنه يقول: متى يحيي الله هذه القرية بعد موتها، وقد كانت بالأمس قرية مزدهرة بالسكان والتجارة وغير ذلك؟ فمتى يعود عليها ما كان من قبل؟ أو أن المعنى أنه استبعد- حسب تصوره- أن الله عز وجل يعيد إلى هذه القرية ما كان سابقًا وقال: كيف يحيي الله هذه القرية بعد موتها؟ وسماها ميِّتة؛ لأنها كانت في الأول عامرة، عامرة بالسكان، وسيتبين لنا فيما بعد أن الموت والحياة قد يُوصف به الجماد، وإن كان هو في الأصل غير قابل للحياة والموت.
﴿قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾، ولكن الله عز وجل رحم هذا الرجل، والله سبحانه وتعالى قد يهيئ ويقيض للإنسان من الأمور الكونية ما يزداد به إيمانه؛ إما بأن يدعو الله عز وجل فيستجيب الله دعوته، ويعرف إن هذه إجابة دعوة لا شك، وإما أن يرى أمورًا أخرى تُيسر له وتُسهل، فيزداد بذلك إيمانًا، بل ربما يزداد إيمانًا إذا رأى أموره تتعسر عليه وتنتقض، كيف؟
يعرف أنه قد غفل عن ذكر ربه، إذا رأى أموره تتناقض، يصلّح الشيء ما له داعي يصلّحه، يتعب عليه وإذا المصلحة في عدم ذلك، وهكذا حينئذٍ يعرف أن الله قد أغفل قلبه عن ذكره؛ لأن الله يقول: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف ٢٨] فإذا عرفت أن أمورك فرط ما تستفيد تزين الشيء وتهدمه فاعلم أن في قلبك غفلة عن ذكر الله، وهذا يزداد به إيمان الإنسان.
المهم أن هذا الرجل منَّ الله عليه عز وجل بهذه الكرامة، والكرامات قد يجريها الله عز وجل على يد أوليائه تقوية لإيمانهم، أو إحقاقًا للحق، يعني تثبيتًا لهذا الإنسان أو إحقاقًا لحق يحتاج الناس إلى إحقاقه يكون عامًّا، فمثلًا: الذي جرى لثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه بعد أن مات ورأى صاحبًا له في المنام وقال: إنه مر عليَّ رجل فأخذ مني الدرع ووضعه تحت بُرمة في أطراف القوم وعنده فرس تستن، فلما أصبح الرجل، هذا في وقعة اليمامة، ذهب إلى خالد بن الوليد وأخبره بما رأى قال: يلا رح، رح المكان اللي هو جالك، راح إلى المكان ووجد الأمر كما وصف ثابت، هذا نوع من الكرامات بلا شك أن الله حفظ على ثابت ماله بعد موته.
وقد يكون للحاجة، لحاجة المسلمين إلى هذه الكرامة كالذي وقع لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين كان يفتح بلاد الفرس بلدًا بلدًا حتى وصل إلى نهر دجلة، لما وصل إلى نهر دجلة وجد الفرس قد كسَّروا السفن والجسور، أغرقوا السفن وكسَّروا الجسور ما يقدر يتجاوز، يقال: إنه نادى سلمان الفارسي رضي الله عنه، فقال له: أعطنا من كيدك؛ لأن سلمان الفارسي هو الذي أشار على الرسول الله ﷺ في الخندق. قال: والله ما عندي شيء، وأيش بأقول؟ بحر، نهر يجري، ما عندي شيء، لكن دعني أنظر في العسكر إن كانوا على الاستقامة والحق فإن الله سينصر هذه الأمة، وليست هذه الأمة بأدنى من بني إسرائيل الذين فلق الله لهم البحر، ولكن دعني، أمهلني، ذهب الرجل سلمان يتفقد الجيش، وأيش وجد الجيش؟ وأيش؟ رهبان بالليل فرسان في النهار، في الليل؛ قيام خشوع بكاء، وفي النهار ليس لهم هم إلا إصلاح شئون الحرب والجهاد، فرجع إليه وقال: والله رأيت القوم على أحسن حال، ولكن توكل على الله، فكر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ورأى أن يعبر النهر فأمر بالجيش فتجهزوا، وقال: إني واقف على النهر ومكبِّر ثلاثًا، فإذا كبَّرت الثالثة فاعبروا باسم الله، فلما كبَّر ثلاثًا عبروا على النهر، عبروا على النهر وهو يجري نهر ما هو بحر، يجري جريان، والفرسان والإبل والرجال على أرجلهم ما غرق أحد حتى إنهم ذكروا أن الفرس إذا تعبت قيَّض الله لها ربوة فوقفت عليها تستريح؛ لأن الله على كل شيء قدير، حتى عبر النهر.
لما عبروا النهر ورآهم الفرس قالوا: والله أنتم ما تقاتلون إنسًا وإنما تقاتلون جِنًّا ولا طاقة لكم بهم، يلّا اهربوا فهربوا، ثم دخلت الجيوش الإسلامية، ولا نقول العربية كما يقوله القوميون قاتلهم الله، نقول: دخلت الجيوش الإسلامية إلى عاصمة الفرس المدائن، وأتوا على تاج كسرى؛ التاج الذي إذا جلس رُفع فوق رأسه، كبير يعني ما حملوه إلا على جملين حتى نقلوه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، منين؟ من وراء النهر إلى المدينة، قالوا: إنهم نقلوه على جملين؛ جملين ربطوا بعضهم البعض وشالوه؛ لأن ما فيه سيارات ولا فيه سفن حتى وُضع بين يدي أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، هذا الرجل الذي لا يلبس إلا ثوبًا مُرقعًا ولا يتوسد إلا الرمل في المسجد أو الحصى، يُوضع تاج كسرى بين يديه؟ شوف العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ليست بكثرة الجيوش ولا بقوتها، ولكنها بإذن الله عز وجل ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون ٨]. لما رأى عمر رضي الله عنه هذا التاج اللآلئ والجواهر المرصّع بها ما فقد منه ولا واحدة قال: والله إن قومًا أدوا هذا لأمناء. الله أكبر، ولكن نقول: صاروا أُمنا لما كنت أمينًا، لما كنت أمينًا صاروا أمنًا، ولما عدلت صاروا عدولًا. المهم أنا نقول: إن هذه التي وقعت لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كرامة، يقصد بها أيش؟
* الطلبة: تثبيت المسلمين.
* الشيخ: نعم، حاجة المسلمين إلى ذلك، دفع حاجتهم؛ لأنهم ما عندهم سفن ولا جسور فاحتاجوا إلى هذا، ووقع نحو ذلك للعلاء بن الحضرمي رضي الله عنه حين غزا البحرين، فهذه الكرامة حصلت لهذا الرجل الذي قال: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة ٢٥٩] أماته الله عز وجل مئة عام، أماته موتًا حقيقيًّا ما هو نوم، موتًا حقيقيًّا ثم بعثه.
وقوله: ﴿مِئَةَ عَامٍ﴾ سبق قبل قليل أن بعض العلماء يقول: إن مئة عام ليس متعلقًا بـ ﴿أَمَاتَهُ﴾ لأن الموت موت معنى يرد على الإنسان ويموت يعني ما هو يمتد، ولكن الذي امتد هو الإبقاء، أبقاه الله.
وعلى كل حال فالمعنى واضح سواء قلنا: إنه على تقدير عامل، أو إنه متعلق بـ﴿أَمَاتَهُ﴾. ﴿أَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ﴾. مئة عام، ﴿مئة﴾ عندي أنا فيها ألف بين الميم والهمزة، والميم مكسورة، والألف عليها دائرة، عليها دائرة إشارة إلى أن الألف هذه تُكتب ولا ينطق بها، وبهذا نعرف خطأ الذين ضيعوا مشيتهم ومشية الحمامة، الغراب يقولون: إنه أراد أن يقتدي بالحمامة بالمشية، جاي يوم من الأيام يبى يقلد الحمامة عجز أن يقلدها جاي بيرجع لمشيته الأولى ولا ضيعها فلا هذا ولا هذا، فيه ناس الآن يقولون: مئة عام كيف ينطقون بها؟
* الطلبة: مائة.
* الشيخ: مئة سبحان الله! الميم مكسورة وأنت تقول: مائة؟ أيش هذه اللغة؟ ما هي لغة العربية، مائة عام، ومن قال: (مَائة) في القرآن فقد لحن لحنًا يجب عليه أن يعدله.
بالنسبة بعض العلماء بعض الكتاب المعاصرين قالوا: ما دامت المسألة فيها تشويش فلنكتب مِائة كفِئة يعني (ميم وهمزة وتاء) مئة عام، وهذا صحيح؛ لأنه ما دام، بنخلي الناس يخطئون عشان كتابة الألف!
وقوله: ﴿مِئَةَ عَامٍ﴾ كلمة ﴿عَامٍ﴾ منين هي مشتقة؟ قالوا: من العَوْم وهو السباحة؛ لأن الشمس تسبح فيه على الفصول الأربعة، هكذا قال بعضهم، وهذا واضح على هذا الرأي، العام لازم تدور الشمس على الفصول الأربعة، وهي الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء، كل واحد من هذه الفصول له ثلاثة من البروج المذكورة في قوله: ؎حمــــــــــــــــــــــــل فثــــــور فجوزاءفسرطـــــان ∗∗∗ فأسد سنبلة ميــــــــــــــــــــــــــزان؎فعقرب قوس فجدي فكذا ∗∗∗ دلو وذي آخرها الحيتان
الحوت، هذه اثنا عشر برجًا للفصول الأربعة كل واحد من الفصول له ثلاثة.
وقيل: إن كلمة ﴿عَامٍ﴾ غير مشتقة، فهي مثل كلمة باب وساج وما أشبه ذلك من الكلمات التي ليس لها اشتقاق، وأنها كالسنة؛ يعني ليس لها اشتقاق، وأيًّا كان فالمعنى معروف ﴿مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾، أماته مئة عام ثم بعثه، ولعلكم تقولون: إن المتوقع أن يقول: ثم أحياه ليقابل أماته، لكن البعث أبلغ؛ لأن البعث فيه انزجار وسرعة، ولهذا نقول: انبعث الغبار بالريح، وما أشبه ذلك من الكلمات الدالة على أن الشيء يأتي بسرعة واندفاع، فهذا الرجل بعثه الله بكلمة واحدة قال: كن، كُن حيًّا فكان حيًّا.
﴿ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [البقرة ٢٥٩] قوله: ﴿قَالَ﴾ لا شك أن فيها ضميرًا مستترًا يعود على الله؛ لأنه قال: أماته ثم بعثه قال كم لبثت أي الله، فهل هو الله عز وجل أو هو ملك من ملائكته؟
أما ظاهر القرآن فالقائل هو الله، ولا مانع من أن الله تعالى يقول هذا يُسمعه كلامه وإن لم يره كما أسمع موسى كلامه ولم يره، وكما أسمع محمدًا ﷺ كلامه في المعراج ولم يره، وأما من قال: إنه قال؛ أي قال الله له بواسطة ملك من الملائكة، فلا شك أن هذا عدول عن الظاهر، إن جاء به نص عن معصوم وإلا فإن الواجب إجراؤه على ظاهره؛ لأننا لو قلنا: قال له الملك، سيقول لنا ربنا يوم القيامة: من قال لكم قال له الملك؟ القرآن ﴿أَمَاتَهُ اللَّهُ﴾ الفاعل الله ﴿ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ مَنْ؟
* طالب: الله.
* الشيخ: الله، ﴿قَالَ﴾؟
* طالب: الله.
* الشيخ: أي الله، كيف نقول ملك؟! فالواجب إجراء النص على ظاهره حتى يقوم دليل يجب المصير إليه. ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتَ﴾ يعني كم لبثت من المدة؟ والمدة مئة عام. ﴿قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ﴾ كيف يومًا أو بعض يوم؟ يعني إما هذا ولا هذا على الشك، أو على التنويع؟
* الطلبة: على الشك.
* الشيخ: على الشك، قال العلماء: وإنما قال ذلك؛ لأن الله أماته في أول النهار وأحياه في آخر النهار، فقال: لبثت يومًا إن كان هذا هو اليوم الثاني من موته، أو بعض يوم إن كان هو اليوم الأول.
قال الله له: ﴿بَلْ﴾ وبل هذه للإضراب، إبطالي ولا انتقالي؟
* الطلبة: إبطالي.
* الشيخ: إبطالي؛ يعني بل لم تلبث يومًا أو بعض يوم ﴿بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ﴾ الله أكبر مئة سنة، وهو ما علم كيف مرت عليه المدة هذه، ما هي قصيرة، لكن لنا أن نضرب مثلًا في النائم، النائم إذا سهر في ليالي الشتاء، وأيش تكون الليل عليه من الطول؟
* طالب: طويل جدًّا.
* الشيخ: طويل جدًّا، يقول: يا طول الليل! إذا نام من يوم صلى العشاء ولم يستيقظ في أذان الفجر ما كأنه شيء، كأنه لحظة من الألحاظ لا سيما إن كان الله سبحانه وتعالى منعه من الحلوم الشيطانية أو النفسية التي تُحدثه بها نفسه، فهو ما شاء الله يروح عليه الليل بلحظة.
المهم أن هذا فيه دليل على أن مفارقة الروح للبدن تستوجب أن يكون الزمن قصيرًا. قال الله تعالى له: ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ الله أكبر، انظر إلى الطعام والشراب، طعام وشراب بقي مئة سنة يأتيه الليل والنهار والرياح والأمطار والحر والبرد ومع ذلك ما تغير، هل هذا على جاري العادة؟
* طالب: على خلاف العادة.
* الشيخ: ما هو على جار العادة، جار العادة متى يتغير؟
* الطلبة: في اليوم الثاني أو الثالث.
* الشيخ: ممكن في اليوم الثاني أو الثالث حسب الجو، لكن مئة عام ما تغير، وقد قيل: إن الذي كان معه تين ونبيذ أو عنب، ولكن نحن لا يهمنا المهم أن معه طعامًا وشرابًا وبقي كل هذه المئة عام ولم يتغير.
﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ هل هي من السَّنَة؟ ولا من السَّنَن؟
بعضهم قال: إنه ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ أي لم يتسنن أي لم يتغير؛ لأن السنن التغيُّر كما قال الله تعالى: ﴿حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر ٢٦] أي متغير، ولكن أُبدلت النون ألفًا؛ لأن ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ لا شك أن فيها ألفًا محذوفة، وأصلها لم يتسنا فحُذفت الألف فأُبدلت النون ألفًا كما تُبدل الطاء مع تكرارها مع أختها ألفًا كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى﴾ [القيامة ٣٣] يعني يتمطَّط، هذا أصله، هذه تفسير أو تصريف يتسنه، كذا؟ وأيش قلنا؟
* الطالب: السنن.
* الشيخ: اللي قبله. ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾. قال: ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ نظر إلى حماره وجد أن الحمار عظام تلوح، ما فيه لا لحم ولا عصب، عظام متناثرة في الأرض، كذا، أليس في هذا أعظم عبرة أن الحمار مات وذهب لحمه وعصبه وجلده والطعام الذي كان بصدد أن يتغير في يوم وليلة لم يتغير؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: في هذا آية عظيمة لله عز وجل أنه قادر على أن يبقي ما يتغير فلا يتغير،كما في الطعام والشراب في مقابلته أن يكون هذا الذي في العادة أبقى من الطعام والشراب هو الذي تغير.
قال: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ الواو هذه حرف عطف كما قلنا آنفًا، والمعطوف عليه محذوف، تقدير: لتعلم قُدرتنا ولنجعلك آية للناس، نظر إلى الحمار.
يقول: ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩].
* الطلبة: ﴿نُنْشِزُهَا﴾.
* الشيخ: ﴿نُنْشِزُهَا﴾ نعم، في قراءة: ﴿نُنْشِرُهَا﴾ نعم، ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا﴾ أو ﴿نُنْشِزُهَا﴾. ننشزها يعني نركِّب بعضها على بعض من النَّشَز وهو الارتفاع في قوله تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء ١٢٨]. فـ﴿نُنْشِزُهَا﴾ يعني نعلي بعضها على بعض، فنظر إلى العظام يأتي العظم ويركب على العظم الثاني في مكانه حتى صار الحمار عظامًا، كل عظم منها راكب على الآخر في مكانه، ثم بعد ذلك كساه الله لحمًا، كسا الله هذه العظام لحمًا بعد أن أنشز بعضها ببعض في العصب كساها الله لحمًا، أما قراءة: ﴿نُنْشِرُهَا﴾ فقيل معناها: نحييها؛ لأن العظام قد يبست وصارت كالرميم ما فيها أي مادة للحياة، ثم أُحييت بحيث صارت قابلة؛ لأن يركب بعضها على بعض، وأما قول بعضهم إن في الآية تقديمًا وتأخيرًا؛ لأن الإحياء بعد كسو اللحم، نقول: لا، إن إحياء كل شيء بحسبه، فالله أحيا العظام حتى صارت أيش؟ قابلة لأن يركب بعضها ببعض فتتهيأ لحياة الحمار كله، ولم يقل الله: ننشر الحمار، حتى يقال: إن إنشار الحمار بعث.
قال: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ فشاهد ذلك بعينه، فاجتمع عنده الآن آيتان من آيات الله؛ إبقاء ما يتغير، وإحياء ما كان ميتًا قد تناثرت أجزاؤه ولم يبقَ إلا عظام هامدة ليس فيها حياة. يقول: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾.
* طالب: يا شيخ (...)
* الشيخ: شوف يا أخي قوة التوكل على الله وحسن الظن به جعلتهم يفعلون هذا، فهم أحسنوا الظن بالله قالوا: إن الذي نصر بني إسرائيل قادر على أن ينصر هذه الأمة بل هذه الأمة أولى بالنصر، فعندهم ثقة بالله وتعلم أن الله عز وجل قال في الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري برقم (٧٤٠٥) من حديث أبي هريرة واللفظ له ومسلم برقم (٢٦٧٥ / ٢) من حديث أبي هريرة.]].
* طالب: يقول: ما ننكر طيب على الصوفية يكون بينتظر بالنار؟
* الشيخ: لا لا، الصوفية بارك الله فيك، فقدوا شرطًا من دعواهم وهي نقول: كرامات أيش؟
* طالب: الأولياء.
* الشيخ: الأولياء، وهم ما هم بأولياء للرحمن، أولياء الرحمن اللي على سُنن الرسول عليه الصلاة والسلام.
* طالب: الناس اللي على سنة الرسول ﷺ.
* الشيخ: وقعت مثل هذه المسألة ربما يغامرون، ربما، لكن في ظني أن هذا الآن أمر غير ممكن؛ لأن الرسول يقول: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الِّذِينَ يَلُونَهُمْ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري برقم (٢٦٥٢) ومسلم برقم (٢٥٣٣ / ٢١٢) كلاهما من حديث عبد الله بن مسعود. ]] فهذه الخيرية ما تأتي لغيرهم، لا تأتي لغيرهم.
* طالب: مثال خاطب يعني القرآن بشرًا، وإذ قلنا يا نوح، وأيضًا: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ [ص ٣٥] تكلم مباشرة، فهل هنا اصطفاء؟
* الشيخ: الله عز وجل قال: ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ [البقرة ٢٥٣] من الرسل عمومًا، لكن الذين كُلموا بالرسالة تكليمًا، الظاهر إنه موسى عليه الصلاة والسلام حتى محمد عليه الصلاة والسلام ما كُلّم بالرسالة تكليمًا، جاءه الملك،
* طالب: أليس كُلّم في السماء؟
* الشيخ: إيه، لكن جاءه الملك، لكن ما فيه أحد كلم بالرسالة- فيما نعلم- إلا موسى.
* طالب: الرسول ﷺ عندما الله خاطبه في السماء بالصلاة صار (...) شي يعني؟
* الشيخ: إي نعم، لكن ما هو هذا ابتداء الوحي، كل الرسل مُكلَّمين، كلهم مكلمين، لكن ابتداء الوحي ابتداء الرسالة يعني، كُلّم بالرسالة ما نعلم أحدًا كلم بها إلا موسى. في التابعين أكثر منها في الصحابة، ويعلّل ذلك بأنه في الصحابة تأتي هذه الكرامات بصفتها آيات للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول تأتي على يده على يد النبي عليه الصلاة والسلام فتكون آية له، على أن كل كرامة لقوم فهي آية لنبيهم؛ لأن معناها أو المقصود منها أن ما كان عليه هذا الرجل فهو حق، فإذا كان متبعًا للرسول كانت تلك الكرامة شهادة لأن الرسول الذي كان هذا متبعه اتبعه على حق.
* طالب: شيخ يعني قد تأتي..
* الشيخ: ولهذا نقول: كل كرامة لولي فهي معجزة لذلك النبي الذي اتبعه، هذه قاعدة.
* طالب: كلام شيخ الإسلام هذا راجح ولا مردود عليه؟
* الشيخ: لا، ما فيه ها الكلام، صحيح اللي يتدبر هذا يجد أنها في غير الصحابة أكثر، وفي الصحابة أيضًا ما كثرت إلا بعد موت الرسول ﷺ. (...)
توجد، لكنها ما هي ظاهرة، توجد.
* طالب: بس كثرت الآن عند الإخوان ذكر هذه القصص؛ يعني أكثر بكثير عن التابعين وعن؟
* الشيخ: والله حد ما، هي كل خبر يحتاج إلى توثيق، والإنسان يقول كل واحد إنه يجيب إسناد، ما سمعت الرجل اللي جاء إلى مسجد الرصافة في بغداد وقام يحدث حديث إنه الإنسان إذا قرأ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ جعل الله له بكل حرف كذا وكذا لسانًا، بكل لسان كذا وكذا لغة، وملائكة كثيرة تسبح له بالليل والنهار، والسند يقول: حدثني أحمد بن حنبل ويحيى بن معين عن فلان عن فلان عن فلان، والناس أحمد بن حنبل ويحيى بن معين عندهم ثقات، لما انصرف الناس ناداه الإمام أحمد قال له: تعالَ، مين محدثك هذا؟ قال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. قال: أنا أحمد بن حنبل وهذا يحيى بن معين ما حدثناك به. قال: والله أنا حاسب لك عاقل يا أحمد، ما في الدنيا أحمد بن حنبل إلا أنت؟ لقد حدثت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل، حط بدارة على وجهه وقام يضحك عليه!
* طالب: من بعد ذلك.
* الشيخ:
؎إِنَّ مَـــــــــــنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ∗∗∗ ثُمَّ سَادَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ جَدُّهُ
معروف أن الأب فوق السائد هذا الابن، والجد فوق الأب.
* طالب: من قبل ومن بعد؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: ثم ساد من بعد ذلك.
* الشيخ: بعد ذلك يعني معناه؟ ترتيب ذكري أيضًا، أي من وراء ذلك.
* الطالب: من بعد؟ ما تمنع ترتيب الجد؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: ما تمنع ترتيب الجد؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: بعد؟
* الشيخ: لا أبدًا ما تمنع؛ لأن جده ما هو بسيد بعده، جده لا بد أن يكون ساده قبله.
* طالب: شيخ.
* الشيخ: نعم.
* طالب: ومنها (...) أبنائنا.
* الشيخ: لا هذه فيها تقديم وتأخير فقط.
* طالب: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾.
* الشيخ: قوله: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾؛ أي تبين لهذا الرجل الذي مر على القرية، واستبعد أن يحييها الله بعد موتها، أو استعجل أن الله، واستبطأ أن الله تعالى يحييها بعد موتها وحصل ما حصل من آيات الله عز وجل بالنسبة له ولحماره ولطعامه. ﴿تَبَيَّنَ لَهُ﴾ أي تبين له الأمر الذي تحقق به قدرة الله عز وجل. ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وفي قراءة: ﴿اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ، والفائدة من القراءتين كأنه أمر أن يعلم فعلم وأقر وقال: أعلم، يعني فيكون في القراءتين فائدة، أنه أُمر أن يعلم علمًا ينتفع به فقال: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. وقوله: ﴿أَعْلَمُ﴾ سبق لنا مرارًا وتكرارًا بأن العلم إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا، مطابقًا هو بمعنى على ما هو عليه، إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا، فعدم الإدراك؟
* الطلبة: جهل.
* الشيخ: جهل، وأيش نوع الجهل هذا؟
* الطلبة: بسيط.
* الشيخ: جهل بسيط، وإدراكه على غير ما هو عليه؟
* الطلبة: مركب.
* الشيخ: جهل مركب، وعدم الجزم: شك، أو ظن، أو وهم، عدم الجزم شك أو ظن أو وهم، فإن تساوى الأمران فشك، وإن ترجّح أحدهما فالراجح ظن والمرجوح وهم. ومقام الإنسان في هذا يجب فيه العلم؛ يعني يجب أن يَعلم أن الله على كل شيء قدير. وقوله: ﴿أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ شيء كل شيء، فالله قادر عليه، والقدرة صفة يتمكن بها من الفعل بلا عجز، دليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤] شوف لما نفى أن يُعجزه شيء قال: أيش؟ ﴿إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ فإذن لو قال قائل: عرِّف القدرة؟ أقول: صفة يتمكن بها من الفعل بلا عجز.
عرِّف القوة؟ صفة يتمكن بها من الفعل بلا ضعف؛ لأن الله جعل الضعف مقابل القوة فقال: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾ [الروم ٥٤] ولم يقل: من بعد ضعف قدرة، بل قال: ﴿قُوَّةً﴾، إذن ما الفرق بينهما؟ أيهما أكمل؟
* الطلبة: القدرة.
* الشيخ: القدرة أكمل؟
* الطلبة: إي نعم، أشمل.
* الشيخ: لا.
* الطلبة: القوة أكمل.
* الشيخ: القوة أكمل، كذا ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: فالقوة أكمل، ويتضح ذلك بالمثال: أمامي الآن حجر كبير فقلت: احْمِله، فحملته لكنك شلته وأنت تزحر، وأيش معنى تزحر؟ يعني يا الله يا الله، إح إح إح!! شيلوا معي، شيلوا معي، لكنك شلته، نهضته، هذا أيش؟
* الطلبة: ضعف، هذه قدرة.
* الشيخ: هذه قدرة لا قوة، قُدرة لا قوة صح؟ قدرة لأنك ما عجزت عنه حملته، لا قوة لأنك ضعفت يعني بعد التي واللُّتيا. رجل آخر قلت: احمل هذا الحجر، قال: هذا الحجر؟ قلت: نعم. قال: باسم الله، قلبه تقل ريشة، هذا أيش هذا؟
* الطلبة: القوة.
* الشيخ: قوة، إذن أيهما أكمل؟
* الطلبة: القوة.
* الشيخ: القوة أكمل، لكن القوة أشمل من جهة حيث إنها يُوصف بها ذو الإرادة وغير ذي الإرادة، يُوصف بها من له إرادة ومن لا إرادة له، فتقول: الرجل قوي والحديد قوي، صح؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: والقدرة لا يُوصف بها إلا ذو الإرادة، فتقول: الرجل قادر ولا تقول: الحديد قادر، عرفتم الفرق الآن؟
* طالب: هذا وجه آخر.
* الشيخ: هذا وجه آخر إي نعم. إذن ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي ذو قدرة وهي صفة يتمكن بها من الفعل بدون عجز. وهنا قال: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ كل شيء هذا شامل ولَّا لا؟
* الطلبة: شامل.
* الشيخ: هذا شامل عام، قال بعضهم: خص العقل ذاته فليس عليها بقادر، يعني معناه أن هذا العموم دخله التخصيص العقلي وهو ذات الله؛ يعني على كل شيء قدير إلا ذاته، فليس عليها بقادر، وزعم أن العقل هو الذي خصّص ذلك، قال ذلك صاحب تفسير الجلالين رحمه الله على قوله تعالى في سورة المائدة: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة ١٢٠] قال: خص العقل ذاته فليس عليها بقادر، وهذا القول خطأ خطأ عظيم، وإن كان مراد قائله صوابًا، لكنه خطأ من حيث التعبير؛ لأن نفي القدرة عن شيء مع ثبوت التعميم في قول الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة ٢٨٤] هذا خطأ واعتراض على الله عز وجل، والعقل لا يُخصص ما قاله، فإن أراد بقوله: خصص العقل ذاتها فليس عليها بقادر أنه لا يقدر أن يفعل كما قاله من قاله من الأشاعرة وغيرهم أن تعلق الأفعال الاختيارية بالله أمر مستحيل، يقول: الله عز وجل ما هو بيفعل باختياره؛ لأن الفعل الاختياري يقتضي الحدوث، والحادث لا يقوم إلا بحادث، على زعمهم، فإذا كان يريد ذلك أي أن الله لا يستطيع أن يفعل شيئًا في نفسه فهذا حق صح؟ فهذا غلط، هذا باطل؛ لأن قول: إن الله قادر على أن يفعل ما يشاء فعلًا اختياريًّا، يستوي على العرش، ينزل إلى السماء الدنيا، يكلم من شاء، يأتي يوم القيامة للفصل بين العباد، وما أشبه ذلك، وإن أراد بقوله: خص العقل ذاته فليس عليها بقادر، أنه لا يقدر أن يُفني نفسه، أو لا يقدر أن يخلق مثله، أو لا يقدر أن يُعدِم يده مع أنه ما يقر باليد، لكن نقول على سبيل التمثيل: إن أراد ذلك فمراده صواب ولفظه خطأ، مراده صواب لكن لفظه خطأ، معنى قولنا: مراده صواب: أن الله عز وجل لا يُفني نفسه، ولا يُتلف شيئًا من صفاته، ولكن لا نقول: إن هذا لأنه غير قادر عليه، بل نقول: لأن هذا شيء مستحيل، مستحيل أن الله يفنى، مستحيل أن الله تعالى يُتلف شيئًا من صفاته، هذا شيء مستحيل، والقدرة إنما تتعلق بالشيء الممكن، أما الشيء المستحيل، فهو على اسمه لا شيء؛ لأن لاحظوا أن الشيء المستحيل وصفه الحقيقي أنه لا شيء؛ لأنه مستحيل، وإذا كان مستحيلًا فتصوره مستحيل ووجوده مستحيل، فإذن هو لا شيء، ولذلك يخطئ خطأ فاحشًا فادحًا عظيمًا من يقول: إن الله قادر على أن يخلق مثله ولكن لم يُرد، أعوذ بالله، هذا لولا أن صاحبه جاهل لكان يكفر بهذا الشيء؛ لأن هذا أمر مستحيل، ولا يمكن أن يكون المخلوق كالخالق بأي حال من الأحوال، لو لم يكن من البينونة بينهما إلا أن هذا قديم يعني أزلي وهذا حادث، فلا يمكن أن توجد المماثلة إطلاقًا، لا نقول: هو قادر على خلق المثل لكنه ما يريد كما هو قادر على الظلم لكنه لا يريد؛ لأن قال الله: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ [غافر ٣١] وقال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١] لم يقل: لا يريد مثله شيئًا، قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾. وفرق بين التعبير والتعبير.
المهم أننا نقول: إن الله سبحانه تعالى إن القدرة لا تتعلق بمثل هذه الأمور المستحيلة؛ لأن المستحيل لا شيء، ليس بشيء حتى يفرض وجوده، وإذا فرضه الذهن فأين هو في الخارج؟ لا يوجد. يقال: إن الشيطان سلطان الشياطين كبيرهم قال له جنوده ذات يوم: لماذا تفرح بموت العالِم ولا تفرح بموت العابد والعابد قد يكون أكثر عبادة من العالم؟ قال: لأن العابد لا أثر له، عبادته خاصة به ما ينفع الناس، لكن العالِم ينفع، ينفع الناس ويدافع عن دين الله، وإذا شئتم ضربت لكم مثلًا، قالوا: طيب، قال: بأرسل للعابد نبدأ بالعابد أولًا، أرسل للعابد شيطانًا وقال له للعابد: هل يستطيع ربك أن يخلق مثله؟ قال: نعم، يستطيع إن الله على كل شيء قدير، وفرح العابد بهذا الجواب، فرجع الجندي إلى سيده قال: قال كذا وكذا. قال: كفر، كفر بذلك؛ لأنه الآن كذّب قول الله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ واعتقد أن الله عز وجل حادث يعني مخلوق؛ لأنه لا يماثل المخلوق إلا ما كان مخلوقًا.
قال: نرسله مرة ثانية، أرسل له مرة ثانية قال له: هل يستطيع الله أن يجعل السماوات والأرض في بيضة؟ بيضة دجاجة، السماوات والأرض كلها، العابد قال: وأيش هذا؟ أبدًا ما يستطيع، ما يستطيع أن يجعلها في بيضة. قال: هذه بعد بلية أخرى، فأرسل إلى العالم قال له: هل يستطيع أن الله يخلق مثله؟ قال: هذا شيء مستحيل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ قال: نجا، ولّا لا؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: قال: هل يستطيع أن الله يجعل السماوات والأرض في بيضة؟ قال: نعم، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، وطبعًا هو إذا أراد الله عز وجل شيئًا كبر البيضة هذه وصغر السماوات والأرض ودخلهم فيها، والله على كل شيء قدير.
المهم أننا نقول: إن هذا العموم لا يُستثنى منه شيء أبدًا، والعقل الذي زعم مَن زعم أنه يخصص هذا العموم، نقول: إن هذا أصلًا ليس بداخل فضلًا عن أن يُخرج بتخصيص. فإذا قال قائل: نسمع كثيرًا ما يقول الناس: إنه على ما يشاء قدير (...) يفيد الحصر، كأنه لا يقدر على الشيء إلا إذا شاء، وأما ما لا يشاؤه فليس قادرًا عليه، ولهذا قال بعض العلماء: إن هذا التعبير يوحي برأي القدرية، برأي القدرية، وأيش هذا رأي القدرية؟ تعرفون رأي القدرية؟ يقولون: أفعال العباد غير مقدورة لله، والإنسان يفعل الفعل مستقلًّا به، ما يقدر الله على أن يمنعه ولا أن يحُثه، إذا كان لا يقدر على فعل العبد لزم من ذلك أن لا يشاءه، لأنه إذا قلنا: إنه على ما يشاء فقط قدير ومشيئة الله لا تتعلق بفعل العبد إذن هو غير قادر عليه، فإن قلت: إنه قد ورد عن النبي عليه الصلاة السلام في قصة الرجل الذي قال الله له وهو من أهل الجنة قال الله له: «إِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ»[[أخرجه مسلم برقم (١٨٧ / ٣١٠) من حديث عبد الله بن مسعود.]] فالجواب: أن هذا الحديث إنما قاله الله عز وجل بعد أن فعل الفعل، فكأنه قال: هذا الفعل وقع بمشيئتي وأنا قادر عليه، وليس هذا كالوصف المطلق غير المقيد كما في قول كثير من الناس: إنه على ما يشاء قدير، ولهذا إذا أردت أن تختم الدعاء لا تقل إنه على ما يشاء قدير، قل: إنه على كل شيء قدير كما قال: ﴿النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التحريم ٨] ما قالوا: إنك على ما تشاء قدير، وليس لنا أن نخرج عن التعبير الذي اختاره الله لنفسه وصفًا ولا على التعبير الذي اختاره النبي ﷺ والذين معه وسيلة؛ لأن قولهم: ﴿إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ هذا توسل إلى الله عز وجل بقدرته أن يتم لهم النور يوم القيامة، واختاروا التوسل بالقدرة؛ لأن المنافقين ينطفئ نورهم يوم القيامة والكفار ليس لهم نور، فاختاروا وصف القدرة التي يحصل بها التغاير بين حال المؤمنين وحال الكفار.
* طالب: والجواب على الآية؟
* الشيخ: أي آية؟
* طالب: إنه على ما يشاء؟
* الشيخ: ما فيه آية بهذا اللفظ، هذا الحديث.
* طالب: نعم، تقريبًا موجود.
* الشيخ: لا، ما فيها. ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
قال الله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ إلى آخره.
في هذا بلاغة القرآن حيث ينوع الأدلة والبراهين على الأمور العظيمة؛ لأن كل الآن الآيات الثلاثة اللي قبلها واللي بعدها كلها في سياق قدرة الله عز وجل على الإحياء على إحياء الموتى؛ لأن إبراهيم في الآية الأولى وأيش قال؟
﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة ٢٥٨]، ففيه بلاغة القرآن حيث يكرر أيش؟ المعاني على ما يحتاج إلى التكرار فيه من الأمور الهامة.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: الإشارة إلى انه لا ينبغي أن يهتم الإنسان بأعيان أصحاب القصة؛ إذ لو كان هذا من الأمور المهمة لكان الله يبين ذلك، يقول: فلان، ويبين القرية.
ومنها أيضًا* من فوائد الآية: أن الاعتبار بالمعاني والمقاصد دون الأشخاص.
* ومن فوائدها أيضًا: إطلاق القرية على أيش؟
* الطلبة: على المساكن.
* الشيخ: على المساكن لقوله: ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ مع أن فيه احتمالًا أن يراد بها في هذه الآية المساكن والساكن؛ لأن كونها خاوية على عروشها يدل على أن أهلها أيضًا مفقودون وأنهم هالكون.
* ومن فوائد الآية الكريمة: قصور نظر الإنسان، وأنه ينظر إلى الأمور بمعيار المشاهَد المنظور لديه لقول هذا الرجل: ﴿قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ فكونك تجد أشياء متغيرة لا تستبعد أن الله عز وجل يزيل هذا التغيير، وكم من أشياء قدَّر الناس فيها أنها لن تزول ثم تزول، كم أناس أملوا دوام الغنى ودوام الأمن ودوام السرور، ثم أعقبه ضد ذلك، وكم من أناس كانوا على شدة من العيش والخوف والهموم والغموم، ثم أبدلهم الله تعالى بشيء آخر جديد.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ما يحكم عليه بشيء دائمًا الإنسان يستبعد على الشيء ما هو بيستبعد معناه إنه يرى أن الله لا يقدر، لكن يستبعد حسب نظره أن تعود هذه القرية إلى ما كانت عليه من قبل.
* طالب: ما يصح الإنسان يقول هذا القول؟
* الشيخ: إي نعم، يقول: بعيد إن الله سبحانه وتعالى يكون كذا، الرسول قال: «فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ»[[ أخرجه مسلم برقم (١٠١٥ / ٦٥) من حديث أبي هريرة.]] استبعد أن يستجيب الله لهذا الرجل الذي وصفه.
نعم اقرأ الآية: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى ٢٩].
﴿إِذَا يَشَاءُ﴾ متعلقة بجمع؛ يعني وهو على جمعهم إذا شاء، فهو نظير الحديث الذي أشرنا إليه؛ يعني عُلِّقت القدرة بشيء معين، فيقال مثلًا: إن الله إذا شاءه صار وحصل بخلاف ما إذا جاءت القدرة وصفًا لله عز وجل مطلقًا فلا تقدر بمشيئة، فإذا عُلِّقت القدرة بفعل معين فلا مانع من أن نقول: نعم، إن الله شاء هذا الشيء قدر عليه، والمعنى أنه لا يعجز عنه، وإنما الذي يمنع من وجوده هو عدم المشيئة، فإذا وجدت المشيئة فالقدرة حاصلة، إي نعم.
* طالب: وأيش الفرق؟
* الشيخ: وأيش ما الفرق؟ يقول: ما الفرق بين قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١] ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ [غافر ٣١]؟
* طالب: (...) مستحيلة.
* الشيخ: مستحيلة.
* الطالب: الظلم غير مستحيل من الله؟
* الشيخ: إيه غير مستحيل.
* الطالب: قلنا: يعني أين نذهب بها يقول: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾؟
* الشيخ: يريد الظلم، ما يريده، لكن لو شاءه لفعل.
* الطالب: لكن قد نفاه عن نفسه.
* الشيخ: نعم، نفى إرادته.
* طالب: لكن فيه دليل يا شيخ «إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي»[[أخرجه مسلم برقم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذرّ.]]؟
* الشيخ: أحسنت حرمت الظلم تحريم الظلم على نفسه يقتضى أنه قادر عليه ولا غير قادر؟
* الطالب: يقتضي أنه قادر لكن (...).
* الشيخ: خلاص، هو الآن لا يمكن أن يقع الظلم لا لأنه ممتنع، ولكن لأن الله لا يريده لكمال عدله.
* الطالب: لكن ما يدخل في المستحيل يا شيخ؟
* الشيخ: مستحيل بخبر الله لا مستحيل لذاته، مستحيل لخبر الله أنه لا يريده ولكمال عدل الله، لكن ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١] هذا مستحيل مطلقًا لا يمكن.
* طالب: مثلًا كفر أبو جهل لو كان أراد الله كان هداه؟
* الشيخ: إي نعم، لو أراد الله لهداه، الحديث لما كان هذا الرجل الذي خاطبه الله تعالى بعد إدخاله الجنة استبعد هذا الشيء أن يكون، قال الله إني على ما أشاء قادر؛ يعني فأنا ما دمت شئته فأنا قادر عليه.
* طالب: لكن لماذا لا تُؤول العبارة عبارة عامة إنه على ما يشاء قدير على هذا؟
* الشيخ: لا، ما هو هكذا، لو أن رجلًا حكى لنا قصة وقال: إن الله فعل كذا وكذا، فقلنا: كيف هذا؟ قال: نعم، إن الله قادر على ما يشاء، قلنا: هذا تعبير سليم، لكن يأتي بها وصفًا عامًّا لله ثم يقول: على ما يشاء قدير، لا يصح هذا.
* طالب: يعني نقيدها في مقام..؟
* الشيخ: في شيء معين، إذا أردنا أن نصف الله بها على سبيل الإطلاق ما نقيدها بالمشيئة، وإذا أضفناها إلى شيء معين واقع بمشيئته نقول: ما شاء الله لا يمكن أن يعجز عنه.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، بس هم عندهم أن العقل دل على الإرادة بالتخصيص، والعقل دل على الخلق بالإيجاد، أو القدرة.
* طالب: يستقيم الكلام هذا؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ثم الإرادة تخصص؟
* الشيخ: لا، ما هو قصدهم يعني إنها تفعل هي بدون الله؛ لأن صفات الله ما هي بتفعل، الله هو اللي يفعل بهذه الصفات، نعم، سياق الآية يُرجّح أنه استبعد هذا.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: والله ما هو بالظاهر، الظاهر أن الرجل استبعد لكن من غير أن يشك، لكن استبعد، والإنسان قد يستبعد الشيء ثم يقع الشيء فيعلم الإنسان أن الله قادر على كل شيء.
إذا قلت: جاء زيد ثم عمرو، هذا الترتيب واقعي، جاء أولًا زيد ثم عمرو فهمت؟ لكن
؎إِنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ∗∗∗ ........................
أبوه ما
* الطالب: ذكري.
* الشيخ: ذكري؛ لأن أبوه ما يسود بعده.
* الطالب: أقصد في الآية يعني، في الآية.
* الشيخ: الآية هذه ﴿كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾، ﴿كَيْفَ نُنْشِرُهَا﴾ ، إذا قلنا ﴿كَيْفَ نُنْشِرُهَا﴾ كيف نحييها فالإحياء يكون بعد كسو العظام، ففي الآية ترتيب في الآية: ذكري؛ لأن الكسوة قبل الإحياء، وذكرت هنا بعد وإلا قبل في الآية؟
* طالب: بعد.
* الشيخ: نعم، الكسوة الآن ذُكرت قبل النشر ولا عقب؟
* الطالب: بعد؟
* الشيخ: وهل هي بعده أو قبله إذا كانت ﴿نُنْشِرُهَا﴾ أي نحييها؟
* الطالب: لا هي قبله، هي قبل الإحياء إذا كانت ﴿نُنْشِرُهَا﴾ .
* الشيخ: قبل الإحياء، وذُكرت بعده من بعد الترتيب الذِّكري، أما ﴿نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا﴾ فالترتيب؟
* طالب: طبيعي.
* الشيخ: واقعي، أنا ذكرت في أثناء الدرس أنه قد يقول قائل: ﴿نُنْشِرُهَا﴾ أي ننشر العظام؛ أي نحيي العظام؛ لأن العظام كانت في الأول ميتة ما فيها حياة إطلاقًا، فإذا نُشرت يعني أُحييت بعد أن يُنشز بعضها على بعض وتشبك دخلتها الحياة، وعلى هذا فيكون الترتيب؟
* طالب: واقعي.
* الشيخ: واقعيًّا.
قال الله عز وجل: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة ٢٥٩]. إلى آخره.
فيه بيان قصر نظر الإنسان حيث يرى أو ينظر إلى المشاهَد المنظور لقوله: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان قدرة الله عز وجل بتحديد مدة الموت لقوله: ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: إثبات الكلام لله عز وجل والقول، وأنه بحرف وصوت لقوله: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتَ﴾، وسبق لنا أن الأوْلى الأخذ بظاهر القرآن، وأن القائل هو الله عز وجل.
وفيه رد على الأشاعرة الذين قالوا: إن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه، وأن هذه الأصوات التي تُسمع التي سمعها موسى ومحمد عليه الصلاة والسلام وغيرهما ممن كلمه الله هي أشياء أصوات خلقها الله عز وجل لتعبر عما في نفسه، وأن هذا القول معناه إنكار القول في الواقع، إنكار القول من الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان حكمة الله عز وجل حيث أمات هذا الرجل، ثم بعثه ليتبين له تمام قدرة الله.
* ومن فوائدها أيضًا: جواز إخبار الإنسان بما يغلب على ظنه، وأنه إذا خالف الواقع لا يعد مخطئًا، منين نأخذها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم: ﴿لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ مع أن الواقع كما قال الله عز وجل لبث مئة عام.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الله سبحانه وتعالى قد يمن على عبده بأن يُريه من آياته ما يزداد به يقينه لقوله: ﴿انْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّه﴾ إلى آخره.
* ومن فوائدها: أن قدرة الله عز وجل فوق ما هو معتاد من طبيعة الأمور، حيث بقي هذا الطعام والشراب كم؟ مئة سنة لم يتغير.
وفيه رد على أهل الطبيعة الذين يقولون: إن السنن الكونية لا تتغير، من أين يؤخذ؟ من كون هذا الطعام والشراب لم يتغير لمدة مئة سنة والرياح تمر به والشمس والحر ومع ذلك فلم يتغير كل هذه المدة، فدل هذا على إبطال قول علماء الطبيعة الذين يقولون: إن السنن الطبيعية لا تتغير.
* ومن فوائدها أيضًا: جواز الانتفاع بالحُمُر لقوله: ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾.
* ومنها: ثبوت الملكية فيها؛ لأن الله أضاف الحمار إليه فقال: ﴿حِمَارِكَ﴾، فإن قلت: كيف تجمع بين هذا وبين قول النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ»[[أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (٤٩٣٨) من حديث ابن عباس.]]؟ وإثبات الملكية يقتضي حِلّ الثمن؟
* طالب: قبل التحريم (...) الحمر الأهلية.
* الشيخ: إذن معناه ما يجوز أن نبيع الحمر الأهلية؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ما يجوز؟ ما يجوز نبيع حمر الأهلية؟
* طالب: نعم؛ لِأَنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ.
* الشيخ: نقول: إذا بيعت للأكل فهي حرام؛ لأنه هو المحرم، أما إذا بيعت للانتفاع فهذا حلال؛ لأن الانتفاع بها حلال واضح؟
إذن هذا لا يُعارض الحديث «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ»، فإذا اشتُري الحمار للأكل فالثمن حرام، وإذا اشتُري للمنفعة فالمنفعة حلال وثمنها حلال.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قد يكون عِبرة لغيره، يعني قد يجعل الله في الإنسان شيئًا يحدث له يكون عبرة لغيره لقوله: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾، ومثل ذلك قوله تعالى في عيسى ابن مريم: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء ٩١].
* ومن فوائدها أيضًا: أنه ينبغي التفكر فيما خلقه الله عز وجل وأحدثه من الكون؛ لأن ذلك يزيد الإيمان، حيث إن هذا الشيء آية من آيات الله، والآية بمعنى العلامة، فإذن ينبغي لنا أن نتدبر في هذا الكون ونتأمل فيه لما فيه من آيات الله التي تزيدنا إيمانًا ويقينًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أنه ينبغي النظر إلى الآيات على وجه التفصيل الإجمال والتفصيل، قال في الأول: ﴿انْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ مطلقة، ثم قال في الثاني: ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ فيقتضي أن نتأمل أولًا في الكون من حيث العموم، ثم من حيث التفصيل فإن ذلك أيضًا يزيدنا في الإيمان.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن الله عز وجل جعل اللحم على الحيوان كالكسوة، بل كسوة في الواقع لقوله: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾، ولهذا تجد اللحم يقي العظام الكسر والضرر؛ لأن الضرر في العظام أشد من الضرر في اللحم، الآن لو ضربك شيء مع الفخذ وأثَّر فيه تجده يبرأ سريعًا ويزول الألم منه سريعًا، لكن لو ضربك على الركبة أو على الساق؟ يتأخر، يتأخر طويلًا يمكن يبقى أشهرًا وربما أعوامًا وأنت كلما لمسته تألَّمت منه؛ لأن اللحم كسوة للعظام، قال الله تعالى: ﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾ [المؤمنون ١٤]، وهنا قال: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان بالتدبر والتأمل والنظر يتبين له من آيات الله ما لم يتبين له لو غفل لقوله: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: بيان عموم قدرة الله سبحانه وتعالى لقوله: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. كل شيء.
* ومن فوائد الآية: الرد على القدرية، في أي كلمة؟
* طالب: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
* الشيخ: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ كيف ذلك؟ لأن من الأشياء فِعل العبد، والله تعالى قادر على أفعال العبد، وعند القدرية والمعتزلة أن الله تعالى ليس بقادر على أفعال العبد؛ لأن العبد عندهم مُستقل خالق لفعله، والله تعالى لم يخلق أفعاله.
* ومن فوائد الآية أيضًا: الرد على منكري الأفعال أو على منكري قيام الأفعال الاختيارية بالله عز وجل، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾، ﴿أَعْلَمُ﴾.
* الشيخ: لا، ترى ربما نأتي بفائدة بعد انتهاء الآية وتكون محل الفائدة من وسط الآية ما هو لازم بالترتيب.
* طالب: أماته الله ثم بعثه.
* الشيخ: أماته الله ثم بعده، فإن هذا من الأفعال الاختيارية، والله سبحانه وتعالى موصوف بذلك يفعل ما يشاء كل وقت، متى شاء فعل ومتى شاء لم يفعل، متى شاء خلق ومتى شاء أمات، متى شاء أذلّ، ومتى شاء أعز، هذه الأفعال عند الأشاعرة ومن نحا نحوهم يقولون: إن الله سبحانه وتعالى يمتنع عليه ذلك، لا تقوم الأفعال بالله عز وجل، لماذا؟ قالوا: لأن من قامت به الحوادث فهو حادث. ولكن هذا ليس بصواب، بل نقول: من قامت به الحوادث ووقعت منه الأفعال فهو أكمل ممن لا أيش؟ ممن لا يفعل ولا تقوم به الحوادث، ما يقدر أن يُحدث شيئًا، فأنتم إذا قلتم: إن الله لا يفعل شيئًا من الأفعال التي تقع بمشيئته فمعنى ذلك أنكم وصفتم الله بالنقص، فإن مَن يفعل بإرادته أكمل ممن يفعل بلا إرادة أو ممن لا يفعل بلا شك، والله سبحانه وتعالى ثابت له جميع الكمال.
وقولكم: إن الحوادث لا تقوم إلا بحادث، من أين لكم هذه القاعدة؟! هذه قاعدة باطلة، ولا يلزم من حدوث الفعل أن يكون الفاعل حادثًا عند حدوث الفعل، فها نحن مثلًا نفعل الآن فعلًا وقد خُلقنا قبل أن نفعل ولَّا لا؟
مثلًا الواحد منا لنفرض أن رجلًا منا له عشرون سنة فعل اليوم فِعلًا، هل فعله هذا الفعل اليوم يقتضي أنه لم يُخلق إلا اليوم؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: أبدًا، إذن إذا قام الفعل الحادث بالله عز وجل لا يستلزم أن الله تعالى كان معدومًا، ثم وُجد أبدًا، فالحوادث، هذه القاعدة التي أصَّلوها قاعدة باطلة ما أنزل الله بها من سلطان.
* ومن فوائد الآية: أن كلام الله عز وجل بحروف.
* الطلبة: قال، سمع.
* الشيخ: لا، هذه بأصوات وقلناها من قبل.
* طالب: مقول القول.
* الشيخ: بحروف؛ لأن مقول القول حروف قال شوف ﴿كَمْ لَبِثْتَ﴾ ﴿قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ﴾ إلى آخره، كل هذه حروف، وقد أضافها الله لنفسه بلفظ القول، فيكون قول الله عز وجل حروفًا، ولكن هل هذه الحروف تتغير أو لا تتغير؟ الجواب: تتغير لأن كلام الله عز وجل بالقرآن باللسان العربي، وحين يخاطب موسى مثلًا يخاطبه بلسانه، باللسان العبري؛ لأن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير.
الصوت المسموع من كلام الله عز وجل، هل هو كأصوات المخلوقين؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، الحروف هي الحروف التي يُعبِّر بها الناس، لكن الصوت لا؛ لأن الصوت صفة الرب عز وجل، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى ١١].
* طالب: شيخ الجلد (...) مكسو على اللحم؟
* الشيخ: وأيش تقولون، هل الجلد من اللحم؟
* الطلبة: نعم.
أعتقد لو قلت له: روح اشتري لي لحم وجاب لي جلد أقبل منه ولّا لا؟
* الطلبة: ما تقبل.
* الشيخ: ما أقبل.
* طالب: يأكلونه هو؟
* الشيخ: هذا عند الجوع يأكلون حتى الخفاف، كل شيء يأكلونه عند الجوع، المهم الجلد ليس من اللحم، لكن الجلد في الواقع لا يقي العظم كما يقيه اللحم، ولذلك إذا هُزل الحيوان ولم يبقَ عليه إلا جلده على لحمه كما يقول العامة، جلد على عظم، تجد أن عند الحيوان من الضعف وعدم المقاومة والتألم بأدنى سبب ما هو ظاهر، فالكسوة الحقيقية إنما هي في اللحم.
* طالب: فيه فوائد.
* الشيخ: ما هي؟
* الطالب: ما فيه سؤال.
* الشيخ: لا تكملة للفوائد ما فيه مانع.
* طالب: إذا الإنسان تبين له من آيات الله عليه أن يقر بذلك ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
* الشيخ: كذا؟ نأخذ الفائدة هذه؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أو يلزم هذا هو الصواب، أنه يلزم من النظر في الآيات يلزم منها العلم واليقين.
* طالب: الثناء (...) مثنيًا عليه.
* الشيخ: يحتمل هذا و يحتمل أن الله أقام عليه الحجة، ولهذا في القراءة الأخرى قال: ﴿اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ إنما يُؤخذ منها ما سبق أن أشرنا إليه وهي بيان نعمة الله على هذا الرجل، حيث لم يدعه يهيم في ضلاله وتشكُّكه أو ما أشبه ذلك.
* طالب: شيخ، يؤخذ منه أن الإنسان لا يعمم؛ لقوله ﴿لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾؟
* الشيخ: وأيش تقولون؟
* الطلبة: هذا غالب ظن.
* الشيخ: يقولون: القرينة أنه أماته الله في أول النهار وأحياه في آخر النهار، أو يؤخذ القرينة لما رأى القرية خاوية على عروشها قال: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ هذا يمكن.
* طالب: شيخ، قول الله عز وجل: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ يعني فيه فائدة أن الطعام والشراب صالح للاستعمال ما لم يتسنه، فائدة قوله ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ أن هذا الطعام باقي على ما هو عليه صالح للأكل والشرب، لم يتسنه يشعر بأنه لم يتسنه لم يحدث فيه التغيير.
* الشيخ: أما لو قال فكلوا واشربوا قلنا كذلك.
* طالب: قال انظر إليه كان..
* الشيخ: إيه، لكن ما يلزمه أنه يأكله ويشربه، أما لو قال: فكله واشربه، قلنا: الفاء مفرعة على ما قبلها ومعنى ذلك أنه لو تغير فلا يُؤكل ولا يُشرب؛ لأنه المقصود النظر إلى هذا الأمر العجيب، وهو أن عدم تغيره يخالف للسنن الكونية، وهذا الحمار الذي هو أصبر على التقلبات الجوية من الطعام والشراب هو الذي مات وصارت عظامه إلى ما شاهد.
* طالب: قوة الله عز وجل بأن أبقى الطعام على ما هو عليه يعني يدل على أنه تغير لم يشعر به (...)؟
* الشيخ: أيه هذه ذكرناها القدرة ذكرناها من قبل.
* طالب: أقول يعني في قوله تعالى: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أنه يستفاد منه الفرق بين الإنسان والحيوان، حيث إن الحيوان لو رأى أشياء كثيرة لم يعني يدرك ولو علمها يعني ولو رآها بعينه.
* الشيخ: أنا ما أدري، الظاهر أن هذا فائدة تمشي على رأسك بعد النهار.
* طالب: الرد على الجبرية (...).
* الشيخ: والله ما أدري، يمكن؟ الرد على الجبرية.
* طالب: نعم يا شيخ.
* الشيخ: بس الظاهر الجبرية ما يمنعوا من أن الإنسان يصل إلى العلم، لكن على قراءة: ﴿اعْلَمْ﴾ هو اللي يمكن أن يُرد به على الجبرية، لأنه لو كان الإنسان مجبورًا لكان توجه الخطاب إليه بالأمر والتكليف لغوًا وعبثًا.
{"ayah":"أَوۡ كَٱلَّذِی مَرَّ عَلَىٰ قَرۡیَةࣲ وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ یُحۡیِۦ هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِا۟ئَةَ عَامࣲ ثُمَّ بَعَثَهُۥۖ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ یَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ یَوۡمࣲۖ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِا۟ئَةَ عَامࣲ فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ یَتَسَنَّهۡۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِۖ وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَیۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمࣰاۚ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق