الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ [البقرة ٢٥٨]، ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ الهمزة للاستفهام، والمراد به هنا التقرير والتعجيب، التقرير يعني تقرير هذا الأمر وأنه حاصل، والتعجيب يعني معناه دعوة المخاطب إلى التعجب من هذا الأمر العجيب الغريب الذي يُحاجّ في وجود الله عز وجل.
و﴿تَرَ﴾ بمعنى تنظر، بقلبك ولَّا بعينك؟
* طالب: بعينك.
* طالب آخر: بقلبك.
* الشيخ: بقلبك يا أخي، بقلبك؛ لأنه ما أدرك زمَنه حتى يراه بعينه، بقلبك، وحُذفت الألف من ﴿تَرَ﴾ للجزم، لدخول (لم) وهي جازمة.
والخطاب في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ إما للنبي ﷺ، وإما لكل من يتأتى خطابه ممن نزل عليهم القرآن، وهذا أعم، وقد ذكرنا قبل ذلك أن ما جاء بلفظ الخطاب في القرآن الكريم فله ثلاث حالات: إما أن يدل الدليل على أنه للرسول عليه الصلاة والسلام وللأمة، أو يدل الدليل على أنه خاص بالرسول ﷺ، أو لا يكون هذا ولا هذا، والحكم فيه أنه عام، عام للرسول عليه الصلاة والسلام ولغيره، ولكن هل هذا الخطاب المعيَّن تراد به الأمة وخوطب إمامها لأنهم تبعه، أو يراد به النبي عليه الصلاة والسلام ومن غيره يفعله على سبيل الأسوة؟
قولان لأهل العلم ومؤداهما واحد، فمن أمثلة ما دل الدليل على أنه خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام مثل قوله: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ [الشرح ١، ٢] هذا لا شك أنه خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن الأشياء الدالة على أنه للرسول ولغيره: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق ١] فوجَّه الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام ثم قال: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ وهو عام، دلّ هذا على أن المراد به العموم.
ومما يحتمل مثل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر ٦٥]
فهذا يحتمل أنه للرسول عليه الصلاة والسلام وحده، ولكن أمته تبع له، وهو ظاهر اللفظ، وإن كان هذا الشرك لن يقع منه؛ لأن (إنْ) ما تدل على وقوع الشيء، تدل على احتمال فرضه، إن احتُمل أن يفرض هذا الشيء أو لا.
هنا ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ يحتمل الأمرين ولّا لا؟
* طالب: يحتمل.
* الشيخ: يحتمل الأمرين، يعني ألم تنظر يا محمد، أو ألم تنظر أيها المخاطب؟ ﴿إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ﴾ (إبراهيم) ذُكرت مرتين.
* طالب: ثلاثة.
* طالب آخر: في هذه الآية أربع مرات.
* الشيخ: ثلاث مرات، وفيها قراءتان: ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، و﴿إِبْرَاهَامَ﴾ قراءة سبعية؛ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهَامَ فِي رَبِّهِ﴾ ، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ كلاهما صحيح.
* طالب: في الثلاثة؟
* الشيخ: نعم، ثلاثة مواضع، في الثلاثة، ﴿حَاجَّ﴾ حاجّ هذه صيغة مُفاعَلَة، (فَاعَلَ)، وصيغة المفاعَلَة في الغالب لا تكون إلا بين اثنين؛ كقاتَل وناظَر وحاجّ ودافع وما أشبه ذلك، و(حاجّ) هنا صيغة مفاعلة، والمفاعلة تأتي من اثنين، وأمثلتها في اللغة العربية كثيرة، وتأتي من اثنين غالبًا، أقول: غالبًا؛ لئلا توردوا عليَّ مثل قولكم: سافر، فإنها من واحد ولَّا من اثنين؟
* الطلبة: من واحد.
* الشيخ: من واحد. إذن (حاجّ) معناه الحجة من اثنين، ومعنى حاجَّه أي: ناظره وأدلى كل واحد بحجته، والحجة هي الدليل والبرهان، فهذا رجل ملك آتاه الله الملك، مُلكًا دام مدة طويلة، وملَك أراضي واسعة، ولا يعنينا أن نعرف اسمه أهو نمروذ بن كنعان أو غيره، ما يهمنا، المهم هو القصة، فهذا رجل ملك آتاه الله الملك مُلكًا تامًّا لا ينازعه أحد، ودامت مدة ملكه، وكما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ [يونس ٢٤]
هذا الرجل لما آتاه الله الملك ودامت مدته استطال -والعياذ بالله- واستكبر وعلا وأنكر وجود العلي الأعلى، وقال: ما فيه رب؛ لأنه أوتي مُلكًا لا منازع فيه ودام مدة طويلة، فأنكر الله عز وجل كما أنكره مِن بعده فرعون قال: ما فيه رب. وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدعوه إلى الإيمان بالله عز وجل، فقال: أبدًا ما فيه رب، أين الدليل على ربك؟
﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ وهذه لا شك -كما نعلم من سياق اللفظ- أنها جواب لسؤال، كأنه قال: ما ربك؟ أو من هو؟ أو ما شأنه؟ أو ما فِعله؟ فقال: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ كما قال فرعون لموسى: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الشعراء ٢٣، ٢٤].
﴿حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ أي: في ألوهيته ووجوده، فإبراهيم يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا ينكر الله رأسًا.
إذن ﴿فِي رَبِّهِ﴾ أي: في وجوده، ويش بعد؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: وألوهيته؛ لأن إبراهيم مدعو إلى الأمرين.
وقوله: ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾ (أن) هذه مصدرية دخلت على الفعل المضارع، وإذا دخلت على الفعل المضارع لا تنصبه، لا تعمل فيه، لكنها لا تمنع أن يسبك بمصدر، وهي على تقدير اللام؛ أي: لِأَنْ آتاه الله الملك، أي: لإتيان الله الملك إياه، فهي إذن منصوبة بنزع الخافض، ونزع الخافض هنا مطرد ولَّا سماعي؟
* طالب: مطرد.
* الشيخ: من أين يؤخذ من كلام ابن مالك؟ قوله؟
* الطالب: قوله:
؎نَقْلًا وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ ∗∗∗ ...........................
* الشيخ: نعم
؎... وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ ∗∗∗ مَعْ أَمْن لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا
إذن ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾ هذه منصوبة بنزع الخافض وهي لام التعليل، الخافض لام التعليل؛ أي: لِأَنْ آتاه الله الملك، يعني كان يحاج الله في إبراهيم لطغيانه بأن آتاه الله تعالى الملك، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق ٦، ٧]، إذا رأى الإنسان نفسه استغنى فقد يطغى ويزيد عتوه -والعياذ بالله- وعناده، ولهذا أحيانًا تكون الأمراض نِعمة من الله على العبد، والفقر يكون نعمة، والمصائب تكون نعمة؛ لأن الإنسان إذا دام في نعمة وفي رغد وفي عيش فإنه ربما يطغى وينسى الله عز وجل.
هذا الذي آتاه الله الملك انظر ماذا أثمرت هذه النعمة عليه؟ أنكر الله عز وجل قال: ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾ (أل) هنا الظاهر أنها لاستغراق الكمال وليست لاستغراق الشمول؛ لأن الله لم يُعطه ملك السماوات والأرض، بل ولا ملك جميع الأرض، وبهذا نعرف أن ما ذُكر عن بعض التابعين من أنه مَلَكَ الأرض أربعة: اثنان مؤمنان، واثنان كافران، أن في هذا نظرًا، ولم يُمَلِّك الله جميع الأرض لأيِّ واحد من البشر، ولكن يملِّك بعضًا لبعض، والله عز وجل يقول: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ [البقرة ٢٥١]، أما أن يملك واحد من البشر جميع الأرض، فهذا مستحيل في سُنة الله عز وجل فيما نعلم.
قال: ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾ لكن (أل) هنا لاستغراق أيش؟
* الطلبة: الكمال.
* الشيخ: الكمال لا الشمول، يعني ملكا تامًّا لا ينازعه أحد في مملكته.
﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾، ويش إعراب ﴿رَبِّيَ﴾؟
* طالب: خبر.
* الشيخ: لا، مبتدأ، و﴿الَّذِي﴾؟
* طالب: و﴿الَّذِي﴾ خبره.
* الشيخ: خبره، ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ يعني: هو الذي يحيي ويميت.
وقوله: ﴿رَبِّيَ﴾ تقدم لنا كثيرًا معنى الرب وأنه الخالق المالك المتصرف، هذا الرب، وهذه الأوصاف لا تثبت على الكمال والشمول إلا لله عز وجل.
وقوله: ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ يعني يخلق ويُوجِد ويُفنِي ويُعدِم، فبينما نرى الإنسان ليس شيئًا مذكورًا إذا به يكون شيئًا مذكورًا؛ ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان ١]، إذن الإنسان قبل وجوده ليس شيئًا مذكورًا، ثم يُوجد، ثم يبقى ما شاء الله أن يبقى في الأرض، ثم يُعدَم ويَفنى.
؎كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إِلَى الصَّفَا ∗∗∗ أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ
يعني كأنه لم يجد
؎بَيْنَا يُرَى الْإِنْسَانُ فِيهَا مُخْبِرًا ∗∗∗ حَتَّى يُرَى خَبَرًا مِنَ الْأَخْبَارِ
فمن الذي يستطيع أن يوجِد هذه الموجودات ثم يُعدمها؟
* الطلبة: الله عز وجل.
* الشيخ: الله عز وجل، ولا أحد يستطيع أن يحيي، حتى أبوك الذي خُلقت من مائه لا يستطيع أن يوجدك، ولا أمك التي تغذَّيت بدمها ولبنها أيضًا لا يمكن أن توجدك، بل الذي يحيي ويميت هو الله عز وجل.
قال إبراهيم هذا الكلام كأنه يقول له: هو الذي يُوجِد ويُعدِم، ثم أتى بمثال وهو الإحياء والإماتة التي لا يقدر عليها أحد، لكن هذا المعاند المكابر قال: ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾، كيف؟
قالها إما تلبيسًا وإما مُكابرة، إما تلبيسًا كما قاله أكثر المفسرين وقالوا: إنه أَتى باثنين فقتل أحدهما وأبقى الآخر فقال: أمتُّ الأول وأحييت الثاني. هذا هو المشهور عند كثير من المفسرين، وعلى هذا فيكون قوله: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ أيش؟ تلبيسًا، والحقيقة أنه ما أحيا ولا أمات هنا؛ لأن الحياة فيمن استبقاه سابقة موجودة، والموت لمن قتله ليس منه، بل هو فعل سببًا يكون به الموت، أما الموت فمِن الله عز وجل، لكن قال ذلك تلبيسًا، هذا هو المشهور عند كثير من المفسرين.
وقال بعضهم: بل قال ذلك مكابرة، يعني هو يعلم أنه لا يحيي ولا يميت، لكن قال ذلك مكابرة، يعني قال: إذا كان إلهك يقدر على ذلك فأنا أقدر، ولم يأتِ بمثال؛ يعني ما جاب اثنين وقتل واحدًا وأبقى الثاني، لكن قاله من باب المكابرة.
ينبني على هذين القولين الانتقال الثاني: ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾ وفيها قراءة:
* الطلبة: ﴿إِبْرَاهَامُ﴾ .
* الشيخ: ﴿إِبْرَاهَامُ﴾ ، ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ﴾ شوف الفاء هذه تدل على أن ما بعدها مبني على ما قبلها ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾.
إذا قلنا: إنه قال الأول تلبيسًا وإنه أتى باثنين مستحقين للقتل قتل أحدهما وأبقى الآخر، فإن قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ﴾ انتقال من الدليل الذي يمكن أن يُلبّس فيه إلى دليل أوضح؛ وهو أن الله يأتي بالشمس من المشرق، وهذه قدرة عظيمة، فإذا كنتَ صادقًا أنك رب فأتِ بها من المغرب، ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾، وعلى هذا فيكون من باب الانتقال من دليل خفي إلى دليل أوضح، ولكن إذا تأملت قد تجد في هذا نظرًا، نظرًا من وجهين:
الوجه الأول: أن الدليل الأول واضح، أن الله يحيي ويميت، وأن غيره لا يحيي ولا يميت، واضح. والتلبيس بسيط.
الوجه الثاني: أن الانتقال من الحُجة إلى حُجة أخرى قبل استكمال المناظرة تعتبر عجزًا، إذ بإمكان إبراهيم أن يقول: إن فعلك هذا ليس إحياءً ولا إماتة، فكيف انتقل عن الدليل قبل استكماله؟
يقولون: لعله انتقل عن الدليل قبل استكماله لوضوح الثاني الذي لا منازعة فيه بخلاف الأول، وأنه لا بأس أن ينتقل الإنسان عن الدليل الذي يمكن فيه المجادلة إلى دليل لا تمكن فيه المجادلة قطعًا لأيش؟ قطعًا للنزاع. أما على القول بأنه مكابرة فقالوا: إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما كابر ذلك الرجل وادعى أنه يحيي ويميت فهذه دعوى أنه يملك كل شيء، ويقدر على كل شيء فكأنه ألزمه بما أقر به وادعاه، ألزمه بأيش؟ بما أقر به وادعاه؛ لأن قوله: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ يتضمن أنه رب، فقال: نعم أنت الآن تحيي وتميت، لكن إذا كنت تحيي وتميت فالذي يحيي ويميت قادر على أن يأتي بالشمس من المغرب كما قدر الله الذي يحيي ويميت أن تأتي بها من؟
* الطلبة: المشرق.
* الشيخ: من المشرق، وحينئذٍ فلا يكون في هذه المحاجة انتقال، ليس فيها انتقال، لكن فيها بناء بعض الدليل على بعض، وإلى هذا الأخير ذهب ابن كثير رحمه الله، وأبطل القول الأول وقال: إنه -أي القول الأول- إنه طريق أهل المنطق، المناطِقة أو الفلاسفة، أما ما قرره هو رحمه الله فلا يرى أن في المسألة انتقالًا، ولكنه يرى أن في المسألة بناء بعض الدليل على بعض، كأن إبراهيم قال: سلَّمتُ لك أنك تحيي وتميت، يعني سلمت لك حقيقة ولَّا جدلًا؟
* الطلبة: جدلًا.
* الشيخ: جدلًا، فأتِ بالشمس من المغرب كما أتى به الذي يحيي ويميت وهو ربي من المشرق.
قال: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ ﴿بُهِتَ﴾ تحيَّر واندهش ولم يحِر جوابًا، عَجَز.
وقال: ﴿الَّذِي كَفَرَ﴾ إشارة إلى أن محاجته هذه محاجة بباطل؛ لأن الذين كفروا هم الذين يحاجون حجة باطلة، قال الله تعالى فيهم: ﴿حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى ١٦].
فبهت الذي كفر وتحير وعجز، إذن غلبه إبراهيم أو ساواه؟
* الطلبة: غلبه.
* الشيخ: غلبه؛ لأن وقوف الخصم في المناظرة عجْز، بمجرد ما لا يجيبك، إذا لم يجبك فهو دليل على عجزه وانقطاعه.
إذا قال قائل: لماذا لم يقل هذا الخبيث الكافر لماذا لم يقل: إذا كان ربك أتى بها من المشرق فليأتِ بها هو من المغرب؟ أنت طلبت مني أن آتي بها من المغرب فلماذا لا يأتي بها إلهك من المغرب؟
قال بعضهم: إن الله تعالى أسكته معجزة لإبراهيم، وإلا فقد كان بإمكانه أن يدعي مثل هذه الدعوى، وعندي أن في هذا نظرًا ظاهرًا؛ لأن مطلوب إبراهيم عليه الصلاة والسلام المقابلة، فالذي أتى بها من المشرق قادر على أن يأتي بها من المغرب ولا حاجة إلى المحاجة فيه أو إلى إعادة الحجة، ولهذا -ولا شك أنه خبيث وأنه مكابر أو مُلبِّس- لو كان يظن ولو واحد في المئة أو واحد في المليون أن هذا حجة له لقاله، لكنه يعرف أنه ما فيه حجة؛ لأن قال إن إبراهيم حاجه يريد أن يأتي بما يقابل فعل الله عز وجل وهو الإتيان بها من المغرب، هذا مع أنه يحتمل أنه في قرارة نفسه خاف أنه إن قال ذلك دعا إبراهيم ربه فأتى بها من المغرب، كما حُبست الشمس ليوشع بن نون، حبست ما سارت، ولم تسِر سيرها المعتاد، وكما ستخرج من المغرب في آخر الزمان، لكن عندي هذه قد نقول: هذه مسألة فرضية؛ يعني أنه كان يخشى أن يدعو إبراهيم ربه فيأتي بها من المغرب فيكون هذا أشد خجلًا عليه وأوضح، فالاحتمال الأول أصح؛ أنه لا يمكن أن يقول: هات خلوه يأتي بها من المغرب؛ لأن المسألة في مقابلة ما فعله الله عز وجل، وهذا لا يمكن أن يُقلب على صاحب الحجة.
قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ -أعوذ بالله- الله عز وجل لا يهدي القوم الظالمين، لماذا؟
* الطلبة: لظلمهم.
* الشيخ: لظلمهم، فتعليق الحُكم بالوصف دليل على عِلِّيته، وكلما كان الإنسان أظلم كان عن الهداية أبعد، سواء كان ظالمًا لنفسه فيما بينه وبين ربه، أو ظالمًا لنفسه فيما بينه وبين العباد، فالظلم ظلمات -والعياذ بالله- فكلما ظلم الإنسان كان أبعد من الهداية، وكلما اهتدى الإنسان كان أقرب إلى الهداية، ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد ١٧].
وهنا قال: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ولم يقل: والله لا يهدي القوم الكافرين، يعني ما المناسب؟ المناسب؛ لأن نوع كفر هذا بالظلم العظيم؛ حيث ادعى ما ليس له، وأنكر ما كان لغيره، ادعى ما ليس له في قوله؟
* الطلبة: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾.
* الشيخ: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾، وأنكر ما لغيره وهو انفراد الله عز وجل بذلك، فإن الله تعالى هو المنفرِد بالإحياء والإماتة، فكان ظهور الظلم في هذا الكفر أبين، فلهذا قال: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، وكل كافر ظالم، وليس؟
* الطلبة: وليس كل ظالم كافرًا.
* الشيخ: وليس كل ظالم كافرًا.
* الفوائد:
قال الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ إلى آخره.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: بلاغة القرآن الكريم في عرْض الأمور العجيبة معرض التقرير والاستفهام؛ لأن التقرير حمل المخاطب على الإقرار، والاستفهام يثير انتباه الإنسان، فجمع هنا بين الاستفهام والتقرير، ثم هو المقصود به -كما قلنا- أولًا أيش؟
* طالب: التقرير والتعجيب.
* الشيخ: التعجيب من هذه الحال.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان كيف تصل الحال بالإنسان إلى هذا المبلغ الذي بلغه هذا الطاغية وهو إنكار الحق لمن هو له وادعاؤه لنفسه، كيف؟
* الطلبة: قال: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾.
* الشيخ: قال: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المحاجة لإبطال الباطل وإحقاق الحق من مقامات الرسل؛ لقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾.
* ومنها: الإشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يتعلم طرق المناظَرة والمحاجة؛ لأنها سُلَّم ووسيلة، وكثير من الناس عنده عِلم كثير لكن في مقام المحاجَّة ينقطع، ضعيف، وكثير من الناس ما عنده علم، ولكن في مقام المحاجة؟
* طلبة: قوي.
* الشيخ: قوي؛ لأنه عوَّد نفسه، وأذكر أني مرة قلت لشخص في مجلس عام مجلس عوام تكلمنا على بعض الناس وقلت: إنهم يقولون: إن ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ يعني استولى عليه، اللي عندي عامي بالمرّة ما قرأ العلم، قال: الله يغربله، استولى عليه! العرش من هو له من قبل؟ شوف، سبحان الله، بفطرته.
هذه حجة واضحة بدون أن يتعلم المناظرة؛ لذلك تعلُّم المناظرة بالحقيقة واجب لطالب العلم، وكثير من الناس من العلماء يُصور نفسه في مقام المحاجة، بمعنى أنه يفرض أنه يختار هذا القول مثلًا، وأن شخصًا آخر يختار خلاف هذا القول، ثم هو بنفسه يقول: أُورد على هذا كذا وأُجيب عنه بكذا، وأورد كذا وأجيب عنه بكذا، وهو موجود كثيرًا في كلام ابن القيم رحمه الله، كثيرًا ما يقول هكذا؛ لأن هذا مهم جدًّا في مقام العلم والدفاع عن الحق.
* طالب: ما هي وسائل المناظرة؟
* الشيخ: الوسائل منها التمرُّن، وفيها كتب أيضًا فيها كتب مؤلفة في هذا الباب، لكن من أهم شيء التمرن، كون الإنسان يتمرن على المناظرة هذه من المهم.
* الطالب: طريقة التعليم؟
* الشيخ: التعليم، والله ما أستحضر كتابًا معينًا، فيه كتاب اسمه أدب البحث والمناظرة، لمن؟ واحد مصري نسيته.
* طالب: معاصر ولَّا من المتأخرين؟
* الشيخ: قريب متأخر من المتأخرين، لكن نسيت اسمه، لكن ما هذا ما هو لازم تعرفه، أهم شيء أنك أنت بنفسك تتمرن وتُورد الأشياء وتجيب عنها، شيخ الإسلام مثلًا من طالَع كتبه تعلم المناظرة، إذا طالعت كتب شيخ الإسلام لو ما درستها كفَنّ عرفت كيف تناظر.
* * *
(...) قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾ إلى آخره.
أخذنا الفوائد لو تقرأها عليّ عشان ما تتكرر.
* طالب: الفوائد
* الفائدة الأولى: بلاغة القرآن الكريم في عرض الأمور العجيبة معرض التقرير والاستفهام.
* الشيخ: * ومن فوائد الآية الكريمة: أن بعض النِّعم يكون سببًا للطغيان، أو أن النعم قد تكون سببًا للطغيان؛ لأن هذا الرجل ما طغى وأنكر الخالق إلا لأن آتاه الله الملك.
* ومن فوائدها أيضًا: صحة إضافة الْمُلكية إلى غير الله، كقوله: ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾، لكن يستفاد من هذا أن ملك الإنسان ليس ملكًا ذاتيًّا من عند نفسه، ولكنه مُعطًى إياه؛ ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾، فهذه الآية كقوله: ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران ٢٦].
* ومن فوائد الآية: فضيلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قال مفتخرًا ومعتزًّا أمام هذا الطاغية: ﴿رَبِّيَ﴾ أضافه إلى نفسه كأنه يفتخر بأن الله سبحانه وتعالى ربه، وهذه معلومة: نِعْمَ ما يكون الإنسان أن يضيف ربوبية الله لنفسه وأن يقول أنا عبدٌ لربي، فهنا قال: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الأفعال الاختيارية لله عز وجل؛ لقوله: ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ انتبه، وهذه المسألة أنكرها كثير من علماء الكلام وقالوا: إن الله لا تقوم به الأفعال الاختيارية، وعلَّلوا ذلك بعِلل عليلة بل ميِّتة ما لها أصل؛ لأنهم قالوا: إن الحوادث لا تقوم إلا بحادث، وإن الحوادث إن كانت كمالًا فلماذا لم تكن سابقة؟ وإن كانت نقصًا فلماذا يتصف الله بها؟ عرفتم؟ الأخير معروف؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: نعم، الحوادث قالوا: إن كانت كمالًا فلماذا لم تكن سابقة؟ يعني لماذا لم يتصف الله بها من قبل؟ وإن كانت نقصًا فلماذا اتصف بها؟ إذن هي ممتنعة؛ لأنها نقص على كل تقدير، فواتها نقص ووجودها نقص، وحينئذٍ يجب أن ينزه الله عنها وأن تكون ممتنعة عليه، أعرفتم الآن؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: طيب، وقد أجبنا عن كلا الوجهين أو كلا الحجتين الباطلتين فقلنا: قولكم: إن الحوادث لا تقوم إلا بحادث، هذه دعوى، مجرد دعوى، من قال ذلك؟ نحن نعرف أن الحوادث تَحدث منا ولكنها ليست سابقة بسبقنا، ولَّا لا؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: الحوادث تحدث منا وليست سابقة بسبقنا، ولا يُعد ذلك فينا نقصًا ولا في الله عز وجل، فالحوادث تَحدث بعد الْمُحدِث، ولا مانع من ذلك، فمن الممكن أن يكون المتصف بها قديمًا وهي حادثة.
وأما قولكم: إنها إن كانت كمالًا فلماذا لم تكن سابقة وإن كانت نقصًا فلماذا يوصف بها؟
فنقول: هي كمال حال فعلها؛ لأننا نقول: إن أفعال الله عز وجل ليست أفعالًا لمجرد المشيئة ولكنها أفعال مقرونة بالحكمة، فإذا كانت أفعالًا مقرونة بالحكمة فهي في حال وجودها كمال وفي حال عدمها كمال، وحينئذٍ لا تستلزم النقص مُطلقًا، عرفتم يا جماعة؟
* طالب: مثال.
* الشيخ: مثل الاستواء على العرش، الاستواء على العرش من الصفات الفعلية، فهم يقولون: إن كان الاستواء كمالًا فلماذا لم يكن أزليًّا؟ وإن كان نقصًا فلماذا يوصف به؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الرد نقول: هي كمال في حال وجودها، نحن لا نقول: إنه يفعل هكذا بمجرد مشيئة، بل بمشيئة مقرونة بحكمة، فإذا كانت كمالًا حال وجودها وليست كمالًا حال عدمها صار وجودها كمالًا وعدمها كمالًا.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الإحياء والإماتة بيد الله عز وجل؛ لقوله: ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾، إذن فاعتمِد على الله عز وجل، ولا تخفْ ولا تُقدِّر أسبابًا وهمية؛ يعني مثلًا: دُعيتَ إلى عمل صالح، أيّ عمل، فقلت: أخشى إن عملت هذا العمل أن أموت. نقول: هذا إذا كان مجرد وهم فإن هذه الخشية لا ينبغي أن يَبني عليها حكمًا بحيث تمنعه من أمر فيه مصلحته وخيره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان المجادِل قد يكابر فيدعي ما يُعلم يقينًا أنه لا يملكه، لقول الرجل الطاغية؟
* طلبة: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾.
* الشيخ: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ ومعلوم أن هذا إنما قاله في مضايقة المحاجة، والإنسان في مضايقة المحاجة، يعني والمجادَلة والمناظرة، ربما يلتزم بأشياء هو نفسه لو رجع إلى نفسه لعلم أنها غير صحيحة، لكن في المضايقات قد يدَّعي الإنسان دعوى أو ينكر أشياء يعلم أن دعواه إياها غير صحيح وأن إنكاره لها غير صحيح، لكن ضيق المناظرة والمجادلة أوجب له أن يقول هذا إنكارًا أو إثباتًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: حكمة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وجودته في المناظرة، سواء قلنا: إن هذا من باب الانتقال من حجة إلى أوضح منها، أو قلنا: إنه من باب تفريع حجة على حجة، حيث نقله إلى أمر لا يمكنه معارضته أبدًا؛ حيث قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾.
وفي الآية الكريمة رد على علماء الهيئة الذين يقولون: إن إتيان الشمس ليس إتيانًا لها بذاتها، ولكن الأرض تدور حتى تأتيَ هي على الشمس؛ لأن الله يقول: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ﴾، إذن الله أتى بها من المشرق، لكن هم يقولون: لا، الله ما أتى بها من المشرق، ولكن نحن لفّينا وأتينا إليها، لففنا ودارت بنا الأرض فأتينا إليها، أما هي فهي مَلِك على يخته أو على عرشه ما تتحرك، أنت الذي (...)، تدور بك الأرض هكذا ثم تأتي إليها.
نحن، يقول الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ ما قال: إن الله يدير الأرض حتى تُرى الشمس من المشرق فأدِرْها حتى تُرى من المغرب، ما قال هكذا، بل قال: ﴿يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ﴾ وهذه أنا أقولها، وأقول: إنه يجب علينا أن نأخذ في هذا الأمر بظاهر القرآن وأن لا نلتفت لقول أحد مع وجود ظاهر القرآن؛ لأننا متعبدون بما يدل عليه القرآن، هذا من جهة؛ ولأن الذي أنزل القرآن أعلم بما خلق، قال الله تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك ١٤]، فإذا كان يكرر علينا في كلامه أن الشمس تأتي، تطلع، وتغرب، وتزول وتزاوَر، وتتوارى، كل هذه الأفعال يضيفها إلى الشمس، لماذا نحن نجعلها على العكس من ذلك ونضيفها إلى الأرض؟! نقول: الشمس اللي تطلع، الأرض اللي تطلع.
يوم القيامة يقول الله لنا: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص ٦٥]، ما يقول: ماذا أجبتم فلان المهندس الفلاني أو العالم الفلك الفلاني؟ على أن علماء الفلك قديمًا وحديثًا مختلفون في هذا، ما هم متفقون على شيء، لم يتفقوا على أن الأرض هي التي بدورانها يكون الليل والنهار، وما دام الأمر موضع خلاف بين الفلكيين أنفسهم فإننا نقول كما نقول لعلماء الشرع إذا اختلفوا: ﴿إِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء ٥٩].
بل نقول أيضًا: لو جاء علماء الفلك بأجمعهم، كلهم أجمعون أكتعون أبتعون أبصعون، لو جاؤوا ما عدلنا عن ظاهر القرآن حتى يتبين لنا أمر محسوس نُحِسّه بأنفسنا، ونقول لربنا إذا لاقيناه: إنك قلت وقولك الحق: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦] وقلت: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦] ونحن ما وسعنا إلا أن نقول: إن قولك: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ﴾ [الكهف ١٧] أي: إذا طلعت في رأي العين لا في حقيقة الواقع؛ لأننا علمنا بحسِّنا وبصرنا بأن الذي يتعاقب أو الذي يكون به تعاقب الليل والنهار هو دوران الأرض.
أنا أقول: إذا (...) ذلك حسيًّا لا مِرية فيه حينئذٍ يجوز أن نحول كلام الله عز وجل من ظاهره إلى تأويله نظرًا؛ لأن الحس الذي لا يمكننا نفيه دل على ذلك، أمّا والحس لم يدل على هذا ولكنها مجرد أقيسة ونظريات فإنني أرى أنه لا يجوز لأحد أن يعدِل عن ظاهر كلام ربه الذي خلق والذي أنزل القرآن تبيانًا لكل شيء، والذي قال: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء ١٧٦]، أقول: لا يجوز أن يعدل عن ظاهر كلامه لمجرد قول هؤلاء، فإذا رأى الإنسان حسب حسه المتيقَّن الذي يبرر له أن يحرف كلام الله عن ظاهره فحينئذٍ له الحق أن يقول.
قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ نقول: وفي هذه الآية من فوائدها: إثبات الشمس؟
* طلبة: (...) واضحة.
* الشيخ: معلومة؟
* طلبة: (...) تسميتها (...).
* الشيخ: إثبات أن اسمها الشمس؟ الظاهر أنه ما يصلح أن نأخذها فائدة، ولهذا قال بعض النحويين: إن قول القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا، إنه ليس بكلام اصطلاحًا.
* طالب: لأنه غير مفيد.
* الشيخ: لأنه غير مفيد، كلنا يعلم أن هذا هو الواقع ولّا لا؟
وأنه كقول الشاعر:
؎كَأَنَّنَا وَالْمَاءُ مِنْ حَوْلِنَا ∗∗∗ قَوْمٌ جُلُوسٌ حَوْلَهُمْ مَاءُأيش هذا؟! هذا ليس بشيء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الحق لا تُمكِن المجادلة فيه؛ لقوله عندما قال إبراهيم هذه المقالة؟
* طالب: ﴿بُهِتَ﴾.
* الشيخ: ﴿بُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: إثبات أن من جحد الله فهو كافر، من أين تؤخذ؟
* الطلبة: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾.
* الشيخ: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ وهذه هي النكتة في الإظهار مقام الإضمار ﴿الَّذِي كَفَرَ﴾، لأجل أن نقول: كل من جادل كما جادل هذا الرجل فهو كافر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على القدَرية.
* طلبة: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
* الشيخ: ﴿لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ لأن القدرية يقولون: الإنسان حر، يهتدي بنفسه ويَضل في نفسه ما لله فيه تصرف، وهذه الآية واضحة في أن الهداية بيد الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من الظلم؛ لقوله: ﴿لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
ومن الظلم أن يتبين لك الحق فتجادل لنصرة قولك -نسأل الله العافية- يتبين لك الحق فتجادل لنصرة قولك، فإن هذا ظلم؛ لأن العدل أن تنصاع للحق وأن لا تكابر عند وضوحه، ولهذا -نسأل الله لنا ولكم السلامة- ضل من ضل من أهل الكلام؛ لأنهم تبين لهم الحق ولكن جادلوا فبقوا على ما هم عليه من ضلال.
* ومنها: أن الله عز وجل لا يمنع فضله عن أحد إلا كان ذلك الممنوع هو السبب.
* طلبة: ﴿لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
* الشيخ: لقوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ فلظلمهم لا يهديهم الله، وهذا كقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥].
* ومنها: أن من أخذ بالعدل كان حريًّا للهداية، من المنطوق ولَّا من المفهوم؟
* الطلبة: من المفهوم.
* الشيخ: من مفهوم المخالفة، فإذا كان الظالم لا يهديه الله فصاحب العدل حري بأن يهديه الله عز وجل، وهو كذلك، فإن الإنسان الذي يريد الحق ويتبع الحق، والحق هو العدل، غالبًا يُهدى، يُهدى ويُوفق له، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية قال عبارة من أحسن العبارات قال: من تدبر القرآن طالبًا الهدى منه تبين له طريق الحق. وهذه كلمة مأخوذة من القرآن، من الآيات القرآنية منطوقًا ومفهومًا.
{"ayah":"أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِی حَاۤجَّ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ فِی رَبِّهِۦۤ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ رَبِّیَ ٱلَّذِی یُحۡیِۦ وَیُمِیتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡیِۦ وَأُمِیتُۖ قَالَ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَأۡتِی بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِی كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق