الباحث القرآني
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [البقرة ٢٥٧]، ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مبتدأ، و﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ﴾ مبتدأ آخر؛ مبتدأ ثانٍ، و﴿الطَّاغُوتُ﴾ خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول.
وقوله: ﴿يُخْرِجُونَهُمْ﴾ نقول في إعرابها: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ﴾ حال من ﴿الطَّاغُوتُ﴾.
وقوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ مبتدأ وخبر أيضًا. و﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ مبتدأ وخبر أيضًا.
في هذه الآية الكريمة يقول الله عز وجل: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، والولي معناه: المتولي الناصر، المتولي لأمورهم، الناصر لهم.
وقوله: ﴿وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ هذه ولاية خاصة؛ لأن الله تعالى وليّ كل أحد، لكن بالمعنى الخاص ولايته للمؤمنين، قال الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام ٦١، ٦٢]، هذه الولاية العامة، وتشمل المؤمن والكافر، فإن كل أحد يتولاه الله تعالى بمقتضى ربوبيته، أما هذه فهي ولاية خاصة.
وقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾، ما هو الإيمان؟
الإيمان في اللغة قيل: إنه التصديق، وقيل: إنه الإقرار، وهذا هو الأقرب؛ لأن التصديق يتعدى بنفسه، وأما الإيمان فيتعدى بحرف الجر؛ لأنك تقول: صدَّقْت زيدًا، ولكن ما تقول: آمنتُ زيدًا، والكلمة إذا كانت بمعنى الكلمة فلا بد أن تتعدى بما تتعدى به الكلمة الأخرى، وإذا كانت متعدية بنفسها تتعدى بنفسها، أو بحرف الجر تعدت بحرف الجر.
وأيضًا فإنه يقال: آمَنَ بكذا، كما يقال: أقَرّ بكذا، لكن مع ذلك يمكن أن يقول قائل: إن التصديق أيضًا يتعدى بالباء فيقال: صدَّقْتُ بكذا، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر ٣٣]، لكن الفرق الأول هو أن (صدَّق) يتعدى بنفسه و(آمن) لا يتعدى بنفسه.
على كل حال الإيمان في الشرع غير الإيمان في اللغة، بل هو أخص، هو أخص من الإيمان في اللغة؛ إذ إنه إقرار أو تصديق مستلزم للقبول والإذعان، للقبول في الخبر، وكذلك في الأحكام، والإذعان: الانقياد لها، فيشمل الاعتقاد بالقلب، والقول باللسان، والعمل بالجوارح، كل هذا من الإيمان.
وذكرنا فيما مر الأدلة الدالة على ذلك، فمن الأدلة الدالة على أن الإيمان يشمل الاعتقاد بالقلب: قول النبي ﷺ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ» إلى آخره[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة، ومسلم (٨ / ١) من حديث عمر بن الخطاب.]]. وهذه عقيدة القلب، والدليل على أنه يشمل القول باللسان والعمل بالأركان قول النبي عليه الصلاة والسلام: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، وهذا قول، «وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٩)، ومسلم (٣٥ / ٥٨) واللفظ له وفيه: «فأفضلها قول» من حديث أبي هريرة.]].
فإذن كلما مر عليك الإيمان في القرآن والسنة فالمراد به الإقرار المستلزم أيش؟
* الطلبة: القبول والإذعان.
* الشيخ: للقبول والإذعان، فيشمل هذه الأشياء الثلاثة: الاعتقاد بالقلب، والقول باللسان، والعمل بالأركان، وبعضهم أيضًا قال: عمل القلب، يشمل عمل القلب، وهو صحيح أيضًا، وعمل القلب هو محبته، وإرادته، وكراهته، وبُغضه، وما أشبه ذلك، وخوفه، ورجاؤه، كل هذه من أعمال القلب.
وقوله: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾، ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ﴾ أيّ ظلمات هي؟ هل هي الظلمات الحسية بمعنى أن يخرج الإنسان من الحجرة المظلمة إلى الدهليز المضيء؟
لا، لكن المراد بالظلمات ظلمات الجهل وظلمات الكفر وظلمات المعاصي، كل هذه ظلمات، الجهل لا شك أنه ظلمات، قال الله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام ١٢٢]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء ١٧٤]، والنور المبين هو القرآن، وبه يكون العلم، هذا نور العلم.
نور الإيمان أيضًا، فإن الإنسان إذا شرح الله صدره للإيمان استنار قلبه بالإيمان، حتى إن من المؤمنين مَن يظهر ذلك -أي نور إيمانه- على حدسه وظنه وتخمينه، وهو ما يُسمّى بالفِراسة، ولهذا جاء في الحديث: «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ»[[أخرجه الترمذي (٣١٢٧) من حديث أبي سعيد الخدري. ]]؛ لأن النور الذي يقذفه الله في قلب الإنسان قد يهتدي به إلى أشياء تخفى على غيره، كأنه سراج يضيء ما أمامه.
الثالث: نور الهداية والعدل الذي مقابل لظلمات الفسق؛ لأن الفسق -اللي هو المعاصي- يكون ظلمة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ»[[أخرجه الترمذي (٣٣٣٤)، وابن ماجه (٤٢٤٤)، والنسائي في الكبرى (١٠١٧٩)، وأحمد (٧٩٥٢) من حديث أبي هريرة. ]]. هذه السوداء توجب ظلام القلب.
فالظلمات إذن ثلاثة أو ثلاث: ظلمة الجهل، ويش بعد؟ والكفر، والمعاصي، النور يقابل ذلك، يقابل ظلمة الجهل نور العلم، وظلمة الكفر نور الإيمان، وظلمة الفسق نور العدل والاستقامة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [فصلت ٣٠]. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ»[[أخرجه مسلم (٣٨ / ٦٢) من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي بلفظ: «فَاسْتَقِم». ]] لما قال له رجل: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك، يعني يكون قاطعًا لكل سؤال للناس، قال: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ».
وقوله: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾ تجدون الآن فرقًا بين التركيبين الأول والثاني بالترتيب؛ هناك قال: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ولم يقل: الذين آمنوا وليهم الله، بل قال: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ لأن هذا الاسم الكريم إذا ورد على القلب أولًا استبشر به، هذا واحد، بخلاف ما لو قال: الذين آمنوا وليهم الله.
ثانيًا: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يفيد التبرك بتقديم ذكر اسم الله عز وجل ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
الثالث: إظهار المنة على هؤلاء بأن الله تعالى هو الذي امتن عليهم أولًا فأخرجهم من الظلمات إلى النور، لكن هنا قال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لو ساق الجملة الثانية على سياق الأولى لقال؟
* الطلبة: والطاغوت أولياء الذين كفروا.
* الشيخ: والطاغوت أولياء الذين كفروا، لكنه لم يقل هكذا، قالوا: والحكمة من ذلك لئلا يُجعل الطاغوت في مقابلة اسم الله؛ لأنه لو كانت الجملتان متوازنتين لكان الطاغوت في مقابل اسم الله.
ثانيًا: أن الطاغوت أهون وأحقر من أن يُبدأ به ويقدم.
ثالثًا: أن هؤلاء الكفار يُلامون على توليهم الطاغوت، هم الذين بدؤوا واختاروا الطاغوت على الاستقامة، اختاروا الطاغوت على الاستقامة فصار هم الذين بدؤوا بماذا؟ بما يوجب القدح والعيب، فكانت البداءة بهم أولى.
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ كفروا بمن؟ كفروا بكل ما يجب الإيمان به سواء كان كفرهم بالله، أو برسوله، أو بكتابه، أو بملائكته، أو باليوم الآخر، أو بالقدر.
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾ وهنا قال: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ﴾، وهناك قال: ﴿وَلِيُّ﴾، والفرق واضح؛ لأن الطواغيت كثيرون، ودعاة الضلال كثيرون، وأما الله عز وجل فهو واحد، فهو وليّ واحد، ثم قال: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾ والطاغوت سبق لنا أنه اسم جامِع لكل ما تجاوز به العبد حَدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع؛ معبود كالصنم، أو متبوع كالعلماء، أو مطاع كالأمراء، وهؤلاء هم الذين يضل بهم من يضل من الناس ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [التوبة ٣١].
قال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ﴾ هنا كلمة الطاغوت قلنا فيما سبق: إنها مشتقة من الطغيان، والتاء فيها؟ التاء فيها للمبالغة؛ كالمبالغة في (علَّامة) و(فهَّامة) وما أشبهها، وعلى هذا فالواو هي آخر الكلمة.
وقوله: ﴿يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ﴾ عبر بالجمع لأنه قال: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ﴾ فالطاغوت إذن اسم جنس يشمل كل طاغية، و﴿يُخْرِجُونَهُمْ﴾ جمع باعتبار اسم الجنس ومراعاة للمبتدأ الثاني وهو قوله: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ﴾.
وقوله: ﴿يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ استُشكل؛ لأن ظاهره أن المراد بالذين كفروا: الذين آمنوا أولًا فدخلوا في النور، ثم كفروا فخرجوا منه، مع أنه يشمل الكافر الأصلي الذي لم يكن آمن من قبل، فما هو الجواب عن ذلك؟
* طالب: نقول: الأصل هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: هذا جواب، دل على هذا قوله عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٨٥)، ومسلم (٢٦٥٨ / ٢٢) من حديث أبي هريرة.]]. فعليه أصل وِلادة الإنسان على الفطرة والنور، لكن يطرأ عليه ما يُوجب الكفر فيكفر، هذه واحدة، كإذا قيل: إنها في المؤمن المرتد كيف الكافر المرتد واضح. لكن الكافر الأصلي..
* طالب: قد يكون مثلاً رجل منَّ الله عز وجل عليه بالهداية فأتى عليه (...).
* * *
* الشيخ: (...) والنور الذي معه ما قد ينقدح في ذهنه أو في نفسه من محبة الخير، ربما لكن قال الله تعالى عن شعيب: ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا﴾ [الأعراف ٨٩] ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا﴾ [الأعراف ٨٩] مع أن شعيبًا ومن آمن معه لم يكونوا على ملتهم، خصوصًا شعيب؛ لأن الرسل ما أشركوا بالله، فالمعنى أنهم يخرجونهم لأنهم كانوا على استعداد للهداية، ولكنهم أخرجوهم وأزالوا ذلك الاستعداد.
فعندنا الآن ثلاثة أوجه: إما أن يراد بهذا من كانوا على الإيمان أولًا ثم أُخرجوا، كما هو ظاهر اللفظ. أو نقول: إن هذا باعتبار أيش؟
* الطلبة: الفطرة.
* الشيخ: الفطرة، فالفطرة سليمة وعلى الإيمان ثم أخرجوهم. أو يقال: إنهم أخرجوهم لأنهم كانوا على استعداد للقبول، قد تراودهم أنفسهم بذلك، ولكنهم يسيطرون عليهم حتى لا يدخلوا في النور من الأصل.
قال: ﴿يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ جمع الظلمات وإفراد النور سبق أيضًا الكلام عليه؛ لأن النور طريق الحق وهو واحد، والظلمات طريق الباطل وهي متعددة.
﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ﴾ الصاحب هو الملازم للشيء، فلا يسمى صاحبًا إلا الملازم، إلا صاحبًا واحدًا، من؟
* طالب: أصحاب النبي ﷺ.
* الشيخ: فإن أصحاب النبي ﷺ تُطلق صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام على من اجتمع به مؤمنًا به ولو لحظة ومات على ذلك، وهذا من خصائص النبي ﷺ، وإلا فمن اجتمع بك وفارقك ما يسمى صاحبًا، فأصحاب النار هم أهلها الملازمون لها، وعلى هذا فيكون في هذا إشارة إلى خلودهم فيها كما قال تأكيدًا لذلك: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، ﴿هُمْ﴾ مبتدأ، و﴿خَالِدُونَ﴾.
* الطلبة: خبر.
* الشيخ: و﴿فِيهَا﴾ متعلق؟
* الطلبة: بـ﴿خَالِدُونَ﴾.
* الشيخ: بـ﴿خَالِدُونَ﴾، قُدِّم لإفادة الحصر ومراعاة الفواصل؛ يعني لفائدة معنوية وفائدة لفظية.
* * *
(...) ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾.
* طالب: ما أخذنا فوائد الآية.
* الشيخ: قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ إلى آخره.
* يُستفاد من هذه الآية عدة فوائد:
* أولًا: فضيلة الإيمان، وأنه تحصل به ولاية الله عز وجل؛ لقوله: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
* ثانيًا: إثبات الولاية لله عز وجل؛ أي أنه سبحانه وتعالى يتولى عباده، ولكن هل العباد يتولونه؟
الجواب: نعم، يتولونه، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة ٥٦]، لكن توَلِّينا لله عز وجل هو تولٍّ لدينه؛ أي ننصر دينه ونكافح دونه، ونبذل فيه أنفسنا وأموالنا. ويحتمل أن معنى قوله: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي: من يجعل الله وليًّا له، والمعنى واحد.
* من فوائد الآية الكريمة: أن من ثمرات الإيمان هداية الله للمؤمن، تؤخذ من أيّ مكان؟
* طالب: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، قوله تعالى: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.
* الشيخ: قوله: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾، وقد سبق لنا معنى الظلمات وأنها ظلمات الجهل والكفر والفسوق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكافرين أولياؤهم الطواغيت سواء كانوا متبوعين أو معبودين أو مُطاعين؛ لأن الطاغوت من الطغيان، وهو ما تجاوز به العبد حَدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع، كما حد ذلك ابن القيم رحمه الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: براءة الله عز وجل من الذين كفروا، يُؤخذ من المنطوق والمفهوم؛ المفهوم في قوله: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، فالمفهوم: لا الذين كفروا، والمنطوق من قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾، وهذا مقابل لقوله: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: سوء ثمرات الكفر، وأنه يهدي إلى الضلال والعياذ بالله؛ لقوله: ﴿يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾، وهذا الإخراج سواء كان إخراجًا بعد الوقوع في الظلمات أو كان إخراجًا حين الوقوع في الكفر؛ يعني قد يكون هذا بعد كفرهم أو حين إرادتهم الكفر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي للمؤمن، بل ينبغي للعاقل -وينبغي هنا بمعنى يجب- أن يختار ما فيه ولاية الله، وهو أيش؟
* طالب: الإيمان.
* الشيخ: الإيمان، وهو الإيمان؛ لأن كل عاقل لو سُئل: أحب إليك أن يكون وليك الله أو أن تكون الطواغيت أولياءك؟ لقال: الله، فإذن فالواجب على كل عاقل أن يسعى لحصول ولاية الله عز وجل، وذلك بالإيمان، واعلم أن هذه الولاية ولاية عظيمة لها ثمرات كثيرة والتي من جملتها ما أشرنا إليه من قبل.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن الكفر مقابل الإيمان؛ لقوله: ﴿وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾.
ولكن هل معنى ذلك أنه لا يجتمع معه؟
* الطلبة: (...)
* الشيخ: قد يكون على القول الراجح وهو مذهب أهل السنة والجماعة، قد يكون في الإنسان خِصال إيمان وخصال كفر، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»[[أخرجه مسلم (٦٧ / ١٢١) من حديث أبي هريرة. ]] وهذا لا يُخرج من الإيمان. وانظر إلى الإنسان يكون فيه الكذب، والكذب من خصال المنافقين، يكون فيه غدر وهو من خصال المنافقين، يكون فيه حسد وهو من خصال اليهود، وأمثال هذا كثير، فالإنسان يجتمع فيه إيمان وكفر، لكن الكفر المطلق لا يُجامِع الإيمان، الكفر المطلق وهو الذي يُخرج من الإسلام هذا لا يمكن يجامع الإيمان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات النار؛ لقوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ والنار موجودة الآن؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم؛ لقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٣١] فقال: ﴿أُعِدَّتْ﴾ بلفظ الماضي، والإعداد بمعنى التهيئة، وثبت عن النبي ﷺ في غير حديث أنه رآها؛ ففي صلاة الكسوف عُرضت عليه النار ورأى فيها عمرو بن لُحيّ يجر قُصبه في النار[[متفق عليه؛ البخاري (٣٥٢١)، ومسلم (٢٨٥٦ / ٥٠) من حديث أبي هريرة.]]، ورأى فيها المرأة التي تُعذَّب في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا، امرأة عندها هرة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٨٢)، ومسلم (٢٢٤٢ / ١٥١) من حديث عبد الله بن عمر، والبخاري (٣٣١٨)، ومسلم (٢٢٤٢ / ١٥٢، ٢٦١٩ / ١٣٥) من حديث أبي هريرة، والبخاري (٧٤٥)، من حديث أسماء بنت أبي بكر.]] ورأى فيها صاحب المحجن يُعذَّب[[أخرجه مسلم (٩٠٤ / ١٠) من حديث جابر بن عبد الله.]]، صاحب المحجن مَنْ؟ رجل كان يسرق الحجاج بمحجنه، معه محجن، والمحجن هي العصا محنية الرأس يمسك المتاع بهذا المحجن إن فطن له صاحب المتاع قال: جذبه المحجن، وإن لم يفطن له أخذه وذهب، فرآه يعذب في محجنه في نار جهنم، والعياذ بالله.
المهم أن النار موجودة، وهل هي أبدية أو لا؟ نعم أبدية لا شك، وليست أزلية؛ لأنها مخلوقة بعد أن لم تكن، لكنها أبدية لا تفنى؛ قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ [فاطر ٣٦].
وذكر الله تعالى تأبيد أهلها في ثلاثة مواضع من القرآن:
في سورة النساء: ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء ١٦٨، ١٦٩]، وفي سورة الأحزاب: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب ٦٤، ٦٥]، وفي سورة الجن: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن ٢٣].
وبهذا يُعرف بطلان قول من يقول: إنها تفنى، وأنه قول باطل مخالف للأدلة الشرعية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكافرين مخلدون في النار، من أين تؤخذ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: من أين أخذت؟ من أيّ كلمة من ﴿أُولَئِكَ﴾؟
* الطالب: لا ﴿خَالِدُونَ﴾
* الشيخ: من ﴿خَالِدُونَ﴾؟
* الطالب: ﴿أَصْحَابُ﴾
* الشيخ: من ﴿أَصْحَابُ﴾؛ لأن الصاحب هو؟
* الطالب: الملازم.
* الشيخ: الملازم للشيء.
* ومن فوائدها: أن الخلود خاص بهم، وأن من يدخل النار من المؤمنين لا يُخلّد؛ لقوله: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ يعني دون غيرهم.
{"ayah":"ٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَوۡلِیَاۤؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ یُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق