الباحث القرآني

ثم قال: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة ٢٥٣]. قال: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ﴾ التاء هنا اسم إشارة، وأشار إلى الرسل بإشارة المؤنّث؛ لأنه جمع تكسير، وجمع التكسير يُعامل معاملة المؤنث في تأنيث فعله والإشارة إليه، قال الله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا﴾ [الحجرات ١٤] قالت الأعراب، والأعراب مذكر ولا مؤنث؟ * الطلبة: مُذكر. * الشيخ: مُذكر، لكن لما جُمع جمع تكسير صح تأنيثه، هنا ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ﴾ الإشارة إشارة مؤنث وإلا لقال: أولئك الرسل، فعليه نقول: أشار إليهم إشارة المؤنث؛ لأن جمع التكسير يجوز تأنيثه، تأنيثًا معنويًّا أو لفظيًّا؟ * الطلبة: لفظيًّا. * الشيخ: لفظيًّا نعم. ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ﴾ المشار إليه هنا، هم الرسل الذين دل عليهم قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. ﴿فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ يعني: جعلنا بعضهم أفضل من بعض، أفضل من بعض في الوحي، وأفضل من بعض في الأتباع، وأفضل من بعض في الدرجات والمراتب عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال: ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾. ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ هذه صريحة في أن الرسل يتفاضلون، أتباع الرسل يتفاضلون؟ * الطلبة: نعم. * الشيخ: نعم، أتباع الرسل أيضًا يتفاضلون، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» . وقوله: ﴿مِنْهُمْ﴾ أي من الرسل مَنْ كلم الله، وهذه الجملة استئنافية لبيان وجه من أوجه التفضيل، وقوله: ﴿مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ ولّا اللَّهَ؟ * الطلبة: اللَّهُ فاعل. * الشيخ: الله فاعل على أن الكلام واقع من الله، مثل مَن؟ * طالب: مثل موسى. * الشيخ: كموسى ومحمد عليه الصلاة والسلام، فإن الله كلمه في مكان أعلى من المكان الذي كلم موسى فيه، فموسى كُلِّم وهو في الأرض ومحمد عليه الصلاة والسلام كُلِّم وهو فوق السماء السابعة. وقوله: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ قوله: ﴿رَفَعَ﴾ معطوفة على أي شيء؟ * الطلبة: كلم. * الشيخ: ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ يعني: ومنهم من رفع بعضهم درجات؟ نشوف لو قلنا: إنها معطوفة على ﴿فَضَّلْنَا﴾ ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ وتلك الرسل رفع بعضهم درجات. * طالب: يصح. * الشيخ: يصح، وهذا أقرب من التكلف؛ لأن قوله: ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ ومنهم من رفع بعضهم، كان يقول: ومنهم من رفعه درجات. وعلى كل حال فإنها إن كانت معطوفة على ﴿فَضَّلْنَا﴾ فإنها لا يصح أن تكون معطوفة على صلة الموصول ﴿كَلَّمَ﴾، و إن كانت معطوفة على ﴿كَلَّمَ﴾ ففيها وجه، لكن الأول أوضح. وقوله: ﴿رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ يعني: على بعض، فمثل محمد عليه الصلاة والسلام له الوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة، ولا تكون إلا لعبد من عباد الله وهو النبي عليه الصلاة والسلام، وفي المعراج وجد النبي ﷺ إبراهيم في السماء السابعة، وموسى في السادسة، وهارون في الخامسة، وإدريس في الرابعة، وهكذا، وهذا رفع بلا شك رفع درجات. قال: ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ ﴿آتَيْنَا﴾ أي: أعطينا، وهذا الإيتاء شرعي ولا قدري؟ * الطلبة: شرعي. * الشيخ: شرعي. ﴿آتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ﴾؛ لأن الْمُؤتى وهو الإنجيل أو الآيات التي أُعطيها عيسى عليه الصلاة والسلام أمور شرعية، لكن فيها أيضًا أمور كونية. إذن فهو إيتاء شرعي وكوني. آتيناه البينات: يعني الآيات البيِّنات الدالة على أنه رسول الله، فمنها الإنجيل، ومنها أنه يُبرئ الأكمه والأبرص، ومنها أنه يحيي الموتى بإذن الله، بل يخرج الموتى من قبورهم، ففيها آيتان: تحيي الموتى، وتخرج الموتى، فهو يحييهم قبل أن يُدفنوا ويخرجهم من قبورهم بعد الدفن. قال: ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ يعني: قوَّيناه بروح القدس، اختلف المفسرون بروح القدس ما المراد بها، فقيل: المراد بها ما معه من العلم المطهَّر الآتي من عند الله، والعِلم أو الوحي يُسمى رُوحًا، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى ٥٢]. وقال بعض المفسرين: المراد بروح القدس جبريل، كما قال تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل ١٠٢] فروح القدس هو جبريل أيد الله عيسى به، حيث كان معه يقويه في مهام أموره عندما يحتاج إلى تقوية. ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ وأيًّا كان فإن عيسى عليه الصلاة والسلام أحد الرسل الكرام الذين هم من أولي العزم، وهو مؤيَّد بما معه من الوحي، ومؤيَّد أيضًا بجبريل. قال: ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا﴾ ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾ عندنا الآن ﴿لَوْ﴾ تحتاج إلى جواب، و﴿شَاءَ﴾ تحتاج إلى مفعول، فأين جواب (لو)؟ * طالب: مقتول. * طالب آخر: ما اقتتلوا. * الشيخ: لا، ﴿مَا اقْتَتَلَ﴾ هذا جوابه ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ﴾، وأين مفعول ﴿شَاءَ﴾؟ محذوف، تقديره: ولو شاء الله أن لا يقتتل الذين من بعدهم ما اقتتلوا، فيكون الجواب محذوفًا دل عليه جواب الشرط. وقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب