الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ﴾ الجملة هنا مكونة من مبتدأ وخبر، فالخبر مقدم ﴿لِلْمُطَلَّقَاتِ﴾ والمبتدأ مؤخر وهو قوله: ﴿مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ومن ثم ساغ الابتداء به وهو نكرة؛ لأنه يجوز الابتداء بالنكرة إذا تأخر المبتدأ. وقوله: ﴿حَقًّا﴾ هذه مصدر (...) لأن ﴿لِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ﴾ معناه جملة خبرية تثبت الحق ولَّا لا؟ مثل قول ابن مالك: ؎.................... ∗∗∗ ...كَابْنِي أَنْتَ حَقًّا صِرْفَا لأن هذا مصدر مؤكد لمضمون الجملة فلا يحتاج إلى عامل، وأيًّا كانت فهي منصوبة على المصدرية. و﴿الْمُتَّقِينَ﴾ يعني ذوو التقوى، والتقوى تقدم لنا مرارًا أنها قيام بطاعة الله على عِلم وبصيرة، وما أحسن ما قاله طلق بن حبيب رحمه الله: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله على نور من الله تخشى عقاب الله.
يقول الله عز وجل: ﴿لِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ﴾ للمطلقات كلمة مطلقات -كما نعلم جميعًا- تعتبر من الألفاظ العامة، من ألفاظ العموم أو لا؟ لأن (أل) فيها اسم موصول كما قال ابن مالك: ؎وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ أَلْ ∗∗∗ ................... إذن ﴿لِلْمُطَلَّقَاتِ﴾ عام كل مطلقة بدون استثناء. و﴿مَتَاعٌ﴾ يعني ما تتمتع به من لباس وغيره.
وقوله: ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ متعلق بـ (متاع)؛ يعني هذا المتاع مقيد بالمعروف، أي: ما يعرفه الناس، وهذا قد يكون مفسرًا بقوله تعالى فيما سبق: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة ٢٣٦]. ويكون معنى ﴿مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: على الموسر بقدر إيساره وعلى المعسر بقدر إعساره، وهذه الآية يقول الله عز وجل فيها: ﴿مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا﴾ يعني أمرًا ثابتًا واجبًا على كل متقٍ لله عز وجل. وقوله: ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ لا يعني أنه لا يجب على غير المتقين، ولكن تقييده بالمتقين من باب الإغراء، من باب الإغراء والحث مثل ما يرد أحيانًا قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَفْعَلَ..» كَذَا وَكَذَا. يعني من الأمثلة «أن تُحِدّ على ميت فوق ثلاث »[[حديث متفق عليه؛ البخاري (٥٣٣٤)، ومسلم (١٤٨٦ / ٥٨) من حديث أم حبيبة زوج النبي ﷺ بلفظ «لا يحلّ لامرأةٍ تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ تحدُّ على ميّتٍ فوقَ ثلاثٍ» الحديث.]]، فقوله: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» لا يعني أن من لا تؤمن بالله واليوم الآخر يحل لها، ولكن هذا من باب الإغراء والحث، كما لو قلت لك: لا ينبغي للرجل أن يفعل كذا وكذا، أو لا يفعل هذا إلا الرجال، المقصود من ذلك الإغراء والحث، وأيضًا تقييده بالمتقين يفيد أن التزامه من تقوى الله عز وجل، وأن من لم يلتزمه فقد نقصت تقواه.
ولنرجع إلى الآية الكريمة هنا فنبحث فيها هل هذه الآية منسوخة أو لا؟ وهل إذا قلنا إنها محكمة هل هي عامة يعني يراد بها العموم أو عامة يراد بها الخصوص، أو عامة مخصوصة؟ فعندنا الآن عدة مباحث:
المبحث الأول: هل الآية منسوخة أو محكمة؟
المبحث الثاني إذا قلنا: بأنها محكمة غير منسوخة فهل هي شاملة لكل مطلقة أو يُخص منها بعض المطلقات، أو لم يُرد بها العموم من الأصل، بل هي عام أُريد به الخصوص، لننظر الآية الكريمة واضحة، أو بعبارة أصح: الآية الكريمة العموم فيها ظاهر، من أين يؤخذ؟
من قوله: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ﴾ فإن الله تعالى لم يستثنِ شيئًا، لم يستثنِ المطلقة قبل الدخول ولا من سُمي لها مهر، بل أطلق، فيشمل المطلقة قبل الدخول والمطلقة بعد الدخول وغيرها.
وحينئذٍ نقول: المطلقة قبل الدخول إذا لم يُسمَّ لها مهر، قد ذكر الله تعالى لها متعة فيما سبق، وين المتعة؟
﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ [البقرة ٢٣٧] ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ [البقرة ٢٣٦]. وحينئذٍ لا يكون في الآية هذه نسخ؛ لأن المطلقة التي لم يُسمّ لها مهر، المطلقة قبل الدخول التي لم يُسمَّ لها مهر حكمها مطابق لهذه الآية ولَّا غير مطابق؟
* الطلبة: مطابق.
* الشيخ: مطابق؟ كلتا الآيتين تدل على وجوب المتعة، كذا ولَّا لا؟ وإذا كانت الآية العامة تدل على وجوب المتعة التي معنا، وتلك الخاصة تدل على وجوب المتعة، فإن القاعدة عند المحققين من أهل العلم أن (ذكر بعض أفراد العام بحكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص). وقد مرت علينا هذه القاعدة، وعليه فتكون الآية السابقة: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ﴾ تكون فردًا من أفراد هذه الآية، وحينئذٍ لا إشكال فيها.
المطلقة قبل الدخول التي فُرض لها، وأيش الواجب لها؟ نصف ما فرضتم، ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ [البقرة ٢٣٧].
هل يجب على زوجها أن يمتعها مع تنصيف المهر؟ أو يقال: إنه لما سمي المهر صارت المتعة هنا نصف المهر؟ ما تقولون؟
* طالب: (...) المتعة هو الظاهر.
* الشيخ: لأن نصف المهر متعة لا شك، لا سيما في وقتنا هذا إذا صار المهر أربعين ألفًا مثلًا، كم يكون نصفه؟
* الطلبة: عشرين.
* الشيخ: عشرين، متعة ما شاء الله، تحصل ثياب وطعام وكل شيء. نعم، ربما نقول هكذا، ونقول: إن من طُلقت قبل الدخول وقد سمي لها مهر فإنه يكتفى بنصف المهر عن المتعة. إذا قلنا بذلك فهل تكون مخالفة لهذه الآية، أو موافقة لكن لما كان المهر فيها مقدرًا اكتُفي بالتقدير وهو النصف؟
* طالب: الأخير يا شيخ.
* الشيخ: نعم، إن قلت: إنها موافقة فلا إشكال، وإن قلت: إنها مخالفة فحينئذٍ تكون هذه الآية عامة لكن خُصصت بماذا؟
* طالب: بمن سُمِّي لها المهر.
* الشيخ: بمن طُلقت قبل الدخول وقد سمي لها مهر. الرابعة طُلقت بعد الدخول.
* الطلبة: الثالثة.
* الشيخ: الثالثة: طلقت بعد الدخول وقد سمي لها المهر؟
* طالب: تدخل في هذا؟
* الشيخ: تدخل في الآية؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: إذا قلنا: تدخل في الآية معناه أنه يجب عليه مهرها وتمتيعها، فإن كانت قد قبضت المهر فوجوب التمتيع ظاهر، وإن كانت لم تقبضه صار معناه يلزم بما سماه وأيش بعد؟ وبالمتعة، فيلزم بالأمرين، ولكن هذا مشكل؛ لأننا نقول: إذا كنتم تقولون: إن المطلقة قبل الدخول المفروض لها لا يلزمها إلا ما قدر الله لها وهو النصف، فإن المطلقة بعد الدخول لا يلزم زوجها إلا ما سمى لها وهو قياس واضح؛ لأنه لا فرق بين ما قبل الدخول وما بعده، أما إذا كان قد سلمها المهر وأنفقته فهذه قد نقول بوجوب المتعة، ولكن الجمهور على أنه ليس بواجب؛ التمتيع في هذه الحالة، ويحملون الآية على الاستحباب، وحمل الآية على الاستحباب لا شك أنه بعيد من الصواب؛ لأن هذه الآية كما تشاهدون فيها تؤكد وجوب المتعة من ثلاثة أوجه؛ قوله: ﴿لِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ﴾ وإذا كان لها فمعناه يجب عليه أن يقوم بحقها. والثاني قال: ﴿حَقًّا﴾، والثالث: ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ كيف نقول: إن هذا مستحب؟! ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن المتعة واجبة حتى في هذه الصورة حتى فيمن طلقت بعد الدخول وسُمي لها مهر، وقال: إن الآية هذه صريحة ولا فيها نسخ.
الرابعة: من طلقت بعد الدخول ولم يُسمَّ لها مهر، فما الواجب؟
* طالب: المهر واجب؟
* الشيخ: المتعة واجبة لا شك فيها، ولكن ما هي المتعة؟ هو مهر مثلها كما صح ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قضى به، وقد سبقه النبي ﷺ،« فإن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن امرأة عقد عليها زوجها ثم توفي ولم يُسمَّ لها مهر، فقال: لها مهر نسائها ولها الميراث وعليها العدة، فقام رجل فقال: قضى النبي ﷺ في بِرْوَع بنْتِ واشِق امرأة منا بمثل ما قضيت »[[أخرجه أبو داود (٢١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.]]. وعلى هذه الرابعة التي طلقها زوجها بعد الدخول ولم يُسمِّ لها المهر ماذا يجب لها؟ يجب لها مهر المثل وهو متعة، هذا ما تقتضي هذه الآية فصار المطلقات الآن أربعة؛ اثنتان قبل الدخول، واثنتان بعد الدخول؛ اثنتان قبل الدخول، واحدة سمي لها مهر، والثانية لم يُسمَّ، اثنتان بعد الدخول واحدة سمي لها مهر والثانية لم يسم.
بقي خامسة وهي: مَن شُرط في عقدها نفي المهر بأن قال: قبلت النكاح على شرط أن لا مهر عليَّ، فما تقولون فيها؟
* الطلبة: ناقص.. فاسد.
* الشيخ: في هذا خلاف؛ المشهور من المذهب أن الفاسد هو الشرط، وإذا فسد الشرط صار وجوده كالعدم وصارت كأنها امرأة مفوضة يعني لم يسم لها مهر، ويجب لها حينئذٍ مهر المثل، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن النكاح باطل غير صحيح؛ لأن الله إنما أحل لنا ما سوى المحرمات بشرط أن نبتغي بالمال، قال: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء ٢٤]. ولأنه إذا شُرط نفي المهر صار حقيقة الأمر أنه هبة، والهبة من خصائص النبي ﷺ.
وقوله أقرب إلى الصواب، وعلى هذا فإن كان لم يدخل بها أُعيد العقد من جديد، وإن كان قد دخل بها فُرِّق بينهما، ووجب لها مهر المثل بوطئها إن كان قد وطئها، ويُعاد العقد على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، فالحاصل الآن أننا عرفنا أن المطلقات أربعة.
* الطلبة: خمس.
* الشيخ: خمس، المطلقات خمس، وهذه الأخيرة عرفتم (...).
* طالب: شيخ، الصورة الثالثة؟
* الشيخ: إن كان بعد الدخول فلها مهر المثل (...) هي التي طلقت ولم يسم لها مهر فلها المتعة، عرفتم؟ وجوبًا، معلوم تقدم أنه وجوبًا، لكن ذكروا أثرًا لو صح لكان واضحًا:« أن رجلًا لما نزلت الآية الأولى: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ قال رجل: إن الله تعالى جَعَلَهَا إِحْسَانًا إن شئت متعت وإن شئت لم أمتّع فأنزل الله هنا: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ »[[أخرجه الطبري في التفسير (٤ / ٤١٢) من حديث عبد الرحمن بن زيد موقوفًا.]]. فأوجبه الله، فهؤلاء يقولون: إن الآية عامة أُريد بها الخصوص، شيخ الإسلام رحمه الله يرى أنها عامة في كل مطلقة، وأنها واجبة، هذا أحد القولين، والقول الثاني: عامة لكل مطلقة وواجبة إلا فيمن طلقت قبل الدخول وقد فرض لها؛ لأن الله بيَّن ما الذي يجب لها وهو نصف المهر، عرفتم؟
ونحن إذا نظرنا إلى الآية الكريمة وظاهرها وجدنا أنها عامة، وأن حتى التي طلقت قبل الدخول وقد فُرض لها فلها نصف مهرها فرضًا، وتمتَّع بما زاد عليه بناء على هذه الآية، هذا ظاهر الآية، لكنه مُشكل أن التقدير بالنصف معناها أنه حد فاصل ما فيه متعة، وعلى هذا فنقول: ما قدره الشارع اقتصرنا عليه، وما لم يقدره فإننا نضيف إليه المتعة، فإذا طلق قبل الدخول وقد فرض لها أيش؟ النصف، قبل الدخول ولم يفرض المتعة باتفاق الآيتين ولَّا لا؟ باتفاق الآيتين، بعد الدخول وقد فرض لها الكل المهر يعني؛ المهر كاملًا، وهل تجب المتعة؟ تنبني على الخلاف في هذه المسألة، ولو قيل: إنه يفرق بين ما إذا كان المهر لم يُقبض فإن إقباضها إياه عند الطلاق يغنيها عن المتعة، أو كان قد قبض وأنفقته فإن المتعة واجبة، لو قيل بهذا القول لكان له وجه.
الرابعة: من طلقت بعد الدخول ولم يفرض لها فهذه لها مهر المثل، وقد نقول: إنه يُستغنى بها عن المتعة؛ لأنهما حقانِ ماليان واجبان بسبب واحد أو على الأقل بسببين، لكن اتفقا فوجب الاقتصار على واحد منهما، أما إذا قلنا: إنها مستحبة، وأنها عامة فإنه يُشكل على ذلك قوله: ﴿لِلْمُطَلَّقَاتِ﴾ اللام للاستحقاق، وقوله: ﴿حَقًّا﴾، وقوله: ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾.
* طالب: شيخ، القول بأنها مستحبة هي المطلقه أو (...)؟
* الشيخ: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ﴿كَذَلِكَ﴾ أي: مثل ذلك البيان، فالكاف إذن في محل المفعول المطلق، وعامله قوله: ﴿يُبَيِّنُ﴾ أي: مثل ذلك السابق، مثل ذلك البيان السابق يبين الله لكم آياته، ومعنى البيان التوضيح؛ التوضيح أن الله تعالى يوضحه حتى لا يبقى فيه خفاء. وقوله: ﴿لَكُمْ﴾ يحتمل أن اللام للتعدية؛ تعدية الفعل يبين، ويحتمل أن تكون اللام للتعليل أي: يبين الآيات لأجلكم حتى تتبين لكم وتتضح. وقوله: ﴿آيَاتِهِ﴾ يشمل الآيات الكونية والشرعية، فإن الله سبحانه وتعالى بين لنا من آياته الكونية والشرعية ما لا يبقى معه أدنى شبهة في أن هذه الآيات علامات واضحة على وجود الله عز وجل، وعلى ما له من حكمة ورحمة وقدرة.
ولقد حدثني رجل عن شخص كان في نزهة مع أصحاب له، وكانوا -والعياذ بالله- قد اعتادوا أن يشربوا المسكر، فدخل إلى البلد ذات ليلة وخرج إليهم بقوارير من المسكر، فلما خرج من البلد وجد الأرض ممطرة فمشى غير بعيد، فإذا الأرض يابسة ما فيها مطر، فمشى غير بعيد فإذا هي ممطرة، فمشى غير بعيد فإذا هي خمسة محلات ما بين يابس وممطر، ثم أوقف السيارة ووضع يديه على رأسه وجعل يفكر كيف هذا؟ ومن الذي صنع هذا؟ فألقى الله الإيمان في قلبه، سبحان الله العظيم! فأخذ القوارير فكسّرها، ثم ذهب إلى صحبه، فلما وصل إليهم وإذا هم ينتظرونه بفارغ الصبر ويقولون: الله يعافيك يا أبا فلان يا أبا فلان، (...) علينا، أبطأت علينا، وما أشبه ذلك، فقال لهم: نعم، أبطأت عليكم وأنا رأيت كذا وكذا، وهداني الله عز وجل، وهذه قواريركم مكسّرة، فمن وافقني على ما فعلت فهو صاحبي، ومن لم يوافقني فلا أرى عينه بعد ذلك، هذه قصة واقعة مؤكدة، هذه من آيات الله الكونية؟ وشوف كيف اهتدى الرجل بها؟ وهكذا بقية الآيات الكونية يبينها الله عز وجل ويوضحها لنا حتى نتبين بها الحق؛ الآيات الشرعية مبينة أيضًا، مبينة موضحة، لا اشتباه فيها ولا خفاء، كلها بائنة واضحة.
وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (لعل) هنا للتعليل أي: لأجل أن تعقلوا، فهي كقوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ فكذلك يبين الله الآيات لأجل أن نعقل، هذه الآيات عقل فهم وإدراك أي: كلا العقلين.
يستفاد من الآية الكريمة ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وجوب المتعة لكل مطلقة، ووجه ذلك أيش؟ العموم في قوله: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ﴾ إلا أن بعض أهل العلم قال: إن هذا عام أريد به الخاص، ما هو الخاص الذي أريد به؟
قال: الخاص الذي أريد به هي من طلقت قبل الدخول ولم يُسمّ لها مهر، وعلى رأيه تكون هذه الآية توكيدًا للآية السابقة فقط، ولم تأتِ بزيادة معنى، أما على ظاهرها فقد أخذ بها شيخ الإسلام رحمه الله في موضع من كلامه، وفي موضع آخر قال: إنها تجب المتعة لكل مطلقة إلا من طُلقت قبل الدخول وقد فُرض لها فإن لها نصف المهر.
ويستفاد من الآية الكريمة: أنه ينبغي تأكيد الحقوق التي قد تتهاون النفوس بها، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾.
ويستفاد منها أيضًا: أنه ينبغي ذكر الأوصاف التي تحمل الإنسان على الفعل، أو بعبارة أصح: تحمل الإنسان على الامتثال فعلًا للمأمور وتركًا للمحظور، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ لأن تعليق ذلك بالمتقين دليل على أن خلاف ذلك مخالف للتقوى، على أن عدم القيام به مخالف للتقوى، وأن القيام به من التقوى.
وأما الآية الثانية فمن فوائدها: إظهار منة الله على عباده ببيان الآيات لقوله: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ﴾.
ومن فوائدها أيضًا: أن مسائل النكاح والطلاق قد يخفى على الإنسان حكمتها؛ لأن الله جعل بيان ذلك إليه، فقال: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على المفوِّضة أهل التجهيل، وعلى أهل التحريف الذين يسمون أنفسهم بأهل التأويل، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ لأن أهل التفويض وهم أهل التجهيل يقولون: إن الله تعالى لم يبين ما أراد في آيات الصفات وأحاديثها، وأن هذه الآيات والأحاديث بمنزلة الحروف الهجائية التي لا يفهم معناها.
وفيها رد على أهل التحريف كيف ذلك؟ لأن أهل التحريف يقولون: إن الله لم يبين وإنما البيان ما ندركه نحن بماذا؟ بعقولنا، فنقول: لو كان المراد ما ذكرتم لكان الله تعالى يبينه، فلما لم يبين ما قلتم عُلم أنه ليس بمراد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على العقل، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لكن المراد به العقل الصريح السالم من الشبهات والشهوات، أما العقول غير الصريحة فليست بعقول بل هي أهواء، والله عز وجل يقول: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [المؤمنون ٧١].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات العلة لأفعال الله، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
ومن فوائدها أيضًا: أنه لا يمكن أن يوجد في الشرع حكم غير مبيّن، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ آيات هذه جمع مضاف فيعم.
فإن قال قائل: إننا نجد بعض النصوص تخفى علينا؟ فالجواب: أن ذلك إما لقصور في فهمنا وإما لتقصير في تدبرنا، أما النص باعتبار ذاته لم يبيَّن فهذا شيء مستحيل، واضح؟
{"ayahs_start":241,"ayahs":["وَلِلۡمُطَلَّقَـٰتِ مَتَـٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِینَ","كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ"],"ayah":"كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق