الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة ٢٠٣] هنا أمر الله تعالى بذكره ﴿اذْكُرُوا﴾ فعل أمر، وفعل الأمر -كما سبق- يقتضي الوجوب، وقد يكون مشتركًا بين الوجوب والاستحباب حسب ما تقتضيه الأدلة الأخرى.
وقوله: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ﴾ يتناول كل قول أو فعل يقرب إلى الله عز وجل، يعني: ليس المراد أن نقول: لا إله إلا الله، فقط، بل هو شامل لكل قول أو فعل يقرب إلى الله.
فإن قال (...): ما دليلك على ما تقول؟ وما وجه ذلك؟ قلت: دليلي على ذلك قوله تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت ٤٥]، يعني: ذكر الله الذي تضمنته هذه الصلاة أكبر، ودليل أيضًا من السنة قوله ﷺ: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْىُ الْجِمَارِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ»[[أخرجه أبو داود (١٨٨٨)، والترمذي (٩٠٢)، من حديث عائشة رضي الله عنها.]].
وأما وجه ذلك -وجه كون كل قول وفعل يقرب إلى الله فإنه من ذكره- لأن كل قول أو فعل يقرب إلى الله مقرون بنية القصد أن يكون لمن؟ لله، وهذا ذكر لله، أنت عندما تفعل شيئًا تتقرب به إلى الله، أو تقول شيئًا تتقرب به إلى الله يكون في قلبك النية أنك قصدت (...)؛ لأنك تبتغي بذلك وجه الله، فهذا ذكر لله عز وجل (...).
وقوله: ﴿فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ أيام معدودات قيل: أيام التشريق، أيام التشريق الثلاثة: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، وذكر الله تعالى فيها يتناول -كما قلت قبل قليل- كل قول أو فعل يقرب إلى الله، وعلى هذا فالتكبير المطلق والمقيد يدخل في ذلك، يدخل فيه أيضًا رمي الجمرات، ويدخل فيه الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة إذا كانا في هذه الأيام.
قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ (...) إذن ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ تعجل أيش؟ قال أهل العلم: تعجل، أي: خرج من منى، ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ أي: في هذا الظرف، في يومين، فلا إثم عليه إذا تعجل، ما يقال: يجب أن تبقى إلى اليوم الثالث عشر؛ لأن الله قال: ﴿أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾، والأيام جمع، فقد يفهم أحد أن البقاء للأيام الثلاثة واجب فقال: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ أي: لا حرج عليه.
وقوله: ﴿لَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ هذا هو جواب الشرط، وهو -كما نعرف جميعًا- مقرون بالفاء الرابطة للجواب؛ لأن الجملة اسمية، ويجب اقتران الجواب بالفاء (...).
؎اسْــمِـيَّــةٌ طَـلَـبِـيَّــةٌ وَبِـجَـامِــدٍ ∗∗∗ وَبِمَا وَقَدْ وَبِلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ
سبعة مواضع كلها إذا وقعت جواب الشرط فإنها تقترن بالفاء، اللي معنا الآن ما هي؟
* الطلبة: اسمية.
* الشيخ: اسمية، ويصلح أن نقول: اسمية أو مقرونة بلا، أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: وبلا، هي مقرونة بلا وهي اسمية أيضًا.
* طالب: في البيت (بلا) ولا (بما)؟
* الشيخ: وبما، إي نعم، بما.
؎اسْــمِـيَّــةٌ طَـلَـبِـيَّــةٌ وَبِـجَـامِــدٍ ∗∗∗ وَبِمَا..................
ما هي (بلا)، إذن اسمية هذه، هذه اسمية فقط.
﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ وقوله: ﴿عَلَيْهِ﴾ هو الخبر.
﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ تأخر إلى متى؟ ما قيد ﴿تَأَخَّرَ﴾، لكن نعلم ﴿تَأَخَّرَ﴾ في هذه الأيام المعدودات، يعني إلى اليوم الثالث، فلو بقي أحد إلى اليوم الرابع قلنا: هذا غير مشروع، فإن احتج علينا بالآية وقال: إن الله قال: ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ﴾ ولم يقيده، قلنا: لكن أصل الذكر مشروع متى؟ في ثلاثة أيام، ﴿فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ أي: ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلا إثم عليه، فنفى الإثم عن المتعجل وعن المتأخر، عنهما جميعًا، وسيأتي إن شاء الله تعالى في ذكر فوائد الآية أيهما أفضل التعجل أو التأخر.
وقوله: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ هذه جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: ذلك، أي: نفي الإثم لمن اتقى، أي: نفي الإثم بالتقدم أو التأخر لمن اتقى، يعني الذي يكون قد صاحب التقوى في حجه، وذلك أن الله عز وجل لما قال: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ قد يتوهم الواهم أنه لا إثم عليه مطلقًا حتى لو أذنب في حجه أو خالف التقوى فقال..
* طالب: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾.
* الشيخ: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ حتى يزول الوهم الذي حصل بنفي الإثم؛ لأن (لا) النافية للجنس تنفي كل إثم، لكن الله قيده ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾، و(اتقى) فعل ماض مأخوذ من التقوى، وما هي التقوى؟
* طالب: التقوى اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
* الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك، التقوى: اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، هذه التقوى؛ لأنها مأخوذة من الوقاية، وأصلها -على ما قال النحويون- أصلها: وقوى، ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾.
ثم قال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في جميع أحوالكم في الحج وفيما بعد الحج، وليست التقوى لمن كان متلبسًا بالطاعة فقط كحال الغافلين، الغافلون تكون التقوى عندهم في حال التلبس بالطاعة، إذا كان صائمًا عنده تقوى، إذا كان في الحج عنده تقوى، لكنه إذا انتهى من هذا العمل، فبعض الناس لا يتقي الله، يعود على الغفلة، فينسى هذا الأمر الواجب وهو التقوى؛ ولهذا قال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾.
ثم قال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فذكرنا الله عز وجل بالمعاد إليه، كأننا لما انتهينا من المناسك ذكرنا أننا سننتهي أيضًا من الدنيا كلها، وقال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾، والحشر معناه الجمع والضم، أي: تجمعون إليه تعالى يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم، والغرض من هذه الجملة الأخيرة ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ الغرض منها: التهديد والتحذير من المخالفة والمعصية؛ لأن من علم أنه سيحشر إلى الله يتقي الله ولَّا لا؟ نعم، يتقي الله، إذا علم أنه سيحشر إليه ويجازيه على عمله اتقاه سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿وَاعْلَمُوا﴾ تصديرها بالأمر بالعلم يدل على أن هذا العلم له أهمية في إصلاح قلب المرء ومنهجه ومسلكه.
وقوله: ﴿أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فيها تقديم المتعلِّق على المتعلَّق ﴿إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فماذا يفيد التقديم؟
* طالب: الحصر.
* الشيخ: يفيد الحصر، يعني: تحشرون إليه لا إلى غيره، فإليه المرجع كما أن منه المبتدأ.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ﴾ فيما سبق من الآيات قسم الناس في الحج إلى قسمين: منهم من يقول: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾، ومنهم من يقول: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾، وهؤلاء ﴿لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا﴾، هنا قسم الناس أيضًا إلى قسمين: إلى مؤمن وإلى منافق، فقال في المنافق قال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ﴿مِنَ النَّاسِ﴾ (مِن) هنا للتبعيض، وهي بمعنى: بعض الناس؛ ولهذا أعربها بعض النحويين على أنها مبتدأ، قال: لأنها حرف بمعنى الاسم؛ إذ إنها بمعنى: بعض الناس، فيكون (مِن) مبتدأ، و﴿مَنْ يُعْجِبُكَ﴾ خبره، لكن المشهور أن (مِن) حرف جر، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، و﴿مَنْ يُعْجِبُكَ﴾ مبتدأ مؤخر، يعني: ومن الناس الذي يعجبك قوله.
وقوله: ﴿مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ﴾ الخطاب في قوله: ﴿يُعْجِبُكَ﴾ إما للرسول ﷺ، وإما لكل من يتأتَّى خطابه، وأيهما أولى؟
* طالب: الثاني.
* طالب آخر: العموم.
* الشيخ: الثاني، العموم، يعني: من يعجبك أيها المخاطب: الرسول ﷺ وغيره، ﴿مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾.
وقوله: ﴿مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾ ذكر بعض النحويين أنه إذا قيل: أعجبني كذا، فهو لما يستحسن، وإذا قلت: عجبت من كذا، فهو لما ينكر، فتقول مثلًا: أعجبني قول فلان، إذا كان قولًا حسنًا، وعجبت من قوله، إذا كان قولًا سيئًا منكرًا، فقوله: ﴿مَنْ يُعْجِبُكَ﴾ أي: من تستحسنه، تستحسن قوله.
وقوله: ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي: فيما إذا تكلم فيما يتعلق بأمور الدنيا، كأن يتكلم بشيء يتوصل به إلى نجاته من القتل والسبي وما أشبه ذلك؛ لأننا قلنا: الآية هذه فيمن؟ في المنافقين، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ [المنافقون ٤] من حسنه وفصاحته، ولكنهم أهل غرور وخداع وكذب؛ فإن آية المنافق ثلاث منها: «إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣)، ومسلم (٥٩ / ١٠٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والبخاري (٢٤٥٩)، ومسلم (٥٨ / ١٠٦) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.]].
قال: ﴿مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ كلمة ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ متعلقة بمحذوف حالًا من (قول)، أي: قوله حال كونه في الحياة الدنيا، أي: فيما يتعلق بالدنيا؛ لأنه لا يتكلم بما يعجب في أمور الدين، ويحتمل أن المعنى ﴿مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يعني: القول الذي يعجب حتى في الدين، لكن لا ينتفع به في الآخرة، إنما ينتفع به في الدنيا فقط.
قال: ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ ﴿يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ اختلف المفسرون في معناها على قولين:
القول الأول: ﴿يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ من النفاق، يعني: أن باطنه خلاف ظاهره، فالذي يشهد عليه -أي على باطنه- من؟ الله، فهو بإضماره النفاق مشهد لله على ما في قلبه من النفاق، هذا قول.
القول الثاني: ﴿يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ أي: يقسم ويحلف بالله أنه مؤمن مصدِّق، وأن الذي في قلبه هو هذا، فيشهد الله على ما في قلبه من محبة الإيمان والتمسك به وهو كاذب ولَّا صادق؟
* طالب: كاذب.
* الشيخ: كاذب، ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ يقول الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون ١] لكاذبون في أنك رسول الله ولَّا في دعواهم أنهم يشهدون بذلك؟
* الطلبة: في دعواهم.
* الشيخ: في دعواهم أنهم يشهدون بذلك.
يقول الله عز وجل: ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ هذا.. فيها قولان، أقول:
القول الأول: أنه يشهد الله على ما في قلبه من النفاق، أي: أن قلبه منطوٍ على ذلك، متمكن من قلبه ولا يشهده إلا؟ إلا الله عز وجل؛ لأنه باطن.
والقول الثاني: ﴿يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ أنه يحلف ويشهد علنًا أمام الناس بأنه مؤمن ويحب الإيمان وملتزم، وهو في ذلك كاذب، وعندي أن المعنيين لا يتنافيان، كلاهما حق، فهو منطوٍ على الكفر والنفاق، وهو أيضًا يعلن للناس ويشهد الله على أنه مؤمن.
أما حقيقته قال الله فيه: ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ ﴿أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ يعني: أعوجهم وأكذبهم، و﴿الْخِصَامِ﴾ يحتمل أن يكون مصدرًا، ويحتمل أن يكون جمعًا، إن كان مصدرًا ففعله: خَاصَمَ يُخَاصِمُ خِصَامًا، مثل: جَادَلَ يُجَادِلُ جِدَالًا، وقَاتَلَ يُقَاتِلُ قِتَالًا، المهم أن (فِعَال) تأتي مصدرًا لـ(فَاعَلَ)، وابن مالك أعطانا تلك القاعدة في قوله:
* طالب: وفاعل.
* الشيخ: لا، لِفَاعَلَ، ما هي وفاعل.
؎لِفَاعَلَ الْفِعَالُ وَالْمُفَاعَلَهْ ∗∗∗ ..................
فهنا خَاصَمَ لها: الخِصَام والْمُخَاصَمَة، وعلى هذا ﴿أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ تكون الإضافة لفظية؛ لأنها صفة مشبهة مضافة إلى موصوفها، أي: وخصامه ألد الخصام.
وأما إذا قلنا: إن الخصام جمع خَصْم، يعني: بمعنى الخُصُوم، يعني: معناه هو أعوج الخصوم وأشدهم كذبًا، فهو كذلك يصح، ويكون أيضًا من باب إضافة الصفة إلى موصوفها؛ لأن المعنى وهو من الخصوم الأشداء الأقوياء في خصومتهم، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٥٧)، ومسلم (٢٦٦٨ / ٥)، من حديث عائشة رضي الله عنها.]]، فالإنسان المخاصم المجادل بالباطل ليدحض به الحق، هذا أبغض الرجال إلى الله.
وما من إنسان -في الغالب- أعطي الجدل إلا حرم بركة العلم، الإنسان اللي يعطي الجدل يحرم بركة العلم؛ لأن غالب من أوتي الجدل غالبهم قد يريد بذلك نصرة قوله فقط، وبذلك يحرم العلم.
أما من أراد الحق فإن الحق سهل قريب، ما يحتاج إلى مجادلة كبيرة؛ لأنه واضح؛ ولذلك تجد أهل البدع الذين يخاصمون في بدعهم، تجدهم علومهم ناقصة البركة، ناقصة البركة ما فيها خير، وتجد أنهم يخاصمون ويجادلون وينتهون إلى لا شيء، ما ينتهون إلى حق؛ لأنهم ما قصدوا إلا أن ينصروا ما هم عليه، فكل إنسان جادل -نسأل الله السلامة والعافية- كل إنسان جادل من أجل أن ينتصر قوله، فإن الغالب أنه لا يوفق، ولا يجد بركة العلم، وأما من جادل ليصل إلى العلم، فهذا محمود مأمور به ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل ١٢٥].
لكن راجع ما نقل عن أهل البدع في خصومهم لأهل السنة والجماعة تجد جدالًا طويلًا عريضًا، ومنطق، وفلسفة، لكن ما تصل فيها إلى شيء، أخبر النبي عليه الصلاة والسلام «بَأَنَّ الْخَلْقَ لَا يَزَالُونَ يَتَسَاءَلُونَ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولُوا: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٧٦)، ومسلم (١٣٤ / ٢١٤)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] إذا بلغ إلى هذا ماذا يقول الإنسان؟
* طالب: يستعيذ بالله.
* الشيخ: يستعيذ بالله وينتهي، لكن هؤلاء الفلاسفة أو المناطقة لو تذهب إليهم، شوف وأيش لون يجيبون أدلة ومقدمات وأشياء كثيرة، وفي النهاية لا يصلون إلى ما وصل إليه الحديث.
فالمهم أن الإنسان الخصم الغالب -ولا أقول: كل المخاصمين- الغالب أنه يحرم بركة العلم؛ لأنه إنما يريد بذلك فَتْلَ خصمِه وانتصار قوله، وهذا حرمان من البركة.
وقوله: ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ شوف هذا الرجل الآن صار ألد الخصام؛ لأن قوله جيِّد وبيِّن، فيه بيان وفيه فصاحة، يعجبك قوله، فتجده لاعتماده على فصاحته وبيانه تجده ألد الخصام، يخاصم ويجادل.
* طالب: شيخ، قول النحويين (...) ما يرد عليه؟
* الشيخ: إي، هذا ما ينبغي منهم، هذا لا ينبغي منهم أن يقنطوا منه مع أنه سبحانه وتعالى قريب التغيير.
* الطالب: يعني هذا أمر، يعني..
* الشيخ: ما هو محمود، هذا ليس محمودًا من الخلق أن يقنطوا من رحمة الله وهو قريب التغير سبحانه وتعالى.
* طالب: شيخ، (...)؟
* الشيخ: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾.
* طالب: يعني ما فيها قراءة؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ﴿وَيَشْهَدُ اللَّهُ﴾ .
* الشيخ: لا، ما فيها قراءة سبعية، لا.
* الطالب: فيها قراءة.
* الشيخ: ما هي سبعية.
* طالب: نعم، سبعية، سبعية.
* الشيخ: أنا ما عندي إجابة، ما كتبت عندي.
* الطالب: نعم، قرأها حمزة الزيات على الخبر.
* الشيخ: ما أدري، على كل حال تأكدوا منها؛ لأنها ما كتبت، والغالب أني متتبع القراءات السبع.
* طالب: هو بيقول حمزة.
* الشيخ: ما دونه، بس تأكدوا منها.
* الطالب: من واحد.
* الشيخ: أقول: تأكدوا منها، التأكد طيب.
قال: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى﴾ عندي ﴿وَهْوَ﴾ هذه معروفة فيها قاعدة: ﴿وَهْوَ﴾ يعني: سكون الهاء، هذه في كل القرآن، يقال: وَهُوَ، ويقال: وَهْوَ.
* طالب: على قراءة (...)؟
* الشيخ: أيها؟
* الطالب: ﴿وَيَشْهَدُ﴾ .
* الشيخ: إي، تقول: ﴿وَيَشْهَدُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ ؟ هذا يرجح المعنى الثاني أن يُشهد اللهَ ما في قلبه من النفاق.
قال: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ﴾ ﴿إِذَا تَوَلَّى﴾ يعني: عنك وذهب، ﴿سَعَى فِي الْأَرْضِ﴾ المراد بالسعي هنا مطلق الحركة، وليس المراد بالسعي: الركض بالرجل، المراد أنه يتحرك للفساد، ﴿سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا﴾ اللام هنا للتعليل ولَّا للعاقبة؟
* طالب: للتعليل.
* الشيخ: للتعليل، يعني: أنه يطلب الفساد، ويحرص عليه، ويسعى له بقدر ما يستطيع.
﴿لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ كيف يهلك الحرث والنسل؟ قال بعض المفسرين: إن الآية نزلت في شخص معين وهو الأخنس بن شريق، وإنه ذهب إلى قوم من الأنصار وأحرق عليهم زروعهم، وقتل ما عندهم من الحمر؛ الحمير.
ولكن الصحيح أن معنى ﴿يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ أنه بسبب فساده في الأرض تنقص البركات وتحل الآفات، وبذلك يكون هو السبب في إهلاك الحرث والنسل؛ لأن الصحيح -كما قلنا-: إن الآية عامة ما هي في شخص معين، في كل من كان هذا وصفه؛ لأن الله يقول: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ﴾، فعلى هذا يكون ﴿يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ أي: يكون سببًا لهلاك الحرث والنسل.
﴿الْحَرْثَ﴾ المراد به: المحروث، وهو الزروع، كما يقال: الغرس، يعني المغروس، وقوله: ﴿النَّسْلَ﴾ مثلها أيضًا، النسل بمعنى المنسول، يعني: الأولاد والذرية، يعني: فيكون سعيه هذا سببًا لفساد الأرض ولفساد الحيوانات؛ لأنه إذا حصلت المعصية -والعياذ بالله- إذا حصلت المعصية قلَّت البركات ونزعت من الأرض، وحلت الآفات ونقصت الأمطار، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف ٩٦]، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة ٦٥، ٦٦] ﴿أَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ من الثمار من الأشجار، ﴿وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ من الزروع.
﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ بيان أن عمله هذا محبوب إلى الله ولَّا مكروه إليه؟ مكروه إليه؛ لأن الله لا يحب الفساد، وإذا كان لا يحب هذا الفعل، فإنه لا يحب من اتصف به؛ ولهذا جاء في آية أخرى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة ٦٤]، والله لا يحب الفساد ولا يحب المفسدين، فالفساد نفسه مكروه إلى الله، والمفسدون أيضًا مكروهون إليه لا يحبهم.
وإذا علق انتفاء المحبة على وصف، فقد يؤخذ منه أن المحبة تثبت فيما يقابله من الوصف، فإذا كان لا يحب الفساد، فهو يحب الصلاح.
وكذلك المصلحون، حتى قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود ١١٧]، فالله تعالى يحب المصلِح، ويحب الصلاح أيضًا.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ -والعياذ بالله- ﴿إِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ﴾ من قاله؟ أي قائل؛ لأن (قِيلَ) فعل مبني للمجهول، وأصل (قِيلَ): قُوِلَ، على وزن ضُرِبَ؛ لأنه فعل ثلاثي مبني للمجهول، لكن حدث فيه إعلال بقلب الواو ياءً، ثم كسر ما قبلها: قِيلَ.
﴿إِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ﴾ يعني: أمر بأن يتقي الله عز وجل، فيتجنب ما يسعى في الأرض من الفساد الذي هو سبب لهلاك الحرث والنسل كان جوابه -والعياذ بالله-: ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ﴾ العزة هنا بمعنى الأنفة والحمية والترفع.
والعزة قد تكون وصفًا محمودًا، وقد تكون وصفًا مذمومًا، فالمعتز بدينه هذا محمود، ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون ٨]، والمعتز بحسبه ونسبه حتى يكون عنده أنفة من الأمر بالدين، هذا مذموم، فتأخذه العزة بالإثم، أي: تحمله على الإثم، والباء هنا قيل: إنها للسببية، أي: أخذته العزة الأنفة بسبب إثمه، فلإثمه لم يوفق للاهتداء، ولم يوفق لقبول الأمر بالتقوى، وقيل: إن الباء للتعدية، أَخَذَتْهُ بكذا، يعني حَمَلَتْهُ عليه، وهذا هو الأقرب.
وقوله: ﴿بِالْإِثْمِ﴾ وأيش معنى الإثم؟ أي: الذنب الموجب للعقوبة، فكل ذنب موجب للعقوبة فهو إثم.
يقول الله عز وجل: ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ ﴿حَسْبُهُ جَهَنَّمُ﴾ أي: كافيه، وهو وعيد له بها -والعياذ بالله- والحسْب بمعنى الكافي، قال الله تعالى: ﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ﴾ [التوبة ١٢٩] أي: كافيني، ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ﴾ [آل عمران ١٧٣] أي: كافينا، ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ﴾ أي: كافيته، والمعنى: أنه يكون من أهلها -والعياذ بالله- ﴿وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.
(جهنم) اسم من أسماء النار، قيل: إنها اسم معرَّب أو كلمة معرَّبة، وإنها ليست من العربية الفصحى لكنها معرَّبة، وقيل: بل هي من اللغة الفصحى، وإن أصلها من الجُهمة وهي الظلمة، ولكن زيدت فيها النون: جهنم للمبالغة، وعلى كلٍّ فإن جنهم اسم للنار التي أعدها الله تعالى للكافرين، اسم لها، وسميت بذلك لبعد قعرها وظلمتها، والعياذ بالله.
وقوله: ﴿وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ اللام هنا ماذا نعربها؟
* طالب: للابتداء.
* الشيخ: اللام للابتداء لأيش؟
* طالب: موطئة للقسم.
* الشيخ: أو موطئة للقسم، أي: ووالله لبئس المهاد، وهذا أقرب.
وقوله: ﴿بِئْسَ الْمِهَادُ﴾ هذه فعل جامد لإنشاء الذم، (بئس) فعل جامد لإنشاء الذم، وفاعلها؟ ﴿الْمِهَادُ﴾، وهي من الأفعال التي تحتاج إلى مخصوص بالذم، أين المخصوص؟
* طالب: المهاد.
* الشيخ: لا، ﴿الْمِهَادُ﴾ فاعل.
* طالب: محذوف.
* الشيخ: محذوف، أي: ولبئس المهاد مهاده، حيث كانت جهنم.
(...) ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ إلى آخره.
* يستفاد من هذه الآيات الكريمة: مزية الذكر في هذه الأيام المعدودات؛ لقوله: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾؛ لأن ذكر الله على سبيل العموم في كل الوقت، لكن هذا على سبيل الخصوص.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أنه يجوز في هذه الأيام الثلاثة التعجل والتأخر؛ لقوله: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾.
* ومن فوائدها: سعة فضل الله عز وجل وتيسيره في أحكامه؛ حيث جعل الإنسان مخيرًا أن يبقى ثلاثة أيام أو أن يتعجل في اليومين.
* ومن فوائدها: أنه لا بد أن يكون خروجه من منى قبل أن تغرب الشمس؛ لأن (في) للظرفية، والظرف يحيط بالمظروف، فلا بد أن يكون التعجل في خلال اليومين.
* ومن فوائدها: أنه لا يجوز التعجل في اليوم الحادي عشر؛ لأنه لو تعجل في اليوم الحادي عشر لكان تعجل في يوم لا في يومين، واضح؟
وهنا أنبهكم إلى أن كثيرًا من العامة يظنون أن المراد باليومين: يوم العيد واليوم الحادي عشر، ويظنون أن الإنسان يجوز أن يتعجل في اليوم الحادي عشر، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الله قال: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ وهي أيام التشريق، وأيام التشريق إنما تبتدئ؟
* طالب: في الحادي عشر.
* الشيخ: في الحادي عشر.
* ومن فوائد الآية: أن الأعمال المخيَّر فيها إنما ينتفي الإثم إذا كان الإنسان فعلها على سبيل التقوى لله عز وجل دون التهاون بأوامره؛ لقوله: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾، فمن فعل ما يخير فيه على سبيل التقوى لله عز وجل والأخذ بتيسيره، فهذا لا إثم عليه، وأما من فعلها على سبيل التهاون وعدم المبالاة، فإن عليه الإثم بترك التقوى وتهاونه بأوامر الله.
وهل يستفاد من الآية: جواز التأخر إلى اليوم الرابع عشر والخامس عشر أو لا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: الآية يقول: ﴿مَنْ تَأَخَّرَ﴾، ما قال: في ثلاثة أيام، أطلق؟ لكن أصل الذكر في ثلاثة أيام في أيام معدودات، فيكون المعنى: من تأخر في هذه الأيام المعدودات وهي الأيام الثلاثة.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: أيها؟
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لأن الله قيدها قال: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾.
* الطالب: كيف يتصور؟
* الشيخ: يتصور؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: يتصور أن الرجل يكون يفعل هذا على سبيل التهاون وعدم المبالاة لا على سبيل أن الله تعالى يسره له ورخص له فيه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب التقوى؛ لقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، وقد سبق لنا أن التقوى هي والبر إذا ذكرا جميعًا؟
* طالب: افترقا.
* الشيخ: إذا ذكرا جميعًا؟
* طالب: افترقا.
* الشيخ: افترقا في المعنى، وإن أفرد أحدهما؟ دخل فيه الآخر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات البعث؛ لقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
* ومن فوائدها: قرن المواعظ بالتخويف؛ لقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾؛ لأن الإنسان إذا علم بأنه يحشر إلى الله عز وجل، وأنه سيجازيه، فإنه سوف يتقي الله ويقوم بما أوجب الله، وبهذا عرفنا الحكمة من كون الله عز وجل يقرن الإيمان باليوم الآخر في كثير من الآيات بالإيمان بالله، ففي كثير من الآيات يُقرن الإيمان باليوم الآخر بالإيمان بالله دون بقية الأشياء التي يؤمن بها؛ وذلك لأن الإيمان باليوم الآخر يستلزم العمل لذلك اليوم، وهو القيام بماذا؟ بطاعة الله ورسوله.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ إلى آخره.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن الناس ينقسمون إلى طرق، منهم من هذا وصفه، ومنهم من يأتي وصفه أيضًا.
* ويستفاد منه: أنه لا ينبغي للإنسان أن يغتر بظواهر الأحوال، من أين تؤخذ؟ ﴿مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾، وكذلك من الناس من يعجبك فعله، ولكنه منطوٍ على الكفر -والعياذ بالله- فهذا لا تغتر بظاهر الحال، ولكن لا شك أنه بالنسبة إلينا ليس لنا أن نحكم إلا بما تقتضيه؟
* طالب: الظاهر.
* الشيخ: الظاهر؛ لأن ما في القلوب ما نعلمه، ولا يمكن أن نحاسب الناس على ما في القلوب، وإنما نحاسبهم على حسب الظواهر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذا الصنف من الناس يُشهد الله على ما في قلبه، إما مما أظهره، وإما مما أبطنه؛ لأنا قلنا: إن فيها معنيين: إما فيما أظهره، يعني يظهر لك أنه يتكلم بالكلام الذي يُشهد الله على ما في قلبه من ظاهر حاله، أو أنه يُشهد الله على ما في قلبه من الكفر والنفاق، فهو منطوٍ عليه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى ترك الجدل والخصام؛ لقوله: ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾، فإن الخصومات في الغالب ما يكون فيها بركة، ولكن هذه الآية -كما قلنا سابقًا- مقيدة بما أمر الله به من المجادلة، مجادلة أهل الباطل بالحق، فإن هذا أمر لا بد منه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات علم الله عز وجل بما في الصدور؛ لقوله: ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾؛ لأن ما في القلب ما يعلمه إلا الله عز وجل ومن كان في قلبه هذا الشيء.
* ومن فوائد الآية التي بعدها: أن هذا الرجل الذي يعجب قوله ويُشهد الله على ما في قلبه أنه إذا تولى سعى في الأرض بما يفسدها، بماذا؟
* طالب: بالمعاصي.
* الشيخ: بالمعاصي، فإن المعاصي سبب لهلاك الحرث والنسل -والعياذ بالله- الدليل؟ ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف ٩٦]، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة ٦٥،٦٦].
* ومن فوائد الآية أيضًا: أن هذا الذي يُعجب قولُه يتولى، ما يبقى ولا يمكث؛ لقوله: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى﴾، وقد مر علينا في أول سورة البقرة أن اللغة العربية تفرق بين (إنْ) و(إذا)؛ بأن (إن) الشرطية لأمر قد يكون مستحيلًا ولا يمكن، والغالب أنه يكون غير واقع، أما (إذا) فهي فيما يكون ممكنًا ومتوقعًا؛ ولهذا قالوا في قوله تعالى: ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ [البقرة ٢٠] ما قال: وإن أظلم، فلما قال: ﴿وَإِذَا أَظْلَمَ﴾ علم بأنه لا بد أن يظلم، هذا ﴿إِذَا تَوَلَّى﴾ ليست كقوله: إن تولى، إن تولى سعى، ولكنه إذا تولى، يعني سيكون منه التولي؛ لأنه غير ثابت.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المحبة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾.
فإن قلت: هذا نفي وليس بإثبات، قلنا: إن نفيه محبة الفساد دليل على ثبوت أصل المحبة، ولو كان لا يحب أبدًا لم يكن هناك فرق بين الفساد والصلاح، أو لا؟ فلما نفى المحبة عن الفساد علم أنه يحب الصلاح، وهو كذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من الفساد في الأرض؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾. ومعلوم أن كل إنسان يجب أن يكون حذرًا من التعرض لأمر لا يحبه الله.
إذا كان لا يحب الفساد هل هو لا يحب المفسد؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، معلوم؛ لأن الوصف إذا كان غير محبوب إلى الله، فمن اتصف به فغير محبوب إلى الله، على أنه ورد في آيات أخرى ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة ٦٤].
ثم قال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن هذا الرجل الموصوف بهذه الصفات أنه يأنف أن يؤمر بتقوى الله؛ لقوله: ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ﴾، فهو يأنف، كأنه يقول في نفسه: أنا أرفع من أن تأمرني بتقوى الله عز وجل، وهذا لا شك أنه ظلم، والنبي عليه الصلاة والسلام أمره الله تعالى بأن يتقي الله، أمر نبيه وهو أتقى الناس لله أن يتقي الله ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب ١]، وقال في قصة زينب: ﴿وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب ٣٧]، هذا قاله للنبي عليه الصلاة والسلام، كيف أنت أيها الإنسان ما يقال لك: اتقِ الله؟! لكن -والعياذ بالله- في هذا دليل على أن عنده أنفة عن الحق واستكبارًا وعلوًّا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: البلاغة التامة في حذف الفاعل في قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ﴾، لم يقل: إذا قال له فلان أو فلان؛ ليشمل كل مَن قال له ذلك؛ لأنه لا يرد هذا الأمر لشخص القائل، ولكن لكراهة ما أمر به؛ لأنه لو قال: إذا قال له الرسول، كأنه يقول: هذا أنف من أن يكون الرسول محمدًا عليه الصلاة والسلام وهو لم يرسل، أو إذا كان اللي قال له فقير، يقول: هذا وأيش ها الفقير يقول لي؟ لكن إذا حذف الفاعل صار رده للحق من أجل؟
* طالب: الكراهة.
* الشيخ: لكراهة الحق نفسه ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من رد الناصحين؛ لأن الله تعالى جعل هذا من أوصاف هؤلاء المنافقين، فمن رد آمرًا بتقوى الله، ففيه شبه من المنافقين، والواجب على المرء إذا قيل له: اتقِ الله، أن يقول: سمعنا وأطعنا، مهما كان الذي أمرك بتقوى الله يجب أن تقول: سمعنا وأطعنا، ما هو لهذا الرجل، ولكن لوجوب التقوى الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأنفة قد تحمل صاحبها على الإثم؛ لقوله: ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾، وسبق لنا أن العلماء ذكروا لها معنيين -وهما صالحان-: إما أن المعنى أنه لإثمه تأخذه العزة ولا ينصاع للأمر بالتقوى، أو أن المعنى أن عزته أوقعته في الإثم، يعني: هل الإثم سابق على العزة، فأخذته العزة بسببه، أو أن العزة سابقة حملته على الإثم؟ ذكرنا في هذا قولين، وقلنا: إن كليهما صالح.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه -أي هذا الرجل- من أهل النار؛ لقوله: ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ﴾.
ومنها: الثناء على النار بالقدح؛ لقوله: ﴿وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾، ولا شك أن جهنم أنها بئس المهاد..
{"ayahs_start":203,"ayahs":["۞ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ فِیۤ أَیَّامࣲ مَّعۡدُودَ ٰتࣲۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِی یَوۡمَیۡنِ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُمۡ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ","وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَیُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِی قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ","وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِی ٱلۡأَرۡضِ لِیُفۡسِدَ فِیهَا وَیُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ","وَإِذَا قِیلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ"],"ayah":"وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِی ٱلۡأَرۡضِ لِیُفۡسِدَ فِیهَا وَیُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق