﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣ أَیَّامࣰا مَّعۡدُودَ ٰتࣲۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِیضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرࣲ فَعِدَّةࣱ مِّنۡ أَیَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِینَ یُطِیقُونَهُۥ فِدۡیَةࣱ طَعَامُ مِسۡكِینࣲۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَهُوَ خَیۡرࣱ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ١٨٤﴾ [البقرة ١٨٣-١٨٤]
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة ١٨٣].
أولًا: الخطاب بالنداء تقدم أنه يدل على تنبيه المخاطب لأمر ذي شأن؛ ولهذا وجه إليه النداء:
﴿يَا أَيُّهَا﴾ فكأنه يقول: انتبه، ثانيًا: تعليق هذا بوصف الإيمان فيه ثلاث فوائد: أولًا: الإغراء بالانتساب، وثانيًا: أن هذا من مقتضى الإيمان، وثالثًا: أن تركه نقص في الإيمان، أما وجه كونه مفيدًا للإغراء؛ فلأن مناداة الإنسان بهذا الوصف
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ تستلزم حثهم على هذا الشيء بسبب إيمانهم، ولهذا لو أقول لك: يا رجل، افعل هكذا، هذا يغريك على فعله، وكأنك إذا لم تفعله فاتك وصف الرجولة، هذا السبب في أنه يفيد الإغراء، أما كونه يفيد أنه مقتضى الإيمان؛ فلأنه وجه إلى المؤمنين فكان ذلك لمقتضى إيمانهم، وأما كونه نقصًا فيما لو تخلف فلأنه لما خُصَّ به المؤمن عُلم أنه من خصاله، وإذا فاتت خصال الإيمان أو فات شيء منها صار ذلك نقصًا في الإيمان، إذن نخلص من هذا إلى أن الصيام مما يُعْتَنى به ويهتم به.
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾ أي فرض، والذي فرضه هو الله سبحانه وتعالى.
﴿الصِّيَامُ﴾ هذه نائب الفاعل
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ فهو نائب الفاعل المرفوع.
والصيام في اللغة: الإمساك، ومنه قوله تعالى:
﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم ٢٦] يعني إمساكًا عن الكلام بدليل قولها:
﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [مريم ٢٦]، وأما في الشرع فإنه: التعبد لله سبحانه وتعالى بترك المفطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وقوله:
﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة ١٨٣] الكاف هذه حرف جر، وتفيد التشبيه ولكنه تشبيه للكتابة بالكتابة، وليس للمكتوب بالمكتوب
﴿كَمَا كُتِبَ﴾، وهذا أعني التشبيه بالفعل دون مَن وقع عليه الفعل هذا أمر مطرد،
«إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ»(١) التشبيه هنا للرؤية ولَّا للمرئي بالمرئي؟ للرؤية بالرؤية؛ لأن الكاف دخلت على الفعل الذي يؤول إلى المصدر، فقوله:
﴿كَمَا كُتِبَ﴾ نقول هنا التشبيه المكتوب بالمكتوب ولَّا الكتابة بالكتابة؟ الكتابة بالكتابة؛ أي: ككتابته، ولهذا نقول (ما) هنا مصدرية وليست اسمًا موصولًا.
وقوله:
﴿عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ من أين؟ من الأمم السابقة، يعم اليهود والنصارى ومن قبلهم، كلهم كتب عليهم الصيام، ولكنه لا يلزم أن يكون كصيامنا في الوقت والزمن.
وقوله:
﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ هذا التشبيه فيه فائدتان لنا، الفائدة الأولى: التسلية والتأسي بمن سبق؛ حتى لا تقول هذه الأمة: إن الله سبحانه وتعالى حملنا آصارًا وأثقالًا بهذا الصوم، لا سيما في أيام الصيف، فيقال: اطمئنوا فالأمر كنتم مسبوقين به، ولا شك أن الإنسان إذا ذُكِرَ له من شاركه في أمر شاق، فإنه يُهَوِّن عليه، ودليل ذلك قوله تعالى:
﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف ٣٩].
يعني: لن ينفعكم اشتراككم في العذاب، بل هنا في الدنيا إذا اشترك الناس في العذاب هان عليهم؛ ولهذا قالت الخنساء في رثاء أخيها صخر:
وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي ∗∗∗ عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي؎وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ∗∗∗ أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي
فهؤلاء في النار ما ينفعهم الاشتراك في العذاب أن يهون عليهم، كذلك هنا لما ذكر الله أنه فرض علينا الصيام بَيَّن أنه فرض على من قبلنا حتى نطمئن ولا نقول: إننا حُملنا ما لم تحمل الأمم السابقة هذه واحدة، الفائدة الثانية لنا في ذكر كتابته على من سبقنا: بيان أن هذه الأمة كُمِّلت لها الفضائل كما كُمِّلَت للأمم السابقة، ولا ريب أن الصيام لله عز وجل من أعظم الفضائل، أن الإنسان يترك شهوته وطعامه وشرابه أشهى ما (...) إليه لله عز وجل، ومن أجل هذا اختص الله ثوابهم لنفسه، اختصه لنفسه فقال:
«كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الْصَوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتُهُ مِنْ أَجْلِي»(٢).
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: من؟
* طالب: الأمم السابقة (...).
* الشيخ: طيب هذا من نعمة الله علينا؛ لأنه نقول: إنه لما فرض الله علينا بين أنه قد فرض على من سبقنا حتى لا نقول: إنه من الآصار التي علينا.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، وأيضًا نتأسى بذلك، ما دام هذا مفروضًا على غيرنا، فإنه يهون علينا، الآن الناس..
* طالب: (...) حتى وإن لم يكن مكتوبًا.
* الشيخ: (...)، الله عز وجل يهون الأمر علينا كونها تأتي في أيام معدودات (...) سمعنا وأطعنا إن شاء الله تعالى (...) ويذكِّر العباد بأشياء حتى يهون عليهم الأمر وينقادوا تمامًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: تتقون الله عز وجل، هذه هي الحكمة الشرعية التعبدية للصوم، وما جاء سوى ذلك من مصالح بدنية أو مصالح اجتماعية فإنها تبع وإلَّا ففيه مصالح بدنية واجتماعية، وأنا يؤسفني كثيرًا أن يركز بعض الناس على فوائد الصوم البدنية والاجتماعية، أنا لا أقول لا تُذْكَر، تذكر لكن لا يركز عليه، وكأنه ما شرع إلا لها لأن هذا يذهب روح الصيام، وهو التعبد لله به، فإذا قيل للإنسان: أنت إذا صمت صار في هذا زوال للفضلات التي في بدنك من كثرة الطعام، وصار في هذا كذا وكذا من الفوائد الطبية، وصار في هذا أيضًا تذكير لك بإخوانك الفقراء حتى تواسيَهم بمالك وما أشبه هذا من أمور، ما نقول هكذا، وننسى الأصل الذي من أجله كتب الصيام وهو تقوى الله؛ ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فَي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»(٣) هذا هو الحكمة من الصوم، والتقوى فيه ظاهرة جدًّا، ولا حاجة إلى أن آتي لكم بشاهد وأنتم تصومون رمضان وتحسون بما يكون في نفوسكم من تقوى الله عز وجل في أيام الصوم، والإنسان بمجرد ما يقول لنفسه أو يُشْعِر نفسه أنه ترك ملاذه لله، لا شك أنه يقول: إذا تركت هذه الملاذ التي هي من مقتضى طبيعتي، وتحثُّ عليها طبيعتي حثًّا عظيمًا، فإن هذا لا شك أنه يكسب قلبه محبة الله وتعظيمًا له ونورًا وإيمانًا وطمأنينة، وهذا هو السر في قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
* طالب: شيخ، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ هنا مطلقة (...) وجهه؟
* الشيخ: لا، ما له وجه الصواب أنكم لعلكم تتقون الله؛ لأن التقوى إذا أطلقت فهي هذا تقوى الله مثل: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة ٢]، وما أشبهه.
* طالب: قد يقول قائل: إن التقوى غالبًا تكون في الإفطار أكثر منها في الصيام، وذلك لأن الجسم عندما يكون نشيطًا يكون أخشع لله، وإذا كان غير ذلك لا بد أنه يثقل الذكر والعبادة؟
* الشيخ: ما جربت يا ولدي، الشبع هو الذي يدعو إلى الأشر والبطر.
* طالب: وإلى النوم.
* الشيخ: وإلى النوم الإنسان إذا شبع (...).
* طالب: بالأخص إذا كان الجو حارًّا.
* الشيخ: صحيح أنه يتعب، لا شك أنه يتعب، فهمت؟ لكن هذا التعب وهذا الانكسار له تأثير على القلب، تأثير يعرفه أرباب السلوك، نحن ما نعرفه، إحنا يعني إلى المادة أقرب منا إلى الروح، لكن على كل حال أرباب السلوك يعرفون هذا، فله إصلاح عظيم للقلب، إذا كان في الحدود الشرعية، أنا ما أقول: موت روحك من الجوع لو أنك كنت صائم، لا ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ [البقرة ١٧٢]، لكن له تأثير لا سيما إذا اقترن به أن الإنسان يشعر بأنه يتعبد لله، وهذا له فائدة عظيمة.
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب ثم قال: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة ١٨٤] أيامًا هذه مفعول لقوله: ﴿الصِّيَامُ﴾؛ لأن الصيام مصدر يعمل عمل فعل ولَّا لا؟ هنا مر علينا من كلام ابن مالك؟ ويش يقول؟
* طالب:
بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ فِي الْعَمَلْ ∗∗∗ مُضَافًا اوْ مُجَرَّدًا أَوْ مَعَ أَلْ
* الشيخ: أو مع (أل).
* طالب:
إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ (أَنْ) أَوْ (مَا) يَحُلْ ∗∗∗ مَحَلَّهُ وَلِاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ
* الشيخ: المهم هو الآن مع أل فهمت؟ فالصيام عمل في قوله:
﴿أَيَّامًا﴾ يعني: كتب عليكم أن تصوموا أيامًا معدودات.
وقوله:
﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ نكرة، والنكرة تفيد القلة وتفيد الكثرة وتفيد العظمة وتفيد الهون حسب السياق، لما قرنت هنا بقوله:
﴿مَعْدُودَاتٍ﴾ أفادت القلة يعني: هذا الصيام ليس أشهرًا ليس سنوات ليس أسابيع ولكنه أيش؟ أيام، أيام معدودات قليلة.
و
﴿مَعْدُودَاتٍ﴾ لا يخفاكم أنها من صيغ جمع القلة؛ لأن جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم من صيغ جمع القلة يعني فهي أيام قليلة، وصدق الله عز وجل؛ قليلة إذا نسبت ثلاثين يوما لثلاث مئة وستين يوما.
* طالب: (...).
* الشيخ: قليلة، ومع ذلك فيها هذا الفضل العظيم: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾، ثم قال فالاستثناء من قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾ لأن ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾ يشمل المريض والمسافر والقادر والعاجز، لكن قال: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ ﴿مَنْ﴾ شرطية و﴿كَانَ﴾ فعل الشرط و﴿فَعِدَّةٌ﴾ الجملة جواب الشرط، وعدة مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: فعليه عدة من أيام أخر، ويجوز أن تكون خبرًا مبتدؤه محذوف، والتقدير: فالواجب عدة.وقوله:
﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾ مريضًا أخذ بعض أهل العلم بظاهرها، وقال: أي مرض يصيب الإنسان فله أن يفطر، أي مرض يصيب الإنسان فله أن يفطر، ولكن في هذا نظر ووجهه إنه إنما استثني المريض لمشقة الصوم عليه، وعلى هذا فنقول:
﴿مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾ مرضًا يشق عليه الصوم أو يتأخر به البُرْء، يعني: ما يشق عليه، لكن يتأخر به البرء، أو يفوت به العلاج، كما لو قال له الطبيب: خذ حبوبًا كل أربع ساعات وما أشبه ذلك، فالمهم إذا كان للصوم تأثير على هذا المرض بمشقة أو تأخر برء أو اختلاف في العلاج فإنه يجوز له أن يفطر، أما مريض في ضرسه مثلا، فصار معه كسل بسبب وجع الضرس ولكنه يتحمل الصيام بدون مشقة، نقول له: أفطر؟ ما نقول: أفطر، أو كان في أصبعه شوكة صار معها بعض الفتور من أجلها، لكنه لا يشق عليه الصوم، فهذا أيضًا لا نقول له: أفطر؛ لأنه لا داعي للفطر، فالمرض لن يؤثر عليه إطلاقًا، فإذا قال قائل: نحتاج إلى دليل على هذا التخصيص. قلنا: التخصيص مفهوم من العلة.
وقوله:
﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ على سفر، ما قال: أو مسافرًا مع أنه قال في الأول: مريضًا، ولم يقل: في مرض، فلا بد أن يكون هناك حكمة في اختلاف التعبير، فما هي الحكمة؟ الحكمة من قال: إن من عزم على الرحيل فله الإفطار ولو كان في وسط بلده، كما هو مروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه وقال:
«إنه هو السُّنة»(٤)، فإنه يظهر تمامًا معنى قوله:
﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ لأن المتهيِّئ للسفر المرتحل لو ما خرج وصار في سفر حقيقة فإنه على سفر، ولهذا يقول الشاعر:
مَرَّ الْجَرَادُ عَلَى زَرْعِي فَقُلْتُ لَهُ ∗∗∗ لَا تَأْكُلَنَّ وَلَا تَسْعَىبِإِفْسَادِي؎فَقَامَ مِنْهُمْ خَطِيبٌ فَوْقَ سُنْبُلَةٍ ∗∗∗ إِنَّا عَلَى سَفَرٍ لَا بُدَّ مِنْ زَادِ
الشاهد قوله: إنا على سفر. (...)
﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة ١٨٤] قوله:
﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ هذه على تقدير شَيْءٍ محذوف، والتقدير: فأفطر فعدة من أيام أخر.
* طالب: (...).
* الشيخ: فأفطر فعدة من أيام أخر.ثم:
﴿عِدَّةٌ﴾ إما أنها مبتدأ خبرها محذوف التقدير: فعليه عدة، أو أنها خبر مبتدأ محذوف التقدير: فالواجب عدة، أو فالمكتوب عدة من أيام أخر.
قوله تعالى:
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ﴾ هذا التشبيه لأي شيء؟
* طالب: تشبيه كتاب بكتاب.
* الشيخ: وليس المكتوب بالمكتوب؟
* طالب: لا ليس المكتوب بالمكتوب.
* الشيخ: ما نظيرها؟ أو هل هناك شاهد في مثل هذا التركيب يدل على ما قلت؟
* طالب: مثل قول النبي ﷺ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ اللَّهَ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ»(٥).
* الشيخ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ» فهنا قطعًا التشبيه للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي، قوله: ﴿كَمَا كُتِبَ﴾ (ما) هنا؟
* طالب: ما مصدرية.
* الشيخ: مصدرية؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ولا تصلح موصولة؟
* طالب: ما تصلح.
* الشيخ: نعم، نعم صح، قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لعل معناها؟
* طالب: معنى لعل؟ تعليل.
* الشيخ: تعليل، يعني: لأجل أن تتقوا، ﴿أَيَّامًا﴾ ويش إعرابه؟
* طالب: أيامًا مفعول.
* الشيخ: مفعول لأيش؟
* طالب: مفعول لـ ﴿كُتِبَ﴾.
* الشيخ: مفعول لـ ﴿كُتِبَ﴾، يعني (كُتِبَ) مبني للمجهول.
* طالب: الصيام.
* الشيخ: مفعول لأيش؟
* طالب: مفعول للصيام.
* الشيخ: مفعول الصيام؟ وهذا الصيام ينصب المفعول به؟
* طالب: ما ينصب، لأنه..
* الشيخ: ما ينصب لأنه اسم.
* طالب: مفعول لفعل محذوف.
* الشيخ: ويش التقدير؟
* طالب: فعليه.
* الشيخ: فعليه؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: أيام تكون؟
* طالب: (...).
* الشيخ: وهنا يحل محله الفعل.
إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ (أَنْ) أَوْ (مَا) يَحُلْ ∗∗∗ مَحَلَّهُ.....................
يعني: كتب عليكم أن تصوموا أيامًا معدودات، فهو إذن مفعول الصيام، طيب ما الحكمة من قوله سبحانه وتعالى:
﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾؟
* طالب: بيان أن هذه الأيام (...) الله تعالى بأن هذه الأيام لا تشمل السنة كلها، وإنما هي شيء قليل بالنسبة لهذه السنة كلها.
* الشيخ: أيش الحكمة منها: بس أنه يبين أنها معدودات فقط؟
* طالب: تخفيف على العباد.
* الشيخ: صح، تخفيف الأمر على المكلف، أنا ما أسأل لماذا كانت أيامًا، أسأل لماذا عبر بأيام، نقول: هذا من أجل تخفيف الأمر على المكلف ليقبل، يعني: كما لو أقول لك: ما هي إلا أيام قليلة أو ما هي إلا ليال قليلة أو ما أشبه ذلك.قوله:
﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ هل المراد مطلق المرض؟
* الشيخ: هل المراد مطلق المرض؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: أي مرض يكون؟
* طالب: أي مرض.
* الشيخ: أي مرض يكون؟
* طالب: إي، أي مرض.
* الشيخ: أي مرض يكون، طيب توافق؟
* طالب: هو ظاهر القول هكذا، ولكن الصحيح خلاف ذلك.
* الشيخ: ولكن المراد، من هو الصحيح؟
* طالب: المراد أنه المرض الذي يشق معه الصيام أو يتأخر معه الشفاء أو يعارض تعاطي العلاج.
* الشيخ: إي، أحسنت، زين، وهذا التقييد الذي قيدنا به الظاهر؟
* طالب: يؤخذ من العلة.
* الشيخ: من العلة والحكمة تمام.قوله تعالى:
﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ ما هو السفر؟
* طالب: السفر؟ ما أخذناه، وقفنا عنده.
* الشيخ: طيب، قوله: ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ السفر جاء في القرآن، وفي السنة وجاء في القرآن بلفظ: ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾، وبلفظ: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [النساء ١٠١] وبلفظ: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [المزمل ٢٠] وما أشبه ذلك، ولم يحدد الله سبحانه وتعالى ولا رسوله مسافة ولا زمنًا لهذا السفر، لا مسافة ولا زمنًا، ومن أراد أن يتبين ذلك فليُراجِع، ما في القرآن إن السفر محدد بمسافة يقطعها الإنسان وليس هناك في عهد الرسول ﷺ أناس مسَّاحون يمسْحُون الأرض حتى يدركوا الذراع والشبر والأنملة وحبة الشعير وشعرة البرذون، لأن عند الذين يحددون بالمسافة يحددون إلى شعرة البرذون يعني: بهذه الحبة رمل تفرق بين المسافر وغير المسافر، اللي من دون الحبة غير مسافر، واللي من ورائها مسافر، هذا يقول شيخ الإسلام ما هو وارد، ما ورد عن رسول الله ﷺ ولا فيه مساحين يعرفون هذا التقدير بهذه المسافة وهذا صحيح، كذلك أيضًا لم يُقيَّد السفر بزمن؛ ولهذا اضطربت أقوال أهل العلم في هذه المسألة على أقوال تبلغ نحو العشرة، ما هو السفر، أيحدد بزمان أم يحدد بمسافة أم يحدد بالعرف؟ شيخ الإسلام رحمه الله له قاعدة معروفة وهو أن كل شيء أطلقه الشارع، ولم يَحُدَّه له الحد فإن الرجوع فيه إلى العرف، فما تعارفه الناس فهو انطبق عليه الحكم، وذكر منه السفر، قال: فما عده الناس سفرًا بحيث يقال: فلان سافر بحيث يعد له الزاد والمزاد ويتهيأ له فهو سفر وما لا فلا، وقال بعض العلماء: إنه إذا خرج ثلاثة أميال مطلقًا وإن لم يسم سفرًا قصر، وقال آخرون: إذا خرج ثلاثة فراسخ لحديث أنس بن مالك:« كان النبي ﷺ إذا خرج ثلاثة أميال أو فَرَاسِخ -الشك من شعبة- صلى ركعتين»(٦) قال: فعلى هذا يقول: ما دام الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلي ركعتين إذا خرج هذه المسافة فإننا نأخذ بها، ولكن قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن هذا حكاية لحال وقع، فلا ندري لو خرج أقل أو أكثر، أكثر على كل حال يقصر بلا شك لأنه من باب أولى، لكن إذا خرج أقلَّ، ولكنك إذا تأملت لفظ الحديث وجدت أنه أقل من ذلك الحديث يدل على أنه لا قصر فيه لأنه يقول: إذا خرج ثلاثة، إذا خرج، فمفهومه إذا خرج أقل فإنه لا قصر، فنقول: أقل الشيء هي ثلاثة أميال أو فراسخ، أيهما أحوط؟ ثلاثة فراسخ، ثلاثة فراسخ، لكن عامة أهل العلم وأكثر أهل العلم يرونه ستة عشر فرسخًا، يرون مدة مسافة القصر ستة عشر فرسخًا فما بلغها فهو قصر وما دونها فليس بقصر، وعلى هذا فنقول: ما دامت المسألة ليس فيها حد بَيِّنٌ شرعي فإنه إذا خرج هذه المسافة التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصليها فيها ركعتين قصر، وما دونها محل شك والأصل؟ أيش الأصل؟ الإتمام، الأصل الإتمام فيتم، وما خرج عن الثلاثة فإنه يقصر إلا أنه لم يُعَدَّ سفرًا مثل رجل خرج بمسافة ثلاثة فراسخ ورجع من يومه، فإنه لا يعد مسافرًا، حتى في العرف لا يعد مسافرًا فلا يثبت له حكم السفر، لكن لو أن رجلًا خرج ثلاثة فراسخ، وأقام مدة بهذا المكان فإنه يعد مسافرًا، فصار السفر الآن إما أن يكون بمسافة وإما أن يكون بالزمن حسب العرف.وقوله سبحانه وتعالى:
﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ التعبير اختلف في قوله:
﴿مَرِيضًا﴾ ولم يقل: ومن كان فيه مرض، قال:
﴿مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾، وفي السفر قال:
﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ ما هي الحكمة؟ قد يقال الحكمة -والله أعلم- أن المسافر قد تكون له حالة تشبه الإقامة، تكون له حال تشبه الإقامة مثل ما لو أقام في بلد مستريحًا مطمئنًّا مستظلًّا، فهو في الحقيقة ما كأنه مسافر لكنه أيش؟ لكنه على سفر، ما نيته الإقامة مثل ما حصل للرسول ﷺ في غزوة الفتح فإنه أقام في مكة تسعة عشر يومًا وهو يقصر الصلاة، وقد أفطر حتى انسلخ الشهر كما في حديث ابن عباس الذي في البخاري
(٧)، الرسول ﷺ هنا باعتباره في بلد ويش يُعْتَبر؟ كأنه مقيم، هو والمقيمين على حد سواء، لكنه في الحقيقة على سفر ما نيته الإقامة نيته أن يبقى في هذا المكان لمدة بمقدار حاجته ثم يرجع، فهنا نقول: إنه على سفر، هذه فائدة، فائدة أخرى على رأي بعض أهل العلم: أن المتهيئ للسفر كالخارج فيه يعني: مثلًا إنسان عزم على أنه يمشي بعد الظهر في رمضان، وهذا متهيئ يهيئ عفشه، يحمل متاعه، وما أشبه ذلك، يقولون: وإن كان في بلده فإنه يجوز أن يفطر، وكان أنس بن مالك رضي الله عنه يفعل ذلك ويقول:
«إنه من السنة»(٨)، لكن الحديث هذا فيه مقال عنه، لكن على رأي من أثبته يقول: إن الإنسان إذا عزم على السفر أصبح مفطرًا، وهذا قالوا: خير من كونه يصوم ثم إذا خرج أفطر؛ لأنه لم يدخل في العبادة أصلًا، لكن جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة على خلاف هذا القول: على أنه لا يحق له الفطر إلا إذا خرج على خلاف بينهم أيضًا، هل يجوز لمن سافر في أثناء اليوم وهو صائم أن يفطر أم لا والصحيح أنه يفطر لدلالة السنة على ذلك.
* طالب: هل يفطر إذا تهيأ؟
* الشيخ: لا ما أرى هذا ما أرى هذا؛ لأن الحديث فيه مقال في نفسي منه شيء، والأصل وجوب الصوم، والحمد لله إذا خرج ما دام إذا خرج له أن يفطر يخرج صائمًا وإذا شاء أفطر.
* طالب: ممكن يتأخر السفر لسبب خارج عنه.
* الشيخ: ربما يتأخر، خصوصًا في وقتنا الآن؛ لأن الآن الإنسان مربوط بغيره (...) الأسفار، الأول واحد يحمل البعير ويمشي؛ لكن الآن خصوصًا بالطائرات مربوط بغيره.قوله تعالى:
﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ ﴿فَعِدَّةٌ﴾ معروف أن جمهور أهل العلم ما عدا أهل الظاهر يقولون: إن الآية على تقدير محذوف، وهو: فأفطر فعليه عدة، وقال أهل الظاهر: إنه لا تقدير؛ لأن الأصل عدمه فإذا دار الكلام بين الحذف وعدم الحذف فالأصل عدم الحذف، وعلى هذا
﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ ففرْضُه عدة من أيام أخر، فلو صام لم يجزئه؛ لأن الله إنما أوجب عليه العدة
﴿مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ ﴿أُخَرَ﴾ أي: مُغايِرَة لهذه الأيام، فعليه لو صام لم يجزئه، وهذا القول لولا وجود السُّنَّة لكان قويًّا لقوة تعليله، ولكن السنة بينت أن الآية لا بد فيها من تقدير: فأفطر، وذلك لأنه ثبت أن الصحابة مع النبي ﷺ منهم الصائم ومنهم المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، ولو كان الصوم حرامًا ما فعله الصحابة بحضرة النبي ﷺ بل قد كان عليه الصلاة والسلام يصوم في رمضان كما في حديث أبي الدرداء:
«كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي رَمَضَانَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَأَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ، فَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَة» َ
(٩).
* طالب: في سفر؟
* الشيخ: في سفر، في سفر، فهذا دليل على جواز الصوم في السفر، ثم «إن الرسول ﷺ أيضًا صام حتى جاء الناس إليه، فقالوا: يا رسول الله، إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنهم ينتظرون ماذا تفعل، فدعا بِقَدَحٍ من ماء بعد العصر، فشربه وهو على ناقته والناس ينظرون إليه»(١٠) وأفطر في أثناء النهار فهذا دليل على أيش؟ على جواز الصوم في السفر، وهو الحق وليس بواجب -والحمد لله- أن يفطر.
* طالب: جواز هذا يا شيخ، جواز الإفطار في أثناء النهار.
* الشيخ: (...) جواز الإفطار في أثناء النهار.وقوله:
﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ شوف
﴿أَيَّامٍ﴾ ما قال: من الأيام الأُخَر،
﴿أَيَّامٍ﴾ نكرة، فنستفيد أنه لو صام عن أيام الصيف أيام شتاء يجزي ولَّا لا؟ يجزي لأن أيام نكرة
﴿أُخَرَ﴾ بمعنى مغايرة،
﴿مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ وفيه إن شاء الله نتعرض في الفوائد إلى أن الواجب الأيام دون الشهر،
﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ لمَّا أوجب الصيام قال:
﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ [البقرة ١٨٤] كأن هذه الجملة كأنها تفصيل لقوله:
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾، وأن الصيام على المطيع إما أن يَفْدِي وإما أن يصوم، والصوم خير له.
وقوله:
﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ [البقرة ١٨٤] الطاقة بمعنى القدرة أي: يقدرون عليه هذا هو الصواب كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وقال بعض أهل العلم
﴿يُطِيقُونَهُ﴾ أي: يبلغ الطاقة منهم حتى يصبح شاقًّا عليهم، فمعنى يطيقونه يُطوَّقُونه أي: يتكلفونه ويشق عليهم، وقال آخرون: إن في الآية حذفًا والتقدير: وعلى الذين لا يطيقونه فدية، وعلى الذين لا يطيقونه، وهذا القول أضعفها؛ لأن هذا القول يقتضي تفسير المثبت بالمنفي، الله يقول:
﴿يُطِيقُونَهُ﴾ وهذا يقول: لا يطيقونه، وهذا تفسير للشيء بضده ولا يستقيم، أما من قال: يطيقونه أي يبلغ طاقتهم حتى يشق عليهم فهذا له وجه، لكن ما ثبت في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع يدل على ضعفه، بل وظاهر الآية أيضًا يدل على ضعفه؛ لأن قوله في آخرها
﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة ١٨٤] يدل على أن هؤلاء يستطيعون الصيام، وأنه خوطب به من يستطيع وحديث سلمة بن أكوع في الصحيحين
(١١) أنه أول ما فرض الصيام كان الإنسان مخيَّرًا بين أن يصوم ويفتديه، ثم أوجب الله الصوم في الآية التي بعدها
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة ١٨٥]، وهذا هو القول الراجح إن معنى
﴿يُطِيقُونَهُ﴾ أي يستطيعونه،
﴿فِدْيَةٌ﴾ فدية هذه خبر ولَّا مبتدأ؟
* الطلبة: مبتدأ مؤخر.
* الشيخ: مبتدأ مؤخر خبره: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾.وقوله:
﴿فِدْيَةٌ﴾ أي فداء عن الصوم، يفتديه به عن الصوم، والأصل أن الصوم متعلق بك، وأنك مكلف به فتفدي نفسك من هذا التكليف بماذا؟ بطعام مسكين
﴿فِدْيَةٌ﴾، وقوله:
﴿طَعَامُ﴾ هذه عطف بيان لقوله:
﴿فِدْيَةٌ﴾ لأنها تبينه، هذه الفدية
﴿طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ طعام مسكين، هل يوزع على الأفراد أو على الجملة؟ يوزع على الأفراد، يعني عليهم لكل يوم طعام مسكين، وليس المعنى عليهم طعام مسكين لكل الشهر بل لكل يوم، ويدل لذلك القراءة الثانية في الآية:
﴿طَعَامُ مَسَاكِينُ﴾ عرفتم؟ ومساكين جمع، فكما أن الأيام التي عليهم جمع، فكذلك المساكين الذين يطعمون جماعة، لا بد أن يكونوا جماعة، وقوله:
﴿فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ فيها قراءات عندي نشوف القراءة الأولى:
﴿فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ﴾ ، (...) المصحف وتشوفوا الإضافة وجمع (مساكين)؛
﴿فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ﴾ ، هذه واحدة. القراءة الثانية:
﴿فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ﴾ ، توافق اللي في المصحف، إلا أنها بالجمع، نعم، إلا أنها بالجمع، ففيها أيضا ثلاث قراءات:
﴿فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ﴾ وهذه من باب إضافة الشيء إلى نوعه كما أقول: خاتمُ حديدٍ أي: من حديد،
﴿فِدْيَةُ طَعَامِ﴾ أي: فدية من طعام مساكين، أما القراءة الثانية اللي خلاف المصحف:
﴿فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ﴾ وهي على ما في المصحف تكون (طعام) عطف بيان، لكنها بينت أن المراد بالمسكين الجنس، وأنه موزع على الأفراد وأن المراد فدية لكل يوم مسكين.
وقوله:
﴿طَعَام مَسَاكِينَ﴾ (طعام) بُيِّنَ نوعه؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما بين، بُيِّنَ قدره؟
* طالب: لا.
* الشيخ: بُيِّنَ جنسه؟
* طالب: جنسه طعام.
* الشيخ: إي جنسه طعام، زين، لكن نوعه لم يُبَيَّن ولا قدره، إذن نرجع إلى مسمى الطعام، فما سُمِّيَ طعامًا كفى، فإذا كنا في بلد لا يطعمون إلا اللحم، ناس ما عندهم إلا اللحم والحيتان على شاطئ البحر، يأكلون الطيور ومن الأسماك، ويش يصير الطعام؟
* الطلبة: أسماك ولحم.
* الشيخ: أسماك ولحم كذا ولَّا لا؟ إذا كنا في بلد لا يأكلون إلا الذرة، ويش يكون الطعام؟
* طالب: ذرة.
* الشيخ: ذرة، إذا كنا في بلد لا يطعمون الشعير؟
* طالب: لا يجزئ الإطعام.
* الشيخ: ما يجزي؟
* طالب: ما يجزي.
* الشيخ: فتَبَيَّن بهذا ضعف من يُقيِّد الطعام بأنه ما يجزئ في الفطرة، ثم يقولون الذي يجزئ في الفطرة كم من صنف؟ خمسة أصناف فقط وهي: البُرُّ والتمر والشعير والزبيب والأقط، لكن الصواب عموم الآية ما سُمِّي طعامًا فهو كاف، المقدار، المقدار لم يُبَيَّن، وعلى هذا لو غدّى المساكين أو عشَّاهم أجزأهم؟ أجزأهم، ولهذا «كان أنس بن مالك رضي الله عنه لما كبر صار يصنع طعامًا فيدعو إليه ثلاثين مسكينًا»(١٢) ويكفيه هذا عن؟ عن صوم رمضان؛ لأن الله أطلق طعام، وقال بعض أهل العلم: إنه لا بد أن يكون الطعام مُدًّا من بُر أو نصف صاع من غيره، طيب، ما دليلهم على نصف الصاع؟ قال: دليلهم على نصف الصاع أن الرسول ﷺ قال لكعب بن عُجْرَة حينما أَذِنَ له في حلق رأسه وهو محرم، قال له: «أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ»(١٣) لكل مسكين نصف صاع، قالوا: فهذا تقدير من الرسول ﷺ في شيء مطلق في القرآن، اللي في القرآن: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة ١٩٦].فمن قال: إن الآيات المطلقة تُحمَل على هذه الآية، مثل ما حملنا الآية المطلقة في تحرير الرقبة على الآية المقيدة بأنها مؤمنة، قالوا: فحَمْلُ الآية المطلقة على الآية المقيدة بالوصف كحمل الآية المطلقة على الآية المقيدة في القَدْرِ؛ لأن حقيقة القدر وصف (...)، فأنا إذا قلت: عندي بُرّ قدره عشرة أصواع، وصفته ولَّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: وصفته، كما لو قلت: عندي بر طيب، قالوا: فيحمل المطلق في جميع أنواع الطعام، إذا كان يريد أن يُفَرِّقَه عليهم بدون أن يدعوهم إليه يُحمَل على هذا المقيد، وأما دليل المد من البر فدليلهم أن معاوية رضي الله عنه لما قدم المدينة وإذا البُرُّ قد كَثُر فيها قال: إِنِّي أَرَى مُدًّا مِنْ هَذِهِ يَعْدِلُ مُدَّيْنِ مِنَ الشَّعِيرِ. فعدل الناس في وقته عن إخراج الفطرة من صاع إلى نصف صاع، لكن معاوية رضي الله عنه عارضه مَن عارضه من الصحابة مثل أبي سعيد رضي الله عنه فإنه قال: «أنا لا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد النبي ﷺ»(١٤) ولا شك أن ما ذهب إليه أبو سعيد هو الحق في مسألة الفِطْرَة لأن الرسول ﷺ عيَّن الفطرة من أصناف مختلفة من تمر ومن شعير كما في حديث ابن عمر: «فرض النبي ﷺ زكاة الفِطْر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير»(١٥) وأبو سعيد قال: «كنا نخرجها صاعًا من طعام، وكان الطعام يومئذ التمر والشعير والزبيب والأَقِط»(١٦)، البُرُّ ما ذُكِر لأنه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام قليل جدًّا، ما كان طعامهم العام، ولهذا ما ورد في السنة الصحيحة ذِكْر البر في مسألة الفطرة، وعلى هذا فنقول: الذين قالوا بأنه يجزئ المد أخذوه من فعل معاوية رضي الله عنه، طيب، الرز ما تقولون فيه: أيلحق بالشعير أم بالبر؟
* طالب: بالطعام.
* الشيخ: لا، الذين يقيدون مد بر أو نصف صاع من تمر أو شعير؟
* طالب: يُلْحَق بالبر، لأن الشعير رخيص.
* الشيخ: إي، أنا أرى أنه يلحق بالبر وأولى به؛ لسهولته أسهل من البر أسهل وأكثر فيما أظن.
* طالب: لا، كلهم متوسط يا شيخ.
* الشيخ: (...) نشوف، الآن إذا حطت لك مد من الرز في قِدْر وطبخته كم يصير من المد؟
* طالب: يصير مدين.
* الشيخ: يصير مدين أو أكثر من مدين أكثر من مدين نعم لكن حط لك حب من البر ما يشب هذا الشبا، حتى لو طحنته ما يكون يبلغ هذا المبلغ، ثم هو ما يحتاج إلى مؤونة، هذا البر ما يمكن تأكل إلا أنت طاحنه وعاجنه كذا؟ ومرصعه ولَّا لا؟ لكن هذا؟
* طالب: ما يحتاج.
* الشيخ: (...) ما فيه شيء.
* طالب: شيخ بعض الأماكن اللي لا يجد الإنسان ناس ينتفعوا بأنواع الأطعمة، إذا أعطته حتى أردب من البر ما ينتفع به؟
* الشيخ: ويش ينتفع به؟
* طالب: ينتفع بمال، يريد يأخذ مالًا.
* الشيخ: قروش يعني.
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: ويش تفيد ها القروش؟
* طالب: يعني ينتفع بها، والأكل عنده ما..
* الشيخ: ويش يبغي؟
* طالب: يعني أنت لا تجد مساكين في مكان مثلًا.
* الشيخ: أهم ما يكون الأكل؛ ولهذا يقدم الإنسان سد الجوع عن ستر العري.
* طالب: يعني إنسان مثلًا ليس في بلده، غريب مثلًا، في بلاد أجانب وكده ما يجد فقراء يعطيهم طعام كيف يفدي يعني؟
* الشيخ: هل بيعطيهم قروش هتنفع؟
* طالب: يستحون ما يأخذون الطعام.
* طالب آخر: يشق عليهم أن يجدوا فقراء.
* الشيخ: (...) الطعام الذي هم يأكلون (...).
* طالب: يشق عليهم أن يجدوا فقراء، يعني غالب أهل البلد ليسوا بمسلمين.
* الشيخ: طيب افرض إنه يأكل سندوتش، (...) وأعطيه، يعني شيخ الإسلام يرى أنه يجوز أن يُطْعِم من الخبز.
* طالب: إي، بس ما يطعم غير المسلمين يا شيخ؟
* الشيخ: لا لا غير المسلمين لا.
* طالب: طيب هو يشق عليه أنه يجد، فيه ناس في بلاد الأجانب..
* الشيخ: في مثل هذه نقول مثل الزكاة تدفعها في بلاد أخرى من بلاد المسلمين من المحتاجين، تُوَكِّل أحد ثم...
* طالب: طعام البر، (...) فيه فرق كبير.
* الشيخ: من جهة أيش؟
* طالب: من جهة الطعام (...) نشويات كثيرة (...).
* الشيخ: المهم إنه بالنسبة للطعام العام الطعام العام، لا شك (...).
* طالب: شيخ، هل يؤخذ من أثر أنس أن القضاء ثلاثين يومًا؟
* الشيخ: لا، يحمل على أنه الشهر اللي كان يطعم به إنه ثلاثين يومًا.
* طالب: (...) الشهر تسعة وعشرون يومًا.
* الشيخ: لا، مو على كل حال.
* طالب: (...) أيهما الراجح؟
* الشيخ: وهو؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: أيهم أيهم؟ في مسألة الإطعام؟
* طالب: في حديث كعب بن عجرة على آية..؟
* الشيخ: الذي يظهر لي أنا في مسألة الإطعام أن المطلق يبقى على إطلاقه، المطلق يبقى على إطلاقه لأن آية الفدية في الحج لها أبدال رفيعة، وهي النسك مثلًا، فالنسك لا شك أنه يطعم أكثر من عشرة مساكين، والظاهر والله أعلم إن تبقى هذه على ما هي عليه على إطلاقها.وقوله تعالى:
﴿مَسَاكِينَ﴾ أو
﴿مِسْكِينٍ﴾؟ قراءتان، المراد به من لا يجد شيئًا يكفيه لمدة سنة، فيدخل في هذا التعريف يدخل فيه الفقير، وهكذا إذا مر بك المسكين فإنه شامل للفقير وإذا مر بك الفقير فإنه شامل للمسكين، أما إذا جُمِعا فقد قال أهل العلم: إن بينهما فرقًا، فالفقير أسوأ حالًا من المسكين، أشد حاجة يعني، الفقير هو الذي لا يجد النصف، والمسكين هو الذي لا يجد الكل يعني: يجد النصف لكن لا يجد الكل.
﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ [البقرة ١٨٤].
* طالب: شيخ، قبل أن تدخل في الآية، فيه كثير بيسألوا عن هل يعني يجزئ الأيام جملة واحدة؟ يعني الثلاثين يوم يجزئ بيهم أن يخرجوا دُفْعة واحدة، أو لشخص واحد؟
* الشيخ: لا، لشخص واحد ما يمكن؛ لأنها جمع.
* طالب: لأن كثير من الناس ممكن يشق عليه يدور كل يوم على مسكين، ما يجد.
* الشيخ: لا لا ما هو بلازم؛ لأنه ممكن يشوف مثلًا ثلاثة بيوت أو أربعة بيوت فيها هذا العدد ويعطيهم، افرض أنه فيه بيت كبير، هذا بيت بالنسبة لنا نحن في السعودية، هذا بيت عمال فيه ثلاثين فقير، كلهم فقراء نعطيهم نطبخ لهم الطعام ونوصلهم يأكلون.
* طالب: لا كثير، يا شيخ تشق أنك تجد مساكين.
* طالب آخر: تيجي مشكلة، العمال ما يصلون (...)؟
* طالب آخر: في أماكن يا شيخ عندنا ناس لا يعرفون مساكين بالمرة.
* طالب آخر: (...) مجموعة عمال (...).
* الشيخ: والله ما أدري، لكن الأصل في المسلم العدالة وأنه يصلي إلا إذا تبين.﴿تَطَوَّعَ﴾ فعل الشرط وجوابه
﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ وقوله:
﴿خَيْرًا﴾ وأيش محلها من الإعراب وأيش اللي ناصبها؟
* طالب: صفة لمصدر محذوف، أو مفعول به مؤخر، أو حال.
* طالب آخر: مفعول به يا شيخ.
* طالب آخر: الثالث مفعول لأجله.
* الشيخ: نعم طيب، الآن: فمن تطوع تطوعًا خيرًا، أو ﴿مَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ على أن نجعل ﴿تَطَوَّعَ﴾ بمعنى فَعَلَ، فتكون ﴿خَيْرًا﴾ مفعولًا به، أو نجعل ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ﴾ طلبًا للخير، فتكون مفعولًا من أجله، والمعنى على كل التقديرات المعنى واحد، يعني: فمن فعل الطاعة يقصد بها الخير فهو خير له. ومعلوم أن الفعل ما يكون طاعة إلا إذا كان موافقًا لمرضاة الله عز وجل بأن يكون خالصًا لوجهه موافقًا لشريعته، فإن لم يكن خالصًا لم يقبل وإن كان خالصًا على غير الشريعة لم يقبل؛ لأن الأول شرك، والثاني بدعة.
وقوله:
﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ فهو خير له منين؟ يعني بمعنى: هل نجعل (خير) اسم تفضيل، يعني: خيرٌ له من سواه، أو نقول: إن هذه (خير) اسم دال على الفضل مجردًا عن التفضيل؛ لأن ما عندنا الآن مفضل ومفضل عليه، يحتمل أن يقال:
﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ ممن؟ من عدمه، لكن كان هذا المعنى ضعيف؛ لأن كون اللي تطوع خيرًا خيرٌ له من عدمه أمر معلوم، فهو كقول القائل: السماء فوقنا، والأرض تحتنا، وقول الآخر:
كَأَنَّنَا وَالْمَاءُ مِنْ حَوْلِنَا ∗∗∗ قَوْمٌ جُلُوسٌ حَوْلَهُمْ مَاءُ لكن الظاهر -والله أعلم- أنها بيان لأن هذا خير فقط مطلق، وأنه مجرد عن الأفضلية.
﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ ويدخل في هذه الخيرية: أنه يجزى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
ثم قال:
﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ هذا واضح أن المراد بالخير هنا التفضيل، يعني: أن تصوموا خير لكم من الفدية، وهذا يمثل به النحويون للمبتدأ المؤول، فإن قوله:
﴿وَأَنْ تَصُومُوا﴾ (أن) مصدرية، و(تصوموا) فعل مضارع، والمبتدأ ما يكون إلا اسمًا، لكن هنا مؤول ولَّا لا؟
* الطلبة: مؤول.
* الشيخ: والتقدير؟
* الطلبة: صيامكم.
* الشيخ: وصيامكم خير لكم. وأيش سؤالك؟
* طالب: مفعول مطلق ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾.
* الشيخ: وأيش قلت؟
* طالب: مفعول لأجله.
* الشيخ: إي، مفعول به ومفعول مطلق. ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ يعني: من الفدية، وقوله:
﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ هذه جملة مستأنفة، والمعنى: إن كنتم من ذوي العلم فافهموا، و(إن) هنا ليست شرطية فيما قبلها، يعني: ليست وصلية كما يقولون، يعني: معناه أنه ليس خيرًا لنا إن علمنا، فإن لم نعلم فلا خير، بل إنها مستأنفة؛ ولهذا ينبغي أن تقف فتقول:
﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾.
(...) استدل بها على حكم الكبير الشيخ والشيخة لا يطيقان الصيام قال: يطعمان عن كل يوم مسكينًا، ابن عباس استدل بهذه الآية على أن الكبير الذي لا يطيق الصوم يطعم عن كل يوم مسكينًا، فوجه استدلاله رضي الله عنه هو أنه لما جعل الله سبحانه وتعالى الإطعام عديلًا للصيام فخير بينهما، كان العجز عن الصيام وأيش يعين؟ يعين من الإطعام؛ لأن الله تعالى جعل الإطعام عديلًا للصيام عند القدرة عليه، فعلم من هذا أن من لا يقدر على الصيام وعجز عنه عجزًا مستمرًا، فإنه يأتي بما جعل عديلًا له وهو الإطعام، وهذا من فقهه رضي الله عنه.
قوله تعالى:
﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ من حيث الإعراب كيف نعربها؟ وأيش نعرب
﴿أَنْ تَصُومُوا﴾ أعربها بتفصيلها؟
* طالب: (أن)..
* الشيخ: (أن) حرف مصدر ينصب؟
* الطالب: ينصب المضارع.
* الشيخ: ينصب المضارع، ﴿تَصُومُوا﴾؟
* الطالب: ﴿تَصُومُوا﴾ فعل مضارع منصوب بحذف النون.
* الشيخ: منصوب بأن، وعلامة نصبه؟
* طالب: وعلامة نصبه حذف النون.
* الشيخ: نعم، والواو؟
* الطالب: الواو فاعل.
* الشيخ: و(أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأ، ﴿خَيْرٌ﴾؟
* الطالب: ﴿خَيْرٌ﴾ خبر.
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ هل هو قيد في الخيرية ولَّا ماذا؟
* طالب: يعلمون أن الصيام خير لهم.
* الشيخ: يعني: فإن لم تعلموا فليس خيرًا لكم؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: إذا لم يقدروا على الصيام..
* الشيخ: لا، الله قال: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ يعني: إذا قلنا: إن هذا الشرط عائد على الجملة التي قبله صار المعنى: أنه خير لنا إن علمنا، فإن لم نعلم فليس خيرًا لنا.
* الطالب: نعم، شرط الخيرية.
* الشيخ: شرط الخيرية، يعني: فإن لم نعلم فليس خيرًا؟
* طالب: في الحقيقة سواء علموا ولَّا ما علموا خير.
* الشيخ: إذن كيف نقول في هذه الجملة: شرطية؟
* طالب: إذا تحقق الصيام صاموا فهو خير لهم إذا ما صاموا..
* الشيخ: لا.
* طالب: جملة مستأنفة.
* الشيخ: جملة مستأنفة مستقلة، صح، ما هي قيد في التي قبلها، ليست قيدًا بل هي مستقلة، يعني: إن كنتم من ذوي العلم، فاعلموا أن الصوم خير، وليس المعنى: إن كنتم من ذوي العلم فالصوم خير، لا. ﴿تَعْلَمُونَ﴾ وهذا نشوف الآية الآن وأيش فيها من فوائد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ إلى آخره.
يستفاد من هذه الآية الكريمة: أهمية الصيام؛ لأن الله تعالى صدره بالنداء، وأنه من مقتضيات الإيمان؛ لأنه وجه الخطاب إلى من؟
* طالب: إلى المؤمنين.
* الشيخ: إلى المؤمنين، وأن تركه مخل به؛ لأنه إذا كان من مقتضياته فتركه يخل به، نقص فيه. ويستفاد من الآية الكريمة: فرضية الصيام، منين؟
* طالب: ﴿كُتِبَ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿كُتِبَ﴾. ويستفاد منه: أن الأمم السابقة تصوم، من قوله:
﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾.
ويستفاد به: استعمال تسلية الإنسان بما ألزم به غيره ليهون عليه القيام به، تؤخذ؟
﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ويستفاد من الآية أيضًا: فضل هذه الأمة حيث كتب الله عليها ما كتب على من قبلها لتترقى إلى درجات الكمال، كما ترقى إليها من سبقها.
ويستفاد من هذه الآية: الحكمة في إيجاب الصيام، قوله:
﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
ويستفاد من الآية الكريمة: فضل التقوى، وأنه ينبغي سلوك الأسباب الموصلة إليها؛ لأن الله أوجب الصيام لهذه الغاية، إذن فهذه الغاية غاية عظيمة ينبغي للإنسان أن يسلك السبل الموصلة إلى التقوى.
وهذا يتفرع عليه فائدة أخرى وهي: اعتبار الذرائع، يعني: ما كان ذريعة إلى الشيء، فإن له حكم ذلك الشيء، فلما كانت التقوى واجبة كانت وسائلها واجبة؛ ولهذا يجب على الإنسان أن يبتعد عن مواضع الفتن، لا ينظر إلى المرأة الأجنبية ولا يكلمها كلامًا يتمتع به معها، لماذا؟ لأنه يؤدي ويكون ذريعة إلى الفاحشة، فيجب اتقاء ذلك، حتى الرسول ﷺ أمر من سمع بالدجال أن يبتعد عنه
(١٧)؛ لئلا يقع في فتنته.
ويستفاد من هذه الآية الكريمة: حكمة الله سبحانه وتعالى بتنويع العبادات؛ لأننا إذا تدبرنا العبادات وجدنا أن العبادات متنوعة، منها ما هو مالي محض، ومنها ما هو بدني محض، ومنها ما هو مركب منهما: بدني ومالي، ومنه ما هو فعل، ومنه ما هو كف، فالصوم ما هو؟
* طالب: كف.
* الشيخ: كف عن المحبوبات، والكف عن المحبوب قد يكون أشق من طلب الفعل، أليس كذلك؟ يمكن بعض الناس لو تطلب منه يفعل أشياء فعل، لكن ما يستطيع أن يكف عن محبوباته، فهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى في التكليف وتعبده عباده سبحانه وبحمده أنه نوّع لهم العبادات لأجل أن يمتحنهم، ربما يكون الإنسان كريمًا فيكون بذل الزكاة عليه من أهون ما يكون، أو لا؟ حينئذٍ ما يحصل الامتحان الكامل بإيجاب الزكاة، ربما يكون عند الإنسان رياضة نفسية، فيهون عليه أن يصلي وأن يتوضأ وأن يغتسل في الليالي الباردة وما أشبه ذلك، قد يكون عند الإنسان صبر عن المحبوب، يهون عليه الصوم يقول: أصوم شهرًا ولا أدفع ثلاثين ريالًا؛ لأن مالي أحبه حبًّا شديدًا والصوم (...) ما هو إلا أن يقدم الغداء شوي ويؤخر العشاء، بسيط، ولكن إياك أن تأخذ مني ثلاثين ريالًا، واضح؟ فالناس يختلفون؛ ولهذا غلط من أفتى بعض أهل العلم حيث وجب عليه كفارة فيها صوم وعتق، فقال له: صم شهرين متتابعين ولا تعتق، لماذا والعتق مقدم على الصيام؟ قال: لأن هذا الملِك لو قلنا له: أعتق رقبة، يعتق عشر رقاب ولا يصوم يومًا، أحب إليه من صيام يوم، احنا ألزمناه بهذا لأنه أغلظ في حقه، لكن هذا النظر غير صحيح؛ لأنه في مقابلة النص فلا يقبل.
أنا أتيت بهذا لأجل أن أبين أن الله سبحانه وتعالى حكيم في تنويع التكليف في العبادة، فهذا الرجل -مثلًا- ملِكٌ يمكن يهون عليه أن يبذل أموالًا كثيرة في الزكاة، لكن يشق عليه أن يصوم؛ ولهذا أفتي بأنه يصوم بدل العتق، لكن الله عز وجل جعل العبادة في الحقيقة امتحانًا للعبد، والعجائب في زماننا هذا أننا نصبر على الصيام، يعني ومنا من لا يصبر على الصلاة، تجده يصوم رمضان لكن الصلاة ما يصلي إلا من رمضان إلى رمضان إن صلى في رمضان، وهذا لا شك أنه خطأ في التفكير، لكن الصلاة حيث إنها تتكرر كل يوم صارت هينة على الإنسان، والصوم يكون عنده صعبًا؛ ولهذا إذا بغوا يلومون شخصًا يقولون: هذا ما هو بيصوم ولا يصلي فيبدؤون بترك الصوم، وهذا من (...).
* طالب: شيخ، ﴿تَتَّقُونَ﴾ ما يفهم منها أن الصيام لا يقبل إلا من المتقين؟
* الشيخ: لا، يؤخذ من ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ما يصوم إلا المؤمن؛ لأنه من مقتضيات الإيمان.
* طالب: التقوى؟
* الشيخ: لا، هذه حكمة التشريع، نعم يستفاد منها أيضًا حكمة التشريع مما ذكرنا، ذكرناها قبل.
* طالب: شيخ، قصة الملك هذا قالوا: من باب المصالح المرسلة، صحيح؟
* الشيخ: لا، ما هو بصحيح، والمصالح المرسلة لا نرى إثباتها؛ لأن المصالح المرسلة إن كانت مصلحة حقًّا، فالإسلام قد اعتبرها، وإن لم تكن مصلحة، فالإسلام لم يعتبرها، هذا الرجل لاحظ أنه إن كلف الرجل هذا بالصيام لاحظ هذا، لكن ما لاحظ أننا نفكّ رقبة من الرقّ، فكّ الرقاب من الرقّ من أفضل الأعمال، ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾ [البلد ١١، ١٢] ما هي؟ ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ [البلد ١٣].
* طالب: بس يعني نظر أنه أزجر لنفسه.
* الشيخ: لا أبدًا، لكن هذا أنفع.
* الطالب: كثير عنده هذا، يعني أزجر لنفسه..
* الشيخ: صحيح، لكن هذا أنفع، هو زجر نفسه إذا لم يكن عنده خوف من الله إلا بالعقوبة أو الكفارة وأيش الفائدة؟ لكن هذا أنفع، والله حكيم جل وعلا، فهذه أنفع للعبد. والمهم أن المصالح المرسلة التي ذكرها بعض الناس من الأدلة ما لها معنى، هي في الواقع إن كانت مصلحة معتبرة فالشرع قد أتى بها، وإن لم تكن المصلحة فالشرع قد ألغاها، وليس في مخالفة الشرع مصلحة أبدًا.
قوله تعالى:
﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.
يستفاد من هذه الآية: أن الصوم أيام قليلة، أيام معدودات.
ويستفاد منها أيضًا: سلوك الأساليب التي تهون على المرء ما يتوقع مشقته عليه، كيف ذلك؟ سلوك الأساليب التي تهون على الإنسان ما يتوقع أن يشق عليه، لكن
﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ يعني: أنها بسيطة، ما هي صعبة ولا فيها كلفة ولا مشقة.
ويستفاد من الآية الكريمة: رحمة الله عز وجل بعباده، أولًا: لقلة الأيام ما فرض علينا شهر ولا شهرين ولا ثلاثة، إنما فرض أيامًا معدودات هي شهر، شهر رمضان كما سيأتي إن شاء الله.
ومنها أيضًا: إثبات الرحمة قوله:
﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾.
ويستفاد من الآية الكريمة أيضًا: جواز الفطر للمرض.
ألا يستفاد منها: الإيماء إلى أن الفطر أفضل؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: منين نأخذ؟
* طالب: ﴿فَعِدَّةٌ﴾.
* الشيخ: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، ففتح الله الباب ما قال: فلا يصوم، بل قال: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، فهذا كأنه فتح بابًا للمريض أن يفطر. واعلم أن المريض بالنسبة للفطر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أولًا: أن لا يتأثر بالصوم إطلاقًا، ولا يشق عليه الصوم مع مرضه، فهنا يصوم ولَّا يفطر؟ يصوم، يجب أن يصوم.
الثانية: أن يشق عليه الصوم لكنه ما يضره، فالصوم هنا مكروه يكره أن يصوم مع المشقة؛ لأنه لا ينبغي للإنسان أن يشق على نفسه بما رخص الله له فيه؛ لأن هذا الإشقاق على النفس مع ترخيص الله عز وجل، كأنه ينبئ عن كون الإنسان غير قابل لهذه الرخصة غير قابل، وقد قيل: إن اللئيم من يرد الكريم، والكريم يحب أن يأخذ الناس برخصه كما جاء في الحديث
«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ»(١٨).
الحال الثالثة: أن يتضرر بالصوم، المريض يتضرر بالصوم، كما لو كان مريضًا بالكلى التي تحتاج دائمًا إلى الماء، فهنا يحرم عليه الصوم، لا يجوز له أن يصوم؛ لقوله تعالى:
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء ٢٩].
* طالب: شيخ، قولك: إن الكريم من يرد..؟
* الشيخ: إن اللئيم من يرد الكريم.
* الطالب: طيب كيف نجمع بين هذا وبين صيام الرسول وبعض الصحابة في السفر؟
* الشيخ: لا ما جينا للسفر إلى الآن.
* طالب: هذا في المريض؟
* الشيخ: هذا في المريض. يستفاد من الآية الكريمة: جواز الفطر في السفر، واضح الدلالة من الآية؟
* طالب: إن شاء الله.
* الشيخ: طيب. ويستفاد منها أيضًا: الإيماء إلى أن الفطر أفضل؛ لقوله:
﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة ١٨٤]، لكن هذا ليس بصريح في الآية؛ ولذلك ورد في السنة بالصوم في السفر، فإن الرسول ﷺ كان يصوم في السفر،
« وكان الصحابة منهم من يصوم ومنهم من يفطر، ولا يعيب المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر »(١٩).
وحينئذٍ نقول: إن الصوم في السفر ينقسم أيضًا إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن لا يكون فيه مشقة إطلاقًا، يعني: ما فيه مشقة تزيد على صوم الحضر، هذا المقصود، وإلا فيه مشقة إذا في أيام الحر يكون فيه مشقة، لكن مشقة تزيد على صوم الحضر، ففي هذه الحالة نقول: الصوم أفضل، وإن أفطر فلا حرج، ودليله؟
«أن الرسول ﷺ كان يصوم في السفر »(٢٠).
وهذا هو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، ولكن المشهور من مذهب الإمام أحمد كراهة الصوم في السفر حتى في هذه الحال وقالوا: لا ينبغي أن يصوم؛ لأن الله تعالى قال:
﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.
ومذهب الظاهرية: تحريم الصوم، وأنه لو صام لم يجزئه؛ لأن الله قال:
﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، فجعل الواجب عليه عدة من أيام أخر، لكن هذا القول ضعيف جدًّا، وكذلك المشهور مذهب الإمام أحمد ضعيف.
الحالة الثانية: أن يشق عليه الصوم لكن مشقة محتملة، فهنا الأفضل الفطر، والدليل عليه:
«أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَاَلُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: «لَيْسَ مَنِ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ»(٢١)، أفهمتم؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: طيب، فنفى عنه النبي عليه الصلاة والسلام البر. وهنا نقف عند هذا الدليل وهذه الحال، من المعلوم في الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والنبي عليه الصلاة والسلام قال هنا، وأيش قال؟
«لَيْسَ مَنِ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ»، عام والسبب خاص، والمعروف أن العبرة في عموم اللفظ لا بخصوص السبب، فما هو الجواب عن هذه القاعدة مع هذا الحديث ونحن نقول: إن الصوم في السفر أفضل إذا لم يشق؟
نقول: إن معنى: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، المراد الخصوص العيني لا الخصوص الوصفي، فأما الخصوص الوصفي فإنه معتبر بلا شك، فمثلًا هذا الرجل الذي ظلل عليه ما نقول: ليس من البر الصوم في السفر لك أيها الرجل فقط، لو قلنا بذلك لخصصنا العام بسببه، لكننا نقول: إن الخصوص الوصفي لا بد أن يقيد به العموم، فيكون المعني: ليس من البر الصيام في السفر لمن كانت حاله كهذا، فإذا جاءنا زيد وعمرو وخالد وبكر إلى آخره كلهم يشق عليهم الصوم كهذا الرجل، قلنا: ليس من البر أن تصوموا، فإذا قال قائل: الرسول ﷺ ما قاله إلا لهذا الرجل؟ قلنا: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقد نبه إلى هذه القاعدة ابن دقيق العيد في شرح هذا الحديث في العمدة.
وهي قاعدة حقيقة لمن تأملها: أن العموم عموم وصفي وعموم شخصي، فهنا العبرة بعموم اللفظ باعتبار الشخص، أما باعتبار الوصف فإن الحكم يتعلق بسببه الذي من أجله شُرع الحكم.
* طالب: يعني مع هذه القاعدة ولو لم يدل الدليل على حقيقة (...) أو نقول: إن دل الدليل على أنها لا يكون..
* الشيخ: على كل حال أصل ما يمكن إلا بالدليل إذا قيل: ليس من البر الصيام في السفر؟
* طالب: لا يكون عامًّا إلا بدليل.
* الشيخ: فهنا نعرف السبب اللي من أجله صدر هذا العموم وهو المشقة، فكأن الرسول ﷺ قال: ليس من البر الصيام في السفر في حال المشقة.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، حتى وإن لم نجد، ما دام عرفنا أن علة الحكم هو هذا المعنى فإننا نقيده به. و
﴿مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾.
يستفاد من هذه الآية الكريمة أيضًا: أن الحكم معلق بما يسمى سفرًا بدون تقييد، من أين تؤخذ؟
* طالب: ذكرتم رأيين: ألا يكون فيه مشقة وأن يشق عليه مشقة محتملة؟
* الشيخ: الحال الثالثة ما هو بالرأي الثالث، الحال الثالثة: أن يشق الصوم على المسافر مشقة شديدة لا تحتمل، فهنا يتعين الفطر، ودليله ما ثبت في الصحيح:« أَنَّ الرَّسُولُ ﷺ كَانَ فِي غَزْوَةِ مَكَّةَ أَتَاهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ، وَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ مَا تَفْعَلُ، فَدَعَا بِمَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ جِيءَ إِلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ»(٢٢). والمعصية ما تكون إلا في فعل المحرم، فإذا كان هذا الرجل شق عليه الصوم في السفر مشقة شديدة، فإنه يجب عليه أن يفطر، لماذا لا يفطر لماذا يتعب نفسه ويشق على نفسه والأمر فيه سعة؟
يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن السفر الذي يباح فيه الفطر غير مقيد بزمن ولا مساحة، من أين نأخذها؟
* الطلبة: من الإطلاق.
* الشيخ: من إطلاقها ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾. لكن قال بعض العلماء: لا بد أن يستغرق سفره يومًا؛ لأن أقل فطر يمكن ما هو؟ اليوم، أقل فطر يمكن هو اليوم، فلا بد أن يكون هذا السفر مستغرقًا لليوم، فمن أراد أن يسافر مثلًا إلى الرياض في أول النهار ويرجع في آخر النهار، فإننا نقول له: لا تفطر؛ لأن هذا أقل مما أبيح لك، أبيح لك أن تفطر رمضان، وهنا هذا بعض اليوم لا يسمى صومًا.
وهذا الحكم واضح جدًّا على قول الفقهاء الحنابلة الذين يقولون: من علم أنه يقدم غدًا لزمه الصوم، هم يقولون -رحمهم الله-: إن الإنسان إذا علم أنه يقدم غدًا، مثلًا نفرض أنه كان في مكة تعرف أنك بكرة بتسافر إلى بلادك مش هتوصل البلد قبل غروب الشمس، يكون يجب عليك أن تصوم وأنت في مكة؛ لأنك ستقدم إلى بلدك، وهذا في الحقيقة عكس من يقولون: إنك تفطر حتى ولو قدمت البلد؛ لأن فيه رأي لبعض العلماء أن المسافر إذا قدم مفطرًا جاز له أن يستمر على فطره، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ومذهب مالك والشافعي: على أنه يفطر إذا قدم الإنسان إلى بلده وهو مفطر، فإنه يبقى على فطره، وذكروا في ذلك أثرًا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
« مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ »(٢٣)، ومعناه: من جاز له الأكل في أول النهار جاز له الأكل في آخره.
ومثله أيضًا المرأة إذا طهرت من الحيض في أثناء النهار، فإنه لا يلزمها الإمساك، وعلى هذا: لو قدم المسافر إلى البلد مفطرًا ووجد زوجته قد طهرت من الحيض في ذلك اليوم يجوز له أن يجامعها؛ لأنه لا يجب عليه الإمساك ولا عليها.
قال الله تعالى:
﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.
(١) أخرجه الترمذي (٢٥٥٤) من حديث أبي هريرة، وأصله في البخاري (٨٠٦)، ومسلم (١٨٢ / ٢٩٩) و(٢٩٦٨ / ١٦).
(٢) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٨٩٤)، ومسلم (١١٥١ / ١٦٤) من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم.
(٣) أخرجه البخاري (٦٠٥٧) من حديث أبي هريرة.
(٤) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٤/٢٤٧) من حديث أنس.
(٥) أخرجه الترمذي (٢٥٥٤) من حديث أبي هريرة، وأصله في البخاري (٨٠٦)، ومسلم (١٨٢ / ٢٩٩) و(٢٩٦٨ / ١٦).
(٦) أخرجه مسلم (٦٩١ / ١٢)، من حديث أنس.
(٧) أخرجه البخاري (١٠٨٠)، من حديث ابن عباس.
(٨) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٤ / ٢٤٧) من حديث أنس.
(٩) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٩٤٥) من حديث أبي الدرداء، ومسلم (١١١٩ / ١٠٠) من حديث أنس بنحو هذا اللفظ.
(١٠) أخرجه مسلم (١١١٤ / ٩٠ - ٩١) من حديث جابر بن عبد الله.
(١١) متفق عليه؛ البخاري (٤٥٠٧)، ومسلم (١١٤٥ / ١٤٩).
(١٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١٢٣٣٥)، وأبو يعلى (٤١٩٤)، والدارقطني (٢٣٩٠).
(١٣) متفق عليه؛ البخاري (١٨١٦)، ومسلم (١٢٠١ / ٨٥) من حديث كعب بن عجرة.
(١٤) متفق عليه؛ البخاري (١٥٠٨)، ومسلم (٩٨٥ / ١٨).
(١٥) متفق عليه؛ البخاري (١٥٠٣)، ومسلم (٩٨٤ / ١٢).
(١٦) أخرجه البخاري (١٥١٠).
(١٧) أخرجه أبو داود (٤٣١٩)، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(١٨) أخرجه أحمد في المسند (٥٨٦٦)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(١٩) أخرجه مسلم (١١١٧ / ٩٧)، من حديث أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٢٠) أخرجه أحمد في المسند (٣٨١٣)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٢١) متفق عليه؛ البخاري (١٩٤٦)، ومسلم (١١١٥ / ٩٢)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٢٢) أخرجه مسلم (١١١٤ / ٩٠)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٢٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٩١٢٩) عن ابن مسعود رضي الله عنه.