الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة ١٧٢].
* أولًا: تصدير الحكم بالنداء يدل على الاهتمام به؛ لأن النداء يستلزم انتباه المنادَى، وكل من دعي إلى شيء بأداة تقتضي الانتباه فهو دليل على أهمية هذا المدعو إليه. وأيضًا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ النداء بوصف الإيمان له فوائد:
* منها: أن المأمور به من مقتضيات الإيمان.
* ومنها: أن مخالفته نقص في الإيمان واضح؟
* ومن فوائده أيضًا: التصدير بالإيمان ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الإغراء، إغراؤهم بأن يمتثلوا؛ لأن الإنسان إذا ذُكر بوصف يقتضي الامتثال فإنه يغريه مثل أن أقول: يا أيها الكريم، قد نزلت بك ضيفًا؛ معناه أني أغريه بهذا اللفظ، وأيش أغريه؟
* الطلبة: على أن يكرمني.
* الشيخ: على أن يكرمني إي نعم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ ﴿كُلُوا﴾ فعل أمر، وهل هو للوجوب أو للإباحة أو للندب؟ قلنا: إنه صالح لها كما سبق في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ يكون للوجوب إذا توقفت عليه الحياة، أو لا؟ إذا صار الإنسان إذا لم يأكل مات ولا تضرر؟ فهنا يكون الأمر للوجوب، يجب عليه أنه يأكل، ويكون للإباحة كما هو الأصل، ويكون للندب إذا ترتب عليه فائدة شرعية مثل: السحور للصائم، والفطور للصائم، وأكل الإنسان مع ضيفه تأنيسًا وما أشبه ذلك، فإن هذا يكون أيش؟ مستحبًّا، ويكون الإباحة فيما عدا ذلك، فقوله: ﴿كُلُوا﴾ يعني معناه أنه أن هذا شيء مباح لكم.
فإذا قال قائل: إذا جعلتم الأمر هنا للوجوب والاستحباب والإباحة معناه أنكم استعملتم كلمة واحدة في عدة معانٍ وهو ما يُعبر عنه باستعمال المشترك في جميع معانيه. قلنا: نعم، نحن نرى ذلك أن استعمال المشترك في جميع معانيه إذا لم يكن بينها تضاد جائز وما المانع منه؟ إذا كان اللفظ صالحًا لها ولا تنافر بينها، فما المانع من أن نحمله على كل المعاني كما أننا نحمل العام بالاتفاق على جميع أفراده؟
﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ ﴿مِنْ﴾ هذه هي للتبعيض ولا لبيان الجنس؟
* الطلبة: لبيان الجنس.
* الشيخ: الظاهر أنها لبيان الجنس حتى يأكل الإنسان مما شاء.
وقوله: ﴿مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ ﴿طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾، الطيب الحلال، وقيل: المستلذ، مثل ما تقول: هذا طعام طيب، وهذا طعام خبيث؛ يعني ردي فهمتم؟
قيل: إن المراد بالطيب الحلال، وقيل: المراد بالطيب المستلذ والمستطاب، فعلى القول الأول يتبين من الآية أن الرزق يشمل الحلال وأيش بعد؟ والحرام، وأن من عاش على محرم فإنه يقال: إنه مرزوق، ولكن الرزق المأمور به هو الحلال، وهذا هو الأصح، ولهذا قال السفّاريني في عقيدته:
؎وَالرِّزْقُ مَا يَنْفَعُ مِنْ حَلَالِ ∗∗∗ أوْ ضِدِّهِ فَحُلْ عَنِ الْمُحَالِ
وعلل ذلك بأنه رازق كل الخلق، وليس مخلوق بغير رازق، ومعلوم أن من الخلق من رزقه حرام ولَّا لا؟ فلا يمكن أن تقول: هذا الإنسان الذي يعيش ويأكل ويشرب إنه غير مرزوق، إذن الطيبات يكون المراد: المستلذ والمستطاب، أو أنه الحلال من الحلال الذي رزقناكم، ويكون فيه دليل على أن الرزق يكون حلالًا ويكون حرامًا لكن المأمور به الحلال.
وقوله: ﴿مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ أي: أعطينكم؛ فالرزق العطاء، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ [النساء ٨].
﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ اشكروا، ما معنى الشكر؟ الشكر في اللغة: الثناء، وفي الشرع: القيام بطاعة المنعِم، هذا الشكر؛ القيام بطاعة المنعم، ومنها -أي من طاعة المنعِم- استعمال النعمة فيما خُلقت له، فإن هذا من شكر الله.
وقوله: ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ كلمة اشكروا هذا الفعل يتعدَّى باللام، ويتعدى بنفسه فيقال: شكرته، وشكرت له، فإذا كانت اللام للتعدية فليس لها معنى.
وقوله: ﴿اشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ لما أمر بالأكل أمر بالشكر، وأكثر الناس امتثل الأمر الأول وترك الثاني، أكل من طيبات ما رُزق، لكن لم يشكر لقوله تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ ١٣].
قال: ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة ١٧٢] ﴿إِنْ كُنْتُمْ﴾ هذه (إن) شرطية و(كان) فعل الشرط و(التاء) اسم كان، و(إيا) خبر كان منصوب بها.
* الطلبة: لا ليس خبر كان.
* الشيخ: ليس خبر كان؟ ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ﴾ ما هي (إيا) ضمير منفصل من ضمائر النصب و(التاء) اسم كان تبقى هذه خبر كان يجوز ولَّا ما يجوز؟
* الطلبة: لا يجوز.
* الشيخ: لا يجوز قطعًا، إذا قلنا: إن كنتم إياه معناها كأنكم أنتم الله، وهذا معلوم فاسد المعنى، إذن ﴿إِيَّاهُ﴾ مفعول لـ﴿تَعْبُدُونَ﴾ مقدم أو لا؟ مثل: (إياك نعبد) مفعول مقدم، و﴿تَعْبُدُونَ﴾ جملتها خبر كان، وأين جواب الشرط؟
قيل: إنه لا يحتاج في مثل هذا التركيب إلى جواب، وهو الصحيح، وقيل: إن جوابه محذوف يفسره ما قبله، والتقدير: إن كنتم إياه تعبدون فاشكروا له.
وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ يعني إن كنتم مخلصين له في العبادة، والعبادة هي التذلل لله عز وجل بالطاعة، وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه مأخوذة من قولهم: طريق معبد أيش معنى معبد؟
* الطلبة: مذلل.
* الشيخ: مذلل للسالكين، وهو إلى الآن معروف عندنا الطريق هذا معبد ولَّا لا؟ إلى الآن موجود بهذا المعنى؛ يعني إن كنتم تتذللون له حقًّا فكلوا من رزقه واشكروا له، ولا تكونوا كالذين لا يشكرون أو كالذين يحرمون بعض الرزق، مثل في الجاهلية يحرمون أشياء يقول: هذه حرام؛ فالذي يحرم بعض الأطعمة أو بعض الأشربة بدون دليل يكون مشابهًا لأهل الجاهلية الذين حرَّموا أشياء بدون دليل؛ مثل البحِيرة والسائبة والوصيلة والحام وما في بطون الأنعام قالوا: خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، وإن ظهر ميت فهم فيه شركاء، وإن يك ميتة فهم فيه شركاء، هذا من الجهل.
* طالب: إن كان شكك يا شيخ؟
* الشيخ: إن شُكّك فالأصل الأصل حِل، وبهذه المناسبة نُشر ها النشرة وزعت عند الناس عن رابطة العالم الإسلامي إن هذا الجبن جبن البقرة الضاحكة، هي ما هي تضحك، على كلامهم!
* طالب: (...).
* الشيخ: ما أدري، لا، الظاهر أنها مكتوب عليها الضاحكة.
* طالب: الضاحكة.
* الشيخ: كذلك (الكيري) أظن وبعض الصابون (الكامي) المهم عد كاتبين لهم بيان، قالوا: إن هذا حرام، وبما أن الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله- هو رئيس الرابطة في اجتماعاتها، اتصلت به وسألته قال: والله ما أدري، لكن هم كاتبين للرابطة نسألها عن هذا من أين جاءهم هذا الخبر وكاتبين كذلك لوزارة التجارة، وهم بانتظار الجواب، ولا يُستبعد أن هذا من بعض الشركات؛ لأن ترى بعض الشركات تروج إذا شافت أن هذا الشيء ناجح جعلت فيه عِلّة علشان تنفر الناس منه، يجوز أن هناك مثلًا شركات أخرى تزاحم شركة الأجبان هذه، وقالت: والله هذه لها شهرة عالمية وصار الناس يأخذون منها إذن بنحط بيها بلاء، والله أعلم، الآن ولا كثر السؤال عنه ها الأيام جدًّا كثر عنه السؤال، قلنا: والله إحنا ما عندنا علم وأنتم كلوا حتى يتبين التحريم، وإحنا الآن بعد بانتظار جواب الشيخ إن شاء الله تعالى ونشوف هذا، يمكن بعدين أنه يكتب بالصحف هذا الشيء.
* طالب: يعني مثلًا ترك هذه الأشياء يعني أن يشك فيها الإنسان، تركها للتورع ما هو أفضل يا شيخ حتى يتبين له؟
* الشيخ: يا أخي ما.
* طالب: الحديث: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»[[أخرجه الترمذي (٢٥١٨) من حديث الحسن بن علي.]].
* الشيخ: إي، بس هي مشكلة الآن، ما هناك شبهة يعني على أصل، ما هناك شبهة على أصل، كذلك الاشتباه في مسألة الوارد من الخارج من المذكيات أيضًا صار فيه اشتباه وكلام كثير، هذا نعم حيث إن الأصل بالذبائح التحريم هذه قد نقول: إن الأحسن تركها، والحمد لله الشيء اللي ما فيها شبهة كثيرة سواه، لكن الأجبان وشبهه وأيش الأصل فيها؟
* طالب: الحل.
* الشيخ: الحل، وأن لو كانت من نصراني أو يهودي أو مجوسي أو اللي هي الأصل فيه الحل حتى يتبين التحريم.
* طالب: قالوا فيه إن شركة (...) قبل خمس سنين أو سبع السنين أعلنت أنها تحط فيه لحم الخنزير أو شحم الخنزير، إن هي يقولون يعني؟
* الشيخ: على كل حال يشاف ها الحين، وإحنا إن شاء الله في انتظار الجواب.
﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ [البقرة ١٧٢، ١٧٣] لأنه أمر بالأكل من الطيبات، واعلم قبل أن نتعدى الآية أن هذا الذي أُمرنا به -نحن المؤمنين والحمد لله- أُمر به الرسل كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ »[[أخرجه مسلم (١٠١٥ / ٦٥) من حديث أبي هريرة]].
وبهذا المعنى، أو بهذا الحديث يتبين لنا معنى الشكر تمامًا؛ لأن الرسول عليه الصلاة السلام قارن بين الآيتين، وفي آية الرسل قال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ فدل على أن الشكر الذي أُمر به المؤمنون هو العمل الصالح.
﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ (إنما) أداة حصر، والحصر أيش؟ إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه، فالتحريم محصور في هذه الأشياء، ومعنى ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ يعني ما حرم عليكم إلا الميتة، ما حرم إلا الميتة.
﴿حَرَّمَ عَلَيْكُمُ﴾ التحريم بمعنى المنع، ومعنى (حرم عليكم) أي: منعكم.
وقوله: ﴿حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ وأيش معنى حرمها علينا؟ حرمها علينا أن ننظر إليها؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، حرم علينا الأكل، ما الدليل على أن المراد تحريم الأكل؟ الدليل الآية التي قبلها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ ثم قال: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ﴾ فكأنه قال: كلوا، ثم استثنى، فقال: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾.
الميتة وأيش هي الميتة؟
الميتة في اللغة: ما مات حتف أنفه؛ يعني بغير فعل منه، مات حتف أنفه يعني بغير فعل منه، أصيبت البهيمة بمرض فماتت، سقطت من عالٍ فماتت وما أشبه ذلك.
أما في الشرع: فالميتة ما مات بغير ذكاة شرعية، وهذا مما كان فيه الاصطلاح أعم من اللغة، وهو قليل كما سبق، الأكثر أن الاصطلاح أخص من اللغة، لكن أحيانًا يكون الاصطلاح أعم، فهنا الميتة شرعًا: ما مات بغير ذكاة شرعية فيشمل ما مات حتف أنفه يسمى ميتة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ما ذُكّي ولم يُظهر الدم يسمى ميتة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ما ذُكِّي ولم يسمَّ عليها اسم الله؟
* الطلبة: ميتة.
* الشيخ: ميتة، ما ذكَّاه غير يهودي ونصراني ومسلم؟
* الطلبة: ميتة.
* الشيخ: ميتة مع أنه مُذكّى، فإذن الميتة في الشرع: ما ذُكِّي بغير ذكاة شرعية.
وقوله: ﴿الْمَيْتَةَ﴾ (أل) هنا للعموم؛ يعني إذا صارت (أل) للعموم معناه أنك لو نزعتها ووضعت بدلها (كل) استقام الكلام، فهنا لو نزعت (أل) وجاءت (كل) يصح، إنما حرم عليكم كل ميتة، هل هذه الآية على عمومها؟ الجواب لا، ورد في الشرع ما يخصصها كما في حديث ابن عمر: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ»[[أخرجه ابن ماجه (٣٣١٤) من حديث ابن عمر. ]]. إذن يُستثنى من ذلك أيش؟ الجراد والحوت، الجراد معروف، والحوت كل سمك البحر صغاره وكباره على حد سواء فميتته حلال كذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ما هو الدليل على هذا الاستثناء من هذا العموم؟
الدليل قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ [المائدة ٩٦] قال ابن عباس رضي الله عنهما: «صَيْدُ الْبَحْرِ مَا أُخِذَ حَيًّا وَطعَامُهُ مَا أُخِذَ مَيِّتًا »[[أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٩ / ٢٥٥) من حديث بن عباس]]. هذا من القرآن ومن السنة قبل قليل قرأناها عليكم؛ حديث ابن عمر: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ»[[سبق تخريجه.]] هذه واحدة. يستثنى من هذا ميتة الآدمي؟
* الطلبة: لا (...) هناك فرق.
* الشيخ: أو هذا في مسألة النجاسة؟ في مسألة النجاسة، أما طبعًا الحل، لا، ما يستثنى إلا الجراد والحوت.
هل يعم قوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ جميع وجوه الانتفاع بحيث لا ينتفع منها بإهاب ولا عصب ولا شعر ولا غير ذلك؟
* الطلبة: ظاهرها لا.
* الشيخ: بس السياق يدل على أن المراد الأكل، ولهذا جاء في البخاري: «إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٤٩٢)، ومسلم (٣٦٣ / ١٠٠) من حديث ابن عباس. ]] إنما حرم أكلها، ولهذا لو أنه انتُفع بها في غير الأكل فهو جائز، لكن الجلد خاصة إذا دُبغ صار طاهرًا على القول الراجح، يكون طاهرًا مثل جلد غير الميتة؛ يعني لو أن شاة ماتت وأخذنا جلدها ودبغناه جاز أن نستعمله في الماء الذي نشرب، وفي اللبن، وفي الدهن، وفي العسل، وفي غير ذلك؛ لأنه يكون طاهرًا، لحمها، شحمها، عصبها يجوز أن نجعله أوتارًا يعني حبالًا يمكن نجعله حبالًا، كذلك أيضًا شحمها أن نوقد به؛ نجعله وقودًا، فإذا قال قائل: ألم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام لما قيل له حين حدث فقال: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ؟ فَقَالَ: «لَا، هُوَ حَرَامٌ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٢٣٦)، ومسلم (١٥٨١ / ٧١) من حديث جابر بن عبد الله. ]] فكيف الجواب؟
الجواب: أن قوله عليه الصلاة والسلام: «هُوَ حَرَامٌ» يعني بيع هذه الأشياء؛ لأن الكلام وأيش هو فيه؟ في البيع: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ». ويؤيد ذلك قوله: «إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا»[[سبق تخريجه.]]. وهذا ليس بأكل.
﴿الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ﴾ يعني وحُرم عليكم الدم، والدم هنا يشمل كل دم حتى دم الآدمي؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: حتى دم الآدمي، حتى دم البعير أو لا؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: حتى دم البعير؟ نعم، بقي أن يقال الدم هنا مطلق، لكنه قُيّد بآية الأنعام بكونه مسفوحًا فقال: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام ١٤٥] فالمراد الدم المسفوح الذي يخرج من البهيمة قبل خروج روحها، فأما ما كان بعد خروج الروح فليس بمحرم إذا كانت مذكاة طبعًا، فما كان في المذكاة بعد خروج روحها من الدماء فهو طاهر حلال ولو جرى على الأرض، وعلى هذا فالدم الذي يكون في القلب؟
* طالب: حلال.
* الشيخ: حلال؟ دم قطع دم تأخذ بيدك حلال؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: لأيش.
* الطلبة: لأنه غير مسفوح.
* الشيخ: لأنه غير مسفوح، وكذلك ما يبقى في العروق والأوعية.
طالب: بعد خروج روح البهيمة (...).
* الشيخ: يمكن.
* الطالب: بس هذا حلال ولَّا لا؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ما يدخل في المسألة؟
* الشيخ: لا.
* الطالب: بس نفس العِلة يا شيخ؟
* الشيخ: لا، العلة ما هو اللحم الذي يخرج منه هذا الدم ما هو بحلال.
* الطالب: حلال (أيوه).
* الشيخ: هذا هو.
* الطالب: بس هذا معفو عنه للضرورة.
* الشيخ: لا، حتى هذا، أصل كل شيء يخرج بعد خروج روح المذبوح فهو طاهر.
* الطالب: ولو لعقه الإنسان حلال.
* الشيخ: إي نعم، كيف؟!
* طالب: شيخ، ما هو الاستثناء يا شيخ في قوله: «إِلَّا الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ»[[أخرجه ابن ماجه (٣٣١٤)، وأحمد (٥٧٢٣) من حديث ابن عمر.]].
* الشيخ: لا ما قال: إلا الكبد والطحال، قال: «أُحِلَّ لَنَا». ولا يمنع أن يكون غيرها أيضًا حلالًا.
* طالب: لأيش يقول إحدانا الرسول (...)؟
* الشيخ: إي، لا، هذا شيء خاص، هذا أبو قتادة، لكن هذا شيء خاص.
* الطالب: (...) يا شيخ.
* الشيخ: لا، هذا شيء خاص يعتبر.
﴿وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾ [البقرة ١٧٣] ﴿لَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾ الخنزير معروف، والمراد بلحمه: جميع أجزائه، وإنما حرم؛ لأنه رجس، هكذا قال الله عز وجل: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام ١٤٥].
الرجس أشد من النجس، وهو شامل للنجاسة الحسية والمعنوية، ولهذا يقولون: إن الخنزير مشهور بأكل العذرة النجاسات، وأنه مشهور بعدم الغيرة أيضًا يرى الذكر ينزو على أنثاه ويدك لها يعني يكيف على هذا، ومن تغذى بشيء تأثر به؛ ولهذا الأوربيون فاقدو الغيرة، يجي صاحبه ويمشي ويّاه ويأخذ برأس زوجته فيقبلها وزوجها يشاهد، ولا كأنه قبَّل إلا ولا طفله الصغير، وسواء كان هذه العلة أو لا، لكن يكفينا قول الله عز وجل: ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾.
(...) تعالى بيّن، بل حصر التحريم في هذه الأشياء: الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، وسبق أنه يستثنى من الميتة؟
* الطالب: الميتة؟ ميتتان: الجراد، ميتة الجراد، والسمك.
* الشيخ: نعم، هذا باعتبار أجناس الميتات، وما الذي يستثنى من الميتة نفسها؟
* الطالب: الميتة، حينما النبي ﷺ حرم الميتة.
* الشيخ: نعم، الانتفاع بها؟ أي: الانتفاع بها فيما لا يؤثر على عبادة الإنسان لا بأس به. وأيش معنى قولنا: فيما لا يؤثر على العبادة؟ أنه لو ادهن بدهنها فإنه لا يجوز؛ لأنه يستلزم أن يتنجس بدنه وثوبه، وهذا يخل بعبادته، لكن لو استعمل الدهن أو الشحم في دهن الجلود وطلي السفن والاستصباح، فهذا لا بأس به كما تقدم، ما هو الدليل على استثناء الميتتين؟
* الطالب: الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالطِّحَالُ وَالْكَبِدُ»[[أخرجه ابن ماجه (٣٣١٤)، وأحمد (٥٧٢٣) من حديث ابن عمر.]].
* الشيخ: ومن القرآن؟
* الطالب: إن الله ذكرها في هذه الآية، حصر المحرمات في هذه الآية.
* الشيخ: حصرها في هذه الآية؟!
* الطالب: قال في ميتة البحر في قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ﴾ [المائدة ٩٦].
* الشيخ: ﴿صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ نعم، الشاهد؟
* الطالب: طعامه.
* الشيخ: طعامه، قال ابن عباس: «وما وُجد ميتًا »[[أخرجه الطبري في التفسير برقم (١٢٦٩٣) ط. مؤسسة الرسالة من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير، وابن أبي شيبة في المصنف (٢٠٠٠٧) من حديث محمد بن كعب القرظي بنحو هذا اللفظ. ]]. الدم، ما المراد به؟
* الطالب: الدم المراد به المسفوح الذي يخرج حال الحياة.
* الشيخ: ما الدليل على أنه مسفوح؟
* الطالب: تقييده في الآية الأخرى: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام ١٤٥].
* الشيخ: نعم، تقييده بقوله تعالى: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾. هل يستثنى منه شيء من الدم؟
* الطالب: ما خرج بعد خروج الروح.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: وما اختلط بالأعصاب.
* الشيخ: إي، يعني ما ليس بمسفوح وهو الذي يخرج بعد ما تخرج الروح، الذي يكون في الحيوان بعد ما يُذكى، بعد ما يذكى لا بد؛ لأنه بعد ما تخرج الروح أخذ يشمل الميتة، بعد ما يُذكى.
* طالب: يا شيخ، تخرج الروح عن النفس لما ينحر النفس؟
* الشيخ: إيه؛ لأنه ما يمكن تخرج الروح إلا يقف الدم.
* الطالب: ما يميز الدم بعدما تخرج الروح؟
* الشيخ: هذا ما يظهر هذا، ما يعتبر مسفوحًا؛ لأنها ماتت.
* طالب: (...) يعني ما حكمها؟
* الشيخ: لا ما يكون هذا، كما أنه الذي يقع في لحم العروق (...).
* طالب: كيف فرقنا بين المتماثلين؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: وهو الدم، قلنا: أوله نجس، وآخره طاهر؟
* الشيخ: ما فرقنا بينهما؛ لأنه أوله وآخره كله نجس ما دام مسفوحًا، وهو ما يمكن يخرج إذا مات ما يتسرى، هذا يتسرى من العروق بعد الموت مثل اللي يبقى، ولهذا من علامة الحياة المنخنقة والموقوذة والمتردية من علامة حياتها أنها إذا ذُبحت ساح منها الدم، ساح منها الدم الأحمر، أما هذا فليس بدم مسفوح. قوله: ﴿أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾ ما المراد بلحمه؟
* الطالب: كله.
* الشيخ: كل ما احتواه جسمه، وإذا كان مطبوخًا؟
* الطالب: مطبوخًا ما يجوز.
* الشيخ: عام؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: هل يستثنى منه شيء؟
* الطالب: لا يستثنى.
* الشيخ: أبدًا؟
* الطالب: أبدًا.
* الشيخ: طيب صح. ثم قال تعالى: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة ٣] (الواو) حرف عطف، و(ما) اسم موصول في محل نصب معطوف على أيش؟
* طالب: حرم.
* الشيخ: لا.
* طالب: على الميتة.
* الشيخ: على الميتة؛ لأن العطف يكون على أول معمول للعامل، ولماذا لا يكون العامل على آخر ما عُطف؟ لأن المعطوف فرع، والفرع لا يتفرع عليه شيء، فإذا قلت مثلًا: أكرمت زيدًا وعمرًا وبكرًا وخالدًا، فخالد ما يكون معطوف على بكر، وبكر على عمرو، وعمرو على زيد صح، كلها معطوفة على زيد؛ لأنه الأصل الذي وقع عليه عمل العامل، فيكون المعطوف على هذا الأصل لا على الفرع، عمرو وبكر فرع ولَّا أصل؟
* الطلبة: فرع.
* الشيخ: فرع، فلا يكون خالد معطوفًا على بكر.
﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة ٣] (أُهِلّ) الإهلال: رفع الصوت، ومنه حديث: «إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صَارِخًا فَقَدْ وَرِثَ»[[أخرجه أبو داود (٢٩٢٠) من حديث أبي هريرة.]]. ﴿أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [البقرة ١٧٣] وذلك بأن يذكر عليه اسم غير الله ولو ذبح لله مثل: أن يقول: باسم المسيح، أو: باسم محمد ﷺ، أو: باسم جبريل، أو: باسم ميكائيل، أو: باسم الوطن، أو: باسم القومية، أو: باسم الرئيس فلان، أو: باسم الملك فلان، كله يكون أُهِلّ به لغير الله، أو ذبح لجني، أو لشيطان، أو ما أشبه ذلك،
* طالب: ولو ذكر اسم الله؟
* الشيخ: ولو ذكر اسم الله معه. ﴿أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ بأن قيل: باسم فلان، هذا يكون حرامًا؛ لأنه شرك، وما كان شركًا فهو حرام ليس عليه أمر الله ورسوله، وما ليس عليه أمر الله ورسوله فهو ردّ باطل، فلا يكون حلالًا، إذا أُهل به لغير الله ولله بأن قال: باسم الله وباسم نبيه؟
* الطلبة: ما يحل.
* الشيخ: ما يحل أيضًا؛ لأنه أُهل به لغير الله، قال الله تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.]]. وعلى هذا فلا يحل ما أهل به لغير الله ولله. ما أهل به لله مرادًا به غير الله بأن ذُبح للصنم وقال: باسم الله؟
* طالب: لا يجوز.
* الشيخ: فإنه لا يحل، لكن ما يؤخذ من هذه الآية، يؤخذ من قوله تعالى: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة ٣]. ويحتمل أن يكون- وهو بعيد أن يكون- معنى ما ذبح على النصب ما أهل به لغير الله ولكنه بعيد؛ لأن الله جمع بينهما في آية واحدة، والجمع يقتضي المغايرة، قال الله تعالى في سورة المائدة: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة ٣].
مع أنه قال في أثناء الآية: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ إذن ما ذبح لغير الله ولو ذكر اسم الله عليه وحده فهو حرام، وهل منه أن أذبح هذه الذبيحة للضيف؟
* طالب: لا.
* الشيخ: كيف؟
* طالب: نعم، لغير الله.
* الشيخ: ذبحتها لغير الله لضيفك!
* طالب: لا (...).
* الشيخ: نعم، أنا ذابحها له.
* الطالب: إذا كان قاصدًا فيها أن يكرم الضيف فلا يدخل فيها.
* الشيخ: إن قصد بها إكرام الضيف فلا يدخل ما فيه شك، كما لو ذبح هذه الذبيحة لأولاده ليأكلوها، هل هي حرام؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، وإن ذكر بذلك التقرب إليه وتعظيمه تعظيم عبادة؛ فإنه حرام كالمذبوح على النصب تمامًا، وقد كان بعض الناس -والعياذ بالله- إذا قدم رئيسهم أو كبيرهم يذبحون بين يديه القرابين ذبائح تعظيمًا له لا ليأكلها لكن تذبح أمامه، ثم تترك للعالم، هذا يكون قد ذُبح على النصب ولو ذكر اسم الله فهو حرام.
* طالب: اللي يعتقد كما فعل (...)؟
* الشيخ: تقدم لنا في باب التوحيد أنه لا يذبح لله بمكان يُذبح فيه لغير الله، أما إذا ذبح بمكان لاختصاصه بسبب معين كما لو كان أكثر فقراء، أو كان ذبح هنا لقرابة له فيه؛ بمعنى لا يختص بالبقعة ولا يختص بصنم أو ما أشبه ذلك فلا بأس.
* طالب: الهجر داخل في هذا؟
* الشيخ: الهجر أيش؟
* الطالب: الهجر ما هو موجود عندكم يعني إذا اختلف بعض الناس وأصلح بينهم بعض الناس يعني وأراد الثاني أن يذبح له هو الآخر ذبيحة يعني يسوقها إلى بيته ويذبحها عند البيت؟
* الشيخ: لا ما فيها بأس.
* طالب: (…)؟
* الشيخ: ما فيه بأس.
* طالب: شيخ، فيه عندنا إذا مثلًا اتأخر يعني في حصول شيء يذبحون ويجيبوا الناس يتحللوا وكده عشان يكون ربنا ينزلهم الرزق، هل هذا سليم؟
* الشيخ: صدقة يعني؟
* الطالب: إيه.
* الشيخ: والله هذه ما فيها بأس، لكنها بدعة.
* الطالب: وهم للموتى؟
* الشيخ: لا، بدعة هذه لا تحمد.
* طالب: حتى يا شيخ لو كان قريبًا.
* الشيخ: لا هذه من البدع وإلا الصدقة لا شك أنها تجلب الخير، إنما كونه يذبح ذبائح ويكون لها يعني شهرة ودعوة؛ هذه من البدع، لكن كون الإنسان يتصدق بصدقة خفية مثلًا فهذا لا بأس به؛ وهو من أسباب الخير.
* طالب: شيخ، الكلمة الأخيرة له يقول: وللموتى.
* الشيخ: لا، هذا ما ينفع للموتى.
* الطالب: يعني للموتى الثواب؟ يذبح للموتى؟
* الشيخ: لا، هذا إذا كان للموتى على سبيل التعبد والتعظيم وهو ما يجوز يتقرب بها إليهم، أما إذا كان للميت لينتفع بها بثوابها.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، بثوابها، هذه ما فيها شيء.
(...) من هذه الآية الكريمة: فضيلة الإيمان حيث وجه الله الخطاب إلى المؤمنين، فهم أهل لتوجيه الخطاب إليهم لقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
* ومن فوائدها: وجوب الأكل من طيبات ما رزق الله لقوله: ﴿كُلُوا﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: ويدل بالمفهوم على أن الخبائث لا يؤكل منها لقوله: ﴿مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ والخبائث محرمة؛ لقوله تعالى: ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف ١٥٧].
* ومن فوائدها: أن ما يحصل عليه المرء من مأكول فإنه من رزق الله وليس للإنسان فيه إلا السبب فقط، من أين يؤخذ؟
* طالب: ﴿مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: توجيه المرء إلى طلب الرزق من الله عز وجل، من أين يؤخذ؟
* طالب: كلوا.
* الشيخ: لا، توجيه المرء إلى طلب الرزق من الله لقوله: ﴿مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾. فإذا كان هذا الرزق من الله سبحانه وتعالى فلنطلبه منه مع فعل الأسباب التي أمرنا بفعلها.
* ومنها: وجوب الشكر لله لقوله: ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾.
* ومنها: وجوب الإخلاص له في ذلك، من أين تؤخذ؟ من اللام في قوله: ﴿لِلَّهِ﴾.
* ومنها: أن الشكر من تحقيق العبادة لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾.
* ومنها: وجوب الإخلاص لله في العبادة، ويؤخذ من تقديم المعمول من قوله: ﴿إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾.
* ومنها: رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده من وجهين:
أولًا: من أمره إياهم بالأكل؛ لأن في الأكل حفظًا لصحتهم.
وثانيًا: من قوله: ﴿مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ فإن الرزق -بلا شك- من رحمة الله، فيستفاد من هذه الآية إثبات رحمة الله عز وجل.
* طالب: الوجهين، ما هما؟
* الشيخ: الوجهين: الأمر بالأكل لما فيه من حفظ البدن، وقوله: ﴿مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾.
ومنها: الرد على الجبرية؟
* طالب: ﴿كُلُوا﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿كُلُوا﴾، ﴿وَاشْكُرُوا﴾، و﴿تَعْبُدُونَ﴾، كل هذه أضيفت إلى فعل العبد فدل هذا على أن للعبد فعلًا يُوجه إليه الخطاب بإيجاده، ولو كان ليس للعبد فعل لكان توجيه الخطاب إلى العبد بإيجاده من تكليف ما لا يُطاق.
ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [البقرة ١٧٣].
قوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ ما محل (ما) من الإعراب؟
* طالب: اسم موصول مبتدأ.
* الشيخ: مبتدأ؟ توافقونه؟
* طالب: لا.
* الشيخ: في الأمرين جميعًا؟
* طالب: لا، الأول اسم موصول.
* الشيخ: والثاني؟
* الطالب: معطوفة على ما سبق.
* الشيخ: وهو؟
* الطالب: على قوله: الميتة والدم ولحم الخنزير.
* الشيخ: على كل الثلاثة؟
* الطالب: إي نعم.
* طالب آخر: على الأول، العطف يكون على الأول.
* الشيخ: الأول، إي نعم، معطوفة على الأول، فهي في محل نصب إذن. ما معنى ﴿أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾؟
* طالب: من الإهلال، وهو رفع الصوت، و﴿أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ ذبح أو كل ما عمل بشيء لغير الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: إيه، وأيش معنى ﴿أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾؟
* طالب: أي يذكر عليه اسم غير الله.
* الشيخ: نعم، ذكر عليه اسم غير الله بأن قيل: باسم الرسول، باسم النبي، باسم جبريل، باسم ميكائيل، أو ما أشبه ذلك.
ثم قال الله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ عندي في قوله: ﴿فَمَنِ﴾ قراءتان: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ و﴿فَمَنُ اضْطُرَّ﴾ بضم النون، أما قوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ على هذه القراءة فالأمر فيها واضح، للتخلص من التقاء الساكنين، وأما الضم فمن أجل الإتباع لضمة الطاء ﴿فَمَنُ اضْطُرَّ﴾ أسهل من قوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ ففيها قراءتان، وقوله: ﴿مَنْ﴾ هنا شرطية، والفعل بعدها فعل ماضٍ في محل جزم فعل الشرط، وقوله: ﴿اضْطُرَّ﴾ اسم مفعول، ولا تستعمل إلا اسم مفعول في مثل هذا الأمر في مثل هذا السياق، ما يصح أن أقول: اضطَرَّ؛ لأن اضطر أوقع غيره في ضرورة، واضطُرّ وقع في الضرورة، فمعنى اضطُرّ؛ يعني ألجأته الضرورة، والضرورة فوق الحاجة، الحاجة كمال، والضرورة لا بد منها. وقوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ أي ألجأته الضرورة لأي شيء؟ للأكل؛ لأنه جاء بعد قوله: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ﴾ يعني فما ألجأته الضرورة إلى أكل هذا المحرم، لكن بشرطين بل بثلاثة شروط إذا جعلنا الضرورة شرطًا فبثلاثة شروط: أن يوجد ضرورة، وأن لا يكون باغيًا، ولا عاديًا ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ ونحن نريد أن نعرب (غيرَ) فنقول: هي منصوبة على الحال من نائب الفاعل في قوله: ﴿اضْطُرَّ﴾. ونريد من رشاد أن يعرب لنا ﴿بَاغٍ﴾؟
* الطالب: مضاف إليه.
* الشيخ: كمِّل.
* الطالب: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
* الشيخ: مجرور بالإضافة، وعلامة جره؟
* الطالب: الكسرة.
* الشيخ: كسرة ظاهرة على آخره، هل توافقونه على هذا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما يوافقون.
* الطالب: فيها ياء محذوفة هي أصلها باغي.
* الشيخ: إذن علامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين منع من ظهورها الثقل، والتنوين هنا يسمونه تنوين عوض عن حرف، ومثلها ﴿عَادٍ﴾.
قوله: ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ اختلف المفسرون في: الباغي والعادي؛ فقيل: الباغي هو الخارج على الإمام، وهم البغاة، والعادي: العاصي بسفره، المعتدي الذي عصى بسفره فسافر سفرًا محرمًا، هذا الباغي والعادي فهمتم يا جماعة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: الباغي: هو الخارج على الإمام، والعادي: العاصي بسفره، فهذان لا يحل لهما أكل الميتة ولو اضطرا إلى ذلك؛ لأنه لا بد من الشرطين: ضرورة انتفاء البغي، انتفاء العدوان، فإن كان باغيًا أو عاديًا لم يحل له أن يأكل ولو مات؛ لأن الله تعالى اشترط غير باغٍ ولا عادٍ؛ ولأنه ليس أهلًا للرأفة والرحمة حتى يُرحم فإن الخروج على الإمام محرم، وسفر المعصية أيضًا محرم؛ ولأنه يمكنه التخلص من هذا المحرم حتى يباح له الأكل بماذا؟
بالتوبة والإقلاع؛ فينوي أنه تائب ويقلع عن هذا، ويكون ذلك سببًا يبيح له أكل الميتة، أفهمتم؟ وقال بعض أهل العلم: المراد بالباغي: الطالب لأكل الميتة، والعادي: المتجاوز للحد المباح له؛ يعني الذي يأكل زائدًا على الضرورة؛ فالعادي من الزيادة، والباغي من الطالب؛ يعني ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ أي غير طالب لأكل الميتة، ولا عادٍ في أكلها بحيث يأكل أكثر من ضرورته، وعلى هذا الرأي تكون الحال هنا شبه مؤكدة لعاملها؛ لأنه في الحقيقة ما فيه ضرورة إلا إذا كان لا يريد أكل الميتة ولا يزيد على ما يحتاج إليه، فإن الإنسان إذا لم يضطر وذهب يأكل الميتة نقول: هذا باغٍ، إذا اضطر وأكل أكثر من ضرورته نقول: هذا عادٍ، هذا القول يضعفه أن الأصل في الحال التأسيس، ويقويه أن هذا القرآن يفسر بعضه بعضًا، وقد قال الله تعالى في سورة المائدة: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة ٣]؛ لأن قوله: ﴿فِي مَخْمَصَةٍ﴾ تُفسر قوله: ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾؛ لأن الذي لا يأكل إلا في المخمصة ما ابتغى أكل الميتة، والذي غير متجانِف لإثم، والذي يتجانف لإثم معلوم أنه وقع في العدوان فلا يمكن أن يحل، وهذا القول بهذا التأييد في الآية الأخرى يكون أصح أن المراد غير باغٍ أيش؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: لا، غير باغٍ؛ أي مُبتغٍ لأكل الميتة، قد تقولون: هل أحد يبتغي أكل الميتة؟ نقول: نعم، يمكن، يمكن واحد تموت له شاة طيِّبة كثيرة اللحم، ويأسف عليها ويتحسف بها ويجي عنده ضيوف ويقدمها لهم، يمكن، هذا يعني نحن- والحمد لله- بطبيعتنا وبإيماننا -والحمد لله- نكره هذا، لكن فيه ناس يأكلون الميتة، في الجاهلية يأكلون الميتات، قال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ [الأنعام ١٣٩]. وإن كانوا ميتة فهم فيه شركاء ﴿وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ﴾ [الأنعام ١٣٩]. وسمعت أنه يوجد ناس الآن منها هالكفار اللي في البلاد يأكلون الميتة، ويأكلون الحمير، ويأكلون الكلاب، ويأكلون القطط وما هو بغريب، فالمهم أنه ربما يقع هذا الشيء، والله سبحانه وتعالى أباح لنا الميتة إذن بثلاثة شروط: الضرورة. والثاني: أن لا يكون مبتغيًا طالبًا لها. والثالث: أن لا يكون متجاوزًا للحد الذي تندفع به الضرورة.
وبناء على هذا هل له أن يأكل حتى يشبع؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، وقيل: له أن يأكل حتى يشبع إذا كان يغلب على ظنه أنه لا يجد سواها عن قرب، وهذا هو الصحيح، ولو قيل: بأنه في هذه الحال يأخذ معه شيئًا منها يأكل الآن ما يصد رمقه ويأخذ شيئًا منها يحمله معه إن اضطر إليها أكل وإلا تركه لكان هذا أيضًا قولًا جيدًا.
بقي أن نقول: هذه الميتة إذا أكل الإنسان منها في حال الضرورة، فكيف تنقلب طيبة مع أنها رجس كما قال الله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام ١٤٥]؟ فكيف أنها تكون طيبة لمجرد الضرورة إليها؟
فالجواب من وجهين، أو من أحد الوجهين؛ الوجه الأول: أن نقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾؛ فالذي جعلها خبيثة بالموت بعد أن كانت طيبة حال الحياة قادر على أن يجعلها عند الضرورة إليها طيبة؛ مثل ما كانت الحمير طيبة تؤكل، ثم كانت خبيثة، خبيثة لا تؤكل، ومثل ما كان عصير العنب قبل أن يتخمر طيبًا يؤكل ويُشرب، فإذا تخمر صار خبيثًا، وعينه هي هي، فالله سبحانه وتعالى هو خالق الأشياء، وخالق صفاتها، ومغيرها كيف يشاء، فهو قادر على أن يجعلها إذا اضطُر عبده إليها يجعلها طيبة، هذا وجه.
الوجه الثاني أن نقول: هي ما زالت على كونها خبيثة، لكنه عند الضرورة إليها يباح هذا الخبيث للضرورة، وتكون الضرورة واقية من مضرته، فملابستها للضرورة مباح، وضررها المتوقع تكون الضرورة واقية له.
وأظن الوجهين بينها فرق ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: بينهما فرق؛ لأنه على الوجه الأول انقلبت من الرجس إلى الطهارة، وعلى الوجه الثاني باقية، لكن هناك ما يقي مضرتها، وهذا ربما يكون أقرب إلى المعقول؛ أن خبثها باقٍ لكن الضرورة إليها أباحتها، ووقَت من المضرة من ضررها، ويؤيد هذا المعنى الحسي فإن النفس كلما كانت أشد طلبًا للشيء كان هضمه سريعًا بحيث لا يتضرر به الجسم، وانظر إلى نفسك إذا أكلت طعامًا على طعام ما متى تهضم الثاني والأول يتأخر مع ما يحصل فيه من الضرر، لكن إذا أكلت طعامًا جائعًا فإنه ينهضم بسرعة وتقبله النفس ولقوة الطلب النفسي يكون هذا الخبث زائلًا ضرره، ويشهد لهذا أيضًا «ما يروى عن صهيب الرومي أنه كان في عينيه رمد فجيء إلى النبي ﷺ بتمر وهو حاضر، فأكل منه النبي عليه الصلاة والسلام، فأراد صهيب أن يأكل منه، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «تَأْكُلُهُ وَأَنْتَ أَرْمَدُ؟»[[أخرجه ابن ماجه (٣٤٤٣)، وأحمد (١٦٥٩١، ٢٣٤٨٠) من حديث صهيب بنحوه.]]؛ لأن المعروف أن الأرمد ما يأكل التمر توجع عينه زيادة، فقال: يا رسول الله، أمضغه مع الجانب الثاني؛ يعني مثلًا إذا كانت اليمنى أمضغ مع اليسرى، فضحك النبي عليه الصلاة والسلام ومكنه.
قال ابن القيم رحمه الله: إن الحكمة في أن الرسول يمكنه مع أنه مجتهد أن هذا ضرر؛ لأن قوة طلب نفسه له يزول به الضرر ينهضم سريعًا ويتفاعل مع الجسم ويروح ضرره، فالحاصل الآن فهمنا أن الميتة إذا اضطر الإنسان إليها غير باغ ولا عاد، أين جواب من؟ ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾، هذه جواب (مَنْ)، وقرن بالفاء؛ لأن الجملة اسمية، وإذا كان جواب الشرط جملة اسمية وجب قرنه بالفاء. ﴿إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ نحن ما نتذكر إن (لا) تنصب الاسم؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: وأيش هي؟
* الطلبة: نافية للجنس.
* الشيخ: نافية للجنس؟ تنصبه، ويُبنى معها على ما يُنصب به إذا كان مفردًا، وخبرها عليه هنا ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ أي: فلا عقوبة عليه، أو: فلا جناح.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ هذا تعليل للحكم، الحكم انتفاء الإثم، العلة: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. ﴿غَفُورٌ﴾ يحتمل أن تكون صيغة مبالغة، هو ورد أنه من صيغ المبالغة (فعول)؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أين الشاهد من كلام ابن مالك؟
* طالب: قوله:
؎فُعُولَةٌ فَعَالَةٌ لِفَعُلَا ∗∗∗ كَسَهُلَ الْأَمْرُ وَزَيْدٌ جَزُلَا
* الشيخ: إيه، أنتم في واد وهذا البيت في واد.
* الطالب: قريبة من هذا.
* الشيخ: لا، ما هو بهذا، هذه أبنية المصادر، هي ما هي في أبنية المصادر هو قالها في أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين:
؎فَعَّالٌ اوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ ∗∗∗ فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ
الشاهد قوله: (أو فعول). ﴿غَفُورٌ﴾ إما أن نقول: إنها صيغة مبالغة لكثرة مغفرته سبحانه وتعالى، وكثرة من يغفر له، فالكثرة هنا واقعة في الفعل وفي المحل، كيف في الفعل وفي المحل؟ الفعل اللي هو فعل الله عز وجل، وكثرة توبته على عبده، وفي المحل كثرة المغفور لهم، وقد تكون صفة مشبهة. وقوله: ﴿رَحِيم﴾ كذلك. و﴿الْغَفُور﴾ مأخوذ من (الغَفْر)؛ وهو الستر مع الوقاية، وليس الستر فقط بل الستر مع الوقاية، ومنه سمي المغفر الذي يُغطى به الرأس عند الحرب؛ لأنه يتضمن الستر والوقاية، ويدل لذلك قوله سبحانه وتعالى إذا خلا بعبده المؤمن وحاسبه قال: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٤١)، ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) من حديث ابن عمر.]]. وقوله: ﴿رَحِيم﴾ صيغة مبالغة، أو صفة مشبهة من الرحمة، والرحمة صفة من صفات الله سبحانه تعالى الذاتية؛ ذاتية فعلية، فهي باعتبار أصل ثبوتها لله صفة ذاتية، وباعتبار تجدد ما يرحمه الله صفة فعلية، ولهذا علقها الله بالمشيئة في قوله: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [العنكبوت ٢١].
فهي صفة حقيقية ثابتة لله عز وجل، وأهل التأويل، والأصح أن نسميهم (أهل التحريف) يقولون: إن الرحمة غير حقيقية، وأن المراد برحمة الله: إحسانه أو إرادة الإحسان؛ فيفسرونها إما بالإرادة وإما بالفعل، وهذا لا شك أنه خطأ، وحجتهم أنهم يقولون: إن الرحمة رقة ولين، والرقة واللين لا تناسب عظمة الخالق سبحانه وتعالى، فنقول لهم: إن هذه الرحمة رحمة مَنْ؟
* الطلبة: المخلوق.
* الشيخ: المخلوق، إنها رحمة المخلوق، أما رحمة الخالق فإنها تليق به سبحانه وتعالى.
* طالب: شيخ، النجاسة (...) حسية أو معنوية؟
* الشيخ: حسية، نجاستها حسية.
* الطالب: المعنوية اللي (...) على المضطر وغير المضطر.
* الشيخ: لا، هذه الحمير نجاستها حسية، وإذا اضطر الإنسان إليها أكلها.
* طالب: بالنسبة إلى الضفادع إذا كانت ميتة؟
* الشيخ: الضفادع ما تحل.
* الطالب: لا، غير الضفادع، إذا كانت تعيش في البر والبحر ووجدت في البر مقتولة ميتة؟
* الشيخ: تُعطى حكم البر، اللي يعيش في البر وفي البحر يُعطى حكم البر تغليبًا لجانب الحضر.
* طالب: قالوا يا شيخ مثلًا في عروسة البحر؟
* الشيخ: مَن زوجها؟!
* الطالب: ليس لها زوج، ذكر أهل العلم أنها تكون في بحر قزوين، ولو يا شيخ هذه، كيف؟
* الشيخ: هذه إذا وجدتها فاحتفظ بها وكلها.
* الطالب: يعني تكون آدمية مثل السمك؟
* الشيخ: إي نعم، نحن سمعنا هكذا، سمعنا أنه يوجد سمك على شكل آدميين، على شكل الآدميات وأنهن بعد جميلات جدًّا.
* الطالب: تأكلها؟
* الشيخ: إيه تأكلها.
* طالب: ما يشبه الآدمي؟
* الشيخ: وأيش فيها؟
* الطالب: إذا اضطر إليها؟
* الشيخ: إذا اضطر إليها فاختلف فيها أهل العلم، وهذه تأتي بالفوائد، فالمشهور عند الحنابلة: أنه ما يجوز أن يأكلها ولو اضطُر، وقالت الشافعية: إنه يجوز أكلها عند الضرورة وهو الصحيح.
* طالب: أقول: حتى المحرم مثل الكلاب والحمير؟
* الشيخ: ما هو بلحم الخنزير؟
* الطالب: لحم الخنزير يحل؟
* الشيخ: يحل؟! هذا اللي معنا: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ﴾ [البقرة ١٧٣] وأيش بعده؟
* الطلبة: ﴿وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾.
* الشيخ: ﴿وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾ ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة ١٧٣].
* طالب: أظنها يعني تعود على الأول كله معطوفات على الأول؟
* الشيخ: إيه؟ إنه محرمات.
* الطالب: لا، قصدي غير باغٍ ولا عاد ما هو بالميتة خاص، ولا فيهم كلهم؟
* الشيخ: لا، حتى اللي في سورة المائدة: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ فيها لحم الخنزير، المهم كل المحرمات إذا كانت تزول بها الضرورة فهي مباحة، وقولي: إذا كانت تزول بها الضرورة احترازًا مما لا تزول به الضرورة، كما لو اضطر الإنسان إلى أكل السم يجوز يأكل؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: أسهل للقتل والموت، ولو اضطر الإنسان لعطش إلى الخمر عطشان وعنده جرة خمر؟
* طلبة: يشرب.
* طلبة آخرون: ما يشرب.
* الشيخ: لا يشربها، لا يشربها يقولون: لأن الخمر يزيد العطش، فلا يشربها، لكن لو اضطر إلى الخمر لدفع لقمة غص بها، شوف العلماء رحمة الله عليهم كيف! يقول: لو غص بلقمة ولا عنده شيء يشربه إلا جرة خمر فإنه يشرب لدفع اللقمة فقط، إذا اندفعت يقف.
* طالب: يا شيخ، إذا رأيت غاصًّا يشرب؟!
* الشيخ: لا، أعوذ بالله! أخاف إذا راح يتغصص يشرب غاص ولا عاد ينفعه!
* طالب: فضيلة الشيخ، الزنا، إذا اضطر؟
* الشيخ: ما فيه ضرورة هذا، الزنا ما فيه ضرورة أبدًا، يعني غاية ما هنالك ثوران الشهوة، ويمكن تخفيفها بأسباب أخرى.
* طالب: يجوز تخفيف الشهوة بأسباب أخرى؟
* الشيخ: إي نعم، عند الضرورة، نعم، عند الضرورة.
* طالب: شيخ قيد الخنزير بلحم أيش مفهومه؟
* الشيخ: تقدم.
* طالب: إذا أطلق يشمل الجميع.
* الشيخ: تقدم إذا أطلق اللحم؛ فالمراد به كل ما في هذا الجسد من الحيوانات.
* الطالب: وأيش معنى التقييد؟
* الشيخ: ما فيه تقييد.
* الطالب: (...) الميتة أفضل؟
* الشيخ: الميتة؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: الميتة لأن أصلها حلال.
(...) أنصاري وأنصار؛ لأن اللي ينسب لأبي حنيفة يقال: حنفي، والحنفي.
* طالب: يقولون: إنه ليس أحنف، يعني الأحناف؟
* الشيخ: لا، ما هو بصحيح، أحناف مثل: أنصاري وأنصار، حنفي وأحناف ما فيها شيء.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ أين التفسير؛ القول الأول ولَّا الثاني؟
* الشيخ: لا، الأرجح الثاني.
ثم قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ [البقرة ١٧٤].
الجملة ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ مكونة من (إن) الدالة على التوكيد و(الذين) اسمها، و﴿أُولَئِكَ﴾ (أولاء): مبتدأ. و﴿مَا يَأْكُلُونَ﴾ الجملة خبره، والجملة من المبتدأ وخبره خبر (إن).
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ يكتمون بمعنى: يخفون، والإخفاء يكون عند السؤال، وعند عدم السؤال، فمتى دعت الحاجة إلى بيان العلم بسؤال أو بغيره وجب على من عنده علم أن يبينه ويظهره.
وقوله: ﴿يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ الكتاب المراد به؛ إما أن تكون (أل) للعهد، أو (أل) للجنس، فإن قلنا: للعهد؛ فالمراد بها التوراة، ويكون المراد بالذين يكتمون: اليهود؛ لأنهم كتموا صفة النبي ﷺ، وإن قلنا: بأن (أل) للعموم شمل جميع الكتب؛ التوراة والإنجيل وغيرهما، ويكون الذين يكتمون يشمل اليهود والنصارى وغيرهم، وهذا أرجح لعمومه. وقوله: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ أنزله على رسله، فإن الله تعالى يقول: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ [الحديد ٢٥]. فكل رسول فإن معه كتابًا من الله عز وجل يهدي به الناس.
وقوله: ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [البقرة ١٧٤] يشترون يعني يأخذون. ﴿بِهِ﴾ أي: بما أنزل الله، ويجوز أن يكون الضمير عائدًا على الكتم؛ يعني يشترون بهذا الكتم. ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ هذا الثمن ما هو؟ هل هو المال أو الجاه؟ الحقيقة أن كلًّا منهما يصح أن يكون ثمنًا، ويصح أن يكون مرادًا لولا أن قوله: ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ [البقرة ١٧٤] تُرجح أن المراد به المال.
وقوله: ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ يعني يُعطون مالًا ويُقال: اكتموا هذا العلم، لا تبينونه، اسكتوا عن بيانه، وهذا واقع من اليهود والنصارى، ومن هذه الأمة أيضًا، فإن من أهل العلم من يكتم العلم من أجل الدنيا فيشتري به ثمنًا قليلًا. طيب ولو اشترى ثمنًا كثيرًا؟
* الطلبة: فهو قليل.
* الشيخ: فهو قليل، فهو بالنسبة إلى الآخرة قليل، قال الله تعالى: ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [التوبة ٣٨] عقوبة هؤلاء: ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾. ما يأكلون إلا النارَ؛ (النارَ) مفعول (يأكلون)؛ لأن الاستثناء هنا مفرغ؛ يعني هؤلاء ما يأكلون إلا النار، وتأمل كيف جاءت العقوبة في الجملة الاسمية، وأيش الأجل؟
ثبوت هذه العقوبة واستقرارها فكأنها كُررت مرتين لو كانت الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ- استقام الكلام، لكن ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ﴾ أُعيد المبتدأ مرة ثانية فكأن الجملة مكررة.
وقوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ الإشارة للبعيد ولا للقريب؟
* الطلبة: للبعيد.
* الشيخ: للبعيد، هل هي لعلو مرتبتهم أو لبعد مرتبتهم والنفور منها؟
* الطلبة: للبعد.
* الشيخ: نعم، للبعد منهم، والتنفير منهم، وليس لعلوهم كما في قوله: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة ٢] لا، فهذا لدنو المرتبة والبعد عنهم. وقوله: ﴿إِلَّا النَّارَ﴾ كيف إلا النار؟
نقول: نعم، هذا المال يتجرعونه نارًا والعياذ بالله، هو الآن مو هو بنار، الآن أكل وشرب، لكنه يوم القيمة يكون نارًا، وهذا كثيرًا ما يعبر الله سبحانه وتعالى بالنار عن شيء من الأفعال، الرسول ﷺ قال: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٦٣٤)، ومسلم (٢٠٦٥ / ١) من حديث أم سلمة.]]. وقال في الذي لبس ذهبًا وهو رجل: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ فَيُلْقِيهَا فِي يَدِهِ»[[أخرجه مسلم (٢٠٩٠ / ٥٢) من حديث ابن عباس.]]. وقال: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠)، ومسلم (٢٤١ / ٢٦) من حديث ابن عمرو بن العاص.]]. حين فرطوا في غسلها. وقال: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَفِي النَّارِ»[[أخرجه البخاري (٥٧٨٧) من حديث أبي هريرة.]]؛ لأن هذا العمل مخالفة لأمر الله ورسوله ومعصية فاستحق العقوبة بالنار.
قوله: ﴿مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ يعني معنى هذا أنهم يُجرّعون هذه الأشياء يوم القيمة نارًا. ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لا يكلمهم؛ يعني تكليم رضا؛ فالنفي هنا ليس نفيًا لمطلق الكلام، ولكنه للكلام المطلق الذي هو كلام الرضا، ولا يمنع أن يكلمهم كلام توبيخ كما في قوله تعالى: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون ١٠٨].
﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾ نعم ما يُزكون يوم القيمة؛ لأن المؤمنين يُزكون ويشهد لهم بالتزكية، يزكيهم الله عز وجل فيقول: «سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٤١)، ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) من حديث ابن عمر.]] فيكون مغفورًا له، كذلك أيضًا يُزكّون بأنهم أخذوا كتابهم بأيمانهم؛ لأن أخذ الكتاب باليمين أو إعطاء الكتاب باليمين تزكية، لكن غير المؤمنين لا يُزكون، يأخذون كتبهم بالشمال، ويُنادى على رؤوس الخلائق: ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود ١٨]. وقوله: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (فَعِيل) هنا بمعنى (مُفْعِل) مُؤلم؛ أي: موجع، والعذاب هو النكال والعقوبة (...).
﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة ١٧٣].
مناسبة هذه الآية بما قبلها واضحة؛ لأنه قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ [البقرة ١٧٢]. فلما أمر بالأكل من الطيبات بيَّن ما حرم علينا من الخبائث، فيستفاد من هذه الآية الكريمة: تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله؛ أربعة أشياء، تحريم هذه الأشياء الأربعة.
* ومن فوائدها: أن التحريم إلى الله لقوله: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ﴾. والمحرم هو الله عز وجل؛ وهو المحلِّل.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: حصر المحرمات في هذه الأشياء الأربعة: الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أُهل به لغير الله، من أين يؤخذ؟
* الطلبة: ﴿إِنَّمَا﴾.
* الشيخ: ﴿إِنَّمَا﴾ لأنها أداة حصر، لكن هذا الحصر قد بُيِّن أنه غير مقصود؛ لأن الله حرم في آية أخرى غير هذه الأشياء أو لا؟ حرم ما ذبح على النصب وليس داخلًا في هذه الأشياء، «وحرم النبي عليه الصلاة والسلام كل ذي ناب من السباع[[متفق عليه؛ البخاري (٥٥٣٠)، ومسلم (١٩٣٢ / ١٢) من حديث أبي ثعلبة.]] وكل ذي مخلب من الطير[[أخرجه مسلم (١٩٣٤ / ١٦) من حديث ابن عباس.]] وليس داخلًا في هذه الأشياء، وحرم النبي عليه الصلاة والسلام الحمر الأهلية[[متفق عليه؛ البخاري (٥٥٢٧)، ومسلم (١٩٣٦ / ٢٣) من حديث أبي ثعلبة.]] » وليس داخلًا في هذه الأشياء، إذن فيكون هذا الحصر قد بُيِّن انفكاكه في القرآن، وأيش بعد؟
* الطلبة: والسنة.
* الشيخ: والسنة.
* من فوائد هذه الآية: تحريم جميع الميتات لقوله: ﴿الْمَيْتَةَ﴾ و(أل) هذه للعموم إلا أنه يُستثنى من ذلك السمك والجراد؛ يعني ميتة البحر، والجراد للأحاديث الواردة في ذلك، ويستثنى من الميتة؟
* طالب: الجلد.
* الشيخ: الجلد؟! ولكنه الصحيح أنه لا يستثنى؛ لأنه غير داخل في ذلك، غير داخل في التحريم، المحرم هنا أيش؟
* الطلبة: الأكل.
* الشيخ: الأكل؛ لأنه قال: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ﴾ ثم قال: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ﴾. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (١٤٩٢)، ومسلم (٣٦٣ / ١٠٠) من حديث ابن عباس.]]. وعلى هذا فلا يُستثنى من هذا شيء أو لا؟ نعم ما يستثنى.
ويستفاد من هذه الآية: تحريم الدم لقوله تعالى: ﴿وَالدَّمَ﴾. وهو هنا مطلق، لكنه قُيد في سورة الأنعام بالدم المسفوح، وعلى هذا فيكون إطلاق هذه الآية مقيدًا بسورة الأنعام؛ يعني الدم المسفوح، وبناء على هذا القيد يستفاد منه: أن الدم الذي يبقى بعد خروج الروح بالحيوان المذكى، حلال ولَّا لا؟
* الطلبة: حلال.
* الشيخ: حلال.
* ويستفاد من الآية الكريمة: تحريم لحم الخنزير لقوله: ﴿وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾، وهو شامل لشحمه وجميع أجزائه، وليس من باب العموم المعنوي، بل هو من باب العموم اللفظي لحم الخنزير؛ لأن اللحم يطلق على كل ما يؤكل من الحيوان، وإن كان بعضه عند القرن أو عند الاقتران يخرج منه، فإذا قلت: لحم وشحم صار اللحم غير الشحم، وإذا قلت: لحم وكبد صار الكبد غير اللحم، وعند الإطلاق يشمل الجميع.
* ومن فوائد الآية: تحريم ما ذكر اسم غير الله عليه، من أين؟
* الطلبة: ﴿مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾.
* الشيخ: ﴿مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: تحريم ما ذُبح لغير الله، ولو ذُكر اسم الله عليه، مثل من يقول: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا للصنم الفلاني؛ لأنه أُهل به لغير الله أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: * ومن فوائد الآية: أن الشرك يُؤثر حتى في الأعيان، هو نجاسة معنوية، لكن يؤثر حتى في الأعيان، هذه البهيمة التي أهل لغير الله بها وأيش تكون؟
* طالب: نجسة، محرمة.
* الشيخ: نجسة، خبيثة، محرمة، والتي ذكر اسم الله عليها طيبة، حلال. تأمل قدر الشرك، وأنه يتعدى من المعاني إلى المحسوس، وهو جدير بأن يكون كذلك، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة ٢٨].
لو أنه مو بنجاسة، بدنهم ما هو نجس؛ لكن لقوة خبثه المعنوي وفساد عقيدته وطويته صار مؤثرًا حتى في الأمور المحسوسة.
* ومن فوائد الآية: فضيلة الإخلاص لله، من أين نأخذه؟
* الطالب: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ﴾.
* الشيخ: لا.
* طالب: عند الإخلاص تكون الذبيحة طيبة، وعند الشرك تكون الذبيحة خبيثة.
* الشيخ: نعم، صح.
* ومن فوائد الآية: أن الضرورة تبيح المحظور لقوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾. من قوله: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾.
* ومنها: لكن هذه الضرورة لاحظوا أنها تبيح المحرم بشرطين:
الشرط الأول: صدق الضرورة بحيث لا يندفع الضرر إلا بتناوله.
والشرط الثاني: زوال الضرورة به بحيث يندفع الضرر. أنتم فاهمين؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يشترط شرطان: الشرط الأول: صدق الضرورة بحيث لا يندفع الضرر إلا به. والثاني: زوال الضرورة به.
إنما قلنا ذلك لئلا يورد علينا مورد مسألة التداوي بالمحرم، التداوي بالمحرم بعض العلماء أو بعض العوام يظنون أنه من باب الضرورة، وأن الإنسان إذا اضطر إلى التداوي بالمحرم حل له، نقول: هذا ما هو صحيح لسببين: لأن كلا الشرطين منتفي، أو لا؟ كلها منتفيات في باب التداوي كيف ذلك؟
لأن صدق الضرورة غير موجود؛ إذ يمكن أن يتداوى بشيء مباح، ويمكن أن يُشفى بدون تدواي، ما هو بظاهر؟
ثانيًا: هل إذا تداوى بهذا المحرم تندفع ضرورته؟ يمكن يشفى ويمكن يموت ما هو على كل حال، وليس هذا من جنس الأكل اللي ما عنده إلا ها الميتة، ما عنده غيرها، هذا نعلم أنه إذا أكل منها تندفع ضرورته، أو لا؟ ونعلم أنه ما دام ما عنده غيرها مضطر، فبينهما فرق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات رحمة الله عز وجل، أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم؛ لأن هذا من رحمة الله بالعبد أن أباح له المحرم لدفع ضرورته.
* ومنها: أن الأعيان الخبيثة تنقلب طيبة حين يحكم الشرع بإباحتها، من أين نأخذها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نحن ذكرنا أثناء الشرح وجهين وهما: هل هذه الأعيان انقلبت طيبة أو هي باقية على خبثها، لكنها أُبيحت للضرورة؛ ولأن النفس لشدة حاجتها إليها تهضمها وتقبلها حتى لا تتضرر بها؟ ذكرنا في هذا قولين لأهل العلم أو وجهين، وقلنا: إن كليهما حق، فكما أن الحمير كانت بعد أن كانت حلالًا طيبة صارت بتحريمها رجسًا، صارت رجسًا نجسة، وهي أمس هذا الحمار حلال طيب واليوم صار حرامًا خبيثًا، والله على كل شيء قدير.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما: الغفور والرحيم.
* ومنها: إثبات ما ذكره أهل السنة والجماعة الأئمة من أن أسماء الله سبحانه وتعالى المتعدية يستفاد منها: ثبوت تلك الأحكام المأخوذة منها. مو قلنا: الأسماء المتعدية تتضمن الاسم والصفة والأثر اللي هو الحكم، العلماء يأخذون من مثل هذه الآية ثبوت الأثر وهو الحكم؛ لأنه لكونه غفورًا رحيمًا غفر لمن تناول هذه الميتة لضرورته ورحمه بحلها. فيكون في هذا دليل واضح على أن أسماء الله عز وجل تدل على الذات والصفة والحكم، على الذات اللي هو الاسم؛ على الاسم والصفة والحكم، كما أقر ذلك أهل العلم رحمهم الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من تناول المحرم فهو آثم بدون عذر من أين نأخذها؟
* الطلبة: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾.
* الشيخ: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ فعُلم منه أنه إذا كان غير مضطر فعليه الإثم.
* ومن فوائدها عند بعض أهل العلم: أن العاصي بسفره لا يترخص، من أين تؤخذ على هذا الرأي؟ من قوله: ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ فإنهم قالوا: إن المراد بالباغي: الخارج على الإمام، والعادي: العاصي بسفره. وقالوا: إن العاصي بسفره أو الباغي على الإمام لا يترخص بأي رخص من رخص السفر؛ فلا يقصر الصلاة، ولا يمسح ثلاثة أيام، ولا يأكل الميتة، جميع رخص السفر ما تحل له، ولا يفطر في رمضان، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، وقد أشرنا إليه فيما سبق.
* طالب: شيخ، تحريم قتل النفس مثل الإنسان يجب عليه أن يأكل (...) ضرورته؟
* الشيخ: ما هو بواضح؛ لأن الآية فيها الإباحة، لكن قد يقال: إنه يستفاد من إباحة المحرم وجوب تناوله؛ لأن المحرم ما يُنتهك إلا بواجب. وهذه قاعدة ذهب إليها بعض أهل العلم، قال: إن المحرم إذا انتُهك فهو دليل على الوجوب، لكنها ما هي مطردة في الحقيقة مثل ما قالوا في وجوب الختان، بعض العلماء أخذوا وجوبه من هذه القاعدة، قالوا: إن الأصل أن قطع الإنسان شيئًا من بدنه حلال ولَّا لا؟
* طالب: حرام.
* الشيخ: حرام، والختان قطع شيء من بدنه، ولا يُنتهك المحرم إلا بواجب، فقرروا وجوب الختان من هذه القاعدة، لكنها ما هي مطردة تمام الاطراد، ولهذا مثلًا يجوز للمسافر أن يفطر، والفطر انتهاك محرم، مع أن الفطر ليس بواجب؛ فهي ما هي مطردة اطرادًا بيِّنًا.
* طالب: أقول: عندهم دليل على ما يترخص العاصي في سفره؟
* الشيخ: ذكرنا فيما سبق يا أخي؛ قلنا: شيخ الإسلام يرى أنه لا فرق بين العاصي بسفره وغير العاصي؛ لأن هذه الأحكام عُلقت بالسفر، والعاصي يأثم، وأحكام السفر باقية.
* طالب: بالنسبة لذبائح أهل الكتاب بأي طريقة تكون تحل للمسلمين ولمن؟
* الشيخ: بقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة ٥].
* الطالب: بالنسبة يعني لذبائحهم؛ يعني هم لهم طريقة غير طريقة المسلمين.
* الشيخ: «طعامهم ذبائحهم. » كما قال ابن عباس رضي الله عنه[[أخرجه الطبري في التفسير (٩ / ٥٧٨).]].
* الطالب: أقصد إذا ذبحوا بطريقة غير الطريقة الإسلامية؟
* الشيخ: إذا أنهر الدم، وذُكر اسم الله عليه حل.
* الطالب: يشترط ذكر اسم الله عليه؟
* الشيخ: لا بد من اسم الله نعم.
* الطالب: لو بطريقة يعني لو ضربوها مثلًا ضربة معينة؟
* الشيخ: لو ضربوها ضربة معينة ولما غُشي عليها ذبحوها حلّت.
* الطالب: ما ذبحوها، ما ذبحوا الذبح المعروف؟
* الشيخ: وأيش لون ذبحوها؟ كيف ذبحوها؟
* الطالب: بالظفر مثلًا.
* الشيخ: بالظفر؟ بالظفر ما تحل؛ لأن الرسول استثناها قال: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِلَّا السِّنَّ وَالظُّفُرَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٨٨)، ومسلم (١٩٦٨ / ٢٠) من حديث رافع بن خديج.]].
* الطالب: إذا كانت هذه طريقتهم؟
* الشيخ: ما تحل، لكن وأيش يذبحون الشاة بظفورهم؟
* الطالب: لا، مو شاة، دجاجة.
* الشيخ: ما تحل.
* طالب: يا شيخ، المسلم إذا نسي التسمية؟
* الشيخ: ما تحل.
* طالب: الحمار، هل في دليل على أنه كان طيبا قبل التحريم؟
* الشيخ: إي نعم، حله يدل على طيبه.
* الطالب: طيب ما يكون هذا من أعمال الجاهلية مثل أكلهم الميتة، ما نقول بأنها حلال قبل؟
* الشيخ: لا، هذا أحله الشرع يأكلونه أكلًا.
* الطالب: الميتة، هل نقول: إنها كانت طيبة؟
* الشيخ: الميتة كانت طيبة فخبثت بالموت.
* الطالب: بس تقول: كانت طيبة وميتة، فصارت خبيثة.
* الشيخ: لا، ما هي بحلال، ما جاء في الشرع حِلها.
* طالب: ما الفرق بينها وبين الحمار؟
* الشيخ: الحمار كانت حلالًا يأكلونها، لكن الميتة ما كانوا يأكلونها أصلًا، ولهذا ابن عباس يرى رضي الله عنه حل الحمار حتى بعد التحريم؛ يقول: لأن الله يقول: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ [الأنعام ١٤٥]، وأين الحمار؟
وبعض العلماء يحرمها إذا دعت الحاجة إلى بقائها، فمثل وقتنا -على رأي بعض العلماء- يجوز أكلها، لكن الصحيح أنها رجس ما تحل.
* طالب: شرب الخمر، أما كان خبيثًا؟
* الشيخ: الخمر أيضًا حُرم، لكن الخمر الصحيح أنه ما هو بنجس لذاته، ما هي نجاسة عينية.
* طالب: من الخبث.
* الشيخ: الخبث عملي، فنجاسة الخمر معنوية، هذا هو الصحيح، ولهذا لا ينجس الثياب.
* الطالب: ولكن يا شيخ، يؤثر في العقل.
* الشيخ: يؤثر في العقل، غالبًا ما يؤثر في العقل، أكثر ما حرم من أجل هذا، ولهذا علل الله التحريم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ﴾ [المائدة ٩١].
* الطالب: يعني ما يحكم بخبث الخمر؟
* الشيخ: الخبث المعنوي.
* طالب: يا شيخ، ولد الشاة يكون في بطنها ما تذكى يجدونه في بطنها؟
* الشيخ: إيه، ذكاته ذكاة أمه. المهم أننا نقول: يا إخوانا، بالنسبة للذكاة والصيد وما أشبه ذلك لها أبواب معينة، لكن اللي في بطن الأم إذا ذُبحت فذكاته ذكاة أمه.
* طالب: شيخ، حديث عائشة: «إِنَّا نُؤْتَى بِلَحْمٍ فَلَا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ » هناك شيء من التعارض؟
* الشيخ: قال: «سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا»[[أخرجه البخاري (٣١٧٤) من حديث عائشة.]]؟
* الطالب: المعنى مختلف الآن؛ يعني كيف يجمع بينه وبينهم؟
* الشيخ: ما بينها تناقض، ما بينها تعارض حتى يحتاج الجمع.
* الطالب: لكن هذا في الذبح.
* الشيخ: هذاك في الذبح، لكن الأصل أن ما ذبحه المسلم فقد سمى، هذا هو الأصل، فأنت لا تشكك في فعل غيرك لو كان القوم الذين سألوا الرسول ﷺ قالوا: إن قومًا يأتونا باللحم لا يذكرون اسم الله عليه. صار فيه شيء من المعارضة.
قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ [البقرة ١٧٤].
ذكر الله تعالى في هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ أي يخفون. وقوله: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: وجوب نشر العلم لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾، ويتأكد وجوب نشره إذا دعت الحاجة إليه بالسؤال عنه؛ إما بلسان الحال، وإما بلسان المقال، كيف لسان المقال؟
يأتي إنسان ويسألك، ولسان الحال أن يقع الناس في أمر يحتاجون إلى بيان أنه محرم أو يهملوا أمرًا يحتاجون إلى بيان أنه واجب.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أن الكتب مُنزلة من عند الله لقوله: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾. ويستفاد منها: أنها كلام الله، من أين تؤخذ؟
* الطالب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ [البقرة ١٥٩].
* الشيخ: ﴿مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [البقرة ١٧٤].
* طالب: ﴿وَأَنْزَلْنَا﴾.
* الشيخ: يستفاد أنها كلام الله.
* طالب: قوله: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.
* الشيخ: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ طيب، فتكون كلامه.
* ويستفاد منها: العلو، علو الله عز وجل لقوله: ﴿مَا أَنْزَلَ﴾، فإذا ذكر أن الأشياء تنزل منه فهو عالٍ سبحانه وتعالى.
* ويستفاد من هذه الآية: أن هذا الوعيد على من جمع بين الأمرين: يكتمون، ويشترون به ثمنًا قليلًا، فأما من كتم بدون اشتراء أو اشترى بدون كتم، فإن الحكم فيه يختلف، إذا كتم بدون اشتراء فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ [البقرة ١٥٩].
وأما الذين اشتروا بدون كتمان فقال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ [هود ١٥].
فالناس ثلاثة أقسام: قسم يكتم لا للدنيا، لكن بخلًا في العلم أو ما أشبه ذلك، قسم آخر يبين، لكن لا لله بل للدنيا، فهذا أراد بعمله الدنيا؛ مثل الإنسان يُعلِّم بأجرة، يُعلم الناس بأجرة، أو: قصدي ينشر العلم بأجرة، وإلا التعليم الصحيح أنه جائز، التعليم بأجرة الصحيح أنه جائز، لكن يتعلم للدنيا، هذا لا شك أن نيته باطلة، وقسم ثالث: يكتم لغرض من الدنيا مثلًا يكتم لأجل رئاسته، مثل ما فعل اليهود؛ كتموا صفة النبي عليه الصلاة والسلام لتبقى رئاستهم، أو إنسان مثلًا قال قولًا، ثم تبين له أن الحق بخلافه، ثم كتم الحق، يظن بنظره القاصر أنه إذا رجع عن قوله الأول انحطت مرتبته عند الناس، فيريد أن يبقي على منزلته على زعمه، ولا يرجع عن قوله الذي تبين له خطؤه، وهذا أيضًا كتم شو لأجله؟ ليشتري ثمنًا قليلًا، وهو الجاهل كل شيء يراد للدنيا فهو ثمن قليل سواء كان جاه، أو رئاسة، أو إدارة، أو مال، أو زوجة، أو أي شيء، كل ما يراد للدنيا فهو قليل، فهو من الثمن القليل، واضح الآن؟ فصار الناس ينقسمون في هذا الباب إلى كم؟
* الطلبة: ثلاثة أقسام.
* الشيخ: ثلاثة أقسام، كلهم مذمومون، أما من أظهر لله وتعلم لله، فهذا هو خير الأقسام، وهو القسم الرابع الذي يبين بلسانه وقلمه ما أنزل الله عز وجل، فهذا هو القسم الرابع، وهو خير الأقسام.
* طالب: من يكتم خوفًا يا شيخ، ما داخل فيهم الذي يكتم خوفًا يعني؟
* الشيخ: والذي يكتم خوفًا إذا كان سيُبين في موضع آخر فلا بأس، أما إذا كان بيكتم مطلقًا فهذا ما يجوز، يجب أن يبين ولو قُتل.
* طالب: ولكسل يعني، ما عنده سوء ظن، لكن كسل، لكن ما يبين، يعني عنده علم وما يبين؟
* الشيخ: إيه، إن دعت الحاجة إلى بيانه وجب عليه أن يبين، ولا يجوز، فإن لم تدعُ، افرض أنه في بلد فيه ناس مثلًا يبينون العلم وينشرونه بين الناس، وهو عنده علم لكنه يقول: علمي ما احتيج إليه ولا سألني سائل، فهذا ما يجب عليه، إن بين فهو أوْلى لا شك؛ لأنه يزيد الآخرين قوة إلى قوتهم، وإن سكت فأظن أن يكون في حل ما دام أن الأمر قد قام به غيره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن جميع الدنيا قليل لقوله: ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [البقرة ١٧٤]. هذا وجه في الآية، ويحتمل أنهم يشترون ثمنًا قليلًا حتى في أعين الناس، لكن بانحطاط هدفهم ومرتبتهم كانوا يخفون عدة آيات من أجل الحصول على درهم واحد، يكون هنا القليل حتى بالنسبة لأعين الناس، وليس هذا ببعيد؛ لأنهم يكتمون من أجل حظ قليل من الدنيا والدنيا كلها قليلة؛ لأن بعض الناس -والعياذ بالله- قد يفعل عالم الدولة لا عالم الملة قد يفعل هذا، قد ينظر ما تختار دولته من رأي، ثم يحاول أن يطوع النصوص لهذا الرأي، أول ما ظهرت الاشتراكية في العالم العربي بدأ بعض الناس الذين ينتسبون إلى العلم بدؤوا يطوعون بعض النصوص إلى رأيهم؛ إلى الاشتراكية، وسمعناهم نحن بأنفسنا من الكتاب والسنة، وقالوا: الكتاب والسنة مملوء من أن الاشتراكية حق، واستدلوا بمثل قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ [الروم ٢٨].
شوف كيف عين الأعور وأيش لون نَظَرت إلى زاوية وتركت زاوية؟! قالوا: فأنتم فيه سواء، خلاص أنتم فيه سواء، الناس سواء فيما رزقهم الله، لكن تركوا أول الآية وهو: ﴿هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾. ومعنى الآية هذه فأنتم فيه سواء مبني على الأول؛ يعني هل لكم شركاء فيساوونكم، وأيش الجواب لا ولَّا نعم؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، أبدًا، ما هو إن العبد يجيء الصندوق أو يلمس المفتاح، هل عبدي يجي شاك ويقول: والله أنا عبدك، أنا بآخذ من مالك، وأيش الجواب؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، كيف ها العبيد هذه عبيد لله تعبدونهم من دون الله؟! هذا ضرب مثل لمشرك، هؤلاء فرحوا فقالوا: فأنتم فيه سواء، خذ، وقال النبي ﷺ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءُ وَالْكَلَأُ وَالنَّارُ»[[أخرجه أبو عبيد في الأموال (٧٢٩) من حديث رجل من المهاجرين، وأخرجه ابن ماجه (٢٤٧٢) وأحمد (٢٣٠٨٢) من حديث ابن عباس بلفظ: «المسلمون...».]]. فأثبت الاشتراكية. وهات منها الأدلة اللي جمعوها من الآيات والأحاديث المتشابهة ليموهوا بها على الناس، مثل هؤلاء العلماء يدخلون في الآية هذه، اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلًا والعياذ بالله، والواجب أن يكون العالم عالم ملة لا عالم دولة حتى يكون لله عز وجل قائمًا بأمر الله عز وجل.
* طالب: الجواب على الحديث.
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ»؟
* الشيخ: الجواب أنه خص الثلاث؛ هذا عليهم ما هو لهم، لكن هذه الثلاث حيث ما لهم بها قدرة من الله عز وجل: الماء، والكلأ، والنار، ما يختصون بها فالأنهار كل يأخذ منها (...)، كذلك نقع البئر ما هو لك، الذي يخرجه الله عز وجل، وكذلك الكلأ اللي ينبت بدون إنباتك في الأرض، ما هي لك، كذلك أيضًا النار، لو أن أحدًا أراد يقتبس، تقول له: تعالَ، لا تقتبس، هذه ناري أنا، يقول: لا، أنتم شركاء. من الذي أوقد النار لك؟
* الطلبة: الله.
* الشيخ: الله عز وجل.
* الطالب: البئر يا شيخ، أنا اللي لففت فيه الحبل؟
* الشيخ: إيه، لكن أنا مو بعد اللي أخرجته، أنت أحق به؛ لأنك حفرته، لكن أنت بتمنع مع الفضل ما يجوز لك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إطلاق المسبَّب على السبب، من أين نأخذها؟ ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ [البقرة ١٧٤]، هم مو بيأكلوا النار، بيأكلوا المال، لكنه مال سبب للنار؛ فيكون هذا من باب إطلاق المسبَّب على السبب.
* طالب: مجاز مرسل.
* الشيخ: وبعدين فيه أيضًا إثبات العدل في الجزاء لقوله: ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾، فجعل المأكول على قدر المأكول، أو لا؟ ما يأكل إلا النار وفاقًا بوفاق على قدر ما يأكل، يأكل نارًا؛ فيكون في هذا إثبات العدل في الجزاء.
يقول الشاعر على هذه المسألة، وإن كان محلها التفسير يقول:
؎أَكَلْتُ دمًا إنْ لم أُصِبْكِ بِضَرَّةٍ ∗∗∗ بَعِيدَةِ مَهْوَى القُرْطِ طَيِّبَةِالنَّشْرِ
أكلت دمًا: يخاطب زوجته، هذا أعرابي تزوج امرأة ونشزت، ولكنه قيل له: إنك إذا رحت للشام ففيها وباء يقتل النساء، وراح بها للشام وقال:
؎دِمَشْقُ خُذِيهَا وَاعْلَمِي أَنَّ لَيْلَةً ∗∗∗ تَحْمِلِينَ عُودَيْ نَعْشِهَا لَيْلَةُالْقَدْرِ
يعني يقول للشام: خذي هذه المرأة، اقتليها، واعلمي أن اليوم اللي تحمل فيها هذه المرأة على أعواد النعش الليلة هي عندي ليلة القدر، مثل ليلة القدر، ثم قال: أكلت دمًا هذا الشاهد
؎أَكَلْتُ دمًا إنْ لم أَصِبْكِ بِضَرَّةٍ ∗∗∗ بَعِيدَةِ مَهْوَى الْقُرْطِ طَيِّبَةِالنَّشْرِ
وأيش معنى بعيدة مهوى القُرط؟
* طالب: أن عنقها طويل.
* الشيخ: يعني أن عنقها طويل؛ القرط اللي يكون في الأذن، إذا صار بعيدًا مهواه؛ معناه أن الرقبة طويلة، وطول الرقبة في النساء محمود، وطيبة النشر يعني طيبة الرائحة. قوله: أكلت دمًا، قال بعضهم: إن المعنى: أكلت دية، سببها الدم، وأنهم كانوا في الجاهلية يُعيِّرون الإنسان إذا قتل له قتيل فأخذ الدية، وهو يدعو على نفسه بهذا الذل، إني ما آخذ بالثأر، آخذ الدية، فقال: أكلت دمًا، نعم، وجاؤوا به شاهدًا على هذه الآية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات كلام الله عز وجل لقوله: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾. ولكن لماذا لا تقولون الآن الكلام منفي؟ كيف تستدلون به على إثبات الكلام؟
* الطلبة: يكلمهم الله.
* الشيخ: إيه، نقول: لو كان لا يتكلم لا معهم ولا مع غيرهم ما صار في نفي الكلام عنهم فائدة ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: فنفيه لكلامه هؤلاء يدل على أن غيرهم يكلمه، ولهذا قال: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾. كلام الله عز وجل هل هو المعنى القائم بنفسه المعبر عنه بالحروف، أو هو الحرف والمعنى؟
* طالب: الحرف والمعنى.
* الشيخ: هو الحرف والمعنى، الله تعالى يتكلم بكلام؛ بحروف وأصوات، أين اللي ما يشبه كلام المخلوقين؟ هل هي حروف ولَّا الأصوات؟
الشيخ: المتعلقة بمشيئته، من أين تؤخذ؟ أن الكلام من صفات الله الفعلية المتعلقة بمشيئته، من أين تؤخذ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، (...) لفظ الآية، ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، فتخصيصه باليوم يدل على أنه يتعلق بالمشيئة.
* ومن فوائد الآية: أن كلام الغضب ليس بكلام؛ فإن الله يكلمهم كلام غضب ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون ١٠٨]، لكنه في الحقيقة ليس بكلام، لو أن أحدًا من الناس كلمك يوبّخك ما قيل: هذا تكلم معك كلام رضا، بل كلام توبيخ قد يكون عدمه خيرًا من وجوده.
* طالب: هذا التوبيخ يا شيخ بعد القيامة وهم في النار؟
* الشيخ: إي نعم، وهي من القيامة، هذه في النار، كل ده داخل في يوم القيامة. ما كملنا الآية.
(...) ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾، أولًا نريد خبر (إنّ) في هذه الجملة (...)، ﴿يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾، الاستثناء هذا ما نوعه؟
* طالب: مفرغ.
* الشيخ: مفرغ، إذن النار وأيش إعرابها؟
* الطالب: مفعول به.
* الشيخ: لأيش؟
* الطالب: لـ(يأكلون).
* الشيخ: من فوائد هذه الآية: إثبات يوم القيامة؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾.
* ومن فوائدها: أن يوم القيامة يزكَّى فيه الإنسان، وذلك بالثناء القولي والفعلي؛ فإن الله يقول لعبده المؤمن في ذنوبه: «سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٤٤١)، ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) من حديث ابن عمر.]]، وأما الفعلي فإن محل الثناء أنه يعطَى كتابه بيمينه ويشهد الناس كلهم على أنه من المؤمنين، وهذه تزكية بلا شك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الجزاء؛ لقوله: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ﴾.
* ومنها: أن عذاب هؤلاء الكافرين عذاب مؤلم ألمًا نفسيًّا أو ألمًا جسمانيًّا؟ الجميع، لو لم يكن من الألم النفسي إلا أن الله يقول لهم: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾، هذا من أبلغ ما يكون - والعياذ بالله - من الألم النفسي. فإذا قال قائل: كيف تجمعون بين هذه الآية الكريمة وبين قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس ٩، ١٠]؟ نشوف.
* طالب: التزكية توفيق من الله عز وجل، الإنسان يزكي نفسه بتوفيق من الله عز وجل، فبمعنى أنه توفيق من الله عز وجل فالمزكي حقيقة هو الله تبارك وتعالى.
* طالب: قوله: ﴿مَنْ زَكَّاهَا﴾ أي: فعل ما يزكيها، أما المزكي في الحقيقة فهو الله.
* الشيخ: إي، مثل ما قال الأخ.
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب الأخ يقول: ما بينهم تعارض؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس ٩] لأنه قال: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس ٧ - ٩] فيه احتمال أن المزكي هو الله، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ أي: من زكاها، قد أفلح من زكاها الله، وتكون (من) بمعنى (التي)، ولكن هذا بعيد، ويدل على هذا قوله: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس ١٠]. فالجمع بينهما أن يقال: تزكية الإنسان نفسه أن يعمل ما فيه زكاتها، وتزكية الله للإنسان خَلقًا وتقديرًا.
{"ayahs_start":172,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُلُوا۟ مِن طَیِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِیَّاهُ تَعۡبُدُونَ","إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَیۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِیرِ وَمَاۤ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَیۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَیۡرَ بَاغࣲ وَلَا عَادࣲ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ","إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡتُمُونَ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَیَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنࣰا قَلِیلًا أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا یَأۡكُلُونَ فِی بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا یُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَلَا یُزَكِّیهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ"],"ayah":"إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَیۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِیرِ وَمَاۤ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَیۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَیۡرَ بَاغࣲ وَلَا عَادࣲ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق