الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ (من) هذه للتبعيض، يعني: بعض شعائر الله، والشعائر جمع شعيرة، وهي التي تكون علمًا في الدين، يعني من معالم الدين.
﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ أي: من معالم دينه؛ لأن العبادات منها خفية بين الإنسان وبين ربه، ومنها أشياء تكون علمًا، علمًا ظاهرًا بينًا، وهي الشعائر، وقوله تعالى: ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ ليس المراد أن نفس الجبل من الشعائر، بل المراد الطواف بهما من الشعائر؛ ولهذا قال: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾.
وقوله: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ أضيفت الشعائر إلى الله؛ لأنه هو الذي شرعها، وأثبتها وجعلها طريقًا موصلًا إليه.
﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ حج في اللغة بمعنى: قصد، و﴿الْبَيْتَ﴾ (أل) للعهد الذهني، والمراد به بيت الله وهو الكعبة، و﴿حَجَّ الْبَيْتَ﴾ قصده لأداء المناسك، وليس قصدًا مطلقا بل القصد لأداء المناسك ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ﴾.
وقوله: ﴿أَوِ اعْتَمَرَ﴾ العمرة في اللغة الزيارة، ﴿أَوِ اعْتَمَرَ﴾ العمرة: الزيارة، والمراد بها: زيارة البيت لأداء مناسك العمرة، وقوله: ﴿مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ﴾ (أو) هنا للتنويع؛ لأن قاصد البيت إما أن يكون حاجًّا، وإما أن يكون معتمرًا.
وقوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ إعراب ﴿لَا جُنَاحَ﴾ (لا) نافية للجنس، و(جناح) اسمها، وخبرها (أن) وما دخلت عليه، أي: لا جناح عليه في الطواف بهما، أو في التطوف بهما، وقوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ﴾ الجناح هو الإثم، يعني: فلا إثم عليه في أن يتطوف بهما، وقوله: ﴿أَنْ يَطَّوَّفَ﴾ أصلها: يتطوف، ولكنه قلبت التاء طاءً لعلة تصريفية فصار: أن يطوف، وقوله: ﴿بِهِمَا﴾ المراد: بينهما، كما تفسره سنة النبي ﷺ، وليس المراد أن يطوف بهما: يدور عليهما كما يطوف بالبيت العتيق، فإن هذا قطعًا لا يراد؛ لأنه شيء غير ممكن، والسنة تفسر القرآن.
وقوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ قد يبدو في الآية شيء من التعارض، فإنه قال: ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ ثم قال: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾، ومعلوم أنه إذا كان الصفا والمروة من شعائر الله، فإنه لا يقتصر على نفي الجناح في الطواف بهما، بل إنما يؤمر بالطواف بهما ما دام ذلك من شعائر الله، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج ٣٢]؛ ولهذا أشكل على بعض التابعين هذه المسألة وسأل عنها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «كيف قال الله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾؟ فسأل السائل قال: أرى أن الرجل لو حج أو اعتمر فلم يطف بهما، فليس عليه من بأس، ولكن عائشة رضي الله عنها ردت عليه وقالت: لو كان هذا هو المراد؛ لكان يقول الله عز وجل: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما »[[حديث متفق عليه؛ البخاري (١٧٩٠)، ومسلم (١٢٧٧ / ٢٥٩)، من حديث عائشة رضي الله عنها.]]، وصدقت رضي الله عنها؛ لأنها إذا كانت من شعائر الله فمقتضى كونها من الشعائر أن يطاف بها وتعظم، ولو كان ترك الطواف بهما جائزًا لقال: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما.
ثم بينت رضي الله عنها السبب في أن الله قال: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ﴾ وهو: أن أناسًا من الأنصار يُهِلون لمناة الطاغية، مناة اللي ذكرها في القرآن، وهي في المشلل -مكان قرب مكة- فيُهِلون لها، فكانوا يتحرجون من الطواف بالصفا والمروة وقد أهلوا لمناة، فأنزل الله هذه الآية: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾، وعلى هذا فيكون النفي هنا لدفع ما وقع في نفوسهم من التحرج، وليس لبيان أصل الحكم، أفهمتم الآن؟ وعلى هذا فلا يكون في الآية أولها وآخرها شيء من التضارب أو التعارض؛ لأن المراد بالنفي هنا أيش؟ نفي ما وقع في نفوسهم من التحرج، فبين الله تعالى أنه ليس هناك تحرج؛ لأنها من شعائر الله.
وقوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ قلنا: معنى يطوف بهما أي: بينهما؛ لأن الطواف في الأصل بمعنى التردد، ومنه قول رسول الله ﷺ في الهرة: «إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ»[[أخرجه أبو داود (٧٥)، والترمذي (٩٢)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.]].
وقوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ فيه أيضًا سبب آخر لتحرج الناس من الطواف بهما، وهو أنهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، يطوفون بهما ويطوفون بالبيت أيضًا، فذكر الله الطواف بالبيت، ولم يذكر الطواف بالصفا والمروة، فقالوا: لو كان ذلك جائزًا لذكره الله عز وجل، ولكنه من أعمال الجاهلية فلا نطوف، فاهمين هذا السبب؟ يقولون: إن هذا من أعمال الجاهلية، والطواف بالبيت أيضًا معروف من قبل، فذكر الله الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بالصفا والمروة، فهذا دليل على أنه ليس بمشروع؛ لأنه من أعمال الجاهلية فلا نطوف، فأنزل الله هذه الآية.
وفيه أيضًا سبب ثالث: وهو أنه يقال: إنه كان فيهما صنمان: إساف ونائلة، وقيل: إنهما كانا رجلًا وامرأة زنيا في جوف الكعبة -والعياذ بالله- فمسخهما الله حجارة، فكان من جهل العرب قالوا: هؤلاء مسخوا حجارة إذن لا بد أن هناك سرًّا وسببًا، أخرجوهم عن الكعبة، خلوهم على الجبلين ونبدأ نطوف بهم ونمسحهم، نمسحهما، وعلى هذا يقول أبو طالب:
؎وَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ ∗∗∗ بِمَفْضَى السّيُولِ مِنْ إِسَافٍوَنَائِلِ
يريد هذا، ومفضى السيول: مجرى الوادي المعروف اللي يكون بين الصفا والمروة، فالحاصل أن هذا ثلاثة أسباب في نزول الآية، وأصحها السبب الأول.
* طالب: ما يصير الأوسط؟
* الشيخ: لا، الأول ثابت في صحيح البخاري.
وقوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿مَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ فيه قراءة: ﴿وَمَن يَطَّوَّعْ خَيْرًا﴾ على أن تكون تَطَوَّع فعلًا مضارعًا، يَطَّوَّع وأصلها يَتَطَوَّع، فأدغمت أيش؟ فقلبت التاء طاء، وأدغمت في الطاء الثانية.
وقوله: ﴿تَطَوَّعَ﴾ معناها فعل الطاعة، ويشمل الواجب والمستحب؟ نعم، يشمل الواجب والمستحب، وتخصيص التطوع بالمستحب هذا اصطلاح فقهي، أما في الشرع فإنه يشمل الواجب والمستحب.
وقوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ ﴿خَيْرًا﴾ هذه يجوز في إعرابها وجهان: الوجه الأول أن تكون منصوبة بنزع الخافض، والتقدير: ومن تطوع بخير فإن الله شاكر عليم، والوجه الثاني: أن تكون مفعولًا لأجله أي: طلبًا للخير، ﴿تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ أي: لأجل الخير وطلبه، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾، وقوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ﴾ هذه (من) شرطية، و﴿تَطَوَّعَ﴾ فعل الشرط، و﴿يَطَّوَّعْ﴾ أيضًا فعل الشرط، لكن ﴿يَطَّوَّعْ﴾ تسلط العامل على اللفظ فجزمه، و﴿تَطَوَّعَ﴾ فعل ماض ما يتسلط على لفظه، أين جواب الشرط؟ جملة: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾، الجملة ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾.
وقوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ يعني: لقصد الخير، أو تطوع بخير، أي: زائدًا عن الواجب أو هو الواجب والمستحب، كما هو لغة القرآن والحديث.
﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿شَاكِرٌ﴾ الله يشكر سبحانه وتعالى؟ نعم، الله تعالى شاكر وشكور؛ لأنه يعطي على العمل أكثر من العمل وهذا شكر ولَّا لا؟ نعم، هذا شكر، يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وهذا غاية الشكر، لو أن أحدًا أحسن إليك وأعطيته أكثر مما أعطاك تُعَد شاكرًا له؟ نعم، تعد شاكرًا له، بل إن الناس الآن لو قال الْمُحْسَن إليه: شكرًا، يعتبرونه شاكرًا ولَّا لا؟ يعتبرونه شاكرًا حتى باللفظ، فكيف بجزاء الله عز وجل الذي لا منتهى له، «الْحَسَنَةُ بَعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إِلِى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ»[[حديث متفق عليه؛ البخاري (٦٤٩١)، ومسلم (١٣١ / ٢٠٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ».]].
وقوله: ﴿شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ قرن العلم بالشكر لاطمئنان العبد إلى أن عمله لن يضيع، فإنه معلوم عند الله، معلوم عند الله لا يمكن أن يضيع منه شيء، فإذا علم أن الله تعالى شاكر وأنه عليم، فإن العامل سيطمئن غاية الطمأنينة إلى أن الله سبحانه وتعالى سيجزيه على عمله بما وعده به، يعني: لو قال قائل: ما مناسبة جواب الشرط للشرط؟ ﴿مَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ يقول: شيخ، وإذا كان الله شاكرًا عليمًا، فما علاقة شكر الله تعالى وعلمه بتطوعنا بالخير؟
* طالب: الجزاء.
* الشيخ: إي نعم، الجزاء؛ نقول: الجزاء؛ لأننا نحن نطيع الله، تطوع يعني نفعل الطاعة، نحن نطيع الله عز وجل، والله تعالى يشكر لنا هذه الطاعة ويعطينا أكثر من عملنا.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ -نعوذ بالله-.
* طالب: هل يصلح ﴿مَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ تصلح اسم موصول؟
* الشيخ: لا.
* الطالب: والذي يتطوع خيرًا.
* الشيخ: لا، (من) شرطية، شرطية؛ لأن فيها الجواب ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾، ثم القراءة الثانية ﴿وَمَنْ يَطَّوَّعْ﴾ واضح مجزومة. * طالب: (...).
* الشيخ: اسم الموصول ما يجزم الفعل.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما يصح (...).
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾ هذه (إن) واسمها ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾، أين خبرها؟ ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ -والعياذ بالله-، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ أي: يجحدون ما أنزلنا من البينات والهدى، الكتم بمعنى الإخفاء والجحد وعدم البيان، ولكنه لا يكون كتمًا إلا حيث دعت الحاجة إلى البيان، إما بلسان الحال وإما بلسان المقال، فمتى دعت الحاجة إلى البيان -بلسان الحال أو المقال- وأخفى الإنسان الحق صار، ويش صار؟ كاتمًا له، بلسان الحال أن ترى إنسانًا يعمل عملًا ليس على الوجه المرضي، هذا لسان حاله يدعو إلى أن تبين له الحق، أفهمتم؟ لسان المقال أن يسألك سائل عن علم وأنت تعلمه، فيجب عليك أن تبلغه، يجب عليك أن تبلغه ما دمت تعلم، أما إذا كنت لا تعلم، فإنه يجب أن تقول: لا أدري، أو: لا أعلم، لكن الكتم إذن كتم ما أنزل الله هو إخفاؤه حين تدعو الحاجة إلى بيانه بلسان الحال أو بلسان المقال، كذلك لو رأيت الناس عمّ فيهم الجهل في مسألة من أمور الدين، فهنا الحاجة داعية إلى البيان يجب أن تبين.
* طالب: إذا خفت أصير كاتم.
* الشيخ: تكون كاتمًا، لكن قد نقول: إن هذا جائز لك، قد نقول: جائز، ولكنه الخوف إذا كان عدم بيانك للحق يؤدي إلى ضياع الحق، فلا يجوز أن تكتم، ما يجوز تكتم، مثل ما فعل أحمد بن حنبل رحمه الله، فإنه كان لا شك خائفًا على نفسه، ومع ذلك بين، لكنه إنسان يطلب منه شخصيًّا أن يبين ولا يترتب على ذلك ضلال الناس، فله الحق في أن يتأول.
﴿مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ﴾ ﴿بَيَّنَّاهُ﴾ يعني: أظهرناه، و﴿لِلنَّاسِ﴾ عمومًا المؤمن والكافر، فإن الله تعالى بيَّن الحق لعموم الناس، كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت ١٧]، فكل الناس قد بين الله لهم الحق، لكن منهم من اهتدى، ومنهم من بقي على ضلاله.
وقوله تعالى: ﴿فِي الْكِتَابِ﴾ المراد به جميع الكتب، فهو للجنس، وقد سبق لنا أنه ما من نبي إلا ومعه كتاب ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد ٢٥]، ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة ٢١٣].
وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ﴾ البيان ينقسم إلى قسمين: بيان مفصل، وبيان مجمل، فالمجمل هي: القواعد العامة في الشريعة، والمفصل هو: أن يتكلم أو أن يذكر الله تعالى قضية معينة مفصلة، فمثل آيات الفرائض في الأحكام مفصلة ولَّا لا؟
* طالب: مفصلة.
* الشيخ: مفصلة مبينة لا يشذ عنها إلا مسائل قليلة، وهناك آيات مجملة عامة مثل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة ١]، ما قال: أوفوا بعقد البيع والنكاح والرهن والإجارة وما أشبه ذلك، عامة، فهو بيان عام.
المحرمات في النكاح مفصل ولَّا مقعد قواعد عامة؟
* طالب: قواعد.
* الشيخ: مفصل، المحرمات في النكاح مفصل، كذلك بعض القصص يذكرها الله تعالى مفصلة، وأحيانا مجملة وكل هذا يعتبر بيانًا.
قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ﴾ ﴿أُولَئِكَ﴾ مبتدأ، وجملة ﴿يَلْعَنُهُمُ﴾ خبره، والجملة خبر ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾، وقوله: ﴿يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ﴾ أي: يطردهم ويبعدهم عن رحمته؛ لأن اللعن في اللغة الطرد والإبعاد، وقوله: ﴿وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ أي: يسألون لهم اللعنة، وهم أيضًا بأنفسهم يبغضونهم ويعادونهم، وقوله: ﴿يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ قد يقول قائل: هذا تحصيل حاصل؛ لأنه كقول القائل: قام القائمون، أو يقوم القائمون، ويدخل الداخلون، فهذا تحصيل حاصل، فيقال: لا؛ لأنه ليس كل من نسب إليه الوصف يكون قائمًا به على الوجه الأكمل، قد تقول: قام القائمون بمعنى أنهم أتوا بالقيام على وجهه، فمعنى ﴿يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ أي: الذين يعرفون من يستحق اللعنة، ويوجهونها إلى أهلها، هذا معنى ﴿اللَّاعِنُونَ﴾، وليس معنى قوله: ﴿يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ يعني: من قال لعنهم الله، فهو المراد؛ لأن هذا تحصيل حاصل، ولكن معنى ﴿اللَّاعِنُونَ﴾ أي: ذوو اللعن الذين يعرفون مستحق اللعنة ويوجهونها إليه، فهم ذوو علم بالمستحق، وذوو حكمة في توجيه اللعنة إليه.
إذن هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى مع ظهوره وبيانه يستحقون هذا الجزاء -والعياذ بالله- الوخيم من الله ومن عباد الله، عكس ذلك الذين يبينون الحق -ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم- الذين يبينون الحق، ماذا يكون لهم؟ يكون لهم المودة والمحبة من الله ومن أولياء الله، وقد ورد في حديث أبي الدرداء الطويل: «أَنَّ الْعَالِمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ»[[أخرجه أبو داود (٣٦٤١)، والترمذي (٢٦٨٢)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.]]؛ لأن الذي يبين شريعة الله يلقي الله تعالى في قلوب عباده مودته ومحبته والقبول له حتى في السماء؛ فلهذا يكون عكس هؤلاء الذين يكتمون.
ونحن نعلم ذلك وإن لم يرد به نص خاص عن طريق القياس الجلي، وجه ذلك: إذا كان الله تعالى يعاقب الكاتمين بهذه العقوبة الواقعة منه ومن عباده، أفليس -وهو الذي سبقت رحمته غضبه- أفليس من يبينون الهدى والبينات، أفليس من يستحقون أن يكون الله تعالى يثني عليهم بدل اللعنة، ويقربهم بدل البُعد وكذلك أولياؤه؟ الجواب: بلى؛ لأنا نعلم أن رحمة الله سبقت غضبه، فإذا كان غضبه يستحق هذا الكاتم ما ذكره، فإن رحمته تستحق خلاف ذلك فيمن بين ووضح.
قال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ الاستثناء هنا متصل ولا منقطع؟
* طالب: متصل.
* الشيخ: متصل؛ لأنه استثناء من الكاتمين، يعني: إلا إذا تابوا، فالاستثناء متصل ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾.
* طالب: كيف تعرف الفرق بينهما؟
* الشيخ: المتصل والمنقطع إن كان من جنس المستثنى منه فإنه متصل، وإن كان من غيره فهو منقطع، وكذلك أيضًا المنقطع يقدر بدل (إلّا) (لكن).
قال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ والتوبة: الرجوع، في اللغة، وفي الشرع: الرجوع من معصية الله إلى طاعته، وشروطها كم؟
* طالب: خمسة.
* الشيخ: خمسة، شروطها خمسة، التوبة شروطها خمسة في حق الله وحق الناس، الشرط الأول؟
* طالب: أن يعزم على أن لا يرجع إلى المعصية.
* الشيخ: لا، ما هو بشرط، ابدأ من الأول؟
* الطالب: أن يقلع عن المعصية.
* الشيخ: لا.
* طالب: الإخلاص لله.
* الشيخ: الإخلاص لله، هذه واحدة، بأن لا يحمله على التوبة خوف مخلوق أو رجاء مخلوق أو علو إلى مرتبة أو ما أشبه ذلك.
والشرط الثاني؟
* طالب: العزم على أن لا يعود..
* الشيخ: لا، قبل، إحنا ودنا بالترتيب؟
* طالب: الندم.
* الشيخ: الندم على ما جرى منه من الذنب، ويش معنى الندم؟ إذا قال قائل: كيف يندم الواحد شو؟ الإنسان يمكن يحط بنفسه ندم نقول: نعم، يتحسف ويتحسر أن وقع منه هذا العمل، هذا الندم على ما فعل من الذنب.
الشرط الثالث؟
* طالب: الإقلاع.
* الشيخ: الإقلاع عن الذنب، وهذا يدخل فيه أداء حقوق العباد إليهم؛ لأن من لم يؤد الحق إلى العباد ما أقلع، فهو ليس شرطًا مستقلًا، كما قاله بعض العلماء، ولكنه شرط داخل في الإقلاع؛ إذ إن من لم يؤد الحق إلى أهله لم يقلع عن الذنب، فلا بد إذن من الإقلاع عن الذنب.
الشرط الرابع؟
* طالب: أن يعزم على أن لا يعود.
* الشيخ: الشرط الرابع: أن يعزم على أن لا يعود، فإن لم يعزم فلا توبة.
الشرط الخامس؟
* طالب: أن يندم على ما فعل.
* الشيخ: قلناها، اتركها، لا تجيبها.
* طالب: أن يستخلص (...).
* الشيخ: قلنا هذا، يدخل فيه الإقلاع.
* طالب: ممكن نقول: أن يعمل صالحًا.
* الشيخ: لا.
* طالب: رد الوادائع.
* الشيخ: هذا الرد الإقلاع.
* طالب: أن تقع في موقعها في الوقت.
* الشيخ: في الوقت التي تقبل فيه، أن تقع التوبة في الوقت الذي تقبل فيه، يعني أن تكون في وقت قبول التوبة، فإن كانت في غير وقتها فإنها لا تقبل، وهو عام وخاص، الخاص: الغرغرة عند الموت ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨]، والعام: طلوع الشمس من مغربها فلا يقبل بعده توبة، إذن فشروط التوبة تكون خمسة.
هذه التوبة، وقد سبق لنا هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره؟ وذكرنا في هذا للعلماء ثلاثة أقوال: الأول: أنها تصح، والثاني: تصح إن كان الذنب من غير الجنس، والثالث: لا تصح، والصحيح أنها تصح، التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، لكنه لا يستحق اسم التائبين على سبيل الإطلاق، فلا يستحق وصف التائب ولا يدخل في مدح التائبين، لماذا؟ لأن توبته مقيدة من هذا العمل المعين، مثال ذلك: تاب رجل من الزنا، لكنه يتتبع النساء بالنظر المحرم تصح توبته من الزنا؟ تصح على القول الراجح، لكن ما يستحق وصف التائب على سبيل الإطلاق، وعلى القول بأنه تصح إذا كانت من غير الجنس ما تصح، تاب من الزنا مع الإصرار على الربا؟ تصح؛ لأن الربا ليس من جنسه، إلا على القول الثالث الذين يقولون: لا تصح إلا مع الإقلاع عن جميع الذنوب.
قال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾ شوف عظم الكتمان، ذكر الله لنجاتهم من هذه اللعنة ثلاثة شروط: التوبة، والإصلاح، الإصلاح؛ لأن كتمهم لما أنزل الله يتضمن إفسادًا في الأرض وإضلالًا للخلق، فتوبتهم منه ما تكفي حتى يصلحوا ما فسد بسبب كتمانهم، مثال ذلك: قوم كتموا صفة النبي عليه الصلاة والسلام، وقالوا: ما هو بهذا الرسول الذي سيبعث، كم سيضل من الناس بناء على قولهم؟ يضل منهم عالم، ما يكفي أن يتوبوا ويندموا ويقلعوا ويسلموا حتى يصلحوا ما فسدوا، الآثار التي ترتبت على كتمانهم الحق لا بد أن يصلحوها، وإلا ما تتم التوبة، وقال: ﴿وَبَيَّنُوا﴾ (بينوا) ويش معنى بينوا؟ أي: أظهروا الحق، ولا يكفي أن يمتنعوا عن الكتمان، بل لا بد أن يكون مقابل الكتمان أيش؟ بيان، بيان وإظهار حتى تزول الآثار التي ترتبت على هذا الكتمان، وفي هذا دليل على عظم العلم، وأنه حمل ثقيل وعبء عظيم على من تحمله، وأن الإنسان على خطر منه إذا لم يقم بواجبه من البيان، وتقدم لنا أن البيان حين يحتاج الناس إليه ويسألون عنه إما بلسان الحال، وإما بلسان المقال.
* طالب: شيخ ما الفرق بين الإصلاح والبيان؟
* الشيخ: الإصلاح أنهم يحاولون، هؤلاء الذين ضلوا بسببهم، يذهبون إليهم وينصحونهم ويبينون لهم الحق، والبيان على سبيل العموم.
* طالب: ولا يقال: إن الإصلاح للنفس والبيان؟
* الشيخ: إصلاح النفس من هذا النوع، والظاهر أن الإصلاح إصلاح غيره.
* طالب: الإصلاح يختص بالنفس ولا عام، يعني حالهم يصلحون لو الناس (...)؟
* الشيخ: الآية كما ترونها مطلقة، والذنب الذي حصل مقيد وهو الكتمان، فلا شك أنه يدخل فيه إصلاح ما فسد بكتمانهم، هذا دخول أولي، أما غيره فهو محل شك.
وقوله: ﴿فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿فَأُولَئِكَ﴾ المشار إليهم من؟ ﴿الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾، ﴿أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ أي: أقبل منهم التوبة؛ لأن توبة الله على العبد لها معنيان: أحدهما: توفيقه للتوبة، توفيق العبد للتوبة، والثاني: قبول هذه التوبة، كما قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة ١١٨].
وقوله: ﴿وَأَنَا التَّوَّابُ﴾ (التواب) صيغة مبالغة أو صيغة نسبة أيهما؟
* طالب: صيغة مبالغة.
* الشيخ: صيغة مبالغة ونسبة في الحقيقة؛ لأن فعال تأتي للمبالغة وتأتي للنسبة، فإن قيدت بمعمول فهي للمبالغة، وإن أطلقت فإنها للنسبة، أو نقول: هي للمبالغة والنسبة في كل حال، يعني تصلح لهذا ولهذا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ»[[أخرجه مسلم (١٤٨٠ / ٤٧)، من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها. ]]، هذه صيغة مبالغة، يعني: كثير الضرب للنساء؛ ولهذا في لفظ آخر: «لَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ»[[أخرجه مسلم (١٤٨٠ / ٣٦)، من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.]].
وقال الله تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت ٤٦] هذه؟
* طالب: مبالغة.
* الشيخ: لا، هذه نسبة، يتعين أن تكون نسبة؛ لأنك لو قلت: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ﴾: إنها مبالغة، لكان المنفي المبالغة في الظلم، وأما أصل الظلم فليس بمنفي، وهذا لا يليق بالله عز وجل، فإذن ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ﴾ نقول: هنا (ظلّام) صيغة مبالغة فقط ما تصح نسبة، هنا (التواب).
* طالب: .(...)
* الشيخ: غلط، صيغة نسبة وليست صيغة مبالغة، نعم، (التواب) تصلح للأمرين جميعًا، فهو سبحانه وتعالى موصوف بالتواب، وهو ذو توبة على جميع العباد، وكذلك موصوف بكثرة التوبة، بكثرة توبته سبحانه وتعالى وكثرة من يتوب عليهم، كم يفعل الإنسان من ذنب فيتوب ويتوب الله عليه؟ كثير، وكم من أناس أذنبوا فتابوا فتاب الله عليهم؟ كثير؛ ولهذا جاءت (التواب).
وقوله: ﴿الرَّحِيمِ﴾ جمع بين التوبة والرحمة؛ لأن بالرحمة الإحسان وبالتوبة زوال العقوبة، فجمع الله بينهما فهو يتوب، وإذا تاب سبحانه وتعالى رحم التائب، ويسره لليسرى، وسهل له أمور الخير، فحصل على الخير العظيم.
وفي هذه الآية التفات ﴿وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ فيها التفات، من أين؟
* طالب: قوله: ﴿فَأُولَئِكَ﴾، (...) الخطاب (...).
* الشيخ: وين الخطاب؟
* الطالب: يعني في خطاب المتكلم.. أو الغيبة.
* طالب آخر: عن الغيبة.
* الشيخ: لا، وين الغيبة؟
* الطالب: يتوب الله عليه.
* الشيخ: وين يتوب الله عليه؟
* الطالب: ﴿فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾.
* الشيخ: ﴿أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ للمتكلم، و(أنا) للمتكلم أيضًا.
* طالب: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا﴾ هذه هي الغيبة.
* الشيخ: (...)، ما يعود على الله، ما يعود على الله حتى نقول: هذه التفات.
* طالب: بس السياق يقتضي أن يقول: يتوب الله عليهم.
* الشيخ: ولا يقتضي ولا شيء.
* الشيخ: نوسع لكم شيء، في هذه الآية مع التي قبلها التفات؟
* طالب: الأولى ﴿يَلْعَنُهُمُ اللَّه﴾ وهذه يقول: ﴿أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾.
* الشيخ: لا بأس، هذه أنتم فتحتوها علي، ولا ما هي عندي، فيها التفات مع الآية التي قبلها مرتين، التفات مرتين، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا﴾ [البقرة ١٥٩] هذه بصيغة التعظيم، ﴿مَا أَنْزَلْنَا﴾ ما قال: ما أنزلت، فأولئك (...) يصرخ حتى يفز الواحد، هذا من باب التنبيه، فكما يكون التنبيه في الصوت يكون أيضًا في صيغة السياق، إذن ما هي الفائدة في الالتفات في هذه الآيتين؟ نقول: ﴿فَأُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ﴾ هذا من باب التعظيم، الالتفات هنا للتعظيم، مثل قول الملك: إن الملك يأمركم بكذا وكذا، وأمر الملك بكذا وكذا وهو يعني نفسه، فـ﴿يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ﴾ أضاف الله تعالى اللعنة إليه بصيغة الغائب تعظيمًا، تعظيمًا لنفسه سبحانه وتعالى، وهو أبلغ من تعظيم الضمير ﴿أَنْزَلْنَا﴾؛ ولذا جاء في العقوبة.
وأما قوله: ﴿فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ فإن المقام مقام رحمة وعطف ولين؛ ولهذا -والله أعلم- جاءت بصيغة الإفراد ﴿أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾؛ لأنه من رحمته تبارك وتعالى بهم صار يخبر عن ثوابهم بغير صيغة العظمة الدالة على القوة والبطش، هذا ما ظهر لنا، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿الرَّحِيمُ﴾ تقدم لنا مرارًا: أن رحمة الله سبحانه وتعالى صفة من صفاته، حقيقة ولَّا مجازًا؟ حقيقة، وليس المراد بها الإحسان، ولا إرادة الإحسان، فإن إرادة الإحسان والإحسان من آثار الرحمة، بل الرحمة صفة حقيقية وليست كرحمتنا، وقول من أنكر صفة الرحمة حقيقة: إن الرحمة معناه الرقة واللين، والله عز وجل منزه عن ذلك، نقول: هذه رحمة من؟ رحمة المخلوق، ثم إننا قد نمنع بأن الرحمة في كل مواضعها للرقة واللين، فإن من الملوك الجبابرة من يرحمون ومع ذلك ما يقال: إنهم صاروا أوضع من المرحوم.
فعلى كل حال نقول: إن الرحمة صفة حقيقية ثابتة لله عز وجل، وجميع صفات النقص التي تستلزمها بالنسبة للمخلوقين منتفية عن الله عز وجل، وسبق لنا أيضًا مرارًا: أن رحمة الله تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة، فالعامة لجميع الخلق، والخاصة بالمؤمنين.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾.
الآيتان قبلها في العلماء الذين كتموا الحق، وهذه في الكفار الذين استكبروا عن الحق، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الكفر في اللغة بمعنى الستر، ومنه كافور النخلة لستره الطلع، والمراد به في القرآن والسنة، المراد به: جحد ما يجب لله تعالى من الطاعة والانقياد، وهو نوعان: إما تكذيب وإما استكبار.
وقوله: ﴿وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ ﴿وَمَاتُوا﴾ معطوفة على ﴿كَفَرُوا﴾، فلا محل لها من الإعراب؛ لأنها معطوفة على صلة الموصول التي لا محل لها، وقوله: ﴿وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ الجملة حال من الفاعل في ﴿مَاتُوا﴾، يعني: أنهم -والعياذ بالله- استمروا على كفرهم إلى الموت، فلم ينزعوا عن الكفر ولم يتوبوا ولم يرجعوا، أين جواب (إن)؟ جملة ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾، ﴿أُولَئِكَ﴾ (أولاء) مبتدأ، و(عليهم) جار ومجرور، أولاء؟ إذن (أولاء) مبتدأ و(عليهم) جار ومجرور خبر مقدم لـ(لعنة)، و(لعنة) مبتدأ، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول (أولئك)، والجملة من المبتدأ الأول وخبره خبر (إن).
﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾ أي: طرده وإبعاده عن رحمته، ﴿وَالْمَلَائِكَةِ﴾ أي: ولعنة الملائكة، والملائكة تقدم أنهم عالم غيبي محجوبون عن الأعين وربما نراهم، وأنهم خلقوا من نور، وأنهم عباد لله عز وجل ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء ١٩، ٢٠]، وأنهم خلقوا من نور ولا يأكلون ولا يشربون، لأنهم صُمْد لا يأكلون ولا يشربون.
وسبق لنا أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لهم وظائف وأعمال خصهم الله تعالى بها، وأن إسرافيل وميكائيل وجبرائيل موكلون بما فيه الحياة؛ ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يستفتح صلاة الليل بقوله: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ»[[أخرجه مسلم (٧٧٠ / ٢٠٠)، من حديث عائشة رضي الله عنها.]]؛ لأن هؤلاء الثلاثة موكلون بما فيه الحياة، والبعث من النوم حياة؛ فلهذا ناسب أن يكون هذا الاستفتاح في أول عمل يعمله الإنسان بعد أن توفاه الله تعالى بالنوم، وهؤلاء الثلاثة أحدهم مكلف بما فيه حياة القلوب وهو جبريل، والثاني بما فيه حياة الأبدان وهو إسرافيل، والثالث بما فيه حياة النبات وهو ميكائيل، وأفضلهم؟ جبريل؛ ولهذا امتدحه الله عز وجل بقوله: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾ [التكوير ١٩، ٢٠]، وبقوله: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم ١٧]، فجبريل أفضل الملائكة على الإطلاق.
قال: ﴿وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ أي: عليهم لعنة الناس أجمعين، يلعنهم الناس -والعياذ بالله- ويمقتونهم ولا سيما في يوم القيامة، فإن هؤلاء يكونون مبغضين عند جميع الخلق وهم أعداء الله سبحانه وتعالى.
* طالب: إسرافيل وميكائيل كيف هذا موكل بحياة الأبدان وهذا موكل بحياة النبات؟
* الشيخ: إسرافيل موكل بحياة الأبدان؛ لأنه موكل بالنفخ في الصور، ينفخ في الصور يوم القيامة، فتتطاير الأرواح منه إلى أجسادهم، وميكائيل موكل بالقطر والنبات، قطر المطر، والنبات نبات الأرض، وهذا حياة.
* طالب: أليس حياة للإنسان والحيوان لماذا خصصناه بالنبات؟ الماء أليس حياة للإنسان والحيوان أيضًا؟
* الشيخ: بلى.
* الطالب: لماذا خصصناه بأنه مخصص بحياة النبات؟
* الشيخ: هكذا جاء به الحديث، أنه موكل بالقطر والنبات[[أخرجه أحمد في المسند (٢٤٨٣)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر.]].
* طالب: شيخ، الأرواح داخل الصور؟ الأرواح ضمن الصور الذي ينفخ فيه؟
* الشيخ: الله أعلم، هل هي ضمن الصور من الآن، أو أنها تدخل فيما بعد؟ كما يدل على ذلك حديث: «أن أرواح المؤمنين في الجنة، وأن أرواح الشهداء معلقة في قناديل تحت العرش »[[أخرجه مسلم (١٨٨٧ / ١٢١)، بلفظ: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.]]، فهذا يدل على أنها تجتمع فيه عند النفخ.
* طالب: لعنة الملائكة كيف؟ يدعون عليهم باللعنة وأنهم..
* الشيخ: يشمل الأمرين الدعاء عليهم باللعنة وكونهم أيضًا يبغضونهم وينكرونهم، فإن هذا من اللعن.
* طالب: كذلك الناس؟
* الشيخ: وكذلك الناس.
قال: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: في هذه اللعنة -والعياذ بالله- والمراد فيما يترتب عليها، فإنهم خالدون في النار التي تكون من ثمرات اللعنة ونتائجها.
وقال: ﴿لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ قال: ﴿لَا يُخَفَّفُ﴾ والعذاب تثقيلًا وتخفيفًا من أين؟ من الله عز وجل، لكنه جل وعلا لم يضفه إلى نفسه؛ لأن الشر ليس إليه؛ ولهذا قالت الجن: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن ١٠]، لما جاء الخير أضاف الإرادة إلى الله، ولما كان ذاك الشر قال: ﴿أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾، وهذا من باب تعظيم الله عز وجل أن لا ينسب الشر إليه وإن كان بتقديره، لكن لا ينسب إليه، فهنا وإن كان العقاب لهؤلاء بتقديره، لكنه لا ينسب إليه؛ ولهذا قال: ﴿لَا يُخَفَّفُ﴾ ولم يقل: لا نخفف.
وقوله: ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ أيش معنى ﴿يُنْظَرُونَ﴾؟ أي: يمهلون، يعني: ما يمهلون بل يؤخذون بالعقاب، ويحتمل أن المراد ﴿لَا يُنْظَرُونَ﴾ أي: بالعين، فلا ينظرون نظر رحمة، نظر رحمة وعناية بهم، وهذا قد يؤيَّد بقوله تعالى: ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون ١٠٨]، فإن هذا من احتقارهم وازدرائهم أنهم يوبخون بهذا القول: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾، وهم أيضًا لا ينظرون فلا يمهلون، يؤخذون بالعذاب -والعياذ بالله- من حين ما يموتون وهم في العذاب، ثم قال..
* طالب: ﴿النَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (...)؟
* الشيخ: ربما أنه يدخل فيها الناس عمومًا؛ لأنهم يوم القيامة يلعن بعضهم بعضًا ويكفر بعضهم ببعض.
* طالب: شيخ، العذاب أحيانًا ينسب إلى الله تعالى؟
* الشيخ: إي نعم، ينسب إليه، لكن تخفيف العذاب غير مسألة العذاب، العذاب على سبيل الإطلاق عدل، وكذلك عدم التخفيف عدل، لكنه ما ينسب إلى الله.
﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿إِلَهُكُمْ﴾ الخطاب لمن؟ لجميع الناس، وهو مبتدأ، و﴿إِلَهٌ﴾ خبره، و﴿وَاحِدٌ﴾ صفة لـ﴿إِلَهٌ﴾، يعني: أن إله الخلق إله واحد، والمراد بالإله: المعبود، لكن هنا المراد به: المعبود بحق، وإلا فالأصل أن الإله يطلق على كل ما عبد بحق أو بباطل، لكن هنا المراد به: إلهكم الحق إله واحد، أما معبوداتكم فإنها -وإن سميتموها آلهة- فإنها لا تستحق أن تكون آلهة، كما هو معلوم؛ لأنها لا تملك لهم نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، ولا تسمع ولا تبصر، ولا تنفع ولا تدفع.
وقوله: ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ وحدانيته بالألوهية تستلزم وحدانيته بالربوبية، فهو إله واحد ورب واحد سبحانه وتعالى، والمدبر للكون كله المالك للكون كله، وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ هذه جملة تأكيد للتي قبلها، هذه جملة تأكيد، فإنه لما أثبت أنه إله واحد نفى أن يكون معه إله، وهي في المعنى توكيد لما قبلها.
وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ (لا) نافية للجنس، و﴿إِلَهَ﴾ اسمها، أين خبرها؟ محذوف، والتقدير: حق، لا إله حق إلا هو، وعلى هذا فتكون (إلا) أداة استثناء، و(هو) خبر (لا) ولّا بدل من خبر (لا)؟ الجواب: هي بدل من خبر (لا)، ويدل لذلك قوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ فرفعها لتكون بدلًا من خبر (لا) النافية للجنس، وزعم بعض المعربين إلى أن ﴿اللَّهُ﴾ هي خبر (لا)، وكذا يكون ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ هي خبر (لا)، وهذا مبني على قول من لا يشترط أن يكون معمولها نكرتين، والمشهور عند النحويين أنه يشترط في (لا) النافية للجنس أن يكون معمولها نكرتين، قال ابن مالك في هذا؟
* طالب:
؎عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِـ(لَا) فِي نَكِرَهْ ∗∗∗ .......................
* الشيخ: (...) للا في نكرة يشمل الاسم والخبر، وعلى رأي هؤلاء يشكل المعنى إذا قلنا: إن (هو) خبر (لا)، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ يقتضي أن لا يكون هناك آلهة، لكن هذا يجيب عنه أو يمكن يجاب عنه بأن المراد بالإله هنا: الإله الحق، وهذا حق لا إله إلا الله، فالحصر باعتبار الإله الحق حقيقي ولا إضافي؟ حقيقي، الحصر باعتبار الإله الحق حقيقي لا إضافي، وباعتبار مطلق الإله إضافي؛ لأن الإله الذي نفي لا بد أن يكون مقيدًا بالحق.
وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿الرَّحْمَنُ﴾ خبر؟ خبر مبتدأ محذوف؟ ولَّا خبر ﴿إِلَهُكُمْ﴾؟
* طالب: خبر ثاني.
* الشيخ: إما أنه خبر لـ﴿إِلَهُكُمْ﴾ خبر آخر، وإما أن يكون خبر مبتدأ محذوف والتقدير: هو الرحمن الرحيم.
وهذان الاسمان مشتقان من الرحمة، لكنهما يختلفان، فإن الرحمن باعتبار الوصف، والرحيم باعتبار الفعل، هذا أحسن ما قيل، الرحمن صفة لله تعالى أو اسم لله باعتبار وصفه؛ ولهذا كان المراد به الرحمة العامة الواسعة، وجاءت رحمن على وزن فَعْلَان، وكلمة فعلان تدل على الامتلاء والسعة، أما الرحيم فهي باعتبار الفعل الذي هو إيصال الرحمة إلى المرحوم، فباجتماع الاسمين الكريمين تبين لنا أن رحمة الله تعالى رحمة واسعة عظيمة، وأنها واصلة إلى من شاء من خلقه، وهذان الاسمان هل هما اسم واحد أو اثنان؟
* طالب: اثنان.
* الشيخ: اثنان، وإن كانا مشتقين من وصف واحد، وبهذا عرفنا أن الغفار اسم، والغفور اسم، ما نقول: إنهما اسم واحد؛ لأن اختلاف الصيغة يدل على اختلاف المعنى؛ ولهذا أجمع المسلمون أو العلماء على أن ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ اسمين.
﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾.
من فوائد هذه الآية: مشروعية الطواف بين الصفا والمروة، ويؤخذ ذلك من قوله: ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: دفع ما توهمه بعض الصحابة من الإثم في الطواف بهما؛ لقوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾.
* ومن فوائد الآية: أن الطواف بهما من طاعة الله؛ لقوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾.
* ومن فوائدها: أن الطاعة خير؛ لقوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾، ولا ريب أن طاعة الله سبحانه وتعالى خير للإنسان في مآله وحاله.
* ومن فوائد الآية: إثبات اسم الشاكر لله؛ لقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: إثبات العليم اسم لله، ﴿شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات صفة الشكر والعلم لله، من أين تؤخذ؟ من ﴿شَاكِرٌ﴾ و﴿عَلِيمٌ﴾؛ لأنهما اسمان دالان على الصفة، وقد مر علينا أن كل اسم من أسماء الله تعالى يدل على الصفة وعلى الحكم إن كان متعديًا، كل اسم هو يدل على الصفة ويدل أيضًا على الحكم إن كان متعديًا.
﴿شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿عَلِيمٌ﴾ ويش يدل عليه؟ على العلم هذه الصفة، ويدل على الحكم بأنه أيش؟ يعلم كل شيء، هذا الحكم، ﴿غَفُور﴾ اسم يدل على الصفة وهي المغفرة، يدل على الحكم وهو أنه يغفر؛ ولهذا استدل العلماء بقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤]، استدلوا بهذين الاسمين على أن من تاب قبل القدرة عليه سقط عنه العقوبة؛ لأن الله قال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، ومقتضى ذلك أنه يغفر ويرحم. إذن يستفاد إثبات الاسمين الكريمين: شاكر وعليم، وإثبات ما دلا عليه من الصفتين وهو الشكر والعلم، وقد سبق أن معنى شكر الله للإنسان أنه يثيبه أكثر مما عمل «الْحَسَنَةُ بَعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إِلِى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ»[[حديث متفق عليه؛ البخاري (٦٤٩١)، ومسلم (١٣١ / ٢٠٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ».]].
تقدم لنا قبل قليل أن الطواف بالصفا والمروة من الشعائر المشروعة، لكن هل هو ركن أو واجب أو سنة؟ اختلف في ذلك أهل العلم على أقوال ثلاثة: فقال بعضهم: إنه ركن من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به. وقال بعضهم: إنه واجب من واجبات الحج، يجبر بدم ويصح الحج بدونه. وقال آخرون: إنه سنة وليس بواجب، والقول بأنه سنة ضعيف جدًّا؛ لأن قوله: ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ يدل على أنه أمر مهم؛ لأن الشعيرة ليست هي السنة فقط، الشعيرة هي طاعة عظيمة لها شأن كبير في الدين، بقيت الصحة مترددة بين الركنية والوجوب، والأظهر أنه ركن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ فَاسْعَوْا»[[أخرجه الطبراني في الكبير (١١٤٣٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.]]، وسعى هو عليه الصلاة والسلام، وأقسمت عائشة قالت: «وَاللَّهِ مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ حَتَّى يَطَّوَّفَ بِهِمَا »[[حديث متفق عليه؛ البخاري (١٧٩٠)، ومسلم (١٢٧٧ / ٢٥٩)، من حديث عائشة رضي الله عنها.]]، يعني: بالصفا والمروة، فالأقرب أنه ركن وليس بواجب، وإن كان الموفق رحمه الله -وهو من مشائخ المذهب الكبار في مذهب الإمام أحمد- اختار أنه واجب يجبر بدم.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾.
* يستفاد من هذه الآية: أن كتم العلم من كبائر الذنوب، من أين يؤخذ؟ من ترتيب اللعنة على فاعله، والذي يرتب عليه اللعنة لا شك أنه من كبائر الذنوب.
* ومن فوائدها: أن ما أنزله الله من الوحي فهو بين لا غموض فيه، وهدًى لا ضلال فيه، بَيِّنٌ ليس فيه غموض، وهدًى ليس فيه ضلال، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾.
* ويستفاد منه -من فوائد الآية-: الرد على أهل التحريف الذين يسمون أنفسهم بأهل التأويل؛ لأن لازم طريقهم أن لا يكون القرآن بيانًا للناس، لازم طريقهم أن لا يكون القرآن بيانًا للناس، كيف ذلك؟ لأن الله تعالى أثبت لنفسه في القرآن صفات ذاتية وفعلية، فإذا صرفت عن ظاهرها صار القرآن بيانًا أو صار القرآن غير بيان؟ صار القرآن غير بيان، يكون الله تعالى ذكر شيئًا لا يريده، وهذا تعمية على الخلق تعمية لا بيان، فيستفاد من هذه الآية الرد على من؟ على أهل التأويل، والحقيقة أنهم -كما قال شيخ الإسلام-: أهل التحريف لا أهل التأويل؛ لأن التأويل منه حق ومنه باطل، لكن طريقهم باطل ما فيها حق، طريقهم باطل لا حق فيها؛ ولهذا كان شيخ الإسلام رحمه الله يسميه التحريف.
* ومن فوائد الآية: بيان فضل الله عز وجل على عباده لما أنزله من البينات والهدى؛ لأن الناس محتاجون إلى هذا، ولولا بيان الله تعالى وهدايته ما عرف الناس كيف يتوضؤون، ولا كيف يصلون، ولا كيف يصومون، ولا كيف يحجون، ولكن من فضل الله أن الله تعالى بين ذلك.
* ومن فوائد الآية: إثبات علو الله، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿مَا أَنْزَلْنَا﴾، والنزول إنما يكون من أعلى، وعلو الله عز وجل بذاته ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، وقد مر علينا كثيرًا بيان ثبوته بهذه الطرق.
* ومن فوائد الآية: قبح هذا الكتمان الذي سلكه هؤلاء؛ لأنه كتمان بعد بيان ليس لهم حجة، يقولون: والله نحن ما تكلمنا؛ لأن الأمر مشتبه علينا، الإنسان الذي لا يتكلم بالعلم لاشتباه الأمر عليه قد يعذر، لكن الذي لا يتكلم مع أن الله بينه للناس يكون هذا أعظم قبحًا -والعياذ بالله- ففيه بيان قبح ما سلكه هؤلاء من كتمان ما أنزل الله تعالى من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكتب السماوية كلها بيان، كلها بيان للناس؛ لأن قوله: ﴿فِي الْكِتَابِ﴾ المراد به الجنس، لا العهد، فالله تعالى بين الحق في كل كتاب أنزله، ما ترك الحق غامضًا، بل بينه لأجل أن تقوم الحجة على الخلق؛ لأنه لو كان الأمر غامضًا لكان للناس حجة في أن يقولوا: ما تبين لنا الأمر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الكاتمين ملعونون، لعنهم الله ويلعنهم اللاعنون؛ لقوله: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ﴾.
* ومن فوائد الآية: إثبات الأفعال الاختيارية لله عز وجل، ويش هي الأفعال الاختيارية؟ كل فعل يتعلق بمشيئته فهو من الأفعال الاختيارية، مثل؟ النزول إلى السماء الدنيا، المجيء للفصل بين العباد، الاستواء على العرش، الضحك، الكلام، التعجب، وما إلى ذلك، كل فعل يتعلق بمشيئة الله عز وجل فإنه من الأفعال الاختيارية، اللعن منها؟ اللعن منها، ويدلك على أنه منها أن له سببًا، وما كان له سبب، فإنه يوجد بالسبب ويعدم بعدمه، إذن فهو -أي اللعن- من الأفعال الاختيارية.
* ومن فوائد الآية: جواز الدعاء على كاتم العلم باللعنة، جواز الدعاء باللعنة على كاتم العلم، من أين نأخذها؟ من قوله: ﴿يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾؛ لأن من معنى ﴿يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ الدعاء عليهم باللعنة، تقول: اللهم العنهم.
وهل يلعن الشخص المعين أو على سبيل التعميم؟ على سبيل التعميم؛ لأن الصحيح أن لعن المعين لا يجوز ولو كان من المستحقين للعنة؛ لأنه لا يدرى ماذا يموت عليه، قد يهديه الله كما قال الله تعالى لنبيه محمد ﷺ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [آل عمران ١٢٨].
بعض الناس يصير عنده غيرة وحنق على بعض الملحدين المتمردين الطغاة المعتدين فتجده يلعنه، نقول: هذا لا يجوز؛ لأن لعن المعين الحي محرم نهى الله عنه نبيه وقال: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾، وأما لعنه بعد موته، لعنه بعد موته فهل يجوز أو لا يجوز؟
* طالب: لا يجوز.
* الشيخ: لأيش؟
* الطالب: لأنه قد أفضى إلى ما قدم.
* الشيخ: ما تقولون؟
* طالب: إذا كان مات على (...) يا شيخ؟
* الشيخ: إي مات على الكفر.
* الطالب: على الكفر يبقى، يجوز لعنه.
* الشيخ: يجوز لعنه.
* طالب: ما نستطيع أن نحكم عليه.
* الشيخ: ما نستطيع؟
* طالب: ربما يغفر الله له.
* الشيخ: لا، إذا مات على الكفر ما هو بأهل النار.
* طالب: الفائدة من لعنه بعد الموت؟
* الشيخ: قد نقول بأنه لا يجوز؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ؛ فَإِنَّهُمْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا»[[أخرجه البخاري (١٣٩٣)، من حديث عائشة رضي الله عنها.]]، وهذا عام، ثم إنه قد يثير ضغائن وأحقادًا، من أين؟ من أقاربه وأصحابه وأصدقائه، فيكون في ذلك مفسدة.
ثم إننا نقول: قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»[[حديث متفق عليه؛ البخاري (٦٤٧٥)، ومسلم (٤٧ / ٧٤)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، وأي خير في كونك تلعن واحدًا كافرًا مات، لا شك أنه يجب أن ينفر من طريقته، وأن يقدح في طريقته وأن تذم طريقته، هذا لا بد منه، أما هو شخصيًّا فإنه لا يظهر لنا جواز لعنه، وإن كان المعروف عند أهل العلم جمهورهم أنه يجوز لعنه إذا مات على الكفر.
* طالب: فالآية اللي بعدها (...): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾؟
* الشيخ: الله لعنه، نعم، تخبر أن الله لعنه، لكن الدعاء عليه غير الإخبار.
* طالب: ما دام أن الله لعنه ما يجوز أنا نلعنه؟
* الشيخ: نحن نقول: أيش الفائدة «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ؛ فَإِنَّهُمْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا»[[سبق تخريجه.]].
* طالب: ما يكون هذا المؤمنين، أو المسلمين؟
* الشيخ: لا، هذا عام.
* طالب: يا شيخ، قوله تعالى: ﴿وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ كيف نوفق مع قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (٢٥٩٨ / ٨٦)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.]]؟ هنا مباح، وهناك..
* الشيخ: إيه، اللعانين: كثيرو اللعن، اللي دائمًا في ألسنتهم هذا الشيء، وأما من لعن من يستحق اللعنة، فهذا ما يعد لعانًا.
* طالب: قول عمر بن الخطاب: «قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرَةَ »[[حديث متفق عليه؛ البخاري (٢٢٢٣)، ومسلم (١٥٨٢ / ٧٢)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.]]، (...) لعن معين؟
* الشيخ: لا، هذا ما هو بالظاهر، (قاتل) ما هي بمعنى لعن، الصحيح أن قاتل بمعنى أهلك وليس بمعنى لعن.
* طالب: قول عبد الله بن عمر لما قال ابنه في الحديث الذي رواه (...) لما قال: والله لمنعهن (...) ﷺ: «لعنة الله عليك أقول: قال رسول الله وتقول: والله لمنعهن»، وفي رواية: «سبَّه سبًّا شديدًا»؟
* الشيخ: لا، السب صحيح: «سبًّا شديدًا ما سبه مثله قط»، لكن اللعن ما أدري عن صحته.
* الطالب: في رواية: «لَعَنَكَ اللَّهُ».
* الشيخ: ما أدري والله عن صحته، أقول: ينظر في ثبوتها، فإذا ثبتت فهذا فعل صحابي قد يخطئ ويصيب.
* طالب: فعله مرة (...)؟
* الشيخ: أقول: يكون هذا فعل صحابي حمله عليه الغيرة ولا يعتبر حجة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عظم كتم العلم؛ حيث كان من الكبائر، واعلم أن كتم العلم يكون عند دعاء الحاجة إلى بيانه؛ إما بلسان الحال أو بلسان المقال، أما بلسان المقال: فأن يأتي أحد إليك يسألك، فهذا لا بد أن تخبره، فإن «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ»[[أخرجه أبو داود (٣٦٥٨)، والترمذي (٢٦٤٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، فهذا لا بد أن تخبره. أو بلسان الحال: مثل أن ترى قومًا يعملون عملًا مخالفًا للشرع، هؤلاء محتاجون إلى بيان العلم، فيجب عليك أن تبينه، فصار كتم العلم متى يتحقق؟ إذا دعت الحاجة إلى بيانه إما بلسان المقال أو بلسان الحال، إلا أن أهل العلم يقولون: إذا علم المسؤول أن السائل يريد العنت والمشقة، ويطلب الرخص ولا يريد الحق، فإنه مخير بين أن يجيب وأن يمنع؛ لأن الله قال للرسول عليه الصلاة والسلام: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة ٤٢]، ﴿أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ لأنهم لا يريدون الحق، هؤلاء اليهود يأتون للرسول ﷺ ما يريدون الحق، قالوا: فإذا علم أو ظهر من قرائن الأحوال أن هذا السائل لا يريد الحق إنما يريد العنت والمشقة على المسؤول وإظهار عجزه أمام الناس وما أشبه ذلك، أو يريد تتبع الرخص، ما سألك لأجل يأخذ بقولك ويعمل به على أنه شريعة الله، لكن بيشوف أيش اللي عندك، ثم يروح للثاني ويشوف اللي عنده، وللثالث ويشوف اللي عنده، ولما أفتي بما يوافق الهوى قال: هذا هو القول الصواب ثم أخذ به، وهذا يوجد كثيرًا، كثيرًا ما تشوف بعض الناس يسألك وإذا أجبته قال: أنا سائل فلان وقال: كذا وكذا، ويش معنى هذا؟ معنى هذا أنه يدور شيء أهون يوافق هواه، فإذا علمت بالقرائن أو بالبينات الظاهرة أن هذا الرجل لا يريد الحق، فلك أن تمنع ولك أن تجيب؛ لأننا نعلم أن هذا ما قصد طلب العلم قصد شيئًا آخر.
* طالب: دفع الفتوى يا شيخ؟
* الشيخ: دفع الفتوى اختلف فيها أهل العلم هل يجوز أو لا يجوز، والصحيح أنه لا يجوز، الصحيح أنه لا يجوز إلا عند الاشتباه فيجب، وأما إذا كان الأمر واضحًا فلا يجوز.
* طالب: لهذه الآية؟
* الشيخ: لهذه الآية ولغيرها؛ ولأن الإنسان قد يدفعها أولًا ما ينبغي أن يدفعها إلى شخص معين، ما ينبغي أن يدفعها إلى شخص معين، اللهم إلا أن يكون مبرزًا بالعلم وظاهرًا، فهذا لا بأس، مثل ما قال أبو موسى: «وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُوَافِقَنِي عَلَى ذَلِكَ »[[أخرجه البخاري (٦٧٣٦)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه بلفظ: وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي.]]، وإلا فالأولى أنه يقول: اسأل أهل العلم، وكان الإمام أحمد رحمه الله يستعمل هذه الطريقة إذا جاءه أحد وسأله وليس عنده في المسألة علم قال: اسأل غيري، أو اسأل أهل العلم، أو ما أشبه ذلك؛ لأنك إذا أحلتهم على شخص، فقد يخطئ هذا الشخص، قد يخطئ، فأنت حولهم على عامة الناس على عامة العلماء، وأنا أقول: إنه ما يجوز دفع الفتوى؛ لأنه يضيع الناس في الحقيقة لا سيما إذا كان الإنسان يرى أنه إذا دفعها استُفْتِي أناس جهال يضلون الناس، فإنه هنا تتعين عليه الفتوى تتعين عليه، ويستعين الله عز وجل ويسأل الله الصواب والتوفيق.
* طالب: شيخ، طيب إذا جاءني إنسان ولا خبر (...) أنه ما يفتي إلا بعلم، في علماء باقين هم يفتون بمذاهب، أو يفتون (...)؟
* الشيخ: يعني معناه أن صار عندك أرجح من غيره، وأقرب للصواب؟
* الطالب: فيه اللي ما عنده علم، وفيه اللي ما يفتيك.
* الشيخ: الظاهر أنه لا بأس به، إذا علمت أن اللي غيره ما يفتون بالصواب مثلًا، إنما يفتون بما هب ودب، نعم، يعني: بعض الناس يفتي بما يصلح للسائل اللي يوافق السائل يفتيه ما دام فيه قول لبعض العلماء، يقول: ما دام فيه قول، وهذا أرفق بحاله أنه نفتيه به، خلينا نمشي حاله، مو مشكلة هذه.
* طالب: فيه رد على الجبرية.
* الشيخ: من أين؟
* الطالب: حيث إن الله لعنهم؛ لأنهم يكتمون ما أنزلنا من البينات.
* الشيخ: حيث أضاف الكتمان إليهم وهو فعل، إي نعم، فيه رد على الجبرية حيث أضاف الله الكتمان إليهم وهو فعل، نعم؛ لقوله: ﴿يَكْتُمُونَ﴾ والكاتم مريد للكتم ولَّا لا؟ نعم.
ثم قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
في هذه الآية أو من فوائد هذه الآية: التخصيص بالمخصص المتصل، التخصيص يكون بمخصص متصل، وبمخصص منفصل، الآية هنا مخصص متصل ولَّا لا؟
شوف ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ هذه عامة؟ كل من كتم، ثم قال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ خصصت، وهذا طريق من طرق التخصيص المتصلة ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: سعة رحمة الله عز وجل.
يبين في مقابل ما كتم، فيؤخذ منه أن من تاب عن بدعة وضلالة، فإنه يجب أن يبين هذه البدعة والضلالة، وأنه رجع عنها وتاب إلى الله منها، وهذه كانت طريقة أهل العلم، ومما يحضرني الآن ما ذكر عن أبي الحسن الأشعري، أبو الحسن الأشعري كان على مذهب المعتزلة أربعين سنة، وهو على مذهب المعتزلة يؤيد هذا المذهب ويناظر دونه ويرجحه، ثم إنه اتصل بعبد الله بن سعيد بن كُلَّاب، اتصل به فأخذ من مذهبه، وترك طريق المعتزلة، وصار يبين معائبهم ويفضح عوارهم، ويبين أن مذهبهم باطل على رؤوس الأشهاد، لما رجع عن الاعتزال بين بطلانه ما تركه وسكت، بين بطلانه، ثم إن الله من عليه أخيرًا، فرجع إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل في كتابه الإبانة عن أصول الديانة ، وهو كتاب مشهور معروف، خرج عن مذهب الكُلّابية، وصار مذهبه مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
كذلك أيضًا ابن القيم رحمه الله كان بالأول من الصوفيين، كان صوفيًّا، ولكن الله سبحانه وتعالى من عليه وهداه بواسطة شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو قد قال ذلك في كتابه النونية قال: فَاللَّهُ أَنْقَذَنِي بِهِ وَهَدَانِي، فهداه الله عز وجل على يد شيخ الإسلام ابن تيمية وبين ضلال الصوفية وخطلهم وخطأهم.
* طالب: الأشعري يا شيخ ما رد على مذهب الكلابية؟
* الشيخ: إلا بيّن، بيّن كل المذاهب، قال: إن المذاهب باطلة وإنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
* الطالب: كيف اعتنق (...)؟
* الشيخ: صار له أصحاب كبار من أهل العلم قبل أن ينتقل إلى ما انتقل إليه أخيرًا، فحرروا هذا المذهب اللي كان عليه ونصروه حتى قوي.
* طالب: لأيش الصوفية يا شيخ بيدرسوه في المعاهد العلمية وبيت الشباب؟
* الشيخ: لا، ما يدرسوه، ما هو مدرس، كان تدرس ليتبين بطلانها يمكن.
* الطالب: فيه أئمة أجلاء يا شيخ كانوا وما زالوا موجودين بردو لغاية دلوقتي..
* الشيخ: لا دجالين، لو رأيت ما كتب عن الصوفية لرأيت العجب العجاب -والعياذ بالله- حتى انتهى بهم الأمر إلى أن يقولوا بوحدة الوجود، ابن عربي يقول عن جبته يقول: ما في الجبة إلا الله، يعني: نفسه -والعياذ بالله- فهم أخبث من النصارى، النصارى قالوا: إن الله حل في عيسى وحل في شخص رسول من الرسل، ودولا قالوا: إنه حل في كل شيء، حتى في الكلاب والحمير والخنازير وغيرها -والعياذ بالله- المهم أنك إذا أردت تعرف مذاهب الصوفية، فاقرأ ما كتب عنهم، مثل كتاب هذه هي الصوفية لعبد الرحمن الوكيل، بيّن -والعياذ بالله- مخازيهم ومعايبهم، لو لم يكن منهم إلا هذه الأذكار اللي ابتدعوها، ما أنزل اللَّه بها من سلطان.
* طالب: حضرات يوم الأربع ويجيبوا يلبسوا جبب بيضا ويلبسوا بتاع دهوة ويقعدوا الذكر: الله، مش عارف إيه، يذكروا الله يا لطيف ألف مرة..
* الشيخ: على كل حال هم ضالون.
* الطالب: هذا يا شيخ الإنسان يجب أن يحاربهم فيه.
* الشيخ: حاربهم (...).
* الطالب: أنا سابقًا كنت أجلس معهم، والله تاب علينا الحمد لله، ومرة مسكوني بعد صلاة المغرب، وقلت لهم: بتعملوا إيه اطلعوا بره، سيبكم بقى من الدجل..
* الشيخ: الحمد لله، بعد ما كنت صوفيا صرت خاميا الآن.
* الطالب: والله حصل معايا دي حقيقة المسجد كل يوم..
* الشيخ: احمد ربك إنه أنقذك، الحمد لله.
من فوائد الآية: ذكرنا أن توبة أهل البدع -مثلًا- لا تكون إلا بالبيان والإصلاح؛ لقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾ ثلاث شروط: توبة، رجوع عما حصل من الكتمان، إصلاح لما فسد بكتمانهم، يعني: ما فسد بكتمانهم حيث أخفوا الحق يحصل الفساد، فلا بد من الإصلاح، الثالث بيان أيش؟ بيان الحق، يبينون غاية البيان، وبهذا تذهب سيئاتهم بحسناتهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل ذنب وإن عظم حتى الدعوة إلى البدع إذا تاب الإنسان منها، فإن الله تعالى يتوب عليه، وقد ذكر ابن كثير رحمه الله أن هذا من خصائص هذه الأمة، وهو أن الداعي إلى البدع والكفر ما تقبل توبته في الأمم السابقة، ولكن هذا إن صح عن الرسول ﷺ، فعلى العين والرأس، فيكون مخصصًا للآية، وإذا لم يصح، فإن ظاهر الآية أن هذا الحكم عام في هذه الأمة وفي غيرها، وأن من تاب مما كتم وأصلح وبين تاب الله عليه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما: التواب والرحيم، التواب على من أذنب، الرحيم على من أخلص وعمل، فالرحمة تجلب الخير والتوبة تدفع الشر، التوبة تدفع الشر، والرحمة تجلب الخير.
ويستفاد من الآية الكريمة: إثبات صفتين من صفات الله، وهما؟
* طالب: التواب.
* الشيخ: لا، ما هي التواب، التوبة والرحمة.
ويستفاد منهما أيضًا: إثبات حكمين من هذين الاسمين: أن الله يتوب ويرحم؛ ولهذا قال: ﴿فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾.
ويستفاد من هذه الآية الكريمة: قرن العلة بالحكم؛ لأنه قال: ﴿فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾، ثم علل ذلك بقوله؟ ﴿وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: كثرة توبة الله عز وجل، كثرة التوبة من الله؛ لأن قوله: ﴿التَّوَّابُ﴾؟
* طالب: صيغة مبالغة.
* الشيخ: صيغة مبالغة تدل على الكثرة، وهو كثرة توبة الله، وكثرة من يتوب الله عليهم.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ -أعوذ بالله- ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بمن؟ بكل ما يجب الإيمان به.
فيستفاد من الآية الكريمة: أن الكافر مستحق للعنة الله والملائكة والناس أجمعين، يلعن عليهم اللعنة.
ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أنه يشترط لثبوت هذا أن يموت على الكفر؛ لقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾، فلو كفروا ثم رجعوا عن الكفر إلى الإسلام ارتفع عنهم هذا الحكم.
ويستفاد من الآية الكريمة: إثبات الملائكة؛ لقوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةِ﴾ والملائكة هم عالم غيبي، من عالم الغيب، لكنهم قد يظهرون أحيانًا، وهم عباد وليسوا أربابًا، وليسوا أولادًا لله عز وجل، بل هم مخلوقون من جملة الخلق، خلقهم الله عز وجل للعبادة فقط؛ ولهذا لا يعصون الله ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء ١٩، ٢٠]، ولهم إرادة، ولهم عقل، خلافًا لمن قال: إنه لا عقول لهم، والقائل بأنهم لا عقول لهم، نقول: أنت الذي لا عقل لك، أما الملائكة فإن لهم إرادة وعقل وفهم، يفهمون عن الله أمره، ويسبحون بحمده، كيف ما يكون لهم عقول؟! نقول: هذا القول لو أخذنا بلازمه لبطلت الشرائع؛ لأن السفير بين الله وبين رسله؟
* الطلبة: جبريل.
* الشيخ: جبريل، فإذا قلنا: لا عقل له، صار حامل الرسالة مجنونًا، ومن يثق برسالة حاملها مجنون؟ إذن تبطل الشرائع كلها، كل الشرائع؛ ولهذا هذا القول في الحقيقة لو قيل بأنه كفر لكان له وجه، لو قيل بأن هذا القول كفر لكان له وجه.
هل الملائكة أجسام أم أرواح؟
* طالب: أرواح.
* الشيخ: أجسام بلا شك وفيهم أرواح؛ لأنهم كما قال الله عز وجل: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ [فاطر ١]، وقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام جبريل على صورته التي خلق عليها وله ست مئة جناح قد سد الأفق.
* ومن فوائد الآية: أن الكافر يلعنه الكافر، الكافر يلعنه الكافر، من أين نأخذها؟
* الطلبة: ﴿وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾، وقد أخبر الله تعالى عن أهل النار أنه ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف ٣٨]، وأخبر ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ﴾ [البقرة ١٦٦] إلى آخره، فالكافر والعياذ بالله ملعون حتى ممن شاركه في الكفر (...).
﴿خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾.
يستفاد من هذه الآية: أن الذين يموتون وهم كفار مخلدون في اللعنة -والعياذ بالله- مخلدون في لعنة الله وطرده وإبعاده عن رحمته.
ويستفاد منها: أن العذاب لا يخفف عنهم ولا يومًا واحدًا؟ ولا يومًا واحدًا؛ ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ [غافر ٤٩]، ما سألوا أن يرفع العذاب، ولا سألوا أن يخفف دائمًا، يخفف ولو يومًا واحدًا من أبد الآبدين -والعياذ بالله نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار- يتمنون هذا يتوسلون إلى الملائكة أو بالملائكة إلى الله عز وجل أن يخفف عنهم يومًا واحدًا من العذاب، ولكن يوبخوا إذا سألوا هذا ﴿قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى﴾ [غافر ٥٠]، ماذا تتصورون من الحسرة العظيمة حين ما يقولون ها الكلام لهم: ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾، وأيش الحسرة التي تصير في قلوبهم؟ ما يستطيع أحد أن يتصورها، كيف؟ ليتنا فعلنا، ليتنا اتبعنا الرسل، ليتنا صدقنا، ليتنا اتبعنا الرسول، يتمنون؛ ولهذا يقولون: ﴿بَلَى﴾ ما يستطيعون أن ينكروا أبدًا، ﴿قَالُوا فَادْعُوا﴾ أنتم، ولكن دعاء لا يقبل ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [غافر ٥٠] في ضياع -والعياذ بالله-، الشاهد أنه لا يخفف عنهم العذاب.
* ومن فوائدها: أنهم لا ينظرون، إما أنه من النظر أو من الإنظار، فهم لا يمهلون ولا ساعة واحدة؛ ولهذا ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ﴾ [الزمر ٧١] من يوم يجيئونها تفتح، أهل الجنة ﴿إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ﴾ [الزمر ٧٣]؛ لأنهم ما يدخلونها إلا بالشفاعة وبعد أن يقتص من بعضهم لبعض، فإذا جاؤوها هذبوا ونقوا، ثم شفع النبي عليه الصلاة والسلام في دخول الجنة، وحينئذٍ ﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر ٧٣]؛ ولهذا جاءت الواو في أهل الجنة دون أهل النار -والعياذ بالله- فإن أهل النار يفاجؤون بالعذاب، نسأل الله العافية.
* طالب: ما يؤخذ من هذا أنه يلعن الكافر إذا مات..
* الشيخ: إذا مات على كفره؟ نحن نقول: قد يكون أنه جائز، لكنه الحديث يدل على أنه لا يجوز: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ»[[أخرجه البخاري (١٣٩٣) من حديث عائشة رضي الله عنها.]]، وأيش الفائدة من لعن الكافر؟ على سبيل العموم جائز، تقول: اللهم العن الكفار، وكان عمر رضي الله عنه وأبو هريرة يلعنون الكفار في القنوت[[حديث عمر أخرجه عبد الرزاق (٤٩٦٩)، وحديث أبي هريرة متفق عليه؛ البخاري (٧٩٧)، ومسلم (٦٧٦ / ٢٩٦).]]، اللهم العن الكفرة، هذا لا بأس به، والآيات هذه قد تكون على سبيل العموم، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [البقرة ١٦١]، على سبيل العموم: اللهم العن كل كافر، اللهم العن من كتم العلم، وما أشبه ذلك.
* طالب: بالنسبة للإنسان (...).
* الشيخ: ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [البقرة ١٦3] الخطاب للبشر كله، ﴿وَإِلَهُكُمْ﴾ أيها الناس وأيها البشر، أي: معبودكم الحق الذي تكون عبادته حقًّا واحد، إله واحد، إله بمعنى مألوه، فهي بمعنى اسم المفعول، والمألوه معناه: المعبود حبًّا وتعظيمًا، هذا الذي يعبد حبًّا وتعظيمًا وهو مستحق للعبادة إله واحد فقط لا أكثر، وهذه الجملة ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ﴾ طرفها الأول معرفة، والثاني نكرة موصوفة، ومؤكد بالوحدانية، ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ يعني: لا إله معه، ثم أكد هذه الجملة الاسمية بجملة تفيد الحصر فقال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، هذه الجملة محلها مما قبلها في المعنى أيش؟ توكيد، توكيد أفصح من تأكيد؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النحل ٩١].
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ تقدم لنا إعراب ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، وأن الصواب في إعرابها: أن (لا) نافية للجنس، و(إله) اسمها مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف تقديره: لا إله حقٌّ، أما من قال: إن التقدير: لا إله موجود، فهذا فيه نظر؛ لأنه يوجد آلهة سوى الله لكنها باطلة، اللهم إلا أن يريد بأن (إله) موصوف بوصف محذوف تقديره: لا إله حقًّا موجود، إن كان أراد هذا، فإنه يعود إلى القول الثاني الذي قدرناه، وهو أن الخبر محذوف وتقديره: حق، وأما من قال في تفسيرها: لا موجود إلا الله، كما قاله مصطفى محمود، هذا الذي ملأ الآفاق كلامًا في وسائل الإعلام، وأعجب به كثير من الناس، هذا يفسر لا إله إلا الله: لا موجود إلا الله، وهذا ينطبق تمامًا على تفسير أهل وحدة الوجود الذين يقولون: إن الخالق والمخلوق شيء واحد؛ لأنه لو قال: لا موجود إلا الله، معناه الخلق هو عين الخالق؛ لأنه لا موجود إلا الله، وبهذا نرى أنه يجب التحرز من هذا الرجل لا سيما عند كلامه في الإلهيات، عند كلامه في الإلهيات خطر عظيم الأخذ بقوله، أما في مسائل أمور الكون، فهذه قد يخطئ وقد يصيب، لكن في مسائل الإلهيات يجب الحذر منه؛ لأن رجلًا يفسر كلمة التوحيد بكلمة الحلول والاتحاد، هذا من أبعد الناس عن التوحيد..
* طالب: لم يصرح بهذا في كتبه.
* الشيخ: هو في كتبه أنا قرأته، قرأته في كتابه محاولة تفسير القرآن بالمفهوم العصري ، هذا عنوانه أو هذا معنى العنوان.
* طالب: القرآن محاولة..
* الشيخ: إيه. إذن ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ قلنا: إن خبر (لا) محذوف، والتقدير: حق، وإنما قدرنا هذا؛ لأن هناك آلهة تعبد من دون الله، سماها الله آلهة، لكن ليس لها وأيش ليس لها؟ أحقية في الألوهية؛ ولهذا سماها الله تعالى في آية أخرى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا﴾ [النجم ٢٣]، يعني: أسماء لا حقيقة لمسماها.
قلنا: إن بعض النحويين وبعض العلماء أيضًا قدرها، قدر الخبر بكلمة: موجود، وهذا التقدير لا يطابق الواقع إلا إذا كان يريد أن اسم (لا) موصوف بوصف محذوف تقديره: حقًّا، فهذا صحيح، لا إله حقًّا موجود إلا الله، هذا حق، (إلا) أداة حصر، (وهو) -لا إله إلا هو- بدل من الخبر المحذوف، مبني على الفتح في محل رفع، أما (إلا اللهُ) فهو بدل مرفوع وعلامة رفعه؟
* طالب: الضمة الظاهرة.
* الشيخ: ضمة ظاهرة في آخره، وأرانا نقول: هنا مبني على الفتح، وهناك نقول: مرفوع بالضمة؟ لأنه هذا ضمير فهو مبني، وهذا اسم ظاهر فهو معرب.
وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ هذا خبر يجب علينا اعتقاده؛ إذ لو لم نعتقده لكنا مكذبين لهذا الخبر، وتكذيب خبر الله ورسوله كفر، كفر صريح، إذن يجب علينا أن نعتقد بأنه لا إله حق إلا الله عز وجل، وأن جميع ما يعبد من دون الله فهو باطل؛ لأنه لا ينفع ولا يضر، ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف ٥]، هذه الأصنام لو تدعوها إلى يوم القيامة ما استجابوا لكم، ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر ١٤].
فإن قال قائل: إن هؤلاء المشركين قد يفتنون في هذه الآلهة فيدعونها، ثم يأتيهم ما دعوا به؟ فما هو الجواب عن هذه الآية؟ الجواب عن هذه الآية: أنهم ليسوا هم الذين أوجدوه، والله قال: ﴿مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ﴾ [الأحقاف ٥]، فهل هذه الأصنام هي التي جاءت بهذا الشيء؟ أو الذي جاء به الله؟
* طالب: الله.
* الشيخ: الذي جاء به الله، لكن قد يمتحن الإنسان بتيسير أسباب المعصية، ابتلاء من الله عز وجل، فيكون هذا الشيء حصل عنده؟
* طالب: لا به.
* الشيخ: لا به، حصل عنده لا به.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾، قوله: ﴿الرَّحْمَنُ﴾ وأيش إعرابها؟
* طالب: خبر لمبتدأ محذوف.
* الشيخ: خبر لمبتدأ محذوف التقدير؟ هو الرحمن الرحيم، الجملة استئنافية، ﴿هُوَ الرَّحْمَنُ﴾، يعني: هذا الإله هو الرحمن الرحيم، وما سواه مما يعبد من دونه فليس فيه رحمة، خال من الرحمة إطلاقًا.
وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ قال ابن حجر: اتفق العلماء على أنهما اسمان من أسماء الله، اتفقوا، مع أن مادتهما واحدة وهي الرحمة، وعلى هذا: فيكون الغفور اسم، والغفار اسم، وإن كانا من المغفرة، لكن لما اختلفا في الصيغة صار كل منهما اسمًا مستقلًا.
وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ الفرق بينهما، أحسن ما رأيت فيه ما قاله ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد ، وكتاب بدائع الفوائد على اسمه بدائع، لكنه ليس مرتبًا، حسب ما يخطر بباله يكتبه رحمه الله، أشبه ما له كتاب ابن الجوزي المسمى صيد الخاطر ، صيد الخاطر متى ما خطر على باله الشيء كتبه، وإن كان بينهما فرق، وابن الجوزي رحمه الله في باب الصفات متذبذب، له كتاب اسمه تأويل آيات الصفات ، كله على مذهب المعتزلة، ينكر إنكارًا شديدًا على المثبتين، حتى إنه في بعض السياقات يلعنهم -والعياذ بالله- يلعنهم، يقول: كيف أنكم تجعلون لله عين ويد وما أشبه ذلك؟ معناه أنكم خلتوه إنسان، ويصرح بالإنكار العظيم في هذا، ورأيت لشيخنا رحمه الله كتاب تعليق على هذا الكتاب على الصفحة اللي فيها اسم الكتاب يقول: إن هذا كلام ابن الجوزي مما خالف فيه مذهب الإمام أحمد بن حنبل، إي نعم، الحاصل أن إحنا ذكرناه؛ لأن ابن الجوزي رحمه الله له كلام يدل على أنه مستقيم في هذا الباب، لكن هذا الكتاب ألفه لهذا الغرض ورد على المثبتين ردًّا شنيعًا.
إذن (الرحمن) أقول: أحسن ما رأيت في الفرق بينهما: أن الرحمن باعتبار الوصف، و(الرحيم) باعتبار الفعل؛ ولهذا جاءت رحمن على صيغة (فَعْلان) الذي يدل على السعة والامتلاء، وجاءت الرحيم على صفة (فَعِيل) الدالة على الفعل، فالرحمن باعتبار وصفه، والرحيم باعتبار فعله، أي: إيصال الرحمة إلى من شاء سبحانه وتعالى، وقد سبق لنا مرارًا أن أسماء الله سبحانه وتعالى لها ثلاث دلالات: تدل دلالة تضمن، وأيش بعد؟
* الطلبة: التزام.
* الشيخ: والتزام، والثالث؟
* الطلبة: مطابقة.
* الشيخ: مطابقة، فدلالة الاسم على الذات والصفة دلالة؟ مطابقة، ودلالته على الذات وحدها أو الصفة وحدها؟ دلالة التضمن، ودلالته على ما يستلزمه من الصفات الأخرى؟ دلالة التزام، من يسأل؟
* طالب: ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ ما الذي يمنع أن تكون صفة؟
* الشيخ: أيهما؟
* الطالب: ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾.
* الشيخ: نعم، هما دالان على الرحمة.
* الطالب: لا، أقول صفة يعني من الناحية الإعرابية؟
* الشيخ: من الناحية الإعرابية، صفة لأيش؟
* الطالب: صفة للضمير؟
* الشيخ: يقولون: إن الضمير لا يُنعت ولا يُنعت به.
* الطالب: ما المانع؟
* الشيخ: هذا كلامهم.
* الطالب: إذا تأملناه من الناحية المعنوية فعلًا صفة؟
* الشيخ: لو قلت: لا إله إلا الرحمن الرحيم؟ ما يستقيم الكلام، لا إله إلا هو، ثم استأنف قال: هو الرحمن الرحيم، أبلغ، هذا أبلغ، وهو وإن كان جائزًا فهو على وجه ضعيف.
بقينا ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ أهل السنة والجماعة يثبتون الرحمة لله عز وجل صفةً حقيقيةً، وأهل التأويل يقولون: إن الله ليس له رحمة هي صفته، ويفسرون الرحمة إما بالفعل أو بالإرادة، يعني: إما بالإحسان أو بإرادة الإحسان، وهذا مذهب الأشعرية والماتريدية، فيقولون: إن معنى رحمن ومعنى رحيم، أي: مريد للإحسان، أو معناه: محسن بالفعل، وما حجتهم؟ يقولون: لأن الرحمة رقة ولين، وهذا الوصف لا يليق بالله عز وجل، فنقول لهم في الرد على هذا:
أولًا: اقتضاء الرحمة للرقة واللين هذا باعتبار رحمة المخلوق، ثم لو فرض أنها مستلزمة لذلك، فأين الدليل على أنه يمتنع أن يكون الله عز وجل لينًا ورؤوفًا ورحيمًا؟
ما هناك دليل على المنع لكننا نقول مع ذلك: إذا كان هذا لا يليق بالرب جل وعلا، فإن الرحمة التي تشيرون إليها هي رحمة المخلوق، أما رحمة الخالق فإنها تليق به، ولا تستلزم نقصًا كما تستلزمه رحمة المخلوق، على أننا قلنا فيما سبق: إن قولكم: إن الرحمة تستلزم اللين والرقة والضعف، هذا ليس بصحيح، فهؤلاء الملوك قد يكون ملك جبار وقوي وشديد ومع ذلك يرحم، ولا يقال: ذل، ولا يقال: ضعف أمام من رحمه.
ثم نقول لهم: إذا قلتم ذلك، فالإرادة ما يريد المريد شيئًا إلا لما له فيه من جلب منفعة أو دفع مضرة، هذا المريد العاقل يعني، ما يريد شيئًا إلا هذا، وهل هذا المعنى يليق بالله؟ ما يليق بالله عز وجل، هم يقولون: هذه إرادة المخلوق التي لا يريد إلا ما فيه جلب منفعة أو دفع مضرة له، هذا المخلوق، أما إرادة الخالق فتليق به، فنقول: إذن هذه رحمة المخلوق، ورحمة الخالق تليق به.
ثم من العجب أن تكون نصوص الرحمة في القرآن أكثر من نصوص الإرادة، وجاءت بالوصف، وجاءت بالاسم، وجاءت بالفعل، والإرادة ما جاءت إلا بالفعل، أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: فيقول الله عز وجل: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الكهف ٥٨] هذا الصفة، ويقول: ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ هذا الاسم، ويقول: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [العنكبوت ٢١] هذا الفعل، ومع ذلك هذه تؤول والإرادة لا تؤول!
لكن -الحمد لله- أهل السنة والجماعة هداهم الله تعالى للصراط المستقيم، وجعلوا جميع باب الصفات بابًا واحدًا، كيف بابًا واحدًا؟ يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ويقال: إن وصف الخالق يليق به، ووصف المخلوق يليق به، وإن اتفقا في أصل المعنى، لكن حقيقة المعنى تختلف، واضح؟ وهذا -الحمد لله- مقرر لدينا في العقائد مر علينا كثيرًا.
* طالب: شيخ، بعض أهل العلم فسر ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ بأنهما اسمان رقيقان، وإذا رجعنا إلى المعتقد الصحيح، فنحمل على أنه يريد اسمان رقيقان أحدهما أرفق من الآخر؟ لأنه يرى قول: إن الله رفيق يحب الرفق؟
* الشيخ: لا لا، ما يريدون هذا، هم يقولون: رقيقان، يعني: كل واحدة منهم أرق من الثاني.
* الطالب: ما راعينا أن بعض أهل العلم عقيدته صحيحة جيدة و(...) رقيقة.
* الشيخ: إيه، هم يقولون كذا.
* طالب: شيخ، إذا قال قائل: ما الفرق بين مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب المفوضة، إذا كان أهل السنة يثبتون صفة الرحمة لله تبارك وتعالى بمعنى غير المعنى الموجود بالقاموس؛ لأن هذا المعنى من الرقة يليق بالمخلوق، كذلك هؤلاء يقولون: الرحمن، لكن معنى الرحمن هو غير الله ما يعرف معناها، فما الفرق بينهما؟
* الشيخ: الفرق بينهما: أن أهل التفويض يقولون: ما نعرف لهذا معنًى، ما نثبت معنى إطلاقًا، ما هو بالرحمة فقط، الرحمة، والاستواء، والنزول، والمغفرة، والمحبة، وغيرها، ما يثبتون معنى إطلاقًا، يقولون: هذه معانيها مجهولة، ولا شك أن هذا ضرره عظيم.
* الطالب: لا معنى للقرآن؟
* الشيخ: معناه: لا معنى من القرآن، وأنه مثل ما قال شيخ الإسلام قال: هذا يجيء المتأول ويجيئون الفلاسفة ويقولون: روحوا أنتم جهال ما تعرفون، إحنا اللي عندنا العلم، فيأتي المتأول ويقول: عندي العلم، ويأتي الفلسفي ويقول: عندي العلم، أنا الذي (...) القرآن، أما أنتم أقررتم على أنفسكم بالجهل، الجاهل هل يمكن أن يدفع شيئًا؟ ما يمكن يدفع؛ ولهذا يقول: إن هذا القول رحمه الله يقول في كتابه العقل والنقل يقول: هذا القول من شر أقوال أهل البدع والإلحاد، تفويض المعنى، أما تفويض الكيفية، فهذا حق، مهما كنا ما نستطيع أن نعرف كيفية صفات الله عز وجل.
* طالب: شيخ، إذا واحد تقدم يعني ولم ينقب يعني عن تفسير ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ (...) ما يدري رفيقان أو رقيقان نحملها على أيش؟
* الشيخ: هو المعروف أنهم يقولون: رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، كذا يعبرون، أرق ما تشتبه بأرفق.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما يخالف إذا قال: رفيقان ولم ينقط، ثم قال: أحدهما أرق تشتبه بأرفق؟ ما تشتبه، (...) أرق يعني أرف، ولا يستقيم.
* طالب: الرحمن يدل على الاسم وعلى الصفة اسم الرحمن، ما الفائدة من الرحيم؟
* الشيخ: إيه زين، تكون الرحيم دالة عليه بحسب الصيغة، والرحمن بحسب الالتزام بحسب اللازم، أو يقال: إنه في مثل هذا إذا قرن أحدهما بالآخر، يكون أحدهما دالًّا على الاسم والصفة فقط، والثاني دالًّا على الاسم والصفة والفعل، ولا مانع من أن يكون الكلمة عند الانفراد لها معنى، وعند الاجتماع لها معنى آخر.
ثم قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ﴾ انتبهوا للآية هذه -إن كنا من ذوي العقول- لأن الآية آخرها: ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، يقول الله جل ذكره: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ﴿إِنَّ﴾ هذه للتوكيد و﴿فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هذه خبرها مقدم، و﴿لَآيَاتٍ﴾ اسمها مؤخر.
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: ابتداؤها، كيفيتها، قوتها، ما أودع الله فيها إلى آخره، هذه واحدة، و﴿السَّمَاوَاتِ﴾ جمع سما، وتقدم أنها سبع، ﴿وَالْأَرْضِ﴾ مفرد يراد به الجنس فيشمل؟
* الطلبة: السبع.
* الشيخ: يشمل السبع، ﴿فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هذا واحد، إيجادهما، وبقاؤهما وكيفيتهما، وكل ما يتعلق بهما من الشيء الذي لا نعلمه، يعلمه غيرنا مثلًا من علماء الفلك والجيولوجيا يعلمون أكثر مما نعلم في هذا، وهم مع ذلك ما أوتوا من العلم إلا قليلًا، السماء في خلقها بهذا الارتفاع وهذه السعة وهذه القوة، ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [الذاريات ٤٧] أي: بقوة، ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ﴾ [النازعات ٢٧]، الجواب؟
* طالب: السماء.
* الشيخ: السماء، ثم فصّل فقال: ﴿بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾ [النازعات ٢٧، ٢٨]، ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا﴾ [النبأ ١٢] هذه السماء العظيمة، وكذلك الأرض وما أودع الله فيها من المنافع؛ حيث جعلها متضمنة ومشتملة على جميع ما يحتاج الخلق إليه في حياتهم وبعد مماتهم حتى بعد الممات، ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات ٢٥، ٢٦]، ما ظنكم لو جعل الله هذه الأرض شفافة كالزجاج، فدفن فيها الأموات ينظر الأحياء إلى الأموات، فلا تكون كفاتًا لهم، وما ظنكم لو جعل الله هذه الأرض صلبة كالحديد أو أشد، هل يسهل علينا أن تكون كفاتًا لأمواتنا؟ لا، ولا لنا أيضًا في حياتنا، ثم هذه الأرض أودع الله فيها من المصالح والمعادن شيئًا ما نستطيع الإحاطة به، ويتبين لنا شيئًا فشيئًا كلما تقدمت الصناعة، هذه السماوات والأرض ما أودع الله فيها من المنافع والمصالح.
ثانيًا: ﴿وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر، في الإضاءة والظلمة، في الحر والبرد، في النصر والخذلان، في كل شيء يتعلق بالليل والنهار، ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران ١٤٠]، هذه الليالي والأيام التي تدور على العالم كم فني فيها من أناس، كم عز فيها من أناس، كم ذل فيها من أناس، كم حصل فيها من حوادث ما يعلمها إلا الله، هذا الاختلاف كله آيات تدل على الله عز وجل، وعلى تفرده بالوحدانية سبحانه وتعالى.
اختلاف الليل والنهار أيضًا في الطول والقصر ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحج ٦١]، على وجه خفي لا يشعر الناس به، يزداد شيئًا فشيئًا، وينقص شيئًا فشيئًا، ليست الشمس تطلع فجأة من مدار السرطان، وفي اليوم الثاني مباشرة من مدار الجدي، أبدًا، ولكنها تنتقل بينهما شيئًا فشيئًا، حتى يحصل الالتئام والتوازن وعدم الكوارث، لو انتقلت فجأة من مدار السرطان إلى مدار الجدي ماذا يحصل؟ لهلك الناس من حر شديد إلى برد شديد، والعكس بالعكس، لكن الله جل وعلا بحكمته ورحمته جعلها تنتقل حتى يختلف الليل والنهار على حسب ما تقتضيه حكمته ورحمته.
﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ الله أكبر، هذه أيضًا من آيات الله، فلك محمل بالآدميين، والأمتعة والأرزاق يجري على سطح الماء، هذا من آيات الله، وهذا جاء ما هو أعظم منه الآن وهو الفلك الذي يجري في الهواء، الفلك الذي يجري في الهواء، فإذا أشار الله تعالى إلى شيء من آياته في أمر، فما هو أولى منه يكون أعظم منه دلالة على ذلك، الله جل وعلا أخبرنا بأن الطير التي في جو السماء أن فيها آيات، ولَّا لا؟ إي نعم، ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ﴾ [الملك ١٩]، هذه الطيور ما تحمل إلا نفسها فجعلها الله تعالى آية، فكيف بهذه الطائرات؟ تكون أعظم وأعظم من آيات الله عز وجل.
وقوله: ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾ ﴿تَجْرِي﴾ بمعنى؟ تسير، و﴿فِي الْبَحْرِ﴾ في للظرفية، فهل المعنى في نفس البحر ولَّا على البحر؟
* طالب: تشملهم.
* الشيخ: تشمل هذا وهذا، نعم؛ لأن فيه فلك يجري على سطح الماء، وفيه فلك يجري من داخل الماء، ولَّا لا؟
* طالب: الغواصات.
* الشيخ: الغواصات، الغواصات تجري في البحر بما ينفع الناس؛ لأنها يقاتل بها الأعداء ويحمى بها البلاد، فهذا مما ينفع الناس.
* الطلبة: (...).
* الشيخ: لا، ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ [يونس ٢٢]، إذن ﴿الْفُلْكِ﴾ المراد به الجمع هنا، ﴿الْفُلْكِ﴾ يراد به الجمع، ﴿إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [الصافات ١٤٠]، هذا مفرد، وأظن أني قد ذكرت لكم ما قاله ابن عقيل رحمه الله -وهو من الفقهاء- قال: إن الأحدب الذي يكون حدبته كالراكع ينوي الركوع بقلبه، قال: كـ(فُلك) في العربية، ينوى جمعه وإفراده واللفظ واحد، هذا الإنسان الأحدب إذا بغى يركع وهو أحدب على قدر الركوع وأيش لون يركع؟
* طالب: بالنية.
* الشيخ: بالنية، نعم، ﴿الْفُلْكِ﴾ شامل للمفرد والجمع، وهنا يراد بها الجمع ولّا المفرد؟ ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾؟
* طالب: محتملة.
* الشيخ: يا إخواني، قلنا: إن الوصف يعين المقصود، ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾؟
* طالب: مفرد.
* الشيخ: مفرد؟ لو قال: والفلك اللاتي يجرين في البحر، صار؟
* طالب: جمع.
* الشيخ: جمع، أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ابن مالك في الألفية يقول:
؎بِاللَّاتِ وَاللَّاءِ الَّتِي قَدْ جُمِعَا ∗∗∗ .........................
(التي) هي المفرد، فعلى هذا تكون هنا الفلك مفرد، لكنه مفرد والمراد به الجنس، فيكون عامًّا.
وقوله: ﴿تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ الباء هنا للمصاحبة، يعني: مصحوبة بما ينفع الناس، من أين؟
* طالب: الأرزاق.
* الشيخ: من الأرزاق، والبضائع، والأنفس، والذخائر وغيرهم..
* طالب: والصيد، وصيد السمك.
* الشيخ: إيه وغيرها، بما ينفع؛ لأن (ما) اسم موصول يفيد العموم، كل ما ينفع الناس، فهي من آيات الله عز وجل، الدالة على كمال قدرته وكمال رحمته وتسخيره، كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ﴾ [إبراهيم ٣٢].
ومن حكمة الله عز وجل أنه قدر في الأرض أقواتها، قدره يعني: جعل قدرًا هنا، وقدرًا هنا، وقدرًا هنا، لأجل أن ينتفع الناس، فيه ناس ما يكثر عندهم البقول، والخضروات، وما أشبه ذلك، يأتيهم من أرض أخرى، وفيه ناس يكثر عندهم نوع من الحشائش ما يوجد في المكان الآخر ينقل إلى المكان الآخر، فيتبادل الناس الأرزاق، وينتفع الناس ويتحركون، كل فيما قدر له.
* طالب: غواصات تمشي مسافة طويلة يا شيخ من تحت الماء؟
* الشيخ: إيه، من تحت الماء.
* الطالب: كيف يدله؟
* الشيخ: عندهم -سلمك الله- رادارات ما تخطئ، الآن يقولون: فيه صواريخ يجلس وهو مكانه في غرفة القيادة وتضرب الهدف اللي هو يبغي، الآن بدؤوا -عسى الله يكفينا شرهم- بدؤوا يسلحون الجو؛ ولذلك هم في نزاع في تسليح الجو، انتهوا من تسليح الأرض وتلغيمها بالغواصات وغيرها قالوا: نروح بس..
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، صحيح.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي والله أمام قدرة الله.
* الطالب: (...) الأفغانية ضعيفين وقليلين ولا عنده عدة..
* الشيخ: أمام قدرة الله ما فيه شيء؛ لأن الله جل وعلا لو شاء لخسف بهم، يخسف بهم الأرض ولا يبقى لهم ذكر، أمام قدرة الله ما فيها شيء، ولكن الله جل وعلا جعل قدرته مشروطة ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ [محمد ٧]، فإذا وجد هذا الشرط، ونصرنا الله حقًّا بقلوبنا وألسنتنا وجوارحنا نصرنا الله، مثلما نصر اللي قبلنا ينصرنا جل وعلا، المسألة: أقوالنا كثيرة وأفعالنا قليلة.
* طالب: كلمنا واحد يقول: أرسلوا عليهم قنابل ذرية..
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: قنابل ذرية، في (...) أفغانستان يقول: وصارت في حد الخيام ما وصلت إلى الخيام وخدت اثنا عشر يوم والنار تلتهب ولا تنفك يقول: والله ما جت منهم ولا أحد؟
* الشيخ: وعلى كل حال يعني الأحاديث عنهم كثيرة، لكن ما نود أن يمضي الوقت، ولّا حدثني إنسان ثقة قبل يومين جاءني لمي يشاورني في موضوع الجهاد معهم، يقول: إن فيه جبال يتعبون الغزاة في إيصال الماء إلى هذه الجبال، يحمل الواحد الجالون مع التعب ويصعد هذا الجبل، ويحفرون الخنادق لأجل إذا جاءت الطيارات ضربوها، أقلبوا كل الطائرات، يقول: إن فيه طائرات بدأت ترسل عليهم قنابل إذا ضربت القنبلة في الأرض انفجرت الأرض عيونًا، صارت تحفر لهم آبار وهم ما يدرون، وهذا الله على شيء قدير، هذا من آيات الله عز وجل ونصره، ونسأل الله أن ينصرهم ويثبتهم على الحق..
* طالب: قول ابن عقيل في الأحدب (...) إذا كان أحدبًا هل يكفي النية؟
* الشيخ: إي نعم، تكفي.
* الطالب: ما يلزمه أنه (...)؟
* الشيخ: لا لا، ما يلزمه لأنه يصير خلاف السنة في هيئة الركوع.
* الطالب: هذا عاجز والله يقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦].
* الشيخ: هذا من تقوى الله..
* الطالب: ما ركع.
* الشيخ: هيئته راكع، هم قالوا هكذا.
* الطالب: لم تختلف الصفة بين الركوع والقيام؟
* الشيخ: ما هو شرط، يكفي النية، مثل الجلوس لكن ما يستطيع أنه يتحرك، مثل الإنسان اللي ما يستطيع يتحرك برأسه ينوي.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما ندري، ما نستطيع أن نجزم بهذا؛ لأن السماوات ما نستطيع أن نقول: إن السماء الدنيا من نحاس..
* الطالب: لأنه ما قال: والأرضين.
* الشيخ: ما نستطيع، جاءت الأرضين في السنة: «طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٤٥٢)، ومسلم (١٦١٠ / ١٣٧)، من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه.]].
* الطالب: لا، بالنسبة للقرآن.
* الشيخ: بالنسبة للقرآن ما نقدر نقول، إن الله نوه على ذكر السماوات بالعدد؛ لأنها أعظم من الأرض، ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢] مثل العدد.
* طالب: ما رأيك يا شيخ في قول من قال: إذا جمعت السماوات يراد بها الأجرام، وإذا قيل: السماء، فهي للعلو؟
* الشيخ: هو صحيح إذا قيل: السماوات، فهي الأجرام بلا شك، إذا قيل: السماء، فهي تحتمل هذا وهذا.
قال: ﴿وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ﴾ يعني: وفيما أنزل الله من السماء من ماء، ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ﴾ المراد بالسماء هنا العلو، هذا هو الصحيح، وإن كان بعضهم ذكر أنه يحتمل أن المراد به الجرم، السماء المحفوظ، وقال: إن الماء ينزل من السماء على السحاب، ثم ينزل من السحاب على الأرض، لكن هذا خلاف الواقع، وخلاف ما دل عليه القرآن، فالصواب أن المراد بـ﴿السَّمَاءِ﴾ هنا العلو، ﴿وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ﴾، وقوله: ﴿مِنْ مَاءٍ﴾ هذه بيان لـ(ما) في قوله: ﴿وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾، وقوله: ﴿مِنْ مَاءٍ﴾ المراد به: المطر، هذا الذي أنزله الله من السماء فيه آيات عظيمة، منها: كونه ينزل من السماء، فما الذي حمله إلى السماء؟ الله عز وجل، كذلك كونه ينزل رذاذًا، هذا من آيات الله الدالة على رحمته، لو كان ينزل صبًّا لأهلك العالم، لكنه ينزل رذاذًا، وكونه ينزل من السماء لا يجري من الأرض، هذا أيضًا من آيات الله، لأجل أن ينتفع به سهل الأرض، وجبالها، سهولها وجبالها، ولو كان يمشي لغرق الأسفل قبل أن يصل إلى الأعلى.
كذلك من آيات الله: كونه ينزل لا حارًّا ولا باردًا، ولَّا لا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يجيء علينا البرَد، البرَد ذكره الله تعالى في سياق يدل على أنه نوع من الانتقام ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾ [النور ٤٣]، وإن كان الله سبحانه وتعالى قد جعله رحمة، لكن (...).
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ تقدم أن (إن) لها اسم وخبر، أين خبرها؟
* طالب: ﴿فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مقدم.
* الشيخ: إي نعم، وما عطف عليه.
* الطالب: واسمها: ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
* الشيخ: ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
قوله تعالى: ﴿فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ﴾ ﴿لَآيَاتٍ﴾ هل الآيات هنا جمع؟ هل هي لكل فرد من أفراد هذه الأنواع التي عددها الله عز وجل، كل واحد فيه آيات؟ أو أن الآيات موزعة على كل نوع؟ فلكل نوع آية، فيكون في الجميع آيات؟
* طالب: يشمل هذا وهذا.
* الشيخ: وأيهم أبلغ؟
* الطالب: الأبلغ أنه في كل شيء.
* الشيخ: آية واحدة فقط؟
* الطالب: آيات متعددة.
* الشيخ: آيات متعددة، نعم.
قوله: ﴿فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أرنا ثلاث آيات من هذا ﴿فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؟ بين لنا ثلاث آيات ﴿فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؟
* طالب: أولًا: في قوتها.
* الشيخ: نعم، في القوة.
* الطالب: ثانيًا: في وسعها.
* الشيخ: في سعتها.
* الطالب: وما جعل الله فيها من النجوم.
* الشيخ: إي نعم، الدليل على أن السعة من آيات الله؟ وأنها من قوة الله؟
* طالب: والأرض دحاها.
* الشيخ: لا لا، السماء؟
* الطالب: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات ٤٧].
* الشيخ: نعم، ﴿بِأَيْدٍ﴾ قوة، و﴿لَمُوسِعُونَ﴾ يعني: سعة أرجائها، وكذلك ما أودع الله فيها من نجوم والكواكب والأفلاك وغيرها، وفي الأرض أيضًا في إيجاد الأرض، وتسخيرها، وتذليلها، وما فيها من الأنهار والأشجار، والجبال، والسهول وغير ذلك، كلها من آيات الله.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا لا، بقوة، ما هي بأيد اللي جمع يد، لا؛ لأنها ما أضيفت إلى الله، فهي مصدر (آد، يئيد، أيدًا)، كـ(باع، يبيع، بيعًا).
﴿وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ اختلاف الليل والنهار فيه آيات، اختلافها من أي ناحية؟
* طالب: من آياته اختلافه في طوله وقصره، والبرودة..
* الشيخ: إيلاج هذا في هذا؟
* الطالب: (...) طوله في بعض المناطق (...).
* الشيخ: هذا داخل في الطول والقصر.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ألا يدخل في ذلك اختلاف الحوادث؟ اختلاف الحوادث: كون الله يعز أقوامًا ويذل آخرين، ويكون الخصب والرخاء أو العكس؟
* طالب: يدخل فيه.
* الشيخ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران ١٤٠]. واختلاف الليل والنهار..
* طالب: الصلاة بردو في الليل وفي النهار تختلف؟
* الشيخ: لا ما تختلف.
﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ نبغي نؤاخذكم حيث قلتم: في كل واحدة آيات، نبغي من كل واحدة ثلاث آيات على الأقل، ﴿الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ أخرج لنا منها ثلاث آيات؟
* طالب: جريانها على سطح البحر، وفي هذا الزمان أصلًا أيضًا..
* الشيخ: ما بعد وصلنا للزمان هذا، جريانها على سطح البحر مع أنه ماء وهي ثقيلة.
* طالب: أن كونها تطفو على سطح الماء هذا من الآيات، وثاني شيء: نقل البضائع التي توجد في مكان إلى مكان لا توجد فيه هذه البضائع، الفلك هي التي..
* الشيخ: هي التي تحملها.
* الطالب: (...) التي تغوص داخل الماء.
* الشيخ: (...).
* طالب: ما في البحر من طرقات عظيمة.
* الشيخ: هذا في البحر، لكن التوصل بهذه الفلك إلى ما في البحر؛ لأنهم يصيدون فيها.
* طالب: هذا ما هو قديم يا شيخ؟
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما أذكر أنه قديم.
* طالب: الاصطدام في البحر.
* الشيخ: إيه في السفن العادية، الشراعية.
* الطالب: أقول: من الآيات.
* الشيخ: إيه، بس هذه من (...).
* طالب: (...) الفلك يعني يراد بها كيد الأعداء تستخدم..
* الشيخ: إيه، استخدامها في الحروب، ونقل الإنسان أيضًا، الإنسان قد يكون له غرض في أنه ينتقل من قارة إلى قارة، أو من مكان إلى مكان، فهذا من الآيات.
* طالب: معرفة الاتجاهات.
* الشيخ: تصريف الرياح بعد، لها آيات خاصة.
* طالب: كونها تمشي على البحر (...).
* الشيخ: بالريح يعني؟ إي نعم، إذن الحمد لله ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ أيضًا كونها بما ينفع الناس، منافع الناس ما لها حصر.
﴿وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ هذا أيضًا فيه آيات: إنزال الله للماء من السماء.
* طالب: أنزل الماء من السماء قطرات وليس..
* الشيخ: وليس يصب صبًّا، هذه واحدة.
* طالب: إذا نزل الماء (...) تحيا ويحيا الإنسان.
* الشيخ: إحياء الأرض به، لكن إحياء الأرض الظاهر إن نفس إحياء الأرض فيه آيات، إنزال المطر كونه رذاذًا، هذا من آيات الله، لاحظوا ما نريد من آيات الله الآيات الدالة على القدرة والعظمة فقط، حتى الدالة على الرحمة والدالة على الحكمة، هي من آيات الله، ولَّا لا؟ إي نعم.
* طالب: تخزينه في باطن الأرض.
* الشيخ: خزنه في باطن الأرض حتى إذا احتاج الناس إليه، ﴿فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الزمر ٢١]، استخرجوه وانتفعوا به.
* طالب: ورفع القحط عن الناس.
* الشيخ: إيه، ما تدخل في قوله: ﴿فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾؟
* الطالب: إحياء للأرض، وهذا إحياء لما عليها، هذا إحياء لما على الأرض.
* طالب آخر: كونه ينزل من أعلى.
* الشيخ: نعم، كونه ينزل من أعلى وليس من أسفل، هذا أيضًا من آيات الله؛ لأنه لو كان يمشي مشيًا على الأرض أغرق الأسفل قبل أن يأتي لأعلى.
* طالب: كونه حلوًا (...).
* الشيخ: نعم، كونه بهذه الحلاوة، وكونه ليس باردًا ولا حارًّا، ليس باردًا برودة تؤثر على النبات ولا حارًّا.
* طالب: كونه ينتح من الأرض عن طريق الشمس ثم ينزل.
* الشيخ: كونه أيش؟
* الطالب: كونه ينتح نتح عن طريق الشمس يتبخر، ثم يتألف ثم ينزل، هذه من الآيات العظيمة.
* الشيخ: يعني: كونه يصعد من البحر؟
* الطالب: إي نعم، ثم يتكون رذاذًا، ثم..
* الشيخ: هذا قد يسلم به، وقد لا يسلم.
* الطالب: هو من آيات الله يا شيخ؟
* الشيخ: إيه، هو من آيات الله لكن بس ما هو كلها (...) هذا، أحيانًا يكون كذلك وأحيانًا لا يكون.
* الطالب: إذن أيش غير هذا تكون به السحاب؟
* الشيخ: الله أعلم، بقوله: كن؛ ولهذا أحيانًا نحن نشاهد هنا في القصيم، القصيم ما هو بحوله بحار، نشاهد السماء صحوًا، ونشاهد بأعيننا تنشأ قطعة صغيرة ثم تنتشر.
* الطالب: الأصل أنه من طريق التبخر يا شيخ؟
* الشيخ: الله أعلم، ما نجزم.
* طالب: كونه ينزل بقدر معين، لو نزل بكثرة لأغرق..
* الشيخ: إي نعم، المهم فيه الآن أخذنا منه ثلاث آيات.
وقوله: ﴿فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ ﴿أَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ﴾ الذي يحيا هل هو الأرض أو النبات الذي فيها؟ الذي يحيا هو النبات الذي فيها؛ ولهذا قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ [الحج ٦٣]، قد يقول القائلون بأن في القرآن مجازًا: إن هذا من المجاز؛ حيث أطلق حياة الأرض على حياة نباتها، ونحن نرد عليهم بأن نقول: إن مثل هذا الأسلوب في اللغة العربية لا يعنى به أبدًا حياة الرمل والتراب والأحجار، وإنما يعنى به؟
* طالب: حياة (...).
* الشيخ: ما فيها من الثمار والزروع، وما دام هذا معنى هذا التركيب في الأسلوب العربي بقي هذا حقيقة لا مجازًا؛ لأننا قد قررنا فيما قبل قاعدة فقلنا: إن الكلمات لا يتبين معناها إلا بالسياق، وضم بعضها إلى بعض، وكم كلمة كان لها معنى في سياق ومعنى آخر في سياق، نأتي لمثل (القرية)، كلمة (القرية) التي يدندن حولها من يقولون بالمجاز، نقول: القرية استعملت مرادًا بها أهلها، واستعملت مرادًا بها مساكنهم، بلفظ صريح في الموضعين، واستعملت مرادًا بها أهلها بالقرينة.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ [العنكبوت ٣١]، وأيش المراد بالقرية؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: لا يا إخوان، ﴿أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ المراد بها المساكن، واضح، ﴿أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ المراد بها المساكن، ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [الحج ٤٨]، وأيش المراد؟
* الطلبة: أهلها.
* الشيخ: أهلها، لا شك في هذا؛ لأن الظلم لا يوصف به المساكن، المساكن ما هي تظلم، فإذن المراد بالقرية أهلها بقرينة قوله: ﴿وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾، ولا يمكن لأي واحد أن يقول: إن المتبادر من هذا اللفظ من (القرية) المساكن، ما أحد يقول، أبدًا، وحينئذٍ ما استعملت (القرية) الآن في مجازها، استعلمت في حقيقتها؛ لأن حقيقة الكلام: ما يتبادر إلى الذهن من المعنى، هذه حقيقته، وهو يختلف باختلاف السياق.
﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف ٨٢] هذا اللي جعلوا يضربون على وترها من يقولون: إن في القرآن مجازًا، ﴿اسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ قالوا: معلوم ما هذا المراد ﴿اسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ هروح للجدران أقول: يا ولد هو سرق أخو يوسف؟ أحد يعقل أن هذا هو المعنى؟! أبدًا، ما أحد يعقل هذا، ولو أن أحدًا قال: إن هذا ظاهر كلام الله، لكان بالحقيقة ساخرًا بكلام الله، فالله ما أراد هذا إطلاقًا، ولا يفهم من هذا المعنى إطلاقًا من هذا اللفظ.
وبهذا تبين أن الكلمة يكون لها معنى بحسب السياق، فالمعنى المتبادر من السياق هو حقيقة الكلام، في أي تركيب كان، وحينئذٍ نقول: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ﴾، المراد بلا شك؟ المراد: أحيا به النبات؛ لأنه الذي يوصف بالحياة والنور، أما الأرض نفسها، فإنها رمل وأحجار وتراب، ما يحيا ولا يموت.
وقوله ﴿فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ فيه آيات كثيرة: آيات دالة على الرحمة، وآيات دالة على الحكمة، وآيات دالة على القدرة، آيات دالة على الرحمة بما في هذا الإحياء من المنافع العظيمة: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ [النازعات ٣١، ٣٢] لمن؟ ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ [النازعات ٣٣]، فكم من نعمة كثيرة في هذه الزروع التي أحياها الله تعالى بالمطر، ولَّا لا؟ لنا ولأنعامنا، قوتًا ودواءً وغير ذلك، واضح؟ هذا دال على الرحمة.
فيه آيات دالة على الحكمة وهو: أن حياة هذه الزروع جاءت بسبب، وهو؟ الماء الذي نزل، فمنه نأخذ أن الله جل وعلا يخلق بحكمة، ويقدر بحكمة، الله قادر جل وعلا أن يقول للأرض: أنبتي الزرع، فتنبت بدون ماء، لكن كل شيء مقرون بسبب، فكونه جل وعلا ربط إحياء الأرض بنزول الماء وأيش يدل عليه؟ على الحكمة، وأن كل شيء له نظام خاص لا يتعداه، منذ خلق إلى أن يأذن الله تعالى بخراب العالم.
فيه آيات دالة على القدرة، وهي: أنك ترى الأرض خاشعة، هامدة، سوداء، شهباء، ما فيها شيء، فإذا أنزل الله عليها المطر بعد نحو شهر تأتي إليها تجدها تهتز أزهارًا، وأوراقًا، وأشجارًا، ﴿إِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت ٣٩]، هذه قدرة عظيمة، واللهِ لو أن البشر كلهم من أولهم إلى آخرهم اجتمعوا على أن يخرجوا ورقة من حبة، ورقة واحدة من حبة، يستطيعون ولَّا لا؟ ما يستطيعون، وحبة تنبت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة، أليس هذا دليل على القدرة العظيمة؟ نعم، على القدرة العظيمة التي لا منتهى لها، إذن فيه آية على القدرة، وأيش بعد؟ والحكمة، والرحمة.
قال: ﴿وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ نشوف ﴿بَثَّ﴾ وأيش اللي معطوفة عليه؟ ﴿وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾؟
* طالب: عطف على ﴿أَحْيَا﴾.
* الشيخ: على ﴿أَحْيَا﴾؟ إذن معناها: بث الدواب بعد نزول المطر، الظاهر أنها معطوفة على قوله: ﴿أَنْزَلَ﴾ يعني: وفيما بث فيها من كل دابة، وفيما بث في الأرض من كل دابة، أو في الأرض والسماء؟
﴿وَبَثَّ فِيهَا﴾ أي: في الأرض، ﴿مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ (كل) أتى بها للدلالة على الأنواع والأجناس، أنواع وأجناس في الأرض من الدواب ما يعلم بها إلا الذي خلقها، ما يعلم بأنواعها وأجناسها -فضلًا عن أفرادها- إلا الذي خلقها سبحانه وتعالى، يعلم هذه الأجناس، وأنواعها، وأفرادها، وأحوالها، وكل ما يصلحها، يعلمه الله عز وجل، وفيها من آيات الله الدالة على كمال قدرته، ورحمته، وعلمه، وحكمته ما يبهر العقول، شوف -سبحان الله العظيم- تجد هذه الدواب المختلفة المتنوعة، والحشرات الصغيرة، كيف الله هداها لما خلقت له، ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه ٥٠]، حتى إنك لترى الماء يدخل في جحر الذر، فترى الذر تخرج من هذا الجحر حاملة أولادها، ذر تحمل أولادها، ماذا ترجو من هذه الأولاد؟! لكن رحمة أرحم الراحمين جعل في قلب هذه الذرة رحمة لتحمل أولادها عن الغرق، أنا شاهدته بعيني، وأنتم إذا شئتم جربوا.
* طالب: (...) قلب؟
* الشيخ: نعم، لها قلب، ولها عقل يليق بها، فالحاصل أن هذا من آيات الله عز وجل، كذلك أيضًا البهائم، السباع الضارية اللي تأكل ما دون أولادها من الحيوان، تجد أولادها اللي أكبر منها اللي هي تأكل ماذا تصنع به؟ تحنو عليه وتربيه، حتى إذا استقل بنفسه صار عدوًّا لها، أو صارت هي عدوة له، الهرة تربي أولادها، فإذا استغنوا عنها؟ طردتهم، صارت عدوة لهم، هذا من آيات الله عز وجل.
في هذه الدواب التي بثها الله في الأرض من آيات الله: أنك ترى بعض الدواب تدب على الأرض، تدب، لكن ما تكاد تدرك جسمها فضلًا عن أعضائها، فضلًا عما في جوفها، ومع ذلك عائشة ولَّا لا؟ -عايشة ما هي عائشة أو لا؟ عايشة- عايشة على ما هي عليه، عايشة وتعرف مصالحها، وتعرف جحرها، وتأوي إليه، هذه من آيات الله، وعلى كل حال نحن ما نعرف الحقيقة، ما درسنا في علم الأحياء، ومن درس في علم الأحياء وجد من هذا ما يبهر العقول، فما بث الله في الأرض من الدواب من أجناسه وأنواعه هذا فيه من آيات الله ما لا يحصى؛ لأن في كل شيء منه آية، وهو لا يحصى أنواعًا أو أجناسًا، فضلًا عن أفرادًا.
وقوله: ﴿وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ فيه آيات، يعني: هذه الدواب العظيمة الكثيرة معلومة عند الله أو لا؟ معلومة؛ لأنه خلقها، موضوع فيها الرحمة؛ لأننا نشاهد التراحم بينها، فيها مصالح للعباد، ولَّا لا؟ نعم، ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ﴾ [يس ٧١، ٧٢].
وهنا آية أيضًا غريبة وهي: تمام قدرة الله عز وجل بخلق الضدين في الحيوان، فيه حيوان يؤذي بني آدم، وفيه حيوان ينتفع به بنو آدم، والخالق واحد، والمادة واحدة، والجنس واحد، ومع ذلك هذا منه غاية الضرر، وهذا منه منافع كثيرة، ولَّا لا؟ البعير أكبر من العقرب، معلوم؟ معلوم، العقرب تلدغ فتؤذي أو تضر، وربما تقتل، والبعير؟ تنفع، ذللها الله عز وجل، يجيء الصبي الصغير اللي يرعاها يأخذ بخطامها ويقودها إلى ما شاء، أو يستدبرها ويسوقها إلى ما شاء، وهذا لا شك أنه من آيات الله، الذي خلق هذه المخلوقات العظيمة وجعل بعضها نافعًا وبعضها ضارًّا، هذا من آيات الله.
* طالب: شيخ، فيها آيات ردًّا على الممثلة الذين مثلوا الله بخلقه؛ فإنها تختلف هذه الجمادات مع..
* الشيخ: إيه، مع اتفاق الاسم.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إي نعم، ﴿وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ عندي فيها قراءة ثانية: ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيحِ﴾ أما على قراءة الإفراد فالمراد الجنس، وأما على قراءة الجمع فالمراد أنواعها، ﴿تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ فيه آيات تصريف الرياح؟ إي نعم، فيه آيات كثيرة، والتصريف يشمل: تصريفها من حيث الاتجاه، تصريفها من حيث الشدة وعدمها، تصريفها من حيث المنافع وعدمها، أو لا؟ من حيث الاتجاه: جعلها الله سبحانه وتعالى متجهة: جنوبًا، وشمالًا، وغربًا، وشرقًا، هذه هي الأصول في الجهات، وهناك جهات أخرى تكون بينها وتسمى: النكبة؛ لأنها ليست على الاستقامة في الشرق، أو الغرب، أو الشمال، أو الجنوب، فهي نكباء، ناكبة عن الاتجاه الأصلي.
هذه الرياح في تصريفها آيات، لو بقيت الريح من اتجاه واحد لأضرت بالعالم، لكنها تتقابل، فيكسر بعضها حدة بعض، ويذهب بعضها بما جاء به البعض الآخر من الأذى والجراثيم وغيرها، فتتقابل ويكسر بعضها بعضًا، كذلك أيضًا في تصريفها آيات بالنسبة للسحاب، فبعضها يجمع السحاب، وبعضها يفرقه، وبعضها يلقحه، وبعضها يدره، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ [النور ٤٣]، ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ [الحجر ٢٢] قال أهل العلم: إنها تلقح في السحاب، وتلقح أيضًا بعض النبات، بعض النبات الذي يحمل اللقاح إليه هو الرياح، في تصريف الرياح أيضًا آيات للسفن الشراعية، ولَّا لا؟ نعم، فيه أيضًا آيات في إهلاك أناس وإنجاء آخرين، ولَّا لا؟ أهلك الله به عادًا، وطرد به الأحزاب عن رسول الله ﷺ، وأنجى الله رسوله ﷺ بهذه الريح من شر الأحزاب، ففيه آيات، ومن تدبر هذا عرف ما فيها من قدرة الله، ورحمته، وعزته، وحكمته.
لو أن جميع مكائن الدنيا كلها، كل مكائن الدنيا اجتمعت وصارت على أقوى ما يكون من نفث هواء، هل يمكن أن تحرك ساكنًا؟ إلا فيما حولها فقط، لكن تصل من أقصى الشمال إلى الجنوب أو العكس؟ ما تصل، والله جل وعلا: كن فيكون، تجد الرياح شديدة شمالية، وفي لحظة تنعكس وتكون جنوبية شديدة، هذا تمام القدرة العظيمة التي يدبرها الله عز وجل بأمر ما يستطيعه البشر؛ ولهذا صار تصريف الرياح آيات من آيات الله العظيمة الدالة على قدرته.
ثم إن في تصريفها أيضًا مصالح للسفن الجوية؛ لأن لها تأثيرًا على الطائرات، لها تأثير على الطائرات كما يقولون، وكذلك بالنسبة للسيارات ما لها تأثير؟ لها تأثير، إذن فالرياح في الحقيقة تصريفها فيه آيات من آيات الله العظيمة الكثيرة.
﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ﴾ هذه من آيات الله: السحاب المسخر بين السماء والأرض، السحاب هو هذا الغمام والمزن، وسمي: سحابًا؛ لأنه ينسحب انسحابًا في الجو، ما هو بيقفز قفزًا، أنتم تشاهدون الغيم الآن يقفز قفزًا؟ لا، لكنه ينسحب انسحابًا بإذن الله، هذا السحاب المسخر المذلل والذي ذلّله خالقه جل وعلا، ذلّله لمصالح عباده، يرسله الله أحيانًا رحمة وأحيانًا نقمة، هذا السحاب المسخر المذلل بين السماء والأرض فيه آيات، آيات دالة على أي شيء؟ على القدرة، والرحمة، والحكمة، كلها موجودة في هذه الآيات، على القدرة من يستطيع أن يأتي بالسحاب؟ من؟ الله عز وجل، ما أحد يستطيع، ثم من يستطيع أن يدر منه هذا الماء؟ الله عز وجل؛ ولهذا قال: ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ [لقمان ٣٤].
ثم من يستطيع أن يجعل هذا السحاب أحيانًا متراكمًا، متراكمًا حتى يكون مثل الجبال السود يوحش من يراه، وأحيانًا يكون خفيفًا، وأحيانًا يكون سريعًا، وأحيانًا يكون بطيئًا، وأحيانًا تراه لا يتحرك، نحن شاهدناه كثيرًا نجده مستقر ما يمشي؛ لأنه يمشي بأمر الله، فهو مسخر مذلل بأمر الله عز وجل.
ثم هذا السحاب أيضًا مسخر بأمر الله، يسقي هذه الأرض ولا يسقي هذه الأرض، تجده يأتي فوق الرؤوس ويرعد ويبرق، وربما يستقر بعض الاستقرار ولا يمطر، ثم ينصرف إلى قوم آخرين، فيمطر عليهم بدون هذا الرعود والبرق؛ لأنه يؤمر، وأظنه لا يخفى عليكم -أو على أكثركم- قصة الرجل الذي سمع صوتًا في السحاب يقول: «أَسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ.»، وهذه ثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول هذا الرجل: «فَانْطَلَقْتُ فَأَفْرَغَتِ السَّحَابُ مَاءَهَا فِي حَرَّةٍ، ثُمَّ جَرَى الْوَادِي فِي شَطْرِ الْحَرَّةِ، فَأَسْقَى تِلْكَ الْحَدِيقَةِ، فَجَاءَ إِلَى صَاحِبِهَا فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا فُلَانٍ؟ قَالَ: مَاذَا تُرِيدُ؟ أَخْبَرَهُ بِاسْمِهِ، فَإِذَا هُوَ الِاسْمُ الَّذِي سَمِعَهُ فِي السَّحَابِ يَقُولُ: أَسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: إِنِّي أَقْسِمُهَا، أَوْ أُجَزِّئُهَا أَثْلَاثًا: ثُلْثٌ لِلْفِلَاحَةِ، وَثُلْثٌ لِأَوْلَادِي، وَالثُّلْثُ الثَّالِثُ أَتَصَدَّقُ بِهِ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٤ / ٤٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، الشاهد أن هذا السحاب ينزل ماءه بأمر الله، ويمتنع بأمر الله عز وجل، وكذلك لا يخفى عليكم ما ثبت في الصحيحين من «حديث أنس في قصة الرجل الذي جاء للرسول الله عليه الصلاة والسلام يطلب منه أن يستسقي، النبي عليه الصلاة والسلام سأل الله أن يغيثه، والسماء صحو ما فيها ولا قزعة، فأنشأ الله السحاب وانتشر، ورعد، وبرق، وأمطر، فما نزل الرسول ﷺ من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته - » سبحان الله العظيم لو اجتمع الخلق كلهم على أن يفعلوا هذا الفعل ما استطاعوا، لكن الله خلقه وسخره وأمره، فنزل، آية من آياته، وآية لصدق رسوله- «في الجمعة الثانية طلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يستسقي لهم فقال: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ»، وجعل يشير بيده حوالينا، كذا، فما يشير إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٩٣٣)، ومسلم (٨٩٧ / ٨)، من حديث أنس رضي الله عنه.]]، انفرجت لأمر الرسول ولَّا لأمر الله؟ لأمر الله، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام موجه، مثلما هو قاسم والله معطي، الرسول موجه، لكن السحاب لو أمره الرسول ﷺ ألف مرة ولم يأمره الرب جل وعلا، ما تحرك، لكن هذا بأمر الله.
هذا من تسخير الله سبحانه وتعالى لهذا السحاب المسخر، وإذا رأينا أيضًا لهذا السحاب المسخر، وأظن بعضكم ركب الطائرة، تجد هذا السحاب بعضه تحتك مثل بُعد الأرض، وبعضه فوقك مثل بُعد السحاب عن الأرض، طبقات عظيمة، كنا نظن أن السحاب قبل أن نصعد إلى الجو أن السحاب كله في طبقة واحدة، فإذا هو طبقات عظيمة متباعدة ومتباينة، وشاهدناه أيضًا في الأرض وفي الجو، شاهدناه يجتمع بعضه إلى بعض ويلتئم، وقد ذكروا لنا -أهل الدراية في هذه الأمور- أنه إذا أرعد جانب من السحاب بدأت المزن تتجمع على هذه لترعد، تتجمع بإذن الله، تشاهدونها كأن فيها مغناطيسًا يجذب هذا المتفرق من السحاب إليه، هذا أيضًا من آيات الله عز وجل.
وقوله: ﴿بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ ما المراد بالسماء؟ السماء: السقف المرفوع، والأرض أرضنا هذه، وهذه البينية هل تقتضي الملاصقة؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، فهي بينها بدون ملاصقة، أنا قصدت بهذا التقرير الرد على الذين أنكروا قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ»[[أخرجه مسلم (٢٦٥٤ / ١٧) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.]]، وقالوا: لو كان هذا حقيقةً..
الدليل هذا ﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [البقرة ١٦٤]، وكذلك تقول: بدر بين مكة والمدينة، هذا في المكان، وبينهم؟ بينهم مسافة واضحة.
* طالب: وحملها بين السماء والأرض هل بدون شيء؟
* الشيخ: إي نعم هذا أيضًا من آيات الله، حملها البحار العظيمة بين السماء والأرض، وكونه أيضًا كما قال الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور ٤٣]، هذا في الجو جبال من البرد، ولا تستغرب ذلك، لا تستغرب أن يكون فيها جبال من البرد، محمول بقدرة الله عز وجل وبأمره، وإن كان له سبب خلقه الله لحمله، لكن المهم أنه محمول بأمر الله وقدرته، نحن في العام الماضي ذهبنا في الصيف من هنا إلى الدمام، وقال لنا الطيار يتكلم بالطائرة، قال: إن درجة الحرارة خمس وعشرين تحت الصفر، وإحنا في الأرض نحترق، (...) في الصيف، لكن يجينا الحر في وسط النهار، خمس وعشرين تحت الصفر وأيش تقتضي؟ الجماد، يجمد، جماد، نحن نقول: كيف بإذن الله إذا جاء وقت الصيف وهو حر أيش لون ينزل البرد؟ وغالبًا ما يكون البرد في أيام الصيف، ولكن وجدنا أن الجو طبقات عظيمة، طبقات عظيمة، هذا الجزء من طبقات الجو اللي وصل درجة حرارته إلى خمس وعشرين تحت الصفر يقين إن الماء الذي فيه سيجمد، يكون جبال، ومع ذلك ينزله الله عز وجل كما تشاهدون ينزله حبات، حبات إذا لم يوجد له الضرر، إذا لم تقتضي الحكمة أن يضر أحدًا به، فإنه ينزل كما تشاهدون، حبات دقيقة لا تضر حيوانًا، ولا تفسد شجرًا.
وقوله: ﴿لَآيَاتٍ﴾ اللام هذه للتوكيد، و﴿آيَاتٍ﴾ اسم إن منصوب بها، وعلامة نصبه كسرة ظاهرة في آخره.
* طالب: (...) أو نيابة عن (...).
* الشيخ: علامة نصبه كسرة ظاهرة في آخره.
* الطالب: صحيح هذا؟
* الشيخ: لا، لازم تبين، الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنك لو تقول: كسرة ظاهرة في آخره، ظن من سمعك أن من علامات النصب الكسرة وليس كذلك.
وقوله: ﴿لَآيَاتٍ﴾ عرفتم فيما سبق أن كل واحد من هذه الأنواع فيه آيات، كل واحد فيه آيات، ما هو معناها أن الآيات موزعة لكل واحد آية، كل واحد يشتمل على آيات.
وقوله تعالى: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ ﴿يَعْقِلُونَ﴾ أي لهم عقول، وقد سبق لنا أن العقل ينقسم إلى قسمين: عقل إدراك، وعقل الرشد، عقل الإدراك هو مناط التكليف، وعقل الرشد مناط الثناء والمدح، الأول بفقده يُفْقَد التكليف، والثاني بفقده يُفقَد المدح والثناء، أيهما المراد هنا ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾؟ يعني عقل اللي هو مناط التكليف، وهو عقل الإدراك، أو عقل مناط الثناء والمدح، وهو عقل الرشد؟
* الطلبة: الرشد.
* الشيخ: الأخير، عقل الرشد، فالإنسان العاقل الذي يستعمل عقله فيما ينفعه، فيعقله عما لا ينبغي؛ لأن العقل سُمي بذلك؛ لأنه يعقل صاحبه عما لا ينبغي، فالإنسان العاقل حقًّا إذا تأمل هذه الأشياء وجد أن فيها آيات تدل على خالقها جل وعلا، وعلى موجدها، أما الإنسان المعرض فهو وإن كان عقله كبيرًا وذكائه قويًّا فإنه لا ينتفع به؛ ولهذا وصف الله تعالى الكفار بأنهم لا يعقلون، مع أنهم في العقل الإدراكي عقلاء ولَّا لا؟ في العقل الإدراكي الذي يدركون به ما ينفعهم ويضرهم، لكن لا يعقلون، موجود فيهم العقل هذا ولَّا لا؟ موجود، لكن نفاه الله عنهم لعدم انتفاعهم به، وعدم عقلهم الرشدي الذي يرشدهم إلى ما فيه مصلحتهم، ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
* الطالب: بَثَّ معطوفة على الماء، ما تكون معطوفة على أحيا؟
* الشيخ: نعم لأنك إذا قلت: على أحيا لصار البث مرتبًا على إنزال الماء.
* طالب: (...).
* الشيخ: الفاء في قوله: ﴿فَأَحْيَا بِهِ﴾ مرتبة على ﴿أَنْزَلَ﴾ فإذن يكون المعطوف عليها مرتبًا على ﴿أَنْزَلَ﴾، وليس الأمر كذلك.
* في الآية الكريمة: أن إله الخلق إله واحد وهو الله؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [البقرة ١٦٣].
* ومن فوائدها: إثبات اسم الإله والواحد لله، ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾، وقد جاء في قوله تعالى: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم ٤٨] فأثبت اسم الواحد لله سبحانه وتعالى.
* ومن فوائدها: اختصاص الألوهية بالله؛ لقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ وفي التفسير أشرنا إلى وجه الإشكال بين هذه الآية وبين ما أثبت الله تعالى من ألوهية أصنام، وقلنا: إن الجمع بينهما الحق والباطل، فألوهية الله حق، وألوهية أولئك باطل.
* ومن فوائد الآية: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما: الرحمن، الرحيم، الإله، والواحد، والرحمن الرحيم.
* ومن فوائدها: ثبوت أو إثبات ما تضمنه هذان الاسمان من الصفة والحكم، وبعض العلماء يقول: الصفة والأثر، الصفة ما هي؟ الرحمة، الصفة الرحمة، والحكم أنه يرحم بهذه الرحمة، ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾.
* الطالب: شيخ، أيش الصفة المشتقة من اسم الواحد؟
* الشيخ: الوحدانية.
* ومن فوائد الآية: أنه قد يكون للاسم من أسماء الله معنى إذا انفرد، ومعنا إذا انضم إلى غيره؛ لأن الرحمن لو انفرد لدل على الصفة والحكم، وإذا جُمع مع الرحيم جعل الرحمن للوصف والرحيم للفعل.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [البقرة ١٦٤] إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة: عظم خلق السموات والأرض، ما وجهه؟
* الطالب: لقوله: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
* الشيخ: ﴿لَآيَاتٍ﴾ فلولا أنه عظيم ما كان آية، فيستفاد منه عظم خلق السموات والأرض.
* ومنها: أن السموات متعددة، تؤخذ من الجمع ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ﴾.
* ومنها: أن السموات مخلوقة، فهي إذن معدومة من قبل، فليست أزلية.
* فيتفرع على هذه الفائدة: الرد على الفلاسفة الذين يقولون: بقدم الأفلاك، يقولون: بقدم الأفلاك يعني أنها قديمة غير مخلوقة، وأنها أزلية أبدية؛ ولهذا أنكروا انشقاق القمر، وقالوا: إن الأفلاك العلوية ما يمكن يلحقها تغيير، وفسروا قوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر ١] بأن المراد ظهور العلم والنور برسالة النبي ﷺ، ولا شك أن هذا تحريف باطل، مخالف للأحاديث المتواترة الصحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام، إذن نستفيد من هذه الآية أيش؟ أن السموات مخلوقة، فهي إذن حادثة، ليست قديمة خلافًا للفلاسفة القائلين بقدمها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن يتأمل في هذه السموات والأرض ليصل إلى الآيات التي فيها؛ لأنه قال: فيها آيات، إذن تأمل لتصل إلى هذه الآيات.
* ومنها: أن الآيات في خلق السموات والأرض متنوعة بحسب ما تدل عليه من القدرة والحكمة والرحمة وما إلى ذلك، ففيها قدرة وحكمة، هذا الانتظام، وفيها رحمة للخلق.
* ومنها: ما في اختلاف الليل والنهار من الآيات؛ لقوله: ﴿اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [البقرة ١٦٤].
* ومنها: أن اختلافهما من رحمة الله؛ لأنهما يتضمنان الرحمة والقدرة، وسبق أن اختلاف الليل يتضمن؟ اختلافهما بالطول، والقصر، والظلمة، والنور، والحر، والبرد، والنصر، والخذلان، والجدب، والخصب وغير ذلك، وكذلك أيضًا راحة الناس ومن آياته ﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص ٧٣]
* ومن فوائدها أيضًا: ما في الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس من نعم الله الدالة على آياته، وسبق أن فيها آيات متنوعة.
* ومنها أيضًا من فوائد الآية: ما تضمنه إنزال المطر من السماء، فيه آيات؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إي نعم فيه آيات عظيمة، كون هذه البحار العظيمة تمشي بين السماء والأرض، وتنزل رذاذًا لا صبًّا، وتنزل أيضًا بحسب أمر الله عز وجل، ما هي تمشي هكذا، تمشي بأمر الله عز وجل كما تقدم تفسيره.
* ومنها: ما تضمنه قوله: ﴿فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة ١٦٤] من الآيات، وأظن سبق الكلام عليها، فهي آيات عظيمة دالة على كمال القدرة، والرحمة، والعظمة، وعلى إحياء الله تعالى الموتى.
* ومن فوائد الآية أيضًا: ما تضمنه قوله: ﴿وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ نشر وفرق من كل دابة، كم عددها؟ ما يُعلم عدها، عَدُّ أجناسها فضلًا عن أنواعها، فضلًا عن أفرادها، هذه الدواب العظيمة المختلفة كِبَرًا وصِغَرًا، ونفعًا وضررًا إلى آخره كلها من آيات الله عز وجل، تجد العقرب تلسعك وهي كبر الأصبع، وتؤذيك، والناقة وهي أكبر من خمسة رجال تنفعك ومسخرة مذللة لك، فهذا من آيات الله عز وجل، وكذلك سبق لنا أيضًا في التفسير إن فيها من آيات الله ما أعطاه الله تعالى من الهداية لما خلقت له، وأن هذه الدواب التي لا تكاد تراها صِغَرًا مهدية شو له؟ لما خلقت له.
* ومن فوائد الآية أيضًا: ما في تصريف الرياح من الآيات، وفيها قراءة: ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيحِ﴾ ، تصريف الرياح إلى جنوب، وشمال، وشرق، وغرب، وبين ذلك، بس؟ وشدة، وقوة، وعكس ذلك، وكذلك أيضًا منافع؛ لأنها تختلف منافعها، ففي كل هذا آيات من آيات الله عز وجل، لو اجتمع الخلق كلهم على أن يأتوا بمثل العاصفة التي أصابتنا ليلة الجمعة حتى قلبت الجو من الحر إلى البرد يستطيعون؟ أبدًا ما يستطيعون، كل آلاتهم ما يستطيعون، وهذا أمسينا ونحن في حر وأصبحنا في برد -الله أكبر-.
* ومن فوائد الآية: ما في السحاب المسخر بين السماء والأرض من الآيات العظيمة، ففيه؟ السحاب المسخر، إنه مسخر مذلل لأيش؟ لمصالح الخلق، يمشي بإذن الله، ويمطر بإذن الله، ويُقْلِع بإذن الله نعم؟ وهو سحاب، جماد، لكنه يفهم ما يؤمر به، ويمتثل ما يؤمر به ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ [فصلت ١١] ماذا قالتا؟ ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت ١١] وهما جماد، وقيل لابن آدم: اسجد وصل. فقال: ما أنا بساجد ولا مصل. وهو إنسان له إرادة، شوف الفرق، هذا السحاب المسخر بين السماء والأرض فيه من آيات الله عز وجل ما يبهر العقول، والعالمون بهذه الأمور أكثر منا اطلاعًا على هذا الأمر.
* ومن فوائد الآية: مدح العقل، وأن به يستظهر الإنسان الآيات التي تزيده إيمانًا ويقينًا، لقوله: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ١٦٤]، طيب آيات على أيش؟ قلنا: على كل ما تضمنته من الدلالات على ما لله عز وجل من أين؟ من القدرة، والعظمة، والحكمة، والرحمة وغير ذلك، فإنه يستدل بالأثر على المُؤَثِّر، ولله المثل الأعلى، لو أنك وجدت قصرًا محكمًا في بنائه، وفي شكله، وفي كل أحواله استدللت به على أيش؟ على أن بَنْيَهُ له علم، ومعرفة، واطلاع، حنكة، فكذلك هذه السماء والأرض، وما ذكر الله في هذه الآيات، والمراد بالعقل هنا تقدم أن المراد؟
* الطلبة: الرشد.
* الشيخ: إي نعم، عقل الرشد الذي يهتدي به الإنسان، أما العقل الذي هو ضد الجنون وهو عقل الإدراك الذي يناط به التكليف فهذا قد لا يفهم الإنسان ما فيها من الآيات، ولو كان عاقلًا بهذا المعنى.
{"ayahs_start":158,"ayahs":["۞ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَاۤىِٕرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَیۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِ أَن یَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِیمٌ","إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡتُمُونَ مَاۤ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَیَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَیَلۡعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ","إِلَّا ٱلَّذِینَ تَابُوا۟ وَأَصۡلَحُوا۟ وَبَیَّنُوا۟ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَتُوبُ عَلَیۡهِمۡ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ","إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَمَاتُوا۟ وَهُمۡ كُفَّارٌ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ لَعۡنَةُ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ","خَـٰلِدِینَ فِیهَا لَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ","وَإِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ ٱلرَّحِیمُ","إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِی تَجۡرِی فِی ٱلۡبَحۡرِ بِمَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن مَّاۤءࣲ فَأَحۡیَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِیهَا مِن كُلِّ دَاۤبَّةࣲ وَتَصۡرِیفِ ٱلرِّیَـٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَیۡنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ"],"ayah":"إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِی تَجۡرِی فِی ٱلۡبَحۡرِ بِمَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن مَّاۤءࣲ فَأَحۡیَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِیهَا مِن كُلِّ دَاۤبَّةࣲ وَتَصۡرِیفِ ٱلرِّیَـٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَیۡنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق