الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة ١٤٧]، قال الله تعالى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ ﴿الْحَقُّ﴾ مبتدأ و﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ خبره.
وهنا الجملة لتقرير ما سبق؛ يعني أن الحق ثابت وحاصل من ربك، وقيل: إن ﴿الْحَقُّ﴾ خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هذا الحق من ربك، فيكون في هذا تقوية للرسول ﷺ، وأنهم لما كتموا الحق لا تكن في مرية منه؛ لأن الإنسان بشر فقد يكون الرسول عليه الصلاة والسلام لما أنكر هؤلاء الذين أوتوا الكتاب أنكروا الحق، قد يعتري الإنسان شيء من الشبهة وإن كان بعيدًا، فبيَّن أن ما جاء به هو الحق، قال: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ وهنا الربوبية خاصة ولَّا عامة؟
* الطلبة: خاصة.
* الشيخ: خاصة؛ لأن الله سبحانه وتعالى رب العالمين، لكن أضافها إلى النبي ﷺ؛ لأن المقام يقتضيه حيث هو مقام التثبيت والنصرة، فلولا أن الله ثبت الرسول عليه الصلاة والسلام لكان كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٧٤] إذن فالربوبية هنا خاصة، وجاءت على وجه الخصوص؛ لأن المقام يقتضي ذلك، ومن هو الرب؟
هو الخالق المالِك المدبر، وهو الذي خلق الخلق كله، وهو مالك الخلق كله، وهو المدبر للخلق كله سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ﴾ هنا (لا) ناهية، والفعل بعدها مبني على الفتح في محل جزم ﴿فَلَا تَكُونَنَّ﴾ وإنما بُني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد؛ لأن الفعل المضارع إذا اتصل بنون التوكيد صار مبنيًّا على الفتح دائمًا. وقوله: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ﴾ الخطاب لمن؟
* الطلبة: للرسول ﷺ.
* الشيخ: الخطاب للرسول ﷺ، وهذا النهي لا يقتضي أن يقع منه امتراء، كما أن الشر لا يقتضي أن يقع منه، فقوله: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [يونس ٩٤].
ما نقول: إن هذا التعليق يدل على وقوع الشك من الرسول عليه الصلاة والسلام بل ولا على جوازه، فإن الشرط قد يُعلق بما لا يمكن وقوعه، أرأيتم قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف ٨١] هل يمكن هذا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا يمكن، مستحيل، هنا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الامتراء، وليس يعنى ذلك أنه يمكن أن يقع منه بل نهاه ليستمر على انتفاء الامتراء عنه، كما أن الأمر بالإيمان للمؤمن ليس معناه تجديد الإيمان بل معناه الاستمرار عليه، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾ [النساء ١٣٦].
ومن المعلوم أن الإيمان ما يتم إلا بهذا وقد تم من قبل، لكن المراد أيش؟ الثبوت عليه والاستمرار عليه، هنا النهي فلا تكونن من الممترين؛ المراد الاستمرار على عدم امترائه، لا أن هذا الأمر وقع منه.
وقوله: ﴿مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ ما معنى من الامتراء؟ الشك، معناه الشك بالأمر الواقع، فما دام أن الحق من الله فإنه يجب أن يؤمن الإنسان به وأن لا يلحقه بذلك شك ولا مرية.
وقوله: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ الجملة ﴿لِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ مبتدأ وخبر، لكن الخبر مقدم على المبتدأ، أين الخبر؟
* طالب: ﴿وِجْهَةٌ﴾.
* الشيخ: لا، ﴿وَلِكُلٍّ﴾ هذا الخبر، والمبتدأ ﴿وِجْهَةٌ﴾.
وقوله: ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ فيها قراءتان: ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ والقراءة الثانية: ﴿هُوَ مُوَلَّاهَا﴾ فتح، ﴿مُوَلَّاهَا﴾ بالفتح، أما على القراءة الأولى ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ فالمعنى هو مستقبلها كما في قوله: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ وأما على قراءة الفتح ﴿هُوَ مُوَلَّاهَا﴾ أي هو مأمور بأن يستقبلها، مُوَلَّاهَا شرعًا؛ أي قد أمر بأن يتولاها ويستقبله. وقوله: ﴿لِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ الوِجهة والوَجه والجهة معناها واحد؛ أي لكل من الناس جهة يتولاها، وهل المراد الجهة الحسية أو الجهة المعنوية، أو يشمل الأمرين؟
* الطلبة: يشمل الأمرين.
* الشيخ: يشمل الأمرين، ما يمكن يتفق الناس على وجهة واحدة، كل له وجهة؛ اليهود لهم وجهة، والنصارى لهم وجهة، والبوذيون لهم وجهة، والمشركون لهم وجهة، والشيوعيون لهم وجهة، والمسلمون لهم وجهة، كل واحد له وجهة مُولَّاها من قِبل الله شرعًا، أو قدرًا وشرعًا، أو قدرًا فقط، فالوجهة التي يتبعها المشركون واليهود والنصارى وما أشبه ذلك هذه وجهة قدرية، أما شرعية ما جعلها الله لهم؛ لأن الله ما شرع الكفر أبدًا ولا شرع شيئًا من خصال الكفر ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة ١٠٣].
وقوله: ﴿هُوَ مُوَلَّاهَا﴾ أو ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ الجملة في محل رفع صفة لأيش؟
* الطلبة: لـ﴿وِجْهَةٌ﴾.
* الشيخ: لـ﴿وِجْهَةٌ﴾، وليس هذا المعنى أو ليس المراد بهذه الجملة تقرير ما عليه أهل الكفر من الكفر، ولكن بيان أنه لا ينبغي لكم أيها المسلمون أن تقولوا: لماذا انفردنا عن غيرنا بهذه القبلة؛ لأن لكل أحد وجهة ولاه الله إياها.
وقوله: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ ﴿اسْتَبِقُوا﴾ من السبْق، أمر من السبْق، لكن الاستباق يدل على الافتعال؛ يعني على صدور السباق من اثنين؛ أي ليسبق بعضكم بعضًا، وقوله: ﴿الْخَيْرَاتِ﴾ كان مقتضى العامل استبقوا أن تجر بـ(إلى) كما في قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾ [آل عمران ١٣٣]، وكما في قوله: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾ [الحديد ٢١] لكن هنا عُدِّيت بنفسها ﴿اسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ لأجل أن يتضمن الفعل استبقوا فعلًا متعديًا بنفسه، المعنى: فافعلوا الخيرات متسابقين إليها، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ [الحج ٧٧] ﴿اسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة ١٤٨] كان مقتضى الاستباق أن يتعدى بـ (إلى)، فاستبقوا إلى، الدليل أن هذا مقتضاه قوله: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الحديد ٢١] لكن هنا تعدى الفعل بنفسه إلى الخيرات؟
الجواب: لأنه ضمن معنى فعل يتعدى بنفسه، والمعنى: افعلوا الخيرات متسابقين إليها، وهذا هو فائدة التضمين، فائدة تضمين الفعل فعلًا آخر لأجل أن يدل التضمين على معنى فعل المضمن، ومعنى الفعل المضمن فيه عرفتم؟ استبقوا الآن تضمنت معنيين، ما هما؟ الفعل، والسبق إليه.
﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان ٦] قلنا: إن ﴿يَشْرَبُ﴾ مضمنة معنى يَروى، فعلى هذا تدل ﴿يَشْرَبُ﴾ على معنيين: الشرب مع الرِّي، بخلاف ما لو قال: يشرب منه؛ فإنها قد لا تدل على الري.
وقوله: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ﴾ ﴿أَيْنَ مَا﴾ هذه (أين) الشرطية، و(ما) زائدة للتوكيد، و﴿تَكُونُوا﴾ فعل الشرط مجزومًا بأيش مجزوم؟
* طالب: بحذف النون.
* الشيخ: بحذف النون، والواو فاعل؛ لأن كان هنا تامة أو لا؟ وليست ناقصة، يعني أين ما توجدوا يأتِ بكم الله، يأتِ، لماذا لم يقل (يأتي) بالياء؟
* الطالب: لأنه جواب الشرط.
* الشيخ: لأنه جواب الشرط؛ لأن جواب الشرط يكون مجزومًا، فهي مجزومة بحذف الياء والكسرة قبلها دليل عليه. ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا﴾ في بر أو بحر أو جو فإن الله يأت بكم جميعا، متى يأتي بهم؟ يوم القيامة، يحشر الله تعالى الأولين والآخرين في مقام واحد، قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الواقعة ٤٩، ٥٠].
الأولين منذ خلق الله الكون إلى أن ينتهي، يجمعهم الله تبارك وتعالى في هذا اليوم إلى ميقات يوم معلوم ويحاسبهم سبحانه تعالى، وقوله: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ﴾ حتى لو كانوا في الجو؟ يتصور هذا؟
* طالب: نعم.
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: هذا الجو؟ هذا كائن في الأرض في البر، ما في (...).
* طالب: يقولون يا شيخ بأن الإنسان إذا ارتفع عن مستوى الجاذبية كان معلقًا في الجو لا ينزل الأرض ولا يصعد؟
* الشيخ: إي، لكن هل يموت في هذا المكان؟
* الطالب: ما فيه هواء.
* الشيخ: إي، نقول: هل يموت؟
* الطالب: يموت، يموت آه. لو فرضنا..
* الشيخ: ولو بقي حيًّا أيضًا، لكن قوله تعالى: ﴿فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ [الأعراف ٢٥] تقديم المعمول هنا المعروف أنه يدل على الحصر، فظاهره يدل أنه لا يموت الإنسان إلا في الأرض، وأنه ما يمكن يموت أحد معلقًا في الهواء، ولا بد أن يرجع.
* طالب: حديث الرجل يا شيخ الذي قال لأولاده؟
* الشيخ: هذا قال: «اذْرُونِي فِي الْيَمِّ»[[أخرجه البخاري (3479) من حديث حذيفة بهذا اللفظ، وهومتفق عليه؛ البخاري (3481)، ومسلم (2756 / 24) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]].
* الطالب: ذروه في البحر، البحر من الأرض.
* طالب آخر: هل الجو ما هو تبع الأرض؟
* الشيخ: إي، لكن لا بد أن يكون في الأرض نفسها ينزل، بس مشكلتنا الآن لو ماتوا فوق؟
* الطلبة: يرجع للأرض.
* الشيخ: يرجع للأرض إي، هذا هو الظاهر. ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ﴾.
* طالب: إذا مات في القمر؟
* الشيخ: لا أظن ما يصير، هذا ما يصير.
* الطالب: ولكن القمر تبع الأرض؟
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: القمر من الكواكب التي تبع الأرض.
* الشيخ: لا، لا، القمر قمر والأرض أرض.
* طالب: شيخ، (أينما) جمعت بشرط، شرطية؟
* الشيخ: لا، أو نقول: (أين) شرطية، و(ما) زائدة للتوكيد.
* الطالب: ويصح أن نعربها جميعها؟
* الشيخ: ويصح أن نعربها جميعًا.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ جملة مؤكدة بـ(إن) ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾. وقوله: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ قدم على عامله وهو ﴿قَدِيرٌ﴾ لإفادة العموم هنا؛ يعني أن القدرة على كل شيء، ما يعجزه شيء سبحانه وتعالى. وقوله: ﴿قَدِيرٌ﴾ القدير ما معناه؟ هو الفاعل بدون عجز لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤] شوف علَّل وما كان الله ليعجزه لماذا؟
لأنه عليم قدير، والعجز إما من جهل الفاعل أو من عدم قدرته. إذن ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ما معنى القدير؟ هو الفاعل بدون عجز، فالقدرة إذن صفة يتمكن بها الفاعل من الفعل بدون عجز، هذا القدرة، الفرق بينها وبين القوة؟ الفرق بينها وبين القوة أو هي بمعنى القوة؟
* طالب: تختلف.
* الشيخ: القدرة هي أن يتمكن من الفعل بدون عجز، والقوة أن يتمكن من الفعل بدون ضعف، مثال ذلك ليتضح المقام: رجل قلنا له: احمل هذا الحجر، فأراد أن يحمله عجز، ما الذي انتفى عنه الآن؟
* الطلبة: القدرة.
* الشيخ: القدرة زين، الرجل الثاني قلنا: احمله فحمل لكن بضعف، يا الله حمله، انتفى عنه القوة. الثالث: حمله كأنه ريشة، هذا قوة مع القدرة، فإذن كل قوي فهو قادر فالقوة أخص؛ لأن كل قوي فهو قادر، لكنها تفترق عنها بأن القدرة تختص بذي الشعور، والقوة لا تختص به، فإنه يقال للحديد: قوي، ولا يقال له: قادر، أليس كذلك؟
إذن فالقوة أكمل من القدرة فيمن يتصف بالقدرة، لكن القدرة تختص بذي الشعور والإرادة والقوة لا تختص بدليل أنك تقول: الحديد قوي ولا تقول: الحديد قادر، واضح؟ هل الله يوصف بالقدرة فقط أو بالقدرة والقوة؟
* الطلبة: بالقدرة والقوة.
* الشيخ: بالقدرة والقوة، وفي عدة آيات من القرآن الكريم وصف الله نفسه بالقوة، فهو سبحانه وتعالى قوي قدير، أما الآدمي فإنه عاجز ضعيف ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ [الروم ٥٤]، فأصل الإنسان الضعف ومنتهاه الضعف، وكذلك العجز كما قال الله تعالى ﴿لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [البقرة ٢٦٤].
قال: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ تقدم أننا نبهنا على كلمة يقولها بعض الناس، فيقول: إن الله على ما يشاء قدير، وقلنا: إن هذا لا ينبغي:
أولًا: لأنه خلاف إطلاق النص، النص مطلق.
وثانيًا: لأنه قد يفهم منه تخصيص القدرة فيما يشاء الله دون ما لم يشأه، والله قادر على ما يشاء وعلى ما لا يشاء، قادر على هذا وهذا.
وثالثا: أنه يفهم مذهب المعتزلة القدرية الذين قالوا: إن الله عز وجل لا يشاء أفعال العبد فهو غير قادر عليها، ولهذا ينبغي أن نطلق ما أطلقه الله لنفسه، ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أما إذا جاءت القدرة مضافة إلى فعل معين فلا بأس أن تقيد بالمشيئة، لا بأس أن تقيد بالمشيئة كما في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى ٢٩].
فإن ﴿إِذَا يَشَاءُ﴾ عائدة على الجمع ما هي على القدرة، فهو قدير شاء أم لم يشأ، قدير على الشيء شاءه أم لم يشأه، لكن جمعهم ما يقع إلا بالمشيئة، ومنه الحديث في قصة الرجل الذي أكرمه الله سبحانه وتعالى فقال: «إِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ»[[أخرجه مسلم (١٨٧ / ٣١٠) من حديث عبد الله بن مسعود.]] لأنه يتكلم عن فعل معين، ولهذا قال: قادر، ولم يقل: قدير، أتى باسم الفاعل الدال على وقوع الفعل دون الصفة المشبهة الدالة على الاتصاف بها بالقدرة.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة ١٤٩] الله أكبر ما أعظم هذا الحدث! ولهذا أكده الله عدة مرات ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ من حيث قريب، (من) حرف جر، و(حيث) مضموم ويش لون هذا؟ في العادة أن (من) حرف الجر تجر، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء ٧٩] ﴿مِنَ اللَّيْلِ﴾ كيفها هنا قال: ﴿مِنْ حَيْثُ﴾؟
* الطلبة: لأنها مضمومة، مبنية على الضم.
* الشيخ: لأنها مبنية على الضم، والمبني بناء محكم ما يتغير أوْ لا؟ قال ابن مالك في الألفية:
* طالب: حيث وإذ وإن ينون.
* الشيخ: لا، لا النص على بناء حيث
؎.......................... ∗∗∗ كَأَيْنَ أَمْسِ حَيْثُ وَالسَّاكِنُ كَمْ
فحيثُ مبنية على الضم، إذن (من) حرف جر، و(حيث) اسم مجرور بـ (مِن) أو اسم مبني على الضم في محل جر؟
* طالب: مبني على الضم.
* الشيخ: اسم مبني على الضم، ما نقول: مجرور؛ لأنه ما جر، اسم مبني على الضم في محل جر. ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ الخطاب هنا إما أن يكون للرسول ﷺ وإما أن يكون لكل من يتأتّى خطابه، من حيث خرجت أيها الإنسان ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾ يعني قبّله، اجعله مستقبلًا، ﴿وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ متى؟
عند الصلاة طبعًا عند الصلاة، ما هو المعنى: كلما خرجت لازم يصير وجهك لمة القبلة، لا مو هذا معقول. ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أي عند الصلاة.
وقوله: ﴿شَطْرَ الْمَسْجِدِ﴾ ما معنى شطر المسجد؟
* الطلبة: الجهة.
* الشيخ: أي جهته، جهة المسجد، والمسجد الحرام هو المسجد الذي فيه الكعبة لقول النبي ﷺ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»[[أخرجه أحمد في مسنده (١١٧٣٨) من حديث أبي سعيد الخدري.]] بل لقوله تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح ٢٥]. وقوله: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ المراد؟
* طالب: جهة.
* الشيخ: كيف جهة؟! شطر بمعنى جهة نعم، جهة المسجد الحرام، ووصف بالحرام لاحترامه وتعظيمه، ولذلك كان هذا المسجد محترمًا معظمًا حتى ما حوله صار محترمًا معظمًا، البلد آمن حتى الأشجار التي لا إحساس لها آمنة في هذا المكان، ولهذا حرم النبي عليه الصلاة والسلام «أَنْ يُخْتَلَى خَلَاهَا أَوْ يُعْضَدَ شَوْكُهُ أَوْ يُقْطَعُ شَجَرُهُ »[[متفق عليه؛ البخاري (١٨٣٣)، ومسلم (١٣٥٣ / ٤٤٥) من حديث ابن عباس.]] كل ذلك لاحترام هذا المكان.
* طالب: قوله: ﴿مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ ورد (...)؟
* الشيخ: إي، ﴿مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ يعني أي مكان تخرج حتى في البر في البحر إذا خرجت في أي مكان.
* طالب: لماذا يا شيخ يعني ما قال: تجاه البيت؟
* الشيخ: إي؛ لأن المسجد الحرام فيه الكعبة، والإنسان البعيد ما يمكن أن يصيب عين الكعبة، وهو في الحقيقة إذا قال قائل هذا الإيراد نقول: لأن الكعبة في المسجد، فمن تولى المسجد تمامًا، فطبعًا المسجد مركزه هي الكعبة، أين ما كنت فإنك تنصب إلى الكعبة.
* طالب: ما معنى الإيراد؟
* الشيخ: الإيراد يقول: لماذا لم يقل: فول وجهك الكعبة بل شطر المسجد الحرام؟ نقول: لأن الكعبة فيه.
* طالب: إن شطر المسجد تقال للتوسيع وأن تتسع دائرته يبعد عنه.
* الشيخ: إي نعم، إي، لكن إذا قلنا: إن اتسعت دائرته، وقلنا: إنك إذا اتجهت إلى قلب المسجد فقلب المسجد هي الكعبة ما هو معناها لو فرضنا، الآن ما هو لو فرضنا، الواقع الآن المسجد أوسع من الكعبة، فهل إذا كان الإنسان من الشمال أو من الجنوب إذا اتجه إلى الشمال خلى الكعبة عن يساره، صحيح أنه متجه إلى جزء من المسجد، إلى جزء منه، لكنه لم يتجه إلى قلب المسجد؛ لأن قلب المسجد هي الكعبة.
* طالب: يفهم من قوله ﴿شَطْرَ﴾ إذن هي قلبه؟
* الشيخ: إي نعم شطره؛ لأن المراد جهته جهة المسجد، وبعضهم يقول: نحو المسجد، نحو المسجد الحرام، تعبير الجلالين يقول: نحو المسجد الحرام.
وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾.
* الطالب: ما هو الوجه؟
* الشيخ: أردت من المراد بالوجه جميع البدن، لكنه نص على الوجه؛ لأنه أشرف الأعضاء. ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ إنه أي توليك شطر المسجد الحرام للحق، ﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ﴾ اللام هنا للتوكيد، فالجملة إذن مؤكدة بمؤكدين: إحداهما (إن)، والثانية: اللام. وقول: ﴿لَلْحَقُّ﴾ الحق تقدم لنا أنه بمعنى الشيء الثابت؛ لأنه محقوق؛ أي مثبت. ومنه ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس ٩٦] حقت بمعنى ثبتت ووجبت. فقوله: ﴿الْحَقُّ﴾ إن كان في مقام الأحكام فالمراد به العدل، وإن كان في مقام الأخبار فالمراد به الصدق، كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ [الأنعام ١١٥].
وقوله: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ تقدم الكلام عليه، وأن هذه ربوبية خاصة، ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ وفي قراءة: ﴿عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ (ما) هل هي حجازية ولا تميمية؟
* طالب: حجازية.
* الشيخ: ما فيه دليل أنها حجازية؛ لأنها دخلت على الباء في الخبر، والباء في الخبر تمنع أن تكون معلومة هل هي حجازية أو تميمية، ولكننا نقول: القرآن الكريم نزل بلغة العرب بلغة قريش، والدليل على ذلك أنها إذا جاءت في مكان آخر نصبت الخبر كما في قوله تعالى: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ [يوسف ٣١] لو كانت تميمية لقال: ما هذا بشر، فعُلم من ذلك أن (ما) بالقرآن إذا تمت شروطها فإنها تعمل عمل (ليس) حجازية، كيف نعرب ﴿بِغَافِلٍ﴾؟
نعربه فنقول: (الباء) حرف جر زائد للتوكيد، وقلت لكم فيما سبق: إن الأولى أن نقول: الباء للتوكيد فقط، ما نقول: زائد لئلا يفهم السامع أن في القرآن ما ليس له معنى، فنقول: الباء للتوكيد، وغافل: خبر ما منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر، ولا أحد يقول: إنه زائد.
وقوله: ﴿بِغَافِلٍ﴾ ما معنى الغفلة؟ الغفلة الذهول عن الشيء وعدم الفراغ له، والله سبحانه وتعالى نفى الغفلة عن نفسه ليثبت بذلك كمال علمه ومراقبته، فالصفة إذن من الصفات السلبية التي يُراد بها نفيُها مع إثبات كمال ضدِّها؛ أي لكمال علمه وكمال مراقبته لا يغفل عن ما يعمل الناس، وقوله: ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ بالتاء خطاب للمسلمين، و﴿عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ بالياء خطاب لمن؟ لهؤلاء الذين اعترضوا على النبي ﷺ، فإن الله تعالى ليس بغافل عنهم، بل سوف يجازيهم بما يستحقون.
* طالب: دائمًا يا شيخ (عَمَّا تَعْمَلُونَ) و(عَمَّا يَعْمَلُونَ) فيها قراءتين؟
* الشيخ: لا لا، ليس بدائم، أحيانا (عَمَّا يَعْمَلُونَ) بالياء وأحيانًا بالتاء وأحيانًا بها قراءتان.
﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة أولًا: أن ما جاء من عند الله فهو حق لقوله: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾.
* ومنها: أن ما خالف عما جاء من الله فهو باطل لقوله تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [يونس ٣٢].
* ومن فوائد الآية: عناية الله سبحانه وتعالى بالنبي ﷺ بذكره بالربوبية الخاصة لقوله: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾، وقد سبق لنا غير مرة أن ربوبية الله سبحانه وتعالى عامة وخاصة، وأنهما اجتمعا في قوله تعالى: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢].
* ومن فوائد الآية: أن الشك ينافي الإيمان لقوله: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾.
* ومن فوائدها: أنه قد يُنهى عن الشيء مع استحالة وقوعه لقوله: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾. فإن النبي عليه الصلاة والسلام لن يكون من ذلك، من هؤلاء الصنف.
* ومن فوائد الآية: عناية الله سبحانه وتعالى بالرسول ﷺ بالتثبيت؛ لأن قوله له: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ يقتضي ثباته عليه، وقوله: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ يقتضي استمراره على هذا الثبات، ولا شك أن في هذا من تأييد الرسول عليه الصلاة والسلام وتثبيته ما هو ظاهر.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾.
* من فوائد هذه الآية: أن الأمم قد تختلف مناهجها، وإن اتفقت على أصل واحد وهو الإسلام، لكن تختلف المناهج لقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة ٤٨].
* ومن فوائدها: أن الإنسان يجب عليه اتباع الحق ولا ينظر إلى غيره، لا يقل: والله الناس على كذا فكيف أشذ عنهم؟ بل يجب عليه أن يتبع الحق أين ما كان؛ لأن قوله: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ يشتمل الوجهة الشرعية والوجهة القدرية؛ يعني ما وجّه الله العباد إليه شرعًا، وما وجههم إليه قدرًا؛ فالوجهة القدرية معروف من الناس من يهديه الله سبحانه وتعالى فيكون اتجاهه إلى الحق، ومن الناس من يُخذل فيضل فيكون اتجاهه إلى الباطل، فلا يغرنك اتجاه غيرك إلى الباطل إذا كنت على الحق ﴿لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾، ويشمل ما قلت قبل قليل يشمل الوجهة الشرعية، وهي اختلاف الشرائع بينها فلا تظن أن اختلاف الشريعة الإسلامية عن غيرها معناه أنها ليست حقًّا، فإنها حق من الله.
* ومن فوائد الآية: وجوب المسابقة إلى الخير لقوله: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾.
* ومنها: أن الأمر يقتضي الفورية؛ لأن الاستباق إلى الخير لا يكون إلا بالمبادرة إلى فعله، فهذه الآية مما يستدل به على أن الأمر للفورية.
* ومنها: البلاغة التامة في قوله: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، دون استبقوا إلى الخيرات، وإن كان بعض الناس يقولون: إنها نُزع منها حرف الجر، فليس بصحيح، الآية ما فيها نزع؛ لأن استبقوا الخيرات يشمل الاستباق إليها والاستباق فيها، ما هو المعنى إذا وصلت إلى الخير فتقف، لا حتى بنفس فعلك للخير، كن مسابقًا، وهذا يشبهه قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة ٦] لم يقل: اهدنا إلى الصراط؛ لأن المطلوب أن يصل الإنسان إلى الصراط ويستمر فيه، ولهذا قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ هذه مثلها، وإن كان بعض المفسرين نحا إلى أنها منصوبة بنزع الخافض، والتقدير: استبقوا إلى الخيرات، لكنها الصواب أنها ليست كذلك.
* من فوائد الآية: إحاطة الله تعالى بالخلق أينما كانوا لقوله: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾.
* ومنها: الإشارة إلى البعث؛ لأن الإتيان بالجمع متى يكون؟
* الطلبة: يوم القيامة.
* الشيخ: يوم القيامة لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ [هود ١٠٣].
* ومن فوائد الآية: إثبات قدرة الله عز وجل، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وأنها شاملة لكل شيء، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤].
* طالب: شيخ، ألا يستفاد من الآية الرد على الجبرية (...)؟
* الشيخ: إي نعم، قد يستفاد على قراءة: ﴿مُوَلِّيهَا﴾ أو ﴿مُوَلَّاهَا﴾ ففيها قراءة هو ﴿مُوَلَّاهَا﴾ قد يحتجون به لكن لا مانع أن نبحث هذا، على قراءة ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ واضح أن الفاعل هو الإنسان المتجه. وعلى قراءة: ﴿هُوَ مُوَلَّاهَا﴾ معناه أن الله هو الذي ولَّاه إياها، وليس فيه دليل على مذهب الجبرية، يعني ليس فيه دليل لهم بأنه حق؛ لأن المراد بـ﴿مُوَلَّاهَا﴾ الوجهة الشرعية، المراد بها الوجهة الشرعية، أما على ﴿مُوَلِّيهَا﴾ فتشمل الوجهة الشرعية والوجهة القدرية، أما ﴿مُوَلَّاهَا﴾ فإنها إنما يراد بها الوجهة الشرعية، يعني مُولًّى إياها موجه إليها، وقد تكون أيضًا للوجهة القدرية ولا مانع، فيكون الله سبحانه وتعالى يوليه إياها حينما زاغ، إذا زاغ عن الحق أزاغ الله قلوبهم.
* طالب: شيخ، ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ (...)؟
* الشيخ: إي نعم، حتى ما فيها دليل ما فيها دليل أصلًا. قال: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.
* يستفاد من هذه الآية: وجوب التوجه إلى المسجد الحرام أين ما كان الإنسان لقوله: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾.
* ومن وفوائدها أيضًا: أن الأمر الهام يُكرر لتثبيته، والتثبيت عليه، ودفع المعارضة فيه، فالأمور الهامة وهذا أمر هام كون المسلمين يُنقلون من وجهة إلى وجهة للقبلة أمر هام له شأنه العظيم، ولهذا ارتد من ارتد من الناس، نسأل الله العافية، فيكرر لأمور ثلاثة؛ وهي: تثبيته، والتثبيت عليه، ودفع المعارضة، حتى لا أحد يعارض؛ لأنه إذا كلما كرر معناه أنه أمر ثابت محكم يجب الثبوت عليه، ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.
* ومن فوائد الآية: إثبات حرمة المسجد الحرام لقوله: ﴿الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.
* ومن فوائدها: أن التوجه إلى القبلة هو الحق، وأنه ليس صادرًا عن هوى لقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ فأثبت فيه الحقية مؤكدًا بـ (إن) و(اللام).
* ومن فوائد الآية: عناية الله سبحانه وتعالى بالنبي عليه الصلاة والسلام بالربوبية الخاصة ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾.
* ومن فوائدها: كمال عِلم الله سبحانه وتعالى ومراقبته لخلقه، نأخذها من قوله: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أو ﴿عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ قراءتان.
(...) لأن العدم المحض ليس بشيء فضلا عن أن يكون مدحًا، فإن العدم ليس بالشيء، لكنه يكون شيئا إذا تضمن إثباتًا، كل ما نفى الله عن نفسه فإنه صفة نقص وعيب، ويتضمن كم؟
شيئين: نفيَ هذه الصفة المعيّنة المنفية، والثاني: إثبات كمال ضدها، وبهذا نعلم أن صفات الله سبحانه وتعالى كاملة ليس فيها عيب بوجه من الوجوه.
ومنها: إضافة العمل إلى الإنسان، فيكون فيه رد على مَن؟ الجبرية؛ لقوله: ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أو ﴿عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾؟ ولا شك أن الإنسان يضاف إليه عملُه، وعمله كسب له إن كان في الخير، واكتساب إن كان في الشر؛ ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ وعلى كل حال، الناسُ في هذه المسألة، كما مرَّ علينا في العقيدة، ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم يرون أن الإنسان مجبر على العمل، ما يفعل شيئا باختيارٍ أبدًا، وما فعلُه الاختياري إلا كفعله الاضطراري؛ كمَن نزل من السطح مع الدرج درجةً درجةً، هو في الحقيقة كمن سقط بدون عِلمه من أعلى السطح، عرفتم؟ هذا مقبول لدي المعقول ولّا لا؟ غير مقبول.
ومنهم من قال: إن الإنسان مستقلٌّ بعلمه، وأن الله سبحانه وتعالى لا يصرف العبد إطلاقًا، فالعبد له الحرية الكاملة في عمله، ولا تعلُّقَ لمشيئة الله به، ولا تعلق لتقدير الله وخلقه بعمل الإنسان، الإنسان حرٌّ تام الحرية، وهذا في الحقيقة قولٌ باطلٌ أيضًا؛ لأنه يستلزم أن يكون في خلق الله ما لا يقدر عليه الله، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: لأنه ما دام الإنسان حُرَّا في تصرفه، معناه: يقدر يعاكس ما يريد الله، فيكون في خلق الله ما لا يقدر عليه الله، بل ما لا يشاؤه الله. وهذا أيضًا قول باطل، إذا تبين لنا بطلان هذا وهذا، فإنه لا بد أن يكون الحق في سواهما، فما هو الحق إذن؟ الحق أن نقول: إن الإنسان يفعل الفعل باختياره، ونعني بذلك: الفعل الاختياري، يقع منه باختياره، دون رعشة المرتعش وحركة النائم لما يدري، لكنَّا نريد ما يفعل الإنسان باختياره، يقع ذلك باختياره ولكنه تحت مشيئة الله وهو بخلق الله أيضًا، ووجه كونه بخلق الله أن الإنسان مخلوق لله وفعله كائن بأمرين: بعزيمة صادقة وقدرة، توافقون على هذا؟
* الطلبة: نعم
* الشيخ: مَن خلق العزيمة الصادقة والقدرة؟ الله عز وجل هو الذي خلق العزيمة الصادقة والقدرة، فالإنسان بصفاته وأجزائه وجميع ما فيه كلِّه مخلوق لله عز وجل، ولا يمكن أن يقع في ملك الله ما لا يريده ولا يشاؤه، بل هو بمشيئته، هذا القول الوسط أخذت بيديه بالأدلة جميعا؛ لأن الذين قالوا: إن الإنسان مجبر أخذوا بدليل واحد وأطلقوا من أيديهم الدليل الآخر، والذين قالوا: إنه مستقل، أخذوا بدليل واحد وأطلقوا الدليل الثاني، لكن أهل السنة والجماعة -والحمد الله- أخذوا بأيديهم بالدليلين وقالوا: الإنسان يفعل باختياره، ولكنَّ تصرفه تحت مشيئة الله عز وجل؛ ولهذا إذا جاء الأمر بغير اختياره رفع عنه حكمه؛ فالنائم لا حكمَ لفعله ولا لقوله، والمكرَه على الشيء لا حكم لفعله، بل أبلغ من ذلك الجاهلُ بالشيء لا حكم لفعله، مع أنه قد قصد الفعل لكنه لجهله يُعفى عنه، كل هذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
{"ayahs_start":147,"ayahs":["ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ","وَلِكُلࣲّ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَاۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ أَیۡنَ مَا تَكُونُوا۟ یَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِیعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ","وَمِنۡ حَیۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ وَإِنَّهُۥ لَلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"وَلِكُلࣲّ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَاۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ أَیۡنَ مَا تَكُونُوا۟ یَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِیعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق