الباحث القرآني

﴿قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي﴾ يقوله مَن؟ يقوله ذو القرنين، وانظر إلى عباد الله الصالحين كيف لا يسندون ما يعملونه لأنفسهم، ولكنهم يسندونه إلى الله -عز وجل- وإلى فضله؛ ولهذا لما قالت النملة حين أقبل سليمان بجنوده على وادي النمل: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾ [النمل ١٨] قامت خطيبة فصيحة ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل ١٨، ١٩]، هذا أيضًا ذو القرنين -رحمه الله- قال: ﴿هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي﴾ وليس بحولي ولا قوتي، ولكنه رحمة به ورحمة بالذين طلبوا منه السد أن حصل هذا الردم المنيع. ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾ [الكهف ٩٨] ﴿إِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي﴾ يعني: بخروج هؤلاء المفسدين ﴿جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾ أي: جعل هذا السد دكًا؛ أي: منهدمًا تمامًا وسواه بالأرض، وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ؛ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ». وأشار بالسبابة والوسطى.» [[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٤٦)، ومسلم (٢٨٨٠/ ١) من حديث زينب بنت جحش.]] يعني: شيء يسير، لكن ما ظهر فيه الشقُّ لا بد أن يتوسع. يقول: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ فما هذا الوعد؟ الوعد أن الله سبحانه وتعالى يخرجهم في آخر الزمان، وذلك بعد خروج الدجال وقتله، يخرج الله هؤلاء يخرجهم في عالم كثير مثل الجراد أو أكثر، حتى إنهم يمرون ببحيرة طبرية ويشربون ماءها، فيمرُّ آخرهم ويقول: قد كان في هذه يومًا ماء من كثرتهم، ثم يُحْصَر عيسى عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين في جبل الطور، ويلحقهم مشقة، ويرغبون إلى الله تعالى في هلاك هؤلاء، فيرسل الله عليهم النَّغَفَ في رقابهم حتى يموتوا مِيتَة رجل واحد، يصبحون في ليلة واحدة على كثرتهم مَيِّتِين ميتة رجل واحد حتى تنتن الأرض من رائحتهم، فيرسل الله أمطارًا تحملهم إلى البحر، أو يرسل طيورًا تحملهم إلى البحر، والله على كل شيء قدير. هذه الأشياء نؤمن بها كما أخبر بها النبي ﷺ، أما كيف تصل الحال إلى ذلك؟ فهذا أمره إلى الله عز وجل. ﴿وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ يعني: وعد الله تعالى بخروجهم حقًّا، كان حقًّا لا بد أن يقع، كل ما وعد الله بشيء فلا بد أن يقع؛ لأن عدم الوفاء بالوعد إما أن يكون عن عجز، وإما أن يكون عن كذب، والله عز وجل منزه عن أيش؟ عنهما جميعًا عن العجز، وعن الكذب، فهو عز وجل لا يخلف الميعاد لكمال قدرته، وكمال صدقه، ﴿وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب