الباحث القرآني

﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ﴾ فيها قراءتان: ﴿لَا يَكَادُونَ يُفْقِهُون قَوْلًا﴾ ، و﴿لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ والفرق بينهما ظاهر (لا يَفْقَهُونَ) يعني: هم، (لا يُفقِهون) غيرهم؛ يعني هم لا يعرفون لغة الناس، والناس لا يعرفون لغتهم، وهذه فائدة القراءتين؛ لأن القراءتين كلتاهما صحيح، وكل واحدة تحمل معنى غير معنى القراءة الأخرى، لكن بازدواجهما نعرف أن هؤلاء القوم لا يعرفون لغة الناس، والناس لا يعرفون لغتهم ﴿لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾. ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ﴾ [الكهف ٩٤] وحينئذ يقع إشكال؛ كيف يقول: ﴿لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ ثم ينقل عنهم أنهم خاطبوا ذا القرنين بخطاب واضح فصيح؛ ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ﴾؟ الجواب عن هذا سهل جدًّا، وهو أن ذا القرنين أعطاه الله تعالى ملكًا عظيمًا، وعنده من المترجمين ما يُعْرَف به ما يريد، وما يَعْرِف به ما يريد غيره على أنه قد يكون الله -عز وجل- قد ألهمه لغة الناس الذين استولى عليهم كلهم، المهم أنهم خاطبوا ذا القرنين بخطاب واضح. ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ﴾ نادوه بلقبه تعظيمًا له ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ إلى آخره. ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ هاتان قبيلتان من بني آدم كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن النبي ﷺ «لما حدث الصحابة بأن الله عز وجل يأمر آدم يوم القيامة يقول: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج من ذريتك بَعْثًا إلى النار، فيقول: يا رب وما بَعْثُ النار؟ قال: من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين، عَظُمَ ذلك على الصحابة، وقالوا: يا رسول الله، أَيُّنا ذلك الواحد؟ فقال: أَبْشِرُوا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كَثَرَتَاهُ: يأجوج ومأجوج»[[أخرجه الترمذي (٣١٦٩) من حديث عمران بن حصين.]] وبهذا نعرف خطأ من قال: إنهم ليسوا على شكل الآدميين، وأن بعضهم في غاية ما يكون من القصر، وبعضهم في غاية ما يكون من الطول، وأن بعضهم له أذن يفترشها وأذن يلتحف بها، وما أشبه ذلك، كل هذا من خرافات بني إسرائيل، ولا يجوز أن يُصَدَّق. بل يقال: إنهم من بني آدم، لكن قد يختلفون كما يختلف الناس في البيئات، الآن تجد مثلًا أهل خط الاستواء بيئتهم غير بيئة الشماليين، كل له بيئة، الشرقيين الآن يختلفون عن وسط الكرة الأرضية هذا ربما يختلفون، أما أن يختلفوا اختلافًا فاضحًا كما يُذْكَر فهذا ليس بصحيح. ﴿مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ وبماذا يفسدون؟ الإفساد في الأرض يعُمُّ كل ما كان غير صالح وغير أصلح، يفسدونها في القتل، في النهب، في الانحراف، في الشرك، في كل شيء، المهم أنهم يحتاجون إلى أحد يحميهم من هؤلاء. ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾ يعني حاجزًا يمنع من حضورهم إلينا، فعرضوا عليه أن يعطوه شيئًا، وهذا اجتهاد في غير محله، لكنهم خافوا أن يقول: لا، ولا يمكنهم بعد ذلك، وإلا هذا الاجتهاد كيف يقولون لهذا الملك الذي فتح مشارق الأرض ومغاربها يقولون: ﴿هَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾؟ هذا لا يقال إلا لشخص لا يستطيع، لكنهم قالوا ذلك خوفًا من أن يَرُدَّ طلبهم، يريدون أن يقيموا عليه الحجة بأنهم أرادوا أن يعطوه شيئًا يحميهم به من هؤلاء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب