الباحث القرآني

﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ﴾ ﴾ [الكهف: ٧٧]، ولم يعين الله عز وجل القرية، فلا حاجة إلى أن نبحث عن هذه القرية، نقول: قرية أبهمها الله فنبهمها، ﴿اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا﴾ [الكهف ٧٧] يعني: طلبا من أهلها طعامًا، ﴿فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا﴾ [الكهف ٧٧]، ولا شك أن هذا خلاف كمال الإيمان؛ لأن النبي ﷺ قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» ، لكن هؤلاء أبوا أن يضيفوهما، وكان جزاؤهم ألا يعاملوا إلا بمثل ما فعلوا، لكن الأمر وقع على خلاف ذلك، والله عز وجل ييسر لعبده المؤمن ما يكون به الخير. «بعث النبي ﷺ سرية، فنزلوا ضيفًا على قوم، ولكن القوم أبوا أن يضيفوهم، فتنحوا ناحية، فسلط الله على رئيسهم عقربًا لدغته، وكانت شديدة، فقال بعضهم لبعضهم: هل من راقٍ؟ قالوا: لا نعلم إلا كان هؤلاء الرهط، فأتوا إلى الصحابة قالوا: إن سيدهم قد لدغ، فهل عندكم من راق؟ قالوا: نعم، لكننا لا نرقيه إلا بكذا وكذا من الغنم، قال: لكم هذا، فذهب أحد رجال السرية، وجعل يقرأ على هذا اللديغ سورة الفاتحة، فقام كأنما نشط من عقال» . فانظر إلى لطف الله عز وجل حيث يسر للصحابة ضيافة رغمًا على هؤلاء الذين أبوا أن يضيفوهم، وصاحبهم لم يمسه سوء إلا وجع اللدغة وانتهى بقراءة الرجل عليه، المهم أن موسى والخضر استطعما أهل القرية ولكن أبوا أن يضيفوهما، قال: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ [الكهف ٧٧] ﴿جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ كيف يريد أن ينقض؟ هل الجدار له إرادة؟ الجواب: نعم، له إرادة، وذلك ميله، فإن ميله يدل على إرادة السقوط، ولا تتعجب إذا كان للجماد إرادة، فها هو أُحُد قال فيه النبي ﷺ: «إِنَّهُ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» ، والمحبة وصف زائد على الإرادة، وهو جماد. وأما قول بعض الناس الذين يجوزون المجاز في القرآن وقالوا: إن هذا كناية وليس للجدار إرادة، فلا وجه له. ﴿يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ أي أنه مائل يريد أن يسقط، ﴿فَأَقَامَهُ﴾ من أقامه؟ أقامه الخضر، لكن كيف أقامه؟ الله أعلم، قد يكون أقامه بيده وأن الله أعطاه قوة واستقام الجدار، وقد يكون بناه البناء المعتاد، المهم أنه أقامه. ﴿قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف ٧٧]، هذه عبارة لينة جدًا ليست كالعبارة الأولى، ما أنكر عليه أن يبنيه، ولا قال: كيف تبنيه وقد أبوا أن يضيفونا، بل قال: ﴿لَوْ شِئْتَ﴾، وهذا لا شك أسلوب رقيق، عرض، ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قد قدم ما يجعله لا ينكر على الخضر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب