الباحث القرآني

يقول الله عز وجل: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف ٦٦]، تأمل هذا الأدب من موسى عليه الصلاة والسلام، مع أن موسى أفضل منه ﴿وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب٦٩]، ومع ذلك يتلطف بهذا؛ لأنه سوف يأخذ منه علمًا لا يعلمه موسى، ففي هذا دليل على أنه ينبغي لطالب العلم أن يتلطف مع شيخه ومع أستاذه، وأن يعامله بالإكرام. ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى﴾ فهو قال: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ﴾، وهذا عرض، عرض رقيق، وأيضًا بَيَّن له أنه لا يريد أن يتبعه ليأكل من أكله ويشرب من شربه، لا، ﴿عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾. الخضر لا شك أن سيفرح ممن يأخذ منه العلم، وكل إنسان أعطاه الله علمًا فينبغي أن يفرح أن يؤخذ منه هذا العلم؛ لأن العلم الذي يؤخذ من الإنسان في حياته ينتفع به بعد وفاته، كما جاء في الحديث الصحيح: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه» . (67-69) فقال له: ﴿إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ [الكهف ٦٧، ٦٨]. ﴿إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾، وبين له عذره في أنه لا يستطيع، فقال: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾، وأين الدليل للخضر أن موسى لم يحط بذلك خبرًا؟ لأنه قال: ﴿عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ﴾، وهذا يدل على أنه لا علم له فيما عند الخضر، فقال: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (٦٨) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف ٦٨، ٦٩]. وهذا الذي قاله موسى عليه السلام قاله فيما في نفسه في تلك الساعة أنه سيصبر، لكنه علقه بمشيئة الله؛ لئلا يكون ذلك اعتزازًا بنفسه وإعجابًا بها، ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾، وهذا كقول إسماعيل بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لما قال له أبوه: ﴿إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ [الصافات ١٠٢]، قال: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي﴾ أيش؟ ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات ١٠٢]، موسى عليه الصلاة والسلام قال للخضر: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا﴾، وأيضًا أصبر على ما تفعل وأمتثل ما به تأمر. ﴿وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾، وعده بشيئين: الصبر على ما يفعل، والثاني: الائتمار بما يأمر، والانتهاء عما ينهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب