الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ [الكهف ٤٩]، ﴿وُضِعَ﴾ يعني وُزِّع بين الناس فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.
﴿فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ﴾: تراهم أيها الإنسان، المجرمين: أي الكافرين، ﴿مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ﴾ أي خائفين؛ لأنهم يعلمون عملهم، وهذا يشبه قول الله تعالى عن اليهود الذين قالوا: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ [البقرة ٨٠]، فتُحُدُّوا، قيل لهم: إن كانت لكم الآخرة فتمنوا الموت، قال الله عز وجل: ﴿وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا﴿ ليش؟﴾ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [الجمعة: ٧]؛ لأنهم يعرفون أنهم إذا ماتوا عذبوا، ومن كان يعلم أنه إذا مات عُذّب فلا يتمنى الموت أبدا، فهؤلاء مشفقون مما في كتابهم؛ لأنهم يعلمون أنه محتوٍ على الفضائح والسيئات العظيمة.
﴿مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ﴾ إذا عاينوه ﴿يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾،﴿يَا وَيْلَتَنَا﴾: ﴿يَا﴾ حرف نداء، ﴿وَيْلَتَنَا﴾ كيف تنادى الويلة؟ والويلة هي الهلاك، كيف ينادى؟
الجواب: إما أن نجعل ﴿يَا﴾ للتنبيه فقط؛ لأن النداء يتضمن الدعاء والتنبيه، وإما أن نقول: جعلوا ويلتهم كأنها عاقل تنادى، ويكون التقدير: يا ويلتنا احضري، لكن المعنى الأول أقرب؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير، ولأنه أبلغ.
* * *
قال الله تبارك وتعالى في قصة الرجلين اللذين تحاورا: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾، الجملة في قوله: ﴿وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾؟
* طالب: حالية.
* الشيخ: حالية، لماذا هو ظالم؟
* الطالب: لكونه ليس شاكرًا لنعم الله عز وجل ومنكرًا للبعث، بالآيات التي تأتي من بعدها تفسر أنه كان منكرًا للبعث و..
* الشيخ: إذن ﴿ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ بالكفر بالله عز وجل.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لماذا قال: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾؟ ما الذي حمله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا لا، ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾.
* طالب: ما رأى فيها من القوة (...).
* الشيخ: أي نعم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: المنظر يعني الإعجاب، خلاصة ذلك أنه أعجب بها حتى قال: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾، طيب، بماذا كفر هل بقوله: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾، أو بقوله: ﴿مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾؟
* طالب: بقوله: ﴿مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾.
* الشيخ: بقوله: ﴿مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾.
كيف نجمع بين قوله: ﴿مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ وقوله: ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا﴾؟
* طالب: بقياس منه، قياس فاسد، وظن أن لو صار البعث يظن أنه كما الله أعطاه في الدنيا من نعم سيعطيه في الآخرة، وهذا قياس فاسد.
* الشيخ: إي، يعني على فرض أن أرد فسأجد خيرًا منها منقلبا.
هل وردت آية مثلها في المعنى لكنها عامة؟
* الطالب: قوله تعالى ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾ [فصلت ٥٠].
* الشيخ: ويش اللي قبلها؟
* الطالب: ﴿وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا﴾ [الشورى ٤٨].
* الشيخ: نعم، في آخر فصلت.
* الطالب: ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾ [فصلت ٤٩، ٥٠].
* الشيخ: بارك الله فيك، أخوه الذي كان يحاوره قال له: ﴿إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (٣٩) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ﴾ ويش المناسبة؟
* طالب: لأنه افتخر عليه بأنه أكثر منه مالًا وأعز نفرًا، فيحتمل أنه قال: إن تفخر علي بذلك وأنا أقل منك مالًا وولدًا، فيحتمل أنه دعا عليه بأن يُذهب الله ما افتخر عليه به.
* الشيخ: يعني كأنه يقول: أنت الآن استذللتني وزعمت أنك أعز مني نفرًا، فدعا عليه بأن يزيل ما افتخر به عليه، هذا احتمال، واحتمال أن (عسى) تكون؟
* طالب: من باب التوقع.
* الشيخ: من باب التوقع.
* الطالب: بأن ينزل الله سبحانه وتعالى عليه ما يستحقه.
* الشيخ: نعم، تمام؛ لأنه ربما هذا الأمر الذي تفتخر به عليّ ربما تنقلب الحال، فيؤتي الله هذا الرجل خيرًا من جنة الثاني، ويرسل عليها حسبانًا من السماء.
هل وقع ما توقعه هذا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: اقرأ ما يدل على ذلك؟
* الطالب: ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا﴾.
* الشيخ: لا، ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا﴾، تمام.
في قوله الله تبارك وتعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ﴾ ليش ما ذكر البنات؟
* الطالب: لأن عادة الإنسان أنهم يتفاخرون بالبنين وليس بالبنات، خاصة في الجاهلية كانوا يفتخرون بالبنين وليس بالبنات.
* الشيخ: يفتخرون بالأموال والبنين.
* الطالب: وليس بالبنات.
* الشيخ: ولا يفتخرون بالبنات، بل بالعكس، اتل علي آية تدل على حالهم بالنسبة للبنات؟
* الطالب: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾.
* الشيخ: نعم، كمّل؟ ما حفظت القرآن؟ ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾، هذا اللي بعده؟
* طالب: ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [النحل ٥٨، ٥٩].
* الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك.
قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ أين العامل في ﴿يَوْمَ﴾؟ ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾؟
* طالب: ويوم نسير نحن الجبال.
* الشيخ: لا، أين العامل؟
* الطالب: قلنا: فيه ظرف.
* الشيخ: إي، (يوم) ظرف، كل ظرف أو جار ومجرور لا بد له من عامل؟
* طالب: عامل محذوف.
* الشيخ: التقدير؟
* الطالب: اذكر.
* الشيخ: اذكر ﴿يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾، وما معنى قوله: ﴿تَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً﴾؟
* طالب: خاملة.
* الشيخ: خاملة؟
* الطالب: يعني بارزة ظاهرة.
* الشيخ: بارزة، يعني ظاهرة.
* الطالب: ليس فيها..
* الشيخ: ليس فيها جبال، ولا أودية، وليست كروية حتى يغيب أكثرها عن الرائي، بل تكون مسطحة ممدودة كما جاء في الحديث: «كَمَدِّ الْأَدِيمِ»[[أخرجه ابن ماجه (٤٠٨١) من حديث ابن مسعود.]].
قوله تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ أي كتاب هو؟
* طالب: صحائف الأعمال.
* الشيخ: صحائف الأعمال، يعني الذي كتب فيه الأعمال، أحسنت؛ لأن الملائكة الكرام يكتبون كل ما يعمله الإنسان قال الله عز وجل: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق ١٦ - ١٨]. ﴿رَقِيبٌ﴾ حاضر ما يغيب، وأي قول يقوله يُكتب.
* * *
* طالب: رضي الله عنك يا شيخ، (...) مثال الجنة، ومثال الأرض والعشب يا شيخ، تختلف عن السياق أن بعض الناس يقول: هذا ما هو (...)، إن قيل: للرجلين، تمثيل الرجلين يدل على أنه صحيح، تمثيل الأرض من بعده يدل على أنها مثل (...).
* الشيخ: صحيح، والراجح أن قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ﴾ أنه حقيقة ما هو تقدير، هذا هو الراجح؛ لأن هذه المحاورة مع صاحبه تدل على أنه حق، شيء واقع.
* طالب: شيخ عفا الله عنك، وجه قوله: ﴿لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾.
* الشيخ: لا، أي نعم، أنت.
* طالب: عفا الله عنكم يا شيخ، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ﴾ قلنا في تفسيرها: واذكر أن ربَّك، فكيف نرد يا شيخ على الذين يحرفون قول الله عز وجل: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾؟
* الشيخ: نحن لا نرد كل تأويل، نقول: التأويل الذي له دليل نقبله، والتأويل الذي ليس له دليل نرده، فإذا كما يقول: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر ٢٢]، فهذا واضح أن المراد جاء هو بنفسه عز وجل، وأما هذا التأويل واذكر أمر ربك، أو ﴿إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [النحل ٩٨]، يعني إذا أردت قراءته، وما أشبه ذلك مما عليه الدليل فهذا لا يُنكر؛ لأن ما دل عليه الدليل إذا صرفنا ظاهر اللفظ إليه يكون هذا هو التفسير، أفهمت؟
* طالب: تفسير آية القرآن بما يناسب علوم العصر الحديثة؟
* الشيخ: إذا صح فلا بأس.
* الطالب: وإذا كان فيه رد تفسير الآية؟
* الشيخ: أقول: إذا صح، لكن بعض الإخوان الذين يفسرون الآيات بما يناسب العصر يُحمّلونها ما لا تتحمل، لكن إذا صح فلا مانع، مثل: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل ٨]، لو قال الإنسان مثلًا: إن هذا الطائرات التي تحمل الناس الآن ورُبنا يأتي غيرها أيضًا، إن هذه دخلت في قوله تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾، نقول: هذا صحيح.
* * *
قال الله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾، كلمة ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ﴾ بين أيديكم الآن، هل هي على القواعد المشهورة في عصرنا؟ مكتوبة على القواعد المشهورة في عصرنا؟ لا؛ لأن (مال) و(هذا) وحدها، وعلى القواعد المعروفة عندنا (ما) وحدها و(لهذا) جميعًا، ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ﴾ يعني: أي شيء لهذا الكتاب، ﴿لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ يعني أثبتها عددًا، كأنهم يترجلون من هذا، ولكن هذا لا ينفعهم.
﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾، ﴿وَجَدُوا مَا عَمِلُوا﴾ هل أعمالهم التي في الدنيا ترجع يوم القيامة؟ لا، بل المراد ﴿وَجَدُوا مَا عَمِلُوا﴾ أي: ثواب ما عملوا، أو وجدوا حقيقة ما عملوا، فلا بد من إضمار؛ لأن أعمالهم في الدنيا فنيت بفنائهم لكن كُتبت، فما عملوه يجدونه في هذا الكتاب ﴿حَاضِرًا﴾.
قال الله عز وجل: ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ لا يظلم أحدا لأيش؟ لكمال عدله عز وجل لا يظلم أحدًا، فلا يزيد على مسيء سيئة واحدة، ولا ينقص من محسن حسنة واحدة؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا﴾ [طه ١١٢]،
هذه الآية: ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ من الصفات المنفية عن الله، صح؟ فيه صفات مثبتة لله؟ نعم، أكثر الصفات المذكورة لنا هي الصفات المثبتة، الصفات المنفية لا يتم الإيمان بها حتى تؤمن بثبوت كمال ضدها، فما ضد الظلم؟
* طلبة: العدل.
* الشيخ: العدل، ولماذا انتفى الظلم عنه؟ لكمال عدله، لا بد من هذا، إذ أن النفي المجرد لا يمكن أن يكون في صفات الله، النفي المجرد المحض لا يمكن أن يكون في صفات الله، انتبه لهذه القاعدة: (النفي المجرد -أي الذي لم يتضمن كمالًا- لا يمكن أن يكون في صفات الله عز وجل، بل لا بد من كل نفي نفاه الله عن نفسه أن يكون متضمنًا لكمال ضده)، لا بد، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (لأن النفي المحض عدم المحض) النفي عدم، هذه واحدة، (ولأن النفي إن لم يتضمن كمالًا فقد يكون لعدم قابليته)، يعني النفي الموصوف به إذا لم يتضمن كمالًا فقد يكون لعدم القابلية، وإذا لم يتضمن كمالًا فقد يكون للعكس، انتبهوا لهذه القواعد، إذا لم يتضمن كمالًا قد يكون لعدم القابلية، كيف ذلك؟ ألسنا نقول: إن الجدار لا يظلم؟ بلى، هل هذا كمال للجدار؟ لا، لماذا؟ لأن الجدار لا يقبل أن يوصف بالظلم، ولا أن يوصف بالعدل، فليس نفي الظلم عن الجدار من كماله.
وقد يكون نفي العيب إذا لم يتضمن كمالًا قد يكون نقصًا لعجز الموصوف به عن ضده، لو أنك وصفت شخصًا بأنه لا يظلم؛ لأنه رجل قاصر لا يستطيع أن يظلم غيره، بل لا أن يفك حقه من غيره هل هذا ثناء؟ لا، استمع إلى قول الشاعر:
؎قُبَيِّلَةٌ لَا يَغْـــــــــــدِرُونَبِــــــــذِمَّةٍ ∗∗∗ وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَخَرْدَلِ
يمدحهم بأيش؟ هل يمدحهم بالوفاء وعدم الظلم أو يذمهم بذلك؟ يذمهم، يعني لا يغدرون بذمة؛ لأنهم ما يقدرون، ولا يظلمون الناس؛ لأنهم لا يقدرون.
فالخلاصة يا إخواننا أن كل وصْف وصَف الله به نفسه وهو نَفْي فإنه يجب أن نعتقد ثبوت أيش؟ كمال ضده.
على هذه القاعدة ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ﴾ [الأحقاف ٣٣]، فنفى العي، وهو العجز عن خلق السماوات والأرض، لأيش؟ لثبوت كمال ضد العجز، وهو القدرة، إذن نؤمن الآن بأن الله سبحانه وتعالى له قدرة لا يلحقها عجز، ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق ٣٨]، أي: من تعب وإعياء، وذلك لكمال قدرته جل وعلا، وهذه قاعدة تفيدك في باب العقيدة: أن كل شيء نفاه الله عن نفسه فإنما ذلك أيش؟ لثبوت كمال ضده، نفي الظلم؛ لأنه عدل، نفي العجز؛ لأنه قادر، نفي الغفلة؛ لأنه رقيب على كل شيء.
﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ قلنا: لكمال عدله، لكن الجهمية قالوا: لا يظلم لعدم تصور الظلم، ما هو لأنه قادر أن يظلم ولكنه لا يظلم، لا، لعدم تصور الظلم، كيف ذلك؟ قالوا: لأن الخلق كله خلق الله، ملك لله، وإذا كان ملكًا لله فإنه لو عذب محسنًا فقد عذب أيش؟ ملكه، ما فيه ظلم، هو يفعل في ملكه ما شاء.
ولكن قولهم هذا باطل؛ لأن الله عز وجل إذا كان قد وعد المحسنين الثواب والمسيئين العقاب، ثم أحسن المحسن وعذبه وأساء المسيء وأثابه، أقل ما يقال فيه: إنه عز وجل -وحاشاه سبحانه وتعالى- أنه أخلف وعده، هذا أقل ما فيه، وهو لا شك أن هذا منافٍ للعدل وللصدق، فنقول لهم: إن الله عز وجل قال في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر.]]، حرمته على نفسي، وهذا يدل على أنه قادر عليه لكن حرمه على نفسه لكمال عدله جل وعلا.
إذن نحن نقول: لا يظلم الله أحدًا لأيش؟ لكمال عدله، لا لأن الظلم ممتنع كما قالت الجهمية، وإلى هذا يقول الشيخ ابن القيم في النونية:
؎وَالظُّلْمُ عِنْدَهُمُ الْمُحَالُ لِذَاتِهِ ∗∗∗ ........................
الظلم ما يمكن يكون لأنه ملكه، فنقول: هذا خطأ، وهذا يستلزم تكذيب الله عز وجل. ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.﴾
{"ayah":"وَوُضِعَ ٱلۡكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِینَ مُشۡفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یَـٰوَیۡلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلۡكِتَـٰبِ لَا یُغَادِرُ صَغِیرَةࣰ وَلَا كَبِیرَةً إِلَّاۤ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرࣰاۗ وَلَا یَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











