الباحث القرآني

ثم قال عز وجل: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الكهف ٢٩] ﴿قُلِ﴾ الخطاب لمن؟ للرسول ﷺ؛ أي: قلها معلنًا، ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ لا من غيره، فلا تطلب الحق من طريق غير طريق الله عز وجل؛ لأن الحق من عند الله. ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ والأمر في قوله: ﴿وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ للتهديد وليس للإباحة وليس للإيجاب، بل هو للتهديد، كما يهدد الإنسان غيره فيقول: افعل كذا، أو إن كنت صادقًا فافعل كذا، ويدل لذلك قوله: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ يعني: من كفر فله النار قد أعدت. وقوله: ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾ المراد به الكافرون، والدليل على هذا قوله: ﴿فَلْيَكْفُرْ﴾. فإذا قال قائل: هل الكفر يسمى ظلمًا؟ الجواب: نعم، كما قال عز وجل: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة ٢٥٤]، ولا أحد أظلم ممن جعل مع الله شريكًا وهو الذي خلقه وأمده وأعده. ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ ﴿أَحَاطَ بِهِمْ﴾ أي: بالنار، ﴿سُرَادِقُهَا﴾ ما حولها؛ يعني: أن النار قد أحاطت بهم، والعياذ بالله، لا يمكن أن يفروا عنها يمينًا ولا شمالًا، ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ يعني: أن أهل النار -أعاذني الله وإياكم منها- إذا عطشوا عطشًا شديدًا، وذلك بأكل الزقوم أو بغير ذلك أغيثوا بهذا الماء أغيثوا بماء كالمهل، تقول: كعكل الزيت؛ يعني: تفله أو ما أشبه ذلك مما هو منظر كريه ولا تقبله النفوس، كما قال الله تعالى: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ﴾ أي: كالصديد، ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ [إبراهيم ١٧]. ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ أعوذ بالله، إذا قرب منها شواها وتساقطت؛ لأنها تنهري -والعياذ بالله- من شدة فيح هذا الماء، وإذا وصل إلى أمعائهم قطعها، كما قال جل وعلا: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد ١٥]، وما أعظم الوجع والألم فيمن تقطع أمعاؤهم من الداخل، لكن مع ذلك تقطع وتعاد كالجلود، ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء ٥٦]، الله أكبر، سبحان القادر على كل شيء! وبلحظة يكون هذا الشيء متتابع، كلما نضجت بدلوا، كلما تقطعت الأمعاء فإنها توصل بسرعة. يقول عز وجل: ﴿يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ ﴿بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ هذا قدح في هذا الشراب، و﴿بِئْسَ﴾ فعل ماضٍ لإنشاء الذم، بئس الشراب شرابهم، والعياذ بالله، ﴿وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ أي: قبح مرتفقها والارتفاق بها، الْمُرْتَفَق: ما يرتفق به الإنسان من سكن، قد يكون حسنًا وقد يكون سيئًا، في الجنة: حسنت مرتفقًا، في النار: ساءت مرتفقًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب