الباحث القرآني

﴿هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ ﴾ [الكهف: ١٥] يشيرون إلى وجهة نظرهم في انعزالهم عن قومهم. قالوا: ﴿هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا﴾ أي: صيروا. ﴿آلِهَةً﴾ من دونه آلهة، عبدوها من دون الله. ﴿لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾ يعني ﴿لَوْلا﴾ هنا بمعنى (هلَّا)، ولولا لها معانٍ في اللغة العربية، ليس هذا موضع ذكرها، لكنها هنا بمعنى (هلَّا)، مثلها مثل قوله تعالى: ﴿لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور ١٣]، أي: هلَّا جاؤوا. ﴿يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: على هذه الآلهة؛ أي: على كونها آلهة، وكونهم يعبدونها، فالمطلوب منهم شيئان: أن يُثبتوا أنها هذه آلهة، وأن يُثبتوا أن عبادتهم لها حق، وكلا الأمرين مستحيل. ﴿لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾، وقوله: ﴿بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾ السلطان كل ما للإنسان به سلطة، كل شيء له سلطة به فهو سلطان، قد يكون المراد به الدليل، مثل: ﴿إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا﴾ [يونس ٦٨]، وقد يكون المراد القوة والغلبة مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ﴾؛ يعني الشيطان ﴿عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [النحل ١٠٠]، وقد يكون الحجة والبرهان كما هنا، وكما ذكرنا قبل قليل. ﴿بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾ أي: بحجة ظاهرة يكون لهم بها سلطة، والجواب يمكن أو لا يمكن؟ لا يمكن؛ ولهذا قالوا: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ الفاء للتفريع، و(مَنْ) استفهام بمعنى النفي؛ أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبًا، واعلم أن الاستفهام إذا ضُمِّن معنى النفي صار فيه زيادة فائدة؛ وهي أنه يكون مشربًا معنى التحدي؛ لأن النفي المجرد لا يدل على التحدي، لو قلت: ما قام زيد. ما فيه تحدٍّ، لكن إذا قلت: ﴿مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ فهذا تحدٍّ كأنك تقول: أخبِرْني أو أوجد لي أحدًا أظلم ممن افترى على الله كذبًا. وقوله: ﴿مَنْ أَظْلَمُ﴾ أي: من أشد ظلمًا ممن افترى على الله كذبًا بنسبة الشريك إليه وغير ذلك، كل من افترى على الله كذبًا فلا أحد أظلم منه، أنت لو كذبت على شخص لكان هذا ظلمًا، على شخص أعلى منه لكان هذا ظلمًا أعلى من الأول، فإذا افتريت على الله كذبًا صار لا ظلم فوقه؛ ولهذا قال: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾. فإن قال قائل: نجد أن الله تعالى يقول: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾، ويقول: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [البقرة ١١٤]، وتأتي أظلم في موضعين: وأظلم تدل على اسم التفضيل، فكيف الجمع؟ نقول: إن الجمع أنها اسم تفضيل في نفس المعنى الذي وردت به، فمثلًا: ﴿مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ أي: لا أحد أظلم منعًا ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه، الكذب؛ أي الكذب أظلم؟ الكذب على الله عز وجل، فتكون الأظلميَّة هنا بالنسبة للمعنى الذي سِيقت فيه، ليست أظلميَّة مطلقة؛ لأنها لو كانت أظلمية مطلقًا لكان فيه نوع من التناقض. لكن لو قال قائل: ألا يمكن أن تقولوا: إنها اشتركت في الأظلمية؟ يعني هذه أظلم شيء وهذه أظلم شيء؟ نقول: لا يمكن؛ لأنه لا يمكن أن تقرِن بين من منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وبين من افترى على الله كذبًا، أيهما أعظم؟ الثاني، فلا يمكن أن يشتركا في الأظلمية، وحينئذٍ يتعين المعنى الأول، ما هو المعنى الأول؟ أن تكون الأظلمية بالنسبة للمعنى الذي سِيقت له أو سيقت فيه، ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب