الباحث القرآني

﴿وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف ١٠٩، ١١٠] يعني: أَعْلِن للملأ أنك لست مَلَكًا، وأنك من جنس البشر. ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ وذكر المثلية لتحقيق البشرية أي: أنه بشر لا يتعدى البشرية، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يغضب كما يغضب الناس، أليس هكذا؟ وكان عليه الصلاة والسلام يمرض كما يمرض الناس، وكان يجوع كما يجوع الناس، وكان يعطش كما يعطش الناس، وكان يتوقى الحر كما يتوقاه الناس، وكان يتوقى سهام القتال كما يتوقاه الناس، وكان ينسى كما ينسى الناس، كل الطبيعة البشرية ثابتة للرسول عليه الصلاة والسلام، وكان له ظل كما يكون للناس. أما من زعم أن الرسول ﷺ نُوراني ليس له ظل، فهذا كذب بلا شك، فإن الرسول ﷺ كغيره من البشر له ظِلٌّ، ويستظل أيضًا هو نفسه يستظل، ولو كان الرسول عليه الصلاة والسلام ليس له ظِلٌّ لنُقِلَ هذا نقلًا متواترًا؛ لأنه من آيات الله عز وجل. إذن الرسول عليه الصلاة والسلام بَشَرٌ مثل الناس، هل يقدر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجلب للناس نفعًا أو ضرًا؟ لا، كما أمره الله -عز وجل- أن يقول: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾ [الجن ٢١]، ومن العجب أن أقوامًا لا يزالون موجودين يتعلقون بالرسول ﷺ أكثر مما يتعلقون بالله -أعوذ بالله- إذا ذكر الرسول اقشعرت جلودهم، وإذا ذكر الله كأن لم يذكر حتى إن بعضهم يؤثر أن يحلف بالرسول دون أن يحلف بالله -عز وجل- وحتى إن بعضهم يرى أن زيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام أفضل من زيارة الكعبة، ولقد شاهدت أناسًا حُجِزوا عن المدينة في أيام الحج لقرب وقت الحج؛ لأنه إذا قرب وقت الحج منعوهم من الذهاب إلى المدينة؛ لئلا يفوتهم الحج، يبكي يقول: أنا مُنعت من الأنوار، ومنعت من كذا وكذا، ويعدد ما نسيته الآن، طيب أنت جاي لأيش؟ قال: جاي لمشاهدة الأنوار، كأنه ما جاء إلا لزيارة المدينة، ونسي أنه جاي للحج يؤدي فريضة من فرائض الحج، وسبب ذلك الجهل أن العلماء لا يبينون للعامة، وإلا فالعامي عنده عاطفة جياشة، لو أنه أُخبر بالحق لرجع إليه. يقول: ﴿يُوحَى إِلَيَّ﴾ هذا هو الميزة للرسول عليه الصلاة والسلام أنه يوحى إليه، وغيره لا يوحى إليه إلا إخوانه من المرسلين، يقول: ﴿يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ الجملة هذه حصر كأنه قال: لا إله لكم إلا واحد، من أين استفدنا الحصر؟ من (إِنَّمَا) لأن كلمة (إنما) من أدوات الحصر، تقول: إنما زيد قائم، يعني: وليس له وصف غير القيام، وتقول: إنما العلم بالتعلم، وليس هناك طريق للعلم إلا بالتعلم، ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ﴾ يعني: يؤمل أن يلقى الله -عز وجل- ويؤمن بذلك ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ يعني: دعوة يسيرة سهلة، أتريد أن تلقى ربك وقلبك مملوء بالرجاء؟ إذا كان كذلك ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ كل إنسان عاقل يرجو لقاء الله -عز وجل- ولقاء الله ليس ببعيد، قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت ٥]، قال بعض العلماء إن قوله: ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾ [العنكبوت ٥] بمعنى قولهم: كل آت قريب، ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾. إذا قال قائل: ألستم قررتم أن العمل الصالح لا بد فيه من إخلاص ومتابعة؟ قلنا: بلى، لكنه لما كان الإخلاص ذا أهمية عظيمة ذكره تخصيصًا بعد دخوله ضمن قوله: ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾، وتأمل قوله: ﴿بِعِبَادَةِ رَبِّهِ﴾ ليتبين لك أنه -جل وعلا- حقيق بألا يشرك به لأنه الرب الخالق المالك المدبر لجميع الأمور. إنا نقول بقلوبنا وألسنتنا: ربنا الله، ونسأل الله تعالى الاستقامة حتى ندخل في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت ٣٠]. على كل حال الحمد لله الذي وفقنا لإكمال هذه السورة، والحقيقة أن لشيخنا عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- في هذه السورة نفسها فوائد جمة عظيمة لا تجدها في كتاب آخر، ذكر فوائد عظيمة في قصة موسى والخضر ينبغي لطالب العلم أن يراجعها؛ لأنها مفيدة جدًّا جدًّا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب