الباحث القرآني

ثم ذكر ثواب الذين آمنوا وعملوا الصالحات -أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ [الكهف ١٠٧]، بدل ما كانت جهنم نُزُلًا للكافرين صارت جنات الفردوس نُزُلًا للمؤمنين، لكن بشرطين: الإيمان والعمل الصالح، والإيمان محله القلب، والعمل الصالح محله الجوارح، وقد يراد به أيضًا عمل القلب كالتوكل، والخوف، والإنابة، والمحبة، وما أشبه ذلك. والصالحات هي التي كانت خالصة لله موافقة لشريعة الله، ولا يمكن أن يكون العمل صالحًا إلا بهذا: الإخلاص لله، والثاني: الموافقة لشريعة الله، فمن أشرك فعمله غير صالح، ومن ابتدع فعمله غير صالح، ويكون مردودًا عليه لا الأول الذي لم يخلص، ولا الثاني الذي لم يتبع، ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥/ ٤٦) من حديث أبي هريرة.]] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨/ ١٨) من حديث عائشة.]] أي: مردود عليه، فصار العمل الصالح ما جمع وصفين: الإخلاص لله، والمتابعة لشريعة الله -انتبه- ولَّا لرسول الله؟ لشريعة الله أحسن إلا إذا أريد بمتابعة رسول الله الجنس دون محمد -ﷺ- فنعم؛ لأن المؤمنين من قوم موسى وقوم عيسى يدخلون في هذا، إذن الإخلاص لله، والموافقة لشريعة الله. ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ ﴿كَانَتْ لَهُمْ﴾ المراد بالكينونة هنا هل هي الكينونة الماضية أو المراد تحقيق كونها نُزُلًا لهم؟ كقوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ٩٦] نقول: الأمران واقعان فكانت في علم الله نزلًا لهم، وكانت نزلًا لهم على وجه التحقيق؛ لأن (كان) قد يسلب منها معنى الزمان، ويكون المراد بها التحقيق. ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ ﴿جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ﴾ هل هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته، أو لأن الفردوس هو أعلى الجنات والجنات الأخرى تحته؟ الظاهر الثاني؛ لأنه ليس جميع المؤمنين العاملين للصالحات ليسوا كلهم في الفردوس، بل هم في جنات الفردوس، والفردوس قال النبي ﷺ: «إِنَّهَا أَعْلَى الْجَنَّةِ وَوَسَطُ الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهَا عَرْشُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»[[أخرجه البخاري (٢٧٩٠) من حديث أبي هريرة.]]، «أَعْلَى الْجَنَّةِ وَوَسَطُ الْجَنَّةِ» معناه أن الجنة مثل القبة، وفيه أيضًا وصف رابع «وَمِنْهَا تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب