الباحث القرآني
أمَّا السورة الثانية فهي قوله تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ [المسد ١ - ٥].
سبحان الله! هذا القرآن فيه من الدلالات الكثيرة ما يدلُّ دلالةً واضحةً على أن رسول الله ﷺ حقٌّ، ليس يدعو لِمُلْك ولا لِجَاهٍ، ولا لرئاسة قومه أبدًا، له أعمامٌ -الرسول عليه الصلاة والسلام- انقسموا في معاملته ومعاملة ربِّه عز وجل إلى ثلاثة أقسام: قِسْمٌ آمَنَ به وجاهَدَ معه وأسلمَ لله ربِّ العالمين، وقِسْمٌ سانَدَ وساعَدَ لكنَّه باقٍ على الكفر والعِياذ بالله، وقِسْمٌ عانَدَ وعارَضَ وهو كافر.
أمَّا الأول فالعبَّاس بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب، والثاني أفضل من الأول؛ لأن الثاني من أفضل الشهداء عند الله عز وجل، «ووَصَفَه النبيُّ عليه الصلاة والسلام بأنه أسدُ اللهِ وأسدُ رسولِهِ»[[أخرج الطبراني في الكبير (٢٩٥٢) بسنده من حديث لبيبة الأشهلي رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «والذي نفسي بيده إنَّه لَمكتوبٌ عند الله في السماء السابعة: حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله».]]، واستُشهِدَ رضي الله عنه في أُحُدٍ في السَّنَة الثالثة من الهجرة، جمعني الله وإيَّاكم به في جنات النعيم.
أمَّا الذي سانَدَ وساعَدَ مع بقائه على الكفر فهو أبو طالب، أبو طالبٍ قام مع النبي ﷺ خيرَ قيامٍ في الدفاع عنه ومساندته، ولكنه -والعياذ بالله- قد سبقتْ له كلمة العذاب، لم يُسْلِم، حتى «في آخِر حياته في آخِر لحظة من الدنيا عَرَضَ عليه النبي ﷺ أنْ يُسْلِم، ولكنه أَبَى، بلْ ومات على قوله: إنه على مِلَّة عبد المطلب»[[أخرج البخاري (١٣٦٠) ومسلم واللفظ له (٢٤ / ٣٩) بسنديهما من حديث المسيب بن حزن رضي الله عنه قال: لَمَّا حضرت أبا طالبٍ الوفاةُ جاءه رسول الله ﷺ فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أُمَيَّة بن المغيرة، فقال رسول الله ﷺ: «يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله». فقال أبو جهلٍ وعبد الله بن أبي أُميَّة: يا أبا طالب، أترغب عن مِلَّة عبد المطَّلب؟! فلم يزل رسول الله ﷺ يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالبٍ آخِر ما كلَّمهم: هو على مِلَّة عبد المطَّلب. وأبَى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله ﷺ: «أما والله لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك». فأنزل الله عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة: ١١٣]، وأنزل الله تعالى في أبي طالبٍ فقال لرسول الله ﷺ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: ٥٦].]]، «فشَفَعَ له النبيُّ عليه الصلاة والسلام حتى كان في ضَحْضَاحٍ من نارٍ وعليه نعلانِ يغلي منهما دِماغُه»[[أخرج البخاري (٣٨٨٣) ومسلم واللفظ له (٢٠٩ / ٣٧٥) بسنديهما من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال للنبي ﷺ: ما أغنيتَ عن عمِّك؟ فإنَّه كان يحوطك ويغضب لك. قال: «هو في ضَحضاحٍ من نار، ولولا أنا لَكان في الدرك الأسفل من النار».]].
أمَّا الثالث الذي عانَدَ وعارَضَ فهو أبو لهب، أنزلَ الله فيه سورةً كاملةً تُتلى في الصلوات فرضِها ونَفْلها، في السرِّ والعَلَن، يُثَابُ المرءُ على تلاوتها على كلِّ حرفٍ عَشْر حسنات؛ يعني اللي يقرأ سيرة أبي لهب التي في هذه السورة له في كلِّ حرفٍ عَشْر حسنات، لكن لو تقرأ سيرة أبي بكر من سيرة ابن إسحاق، أو من سيرة البداية والنهاية وغيرها ما حصل لك هذا الأجر، فالإنسان كأنه يُدْعَى دعوةً أكيدةً إلى قراءة سيرة أبي لهب، كلُّ حرفٍ تقرؤه من (تَبَّتْ) لك به عَشْر حسنات.
يقول الله عز وجل: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ وهذا ردٌّ على قوله -أي: قول أبي لهب- «حين جمعهم النبيُّ ﷺ ليدعوهم إلى الله فبَشَّرَ وأَنْذَرَ، قال أبو لهب: تبًّا لك، أَلِهذا جَمَعْتَنا؟!»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٤٨٠١) ومسلم بنحوه (٢٠٨ / ٣٥٥) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]]. هذه الإشارة للتحقير؛ يعني هذا أمْرٌ حقيرٌ ما يحتاج أن يُجمَع له زعماءُ قريش، وهذا كقولهم: ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء ٣٦] أي: يعيبها ويسبُّها؛ يعني الرسول، قريش تقول: ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾، المعنى التحقير، ليس شيئًا، ولا يستحقُّ، ولا يُهتَمُّ به، كما قالوا: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف ٣١].
فالحاصل أن أبا لهب قال: تبًّا لك، ألِهَذا جمعْتَنا؟! فردَّ الله عليه بهذه السورة: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾، والتَّبَاب: الْخَسَار، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ﴾ [غافر ٣٧]. أي: خَسَار. وبدأ بيديه قبل ذاته لأن اليدين هما آلة العمل والحركة والأخذ والعطاء وما أشبهَ ذلك.
وهذا اللقب (أبو لهب) لقبٌ مناسبٌ تمامًا لحالِهِ ومآلِهِ، وجْهُ المناسبة أن هذا الرجل سوف يكون في نارٍ تلظَّى والعياذ بالله، تتلظَّى لَهَبًا عظيمًا، فهي -أي: كُنْيتُه- مطابقة لحالِهِ ومآلِهِ، يقول الشاعر:
؎وَقَلَّ أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ ذَا لَقَبٍ ∗∗∗ إِلَّا وَمَعْنَاهُ -إِنْ فَكَّرْتَ- فِيلَقَبِهْ
«ولَمَّا أَقْبل سُهَيلُ بن عمروٍ في قصة غزوة الحديبية قال الرسول ﷺ: «هَذَا سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَا أُرَاهُ إِلَّا سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ»[[أخرج البخاري (٢٧٣١) بسندهعن المسور بن مخرمة: قال النبي ﷺ: «هذا مِكْرَز، وهو رجلٌ فاجرٌ». فجعل يكلم النبيَّ ﷺ، فبينما هو يكلمه إذْ جاء سُهيل بن عمرو. قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لَمَّا جاء سُهيل بن عمرو قال النبي ﷺ: «لقد سَهُل لكم من أَمْركم».]]؛ لأن الاسم مطابق للفعل.
{"ayah":"تَبَّتۡ یَدَاۤ أَبِی لَهَبࣲ وَتَبَّ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق