الباحث القرآني

نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على سورة: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ [الكوثر ١ - ٣]. هذه السورة قيل: إنها مَكِّيَّة، وقيل: إنها مَدَنِيَّة، والمكيُّ هو الذي نزل قبل هجرة النبي ﷺ إلى المدينةِ سواء نزل في مكة أو في المدينة أو في الطريق؛ في السَّفَر يعني، كلُّ ما نزل بعد الهجرة فهو مدنِيٌّ، وما نزل قبلها فهو مَكِّيٌّ، هذا القول الراجح من أقوال العلماء. يقول الله عز وجل مخاطبًا النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، والكوثر في اللغة العربية هو الخير الكثير، وهكذا كان النبي ﷺ أعطاه الله تعالى خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخرة؛ فمِن ذلك النهرُ العظيمُ الذي في الجنة والذي يصُبُّ منه ميزابانِ على حوضه المورود ﷺ، ماؤه أشدُّ بياضًا من اللبن، وأحلى مَذَاقًا من العسل، وأطيب رائحةً من المسك. وهذا الحوض في عَرَصات القيامة يَرِدُهُ المؤمنون من أُمَّة النبي ﷺ، وآنِيتُهُ كنجوم السماء كثرةً وحُسْنًا[[أخرج مسلم (٢٣٠٠ / ٣٦) بسنده عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله ما آنيةُ الحوض؟ قال: «والذي نفسُ محمَّدٍ بيده لَآنيتُهُ أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، ألا في الليلة المظلمة المصْحِية، آنيةُ الجنة، مَن شَرِب منها لم يظمأْ آخِرَ ما عليه، يَشْخُب فيه ميزابانِ من الجنة، مَن شَرِب منه لم يظمأْ، عَرْضُه مثلُ طُوله، ما بين عمَّان إلى أَيْلَةَ، ماؤه أشدُّ بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل». ]]، فمَنْ كان واردًا على شريعته في الدنيا كان واردًا على حوضه في الآخرة، ومَن لم يكن واردًا على شريعته فإنه محرومٌ منه في الآخرة، نسألُ الله أن يُورِدَنا وإيَّاكم حوضَه ويسقينا منه. ومن الخيرات الكثيرة التي أُعطِيَها ﷺ في الدنيا ما ثَبَتَ في الصحيحين من حديث جابرٍ رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١ / ٣)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهذا لفظ البخاري.]]. هذا من الخير الكثير؛ لأن بَعْثَه إلى الناس عامةً يستلزم أن يكون أكثرَ الأنبياءِ أتباعًا، وهو كذلك، فهو أكثرُهم أتباعًا عليه الصلاة والسلام. ومن المعلوم أن الدالَّ على الخير كفاعل الخير، والذي دلَّ هذه الأُمَّة العظيمةَ التي فاقت الأُمَمَ كثرةً هو محمدٌ ﷺ، وعلى هذا فيكون للرسول عليه الصلاة والسلام من أجْر كلِّ واحدٍ من أُمَّته نصيبٌ من الأجر، ومَن يُحصِي الأُمَّةَ إلا اللهُ عز وجل؟! ومن الخير الذي أُعْطِيَه في الآخرة المقامُ المحمودُ، ومنه الشفاعةُ العظمى؛ فإن الناس في يوم القيامة يَلْحقهم من الكَرْب والغَمِّ ما لا يُطيقون، فيطلبون الشفاعة، فيأتون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقوم ويَشْفع، ويقضي الله تعالى بين العباد بشفاعته[[إشارة إلى حديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه البخاري (٤٤٧٦) ومسلم (١٩٣ / ٣٢٢) من حديث أنسٍ رضي الله عنه. ]]، وهذا المقام يحمده عليه الأوَّلون والآخِرون، داخل في قوله تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء ٧٩]. إذَن ﴿الْكَوْثَرَ﴾ يعني أيش؟ الخير الكثير، ومنه النهرُ الذي في الجنة، فالنهرُ الذي في الجنة هو الكوثر لا شكَّ، ويُسَمَّى كوثرًا، لكن ليس هو فقط الذي أعطاه الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الخير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب