الباحث القرآني

﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ أي: يمنعون ما يجب بَذْلُه من المواعين، وهي الأواني؛ يعني يأتي الإنسانُ إليهم يستعير آنِيةً يقول: أنا محتاج إلى دَلْو، محتاج إلى إناءٍ أشرب فيه، محتاج إلى لمبة كهرباء وما أشبهَ ذلك، ويمنع، هذا أيضًا مذموم. ومَنْعُ الماعون ينقسم إلى قِسمين: قِسْمٌ يأثم به الإنسان، وقِسْمٌ لا يأثم به لكنْ يَفُوته الخير؛ فما وَجَبَ بَذْلُه فإن الإنسان يأثم بمنعه، وما لم يجب بَذْلُه فإن الإنسان لا يأثم بمنعه لكنْ يفوته الخير. مثالُ ذلك: إنسانٌ جاءه رجلٌ مضطرٌّ يقول: أعطني إناءً أشرب به، فإنْ لم أشربْ مِتُّ. بَذْلُ الإناء له أيش؟ واجبٌ، يأثم به الإنسانُ، حتى إنَّ بعض العلماء يقول: لو مات هذا الإنسان فإنه يضمنه ذاك بالدِّية؛ لأنه هو سبب ما فيه، ويجب عليه بَذْلُ ما طلبه. جاء إنسانٌ إلى آخَر يقول: أعطني ثوبًا أَدْفأُ به عن البَرْد وإلا هلكتُ. هُنا يجب عليه أن يَبْذل له ذلك الثوبَ وجوبًا. لكن اختلف العلماء في هذه المسألة: هل يجب على المستعير في هذه الحال أن يُعطي المعيرَ أجرةً أو لا يجب؟ أو يجب في المنافع دون الأعيان؟ كيف هذا؟ مَثَلًا إنسانٌ أتاك وهو مضطرٌّ إلى طعام، فإنْ لم تطعمه هَلَكَ، هنا يجب عليك أن تُطعمه، لكن هل يجب عليه أن يُعطيك قيمةَ الطعام؟ قال بعض أهل العلم: يجب عليه أن يُعطيك قيمةَ الطعام، وقال آخرون: لا يجب؛ لأن إطعامه في هذه الحال واجبٌ عليك من عند الله، وهذا القول هو الراجح أنَّه ليس له عِوَض؛ لأن إنقاذ الواقع في هَلَكة واجبٌ، ولا يمكن أن يأخذ الإنسانُ أجرًا على ما أوجبَ الله عليه. في المسألة الثانية: جاءك إنسانٌ مضطرٌّ إلى ثوبٍ خوفًا من البَرْد، فأعطيتَه الثوبَ، فهل يجب عليه أُجْرة لهذا الثوب؟ بعض العلماء يقول: يجب عليه أُجرة، وبعضهم يقول: لا يجب، والصحيح أنه لا يجب عليه الأُجرة، ولكنْ إنْ أعطيتَه إيَّاه على سبيل التملُّك فهو ملْكه، وإنْ أعطيتَه إيَّاه على سبيل العاريَّة وجبَ عليه إذا وجد ثوبًا غيره أن يَرُدَّه عليك، هذا القول هو الصحيح، وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة. فيجب على المرء أن ينظر في نفْسه هل هو مِمَّن اتَّصَفَ بهذه الصفات أو لا، إنْ كان مِمَّن اتَّصَفَ بهذه الصفات؛ قد أضاعَ الصلاةَ وسها عنها ومَنَعَ الخيرَ عن الغير فليُبْشِر بالويل والعياذُ بالله، وإنْ كان قد تَنَزَّهَ عن ذلك فليُبْشِر بالخير. والقرآن الكريم ليس المقصود منه أن يتلوه الإنسانُ فقط ليتعبَّد لله تعالى بتلاوته، المقصود أن يتأدَّبَ به، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: «إنَّ النبي ﷺ كان خُلُقه القرآن»[[أخرج أحمد (٢٥٣٠٢) عن سعد بن هشام قال: سألتُ عائشةَ فقلتُ: أخبريني عن خُلُق رسول الله ﷺ. فقالت: كان خُلُقه القرآن.]]. (خُلُقه) يعني أخلاقه التي يتخلَّق بها يأخذها من القرآن. وفَّقَنا الله وإيَّاكم لِمَا فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب