الباحث القرآني

.. نستعرض فيه استعراضًا خفيفًا لتفسير قول الله تبارك وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ [الفيل ١] إلى آخر السورة؛ لأنها السورة التي وقفنا عليها سابقًا. فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ يخاطبُ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو يخاطب كلَّ مَن يصحُّ توجُّه الخطاب إليه؛ فعلى الأول يكون خطابُ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطابًا له وللأُمَّة؛ لأن أُمَّته تابعةٌ له، وعلى الثاني يكون الخطاب عامًّا له ولأُمَّته ابتداءً، وعلى كلٍّ فإنَّ الله تعالى يُقَرِّر ما فعل سبحانه وتعالى بأصحاب الفيل. وأصحابُ الفيل هم أهلُ اليمن الذين جاؤوا لِهَدْم الكعبة بفيلٍ عظيمٍ أرسله إليهم ملك الحبشة، وسببُ ذلك أن مَلِك اليمن أراد أن يَصُدَّ الناس عن الحجِّ إلى الكعبة بيت الله عز وجل، فبنى بيتًا يُشبه الكعبة، ودعا الناس إلى حَجِّه ليصُدَّهم عن حجِّ بيت الله، فغضب لذلك العربُ وذهبَ رجُلٌ منهم إلى هذا البيت الذي جعله ملِك اليمن بدلًا عن الكعبة وتَغَوَّطَ فيه ولطَّخَ جُدرانه بالقَذَر، فغضب ملِكُ اليمن غضبًا شديدًا، وأخبر ملِكَ الحبشة بذلك فأرسل إليه هذا الفيل العظيم، قيل: وكان معه ستة فِيَلة لتساعده، فجاء هذا الرجُل -أعني ملك اليمن- جاء بجنوده ليهدم الكعبة على زَعْمه، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى حافِظُ بيتِهِ؛ لَمَّا وصلوا إلى مكان يُسَمَّى الْمُغَمَّس وَقَفَ الفيلُ وحَرَنَ وأَبَى أن يتَّجه إلى الكعبة، فزَجَره سائسُه ولكنه أَبَى؛ إذا وجَّهوه إلى اليمن انطلق يُهرول، وإنْ وجَّهوه إلى مكة وَقَفَ، وهذه آيةٌ من آيات الله عز وجل، ثم بَقُوا حتى أرسل اللَّهُ عليهم ﴿طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [الفيل ٣، ٤]. قال العلماء: ﴿طَيْرًا أَبَابِيلَ﴾ يعني: جماعات متفرِّقة، كلُّ طيرٍ في منقاره حَجَرٌ صلبٌ من سِجِّيل، وهو الطين المشوي؛ لأنه يكون أصلب، وهذا الحجَر ليس كبيرًا، بل هو صغيرٌ يضرب الواحدَ من هؤلاء مع رأسه ويخرج من دُبُره، والعياذُ بالله. ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ [الفيل ٥] أي: كزرعٍ أكلتْه الدوابُّ ووطِئتْه بأقدامها حتى تفتَّتَ. هذا مُجْمَل هذه السورة العظيمة التي بيَّن الله سبحانه وتعالى فيها ما فعل بأصحاب الفيل وأنَّ كيدهم صار في نحورهم، وهكذا كلُّ مَن أراد الحقَّ بسوء فإنَّ الله تعالى يجعل كيدَه في نحره. وإنما حَمَى اللَّهُ عز وجل الكعبةَ عن هذا الفيل، مع أنه «في آخِر الزمان سوف يُسَلَّط عليها رجُلٌ من الحبشة يهدمها حَجَرًا حَجَرًا حتى تتساوى بالأرض»[[أخرج البخاري (١٥٩٥) عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: «كأنِّي به أَسْودَ أفْحَجَ يقلعها حجرًا حجرًا».]]؛ لأن قصَّة أصحاب الفيل مقدِّمة لبعْثة محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي يكون فيها تعظيمُ البيت، أمَّا في آخِر الزمان فإن أهل البيت إذا أهانوه وأرادوا بإلحادٍ فيه بظُلْمٍ ولَمْ يعرفوا قَدْره، حينئذٍ يُسَلِّط اللَّهُ عليه مَن يهدمه حتى لا يبقى على وجه الأرض، ولهذا يجب على أهل مكة خاصَّةً أن يحترزوا من المعاصي والذنوب والكبائر لئلَّا يُهينوا الكعبةَ فيُذِلَّهم اللَّهُ عز وجل، نسأل الله تعالى أن يحمي دينَنا وبيتَه الحرامَ من كَيْد كلِّ كائدٍ إنه على كل شيء قدير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب