الباحث القرآني

ولهذا قال: ﴿كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾ ﴿كَلَّا﴾ هنا يُسَمِّيها العلماء حرفَ رَدْع؛ أيْ تَرْدَع هذا القائلَ أو هذا الحاسبَ عن قوله أو عن حُسْبانه، ويحتمل أنْ تكون بمعنى حقًّا؛ يعني: حقًّا لَيُنْبَذَنَّ، وكلاهما صحيح. هذا الرجُل لن يُخْلِده مالُه ولن يُخْلِد ذِكْراه، بلْ سيُنسى ويُطوَى ذِكْرُه، وربما يُذْكَر بالسوء لعدم قيامه بما أوجبَ الله عليه من البَذْل. ﴿لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾ اللام هذه واقعةٌ في جواب القَسَم المقدَّر، والتقدير: واللهِ لَيُنْبَذَنَّ في الْحُطَمَة؛ أي: يُطرَح طرحًا. وإذا قُلنا: إن اللام في جواب القَسَم صارتْ الجملةُ هذه مؤكَّدةً باللام ونون التوكيد والقَسَم المحذوف، ومِثْل هذا كثيرٌ في القرآن الكريم؛ أي: تأكيدُ الشيء باليمين واللام والنون هذا شيءٌ كثيرٌ في القرآن، والله تعالى يُقْسِم بالشيء تأكيدًا له وتعظيمًا لشأنه. وقوله: ﴿لَيُنْبَذَنَّ﴾ ما الذي يُنْبذ؟ هل هو صاحبُ المالِ أو المالُ؟ قد نقول: كلاهما يُنْبَذ؛ أمَّا صاحبُ المال فإنَّ الله يقول في آية أخرى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور ١٣] يُدفَعون ويُداسون بالأيدي أو بما شاء الله، وهُنا يقول: يُنْبَذ؛ أي: يُطْرَح. ﴿فِي الْحُطَمَةِ﴾ والْحُطَمَة هي التي تحطم الشيءَ؛ أي: تُفَتِّتُه وتُكَسِّره، فما هي؟ قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ﴾ وهذه الصيغة للتعظيم والتفخيم. ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ﴾ هذا الجواب؛ أي: هي نارُ اللهِ الموقَدة، وأضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه لأنَّه يُعَذِّب بها مَن يستحقُّ العذاب، فهي عقوبةُ عدلٍ وليست عقوبةَ ظُلْم؛ أي: نارٌ يحرق اللَّهُ بها مَن يستحقُّ أن يُعَذَّب بها، إذَنْ هي نارُ عدلٍ وليست نارَ ظُلْم؛ لأن الإحراق بالنار قد يكون ظُلْمًا وقد يكون عدلًا؛ فتعذيب الكافرين بالنار لا شَكَّ أنه عدلٌ وأنَّه يُثْنَى به على الربِّ عز وجل حيث عامَلَ هؤلاء بما يستحقُّون. وتأمَّل قوله: (حُطَمَةُ) مع فِعْل هذا الفاعل؛ (هُمَزَة) (لُمَزَة)، (حُطَمَة) على وزنٍ واحدٍ؛ ليكون الجزاءُ مطابقًا للعمل حتى في اللفظ. ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ﴾ أي: المسجرة المسعَّرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب