الباحث القرآني
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعد، فهذا هو اللقاء الأسبوعي المسمَّى بلقاء الباب المفتوح، وهو التاسع والتسعون، يتمُّ هذا اللقاء يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الأول عام ستة عشر وأربع مئة وألف، نتكلم فيه بما شاء الله عز وجل من تفسير سورة العصر.
يقول الله عز وجل: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر ١، ٢]، فما المراد بالعصر؟
قيل: إن المراد بالعصر آخِر النهار؛ لأن آخِر النهار أَفْضلُه، وصلاة العصر تُسَمَّى الصلاة الوسطى؛ أي: الفُضْلى، كما سَمَّاها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك.
وقيل: إن العصر هو الزمان، وهذا هو الأصحُّ أنَّ العصر هو الزمان، أَقْسَمَ الله به لِمَا يقع فيه من اختلاف الأحوال، وتَقَلُّبات الأمور، ومُداولة الأيام بين الناس، وغير ذلك مِمَّا هو مُشاهَدٌ في الحاضر ومُتَحَدَّثٌ عنه في الغابر، فالعصر هو الزمان الذي يعيشه الخلْق، وتختلف أوقاته شِدَّةً ورخاءً، وحربًا وسِلْمًا، وصِحَّةً ومرضًا، وعملًا صالحًا وعملًا سيِّئًا، إلى غير ذلك مما هو معروفٌ للجميع.
أَقْسَمَ الله به على أيِّ شيءٍ؟ على قوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾، والإنسان هنا عامٌّ؛ لأن المراد به الجنس، وعلامة الإنسان الذي يُراد به العموم أن يحلَّ مَحَلَّه -أي: محلَّ (أل)- كلمة (كُل)، فهُنا لو قيل: كلُّ إنسانٍ في خُسْر، لكان هذا هو المعنى.
ومعنى الآية الكريمة أن الله أَقْسَمَ قَسَمًا على حال الإنسان أنَّه في خُسْر؛ أي: في خُسرانٍ ونُقْصانٍ في كلِّ أحواله في الدنيا وفي الآخرة إلَّا مَن استثنى اللَّهُ عز وجل. وهذه الجملة كما ترون مؤكَّدةٌ بثلاثة مؤكِّدات؛ الأول: القَسَم، والثاني: ﴿إِنَّ﴾، والثالث: اللام، وأتى بقوله: ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ ليكون أَبْلَغ من قوله: لَخاسِرٌ؛ وذلك أنَّ (في) معناها أيش؟ معناها الظرفية، فكأنَّ الإنسان منغمسٌ في الْخُسْر، والْخُسْران محيطٌ به من كلِّ جانب.
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر ٣] استثنى اللَّهُ سبحانه وتعالى هؤلاء المتَّصفين بهذه الصفات الأربع؛ الصفة الأولى: الإيمان الذي لا يخالجه شكٌّ ولا تردُّد، بماذا؟ بما بيَّنه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان؛ قال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[[أخرجه مسلم (٨ / ١) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.]]. وشرحُ هذا الحديث يطول لو تكلَّمْنا عليه الآن، لكنه قد تكلَّمْنا عليه في مواطن كثيرة، فالذين آمنوا بهذه الأصول السِّتَّة هم المؤمنون، ولكن يجب أن يكون إيمانًا لا شكَّ معه ولا تردُّد؛ بمعنى أنك تؤمن بهذه الأشياء وكأنك تراها رأي العين.
والناسُ في هذا المقام ثلاثة أقسام:
القِسم الأول: مؤمنٌ خالصٌ إيمانًا لا شكَّ فيه ولا تردُّد.
والقِسم الثاني: كافرٌ جاحدٌ مُنْكِر.
والقِسم الثالث: متردِّد.
فمَن الناجي مِن هؤلاء الأقسام الثلاثة؟ الناجي القِسم الأول الذي يؤمن إيمانًا لا تردُّد فيه، يؤمن بالله؛ بوُجوده، بأسمائه، بصفاته، بأُلُوهيَّته ورُبُوبيَّته، وغير ذلك مِمَّا هو معلومٌ من صفات الربِّ جل وعلا، ويؤمن بالملائكة وهم عالَمٌ غَيْبِيٌّ، خَلَقهم الله تعالى من نور، وكَلَّفهم بأعمالٍ منها ما هو معلومٌ ومنها ما ليس بمعلوم؛ فجبريل عليه الصلاة والسلام مُكَلَّفٌ بالوحي يَنْزل به مِن عند الله إلى الأنبياء والرُّسُل، وميكائيل مُكَلَّفٌ بالقَطْر والنبات؛ يعني وكَّلَهُ اللَّهُ على المطر وكلِّ ما يتعلَّق به المطر وعلى النبات، وإسرافيل مُوَكَّلٌ بالنفخ في الصُّور، ومالِكٌ مُوَكَّلٌ بالنار، ورضوان مُوَكَّلٌ بالجنة، ومِن الملائكة مَن لا نعلم أسماءهم ولا نعلم أعمالهم أيضًا، لكنْ جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه «ما مِن موضعِ أَرْبعِ أصابعٍ في السماء إلَّا وفيه مَلَكٌ قائمٌ لله أو راكعٌ أو ساجدٌ»[[أخرج الترمذي (٢٣١٢) من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إنِّي أرى ما لا تَرَون وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماءُ، وحُقَّ لها أن تَئِطَّ؛ ما فيها موضعُ أربع أصابع إلا ومَلَكٌ واضعٌ جبهته ساجدًا لله، واللهِ لو تعلمون ما أعلمُ لَضحكتم قليلًا، ولَبكيتم كثيرًا، وما تلذَّذْتم بالنساء على الفُرُش، ولَخرجتم إلى الصُّعُدات تجأرون إلى الله» لَودِدتُ أنِّي كنتُ شجرةً تُعضَد. وعبارة: "لَودِدتُ أنِّي كنتُ شجرةً تُعضَد" من قول أبي ذرٍّ رضي الله عنه، انظر مسند أحمد (٢١٥١٦).]].
كذلك نؤمن بالكُتُب التي أنزلها الله على الرُّسُل عليهم الصلاة والسلام، ونؤمن بالرُّسُل؛ الذين قَصَّهم الله علينا نؤمن بهم بأعيانهم، والذين لم يَقُصَّهم علينا نؤمن بهم إجمالًا؛ لأن الله لم يَقُصَّ علينا جميع أنباء الرُّسُل؛ قال الله تعالى: ﴿مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨].
واليومُ الآخِرُ هو يوم البعث، يوم يخرج الناسُ من قبورهم للجزاء «حُفاةً عُراةً غُرْلًا بُهْمًا»[[أخرج البخاري (٣٣٤٩)، ومسلم (٢٨٦٠ / ٥٨) واللفظ له، بسنديهما من حديث ابن عباس قال: قام فينا رسول الله ﷺ خطيبًا بموعظةٍ فقال: «يا أيها الناسُ، إنَّكم تُحشَرون إلى الله حفاةً عُراةً غُرْلًا؛ ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] ...» الحديث، وأمَّا لفظ «بُهْمًا» فجاء فيما أخرجه أحمد (١٦٠٤٢) من حديث عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه، جاء فيه: «يُحشَر الناسُ يوم القيامة -أو قال: العبادُ- عُراةً غُرْلًا بُهْمًا».]]؛ فالْحُفاة يعني: الذين ليس عليهم نِعالٌ ولا خِفافٌ؛ أي إن أقدامهم عاريةٌ، والعُراة: الذين ليس عليهم ثيابٌ، والغُرْل: الذين لم يُخْتَنوا، والبُهْم: الذين ليس معهم مال. يُحشَرون كذلك، «ولَمَّا حدَّثَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام بأنهم عُرَاةٌ قالت عائشة: يا رسول الله، الرِّجال والنِّساء ينظُر بعضُهم إلى بعض؟! قال: «الْأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ»[[أخرج البخاري (٦٥٢٧)، ومسلم (٢٨٥٩ / ٥٦) واللفظ له، بسنديهما إلى عائشة قالت: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «يُحشَر الناسُ يوم القيامة حُفاةً عُراةً غُرْلًا» قلتُ: يا رسول الله، النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال ﷺ: «يا عائشة، الأمر أشدُّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض». وأمَّا لفظ «بُهْمًا» فجاء فيما أخرجه أحمد (١٦٠٤٢) من حديث عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه، جاء فيه: «يُحشَر الناسُ يوم القيامة -أو قال: العبادُ- عُراةً غُرْلًا بُهْمًا».]]؛ أي: مِنْ أن ينظر بعضهم إلى بعض؛ لأن الناس كلٌّ مشغولٌ بنفسه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومِن الإيمانِ باليوم الآخِر الإيمانُ بكلِّ ما أخبر به النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مِمَّا يكون بعد الموت، فيجب أن تؤمن بفتنة القبر؛ أي: بالاختبار الذي يكون للميت إذا دُفِنَ وتَوَلَّى عنه أصحابُه؛ فإنَّه يأتيه مَلَكانِ يسألانِهِ عن ربِّه ودِينه ونبيِّه[[أخرج أبو داود (٤٧٥٣) بسنده عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ في جنازةِ رجُلٍ من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولَمَّا يُلحد، فجلس رسول الله ﷺ وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير وفي يده عودٌ ينكت به في الأرض، فرفع رأسَه فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر» مرتين أو ثلاثًا. زاد في حديث جرير هاهنا: وقال: «وإنَّه لَيسمع خَفْق نعالهم إذا ولَّوا مدبرين حين يُقال له: يا هذا، مَن ربُّك؟ وما دينك؟ ومَن نبيُّك؟ ...» الحديث.]]، وتؤمن كذلك بأن القبر إمَّا روضةٌ من رياض الجنة وإمَّا حُفْرة من حُفَر النار[[أخرج الطبراني في الأوسط (٨٦١٣) بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «القبر روضةٌ من رياض الجنة أو حفرةٌ من حُفَر النار».]]؛ أي إن فيه العذاب أو الثواب، وتؤمن كذلك بالجنة والنار، وكلُّ ما يتعلَّق باليوم الآخِر فإنه داخلٌ في قولنا: أنْ تؤمن بالله واليوم الآخِر.
القَدَر: تقدير الله عز وجل؛ يعني يجب أن تؤمن بأن الله تعالى قدَّر كلَّ شيء؛ وذلك «أن الله خَلَق القَلَمَ فقال له: اكتُبْ. قال: وماذا أكتُبُ؟ قال: اكتُبْ ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة»[[أخرجه الترمذي (٢١٥٥) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، ولفظه: «إنَّ أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتُبْ، فقال: ما أكتبُ؟ قال: اكتُب القدرَ ما كان وما هو كائنٌ إلى الأبد».]]. فجرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة.
إذَن الإيمان في قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يشمل أيش؟ الإيمانَ بالأصول الستة التي بيَّنها الرسولُ عليه الصلاة والسلام.
أمَّا قوله: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فمعناه أنهم قاموا بالأعمال الصالحة من صلاةٍ، وزكاةٍ، وصيامٍ، وحجٍّ، وبِرٍّ للوالدين، وصلةٍ للأرحام، وغير ذلك؛ لم يقتصروا على مجرَّد ما في القلب، بل عَمِلوا وأنتجوا.
والصالحاتُ هي التي اشتملتْ على شيئين؛ الأول: الإخلاص لله، والثاني: المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام؛ وذلك أنَّ العمل إذا لم يكن خالصًا لله فهو مردودٌ؛ قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي الذي يرويه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه، قال الله: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. فلو قُمْتَ تُصلِّي مُراءاةً للناس، أو تصدَّقْتَ مُراءاةً للناس، أو طلبتَ العلم مُراءاةً للناس، أو وَصَلْتَ الرَّحِمَ مُراءاةً للناس، أو غير ذلك، فالعمل مردودٌ حتى وإنْ كان صالحًا؛ يعني في ظاهره.
كذلك الاتِّباع؛ لو أنَّك عَمِلتَ عملًا لم يعمله الرسولُ عليه الصلاة والسلام وتقرَّبْتَ به إلى الله مع الإخلاص لله فإنَّه لا يُقبل منك؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧) بنحوه، ومسلم (١٧١٨ / ١٨) واللفظ له، من حديث عائشة رضي الله عنها.]].
إذَن العملُ الصالحُ ما جَمَعَ وَصْفين؛ الأول: الإخلاص لله، والثاني أيش؟ المتابعةُ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ أي: صار بعضُهم يُوصي بعضًا بالحقِّ، والحقُّ هو الشَّرع؛ يعني: كلُّ واحدٍ منهم يُوصي الآخَر، إذا رآهُ مُفَرِّطًا في واجبٍ أوصاه؛ قال: يا أخي، انفعْ نفسَك، قُمْ بالواجب. إذا رآه فاعلًا محرَّمًا أوصاه؛ قال: يا أخي، اجتنب الحرام. فهُمْ لم يقتصروا على نفْعِ أنفسهم، بل نفعوا أنفسَهم وغيرَهم، ﴿تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾، الحقُّ هنا بمعنى أيش؟ الشرع، يُوصي بعضُهم بعضًا به.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ والصبر: حَبْس النفس عمَّا لا ينبغي فِعْله، وقسَّمه أهل العلم إلى ثلاثة أقسامٍ فقالوا: إن الصبر صبرٌ على طاعة الله، وصبرٌ عن محارم الله، وصبرٌ على أقدار الله؛ ثلاثة أقسام.
الصبر على الطاعة؛ كثيرٌ من الناس يكون فيه كَسَلٌ عن الصلاة مع الجماعة مَثَلًا، لا يذهب إلى المسجد، يقول: أُصَلِّي في البيت وأدَّيتُ الواجب، فيكسل، نقول: يا أخي اصبرْ نفسَك، احبِسْها، كلِّفْها على أن تصلِّي مع الجماعة.
كثيرٌ من الناس إذا رأى زكاة ماله كثيرةً شَحَّ وبَخِلَ وصار يتردَّد: أُخرِج هذا المالَ الكثيرَ، أو أتركه، أو بَعْدِين أطلعه؟ وما أشبهَ ذلك، نقول: يا أخي، اصبرْ نفسَك، أَكْرِهها على أداء الزكاة.
وهكذا بقيَّة العبادات، فإن العبادات كما قال الله تعالى في الصلاة: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة ٤٥]، أكثر عباد الله تجد أن العبادات عليهم ثقيلة، فهم يتواصون بالصبر: اصبرْ على الطاعة، لا تَمَلَّ، لا تكسل.
كذلك الصبر عن المعصية؛ بعضُ الناس تجرُّه نفسُه إلى أكسابٍ محرَّمةٍ؛ إمَّا بالرِّبا، وإمَّا بالغِشِّ والكذب، وإمَّا بالتدليس، أو بغير ذلك من أنواع الحرام، فنقول: اصبرْ يا أخي، اصبرْ نفسَك، لا تتعاملْ على وجهٍ محرَّم.
بعضُ الناس أيضًا يُبتلَى بالنظر إلى النساء، تجده ماشيًا في السوق كُلَّما مَرَّت امرأةٌ أَتْبَعَها بَصَرَهُ، نقول: يا أخي اصبرْ، احبِسْ نفسَك عن هذا الشيء.
على أقدار الله؛ يُصاب الإنسانُ بمرضٍ في بَدَنِه، يُصاب الإنسانُ بفَقْد شيءٍ من ماله، يُصاب الإنسانُ بفَقْد أحِبَّته، فيجزع ويتسخَّط ويتألَّم، فيوصون فيما بينهم: اصبرْ يا أخي، هذا أمْرٌ مُقَدَّر، والجزعُ لا يُفيد شيئًا، واستمرارُ الحزنِ لا يرفع الحزنَ، اصبرْ، قَدِّر أنَّ هذا الشيءَ لَمْ يكُنْ أصلًا؛ يعني مَثَلًا إنسان فَقَدَ مليون ريال فحَزِنَ لذلك وتعذَّب منه، ماذا نقول له؟ نقول: اصبرْ يا أخي، قَدِّر أنَّ هذا المليون لم يوجَد، ألسْتَ قد خرجْتَ من بطن أُمِّك ليس عليك ثياب؟! قَدِّر أنَّ هذا ما كان.
كذلك أيضًا الأولاد؛ مَثَلًا إنسان امتُحِنَ بموت ابنه، نقول: يا أخي، اصبرْ، قَدِّر أنَّ هذا الابن لم يُخْلَق، ثم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لإحدى بناته: «مُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى»[[أخرج البخاري (٧٤٤٨)، ومسلم (٩٢٣ / ١١) واللفظ له، بسنديهما عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كنَّا عند النبي ﷺ، فأرسلتْ إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيًّا لها أو ابنًا لها في الموت، فقال للرسول: «ارجعْ إليها فأخبرْها أنَّ لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلُّ شيءٍ عنده بأجَلٍ مُسَمًّى، فمُرْها فلتصبر ولتحتسبْ ...» الحديث.]]، الأمر كلُّه لله ما هو لك، فإذا أخذ الله تعالى ملْكَه كيف تعتبُ على ربِّك؟! كيف تتسخَّط؟!
فهذه أنواع الصبر؛ الصبر الأول: على طاعة الله، والثاني: عن معصية الله، والثالث: على أقدار الله.
أيُّها أشقُّ على النفوس؟ هذا يختلف؛ بعضُ الناس يشقُّ عليه القيامُ بالطاعة وتكون ثقيلةً عليه جِدًّا، وبعضُ الناس بالعكس؛ الطاعة هيِّنة عليه، لكنْ تَرْك المعصية صعبٌ شاقٌّ يشقُّ عليه مشقَّة كبيرة، وبعضُ الناس يَسْهُل عليه الصبرُ على الطاعة والصبرُ عن المعصية لكنْ لا يتحمَّل الصبرَ على المصائب، يعجز، حتى إنَّه قد تَصِل به الحال إلى أن يرتَدَّ -والعياذُ بالله- كما قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج ١١].
إذَنْ نأخذ من هذه الآية أنَّ الله سبحانه وتعالى أكَّدَ بالقَسَم المؤكَّد بـ(إنَّ) واللام أنَّ جميع بني آدم أيش؟ خاسرون، بل في خُسْرٍ؛ الْخُسْر محيطٌ بهم من كلِّ جانب، إلَّا مَن اتَّصَفَ بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
قال الشافعي رحمه الله: لولم يُنزل اللَّهُ على عباده حُجَّةً إلا هذه السورة لَكَفَتْهم. يعني: كَفَتْهم موعظةً، وليس كَفَتْهم تشريعًا؛ لأنه ما فيها شيءٌ من التشريع؛ ما فيها طهارةٌ ولا صلاةٌ ولا زكاةٌ ولا حجٌّ ولا صيامٌ، لكنْ كَفَتْهم موعظةً، كل إنسان عاقل يعرف أنَّه في خُسْرٍ إلَّا إذا اتَّصَفَ بهذه الصفات الأربع فإنه سوف يحاول بقَدْر ما يستطيع أن يتَّصِفَ بهذه الصفات الأربع.
نسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم من الرابحين الموفَّقين.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلۡعَصۡرِ","إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ","إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ"],"ayah":"إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق