الباحث القرآني
تَفْسِيرُ سُورَةِ لَمْ يَكُنْ
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ -وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ-أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ -هُوَ ابْنُ زَيْدٍ-عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَيَّة الْبَدْرِيَّ -وَهُوَ: مَالِكُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ-قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " إِلَى آخِرِهَا، قَالَ جِبْرِيلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَهَا أُبَيًا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَبِي: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ هَذِهِ السُّورَةَ". قَالَ أُبَيٌّ: وَقَدْ ذُكِرْتُ ثَمَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَبَكَى أُبَيٌّ [[المسند (٣/٤٨٩) .]] .
حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَبَكَى.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِهِ [[المسند (٣/١٣٠) وصحيح البخاري (٤٩٥٩) وصحيح مسلم برقم (٧٩٩) وسنن الترمذي برقم (٣٧٩٢) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٩١) .]] .
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّل، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَسْلَمُ الْمُنْقِرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ ذُكرتُ هُنَاكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، فَفَرحت بِذَلِكَ. قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَاللَّهُ يَقُولُ: " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " [يُونُسَ: ٥٨] . قَالَ مُؤَمَّلٌ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: الْقِرَاءَةُ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَ: نَعَمْ. تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [[المسند (٥/١٢٣) .]] .
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَحَجَّاجٌ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلة، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِي: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ". قَالَ: فَقَرَأَ: " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " قَالَ: فَقَرَأَ فِيهَا: وَلَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ سَأَلَ وَادِيًا مِنْ مَالٍ، فَأُعْطِيَهُ [[في أ: "فأعطيته".]] لَسَأَلَ ثَانِيًا، وَلَوْ سَأَلَ ثَانِيًا فَأُعْطِيَهُ [[في أ: "فأعطيته".]] لَسَأَلَ ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ. وَإِنَّ ذَلِكَ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ، غَيْرُ الْمُشْرِكَةِ وَلَا الْيَهُودِيَّةِ وَلَا النَّصْرَانِيَّةِ، وَمَنْ يَفْعَلُ خَيْرًا فَلَنْ يكفره.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهِ [[المسند (٥/١٣١) وسنن الترمذي برقم (٣٧٩٣) .]] وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ". قَالَ: بِاللَّهِ آمَنْتُ، وَعَلَى يَدِكَ أَسْلَمْتُ، وَمِنْكَ تَعَلَّمْتُ. قَالَ: فَرَدَّ النَّبِيُّ ﷺ الْقَوْلَ. [قَالَ] [[زيادة من م، أ.]] فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَذُكِرْتُ هُنَاكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، بِاسْمِكَ وَنَسَبِكَ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى". قَالَ: فَاقْرَأْ إِذًا يَا رَسُولَ اللَّهِ [[المعجم الكبير (١/٢٠٠) .]] .
هَذَا غَرِيبُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالثَّابِتُ مَا تَقَدَّمَ. وَإِنَّمَا قَرَأَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ هَذِهِ السُّورَةَ تَثْبِيتًا لَهُ، وَزِيَادَةً لِإِيمَانِهِ، فَإِنَّهُ -كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، عَنْهُ [[المسند (٥/١٢٢) وسنن النسائي (٢/٥٤) .]] وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَد عَنْهُ [[المسند (٥/١٢٤) وسنن أبي داود برقم (١٤٧٧) .]] وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْهُ [[المسند (٥/١١٤) .]] وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْهُ [[المسند (٥/١٢٧) وصحيح مسلم برقم (٨٢٠) وسنن أبي داود برقم (١٤٧٨) وسنن النسائي (٢/١٥٣) .]] كَانَ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى إِنْسَانٍ، وَهُوَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قِرَاءَةَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى خِلَافِ مَا أَقْرَأَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَاسْتَقْرَأَهُمَا، وَقَالَ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا: "أَصَبْتَ". قَالَ أُبَيُّ: فَأَخَذَنِي مِنَ الشَّكِّ وَلَا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي صَدْرِهِ، قَالَ أُبَيُّ: فَفضْتُ عَرَقًا، وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ فَرَقًا. وَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. فَقُلْتُ: "أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ". فَقَالَ: عَلَى حَرْفَيْنِ. فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. كَمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَ هَذَا الْحَدِيثِ بِطُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ. فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الْكَرِيمَةُ وَفِيهَا: " رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ " قَرَأَهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قِرَاءَةَ إِبْلَاغٍ وَتَثْبِيتٍ وَإِنْذَارٍ، لَا قِرَاءَةَ تَعَلُّمٍ وَاسْتِذْكَارٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا كَمَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ عَنْ تِلْكَ الْأَسْئِلَةِ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ: أَوْلَمَ تَكُنْ تُخْبِرُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: "بَلَى، أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ عَامَكَ هَذَا؟ ". قَالَ: لَا قَالَ: "فَإِنَّكَ آتِيهِ، ومُطوَّف بِهِ". فَلَمَّا رَجَعُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سُورَةَ "الْفَتْحِ"، دَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، وَفِيهَا قَوْلُهُ: " لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ " الْآيَةَ [الْفَتْحِ: ٢٧] ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيم فِي كِتَابِهِ "أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ" مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْجَعْفَرِيِّ المدني: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنُ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ الْمَدَنِيِّ، حَدَّثَنِي فُضَيل، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " فَيَقُولُ: أَبْشِرْ عَبْدِي، فَوَعِزَّتِي لَأُمَكِّنَنَّهُ [[في م: "لأملأن"، وفي أ: "لأمكنن".]] لَكَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى تَرْضَى".
حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ، مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ نَظير الْمُزَنِيِّ -أَوْ: الْمَدَنِيِّ -عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " وَيَقُولُ: أَبْشِرْ عَبْدِي، فَوَعِزَّتِي لَا أَنْسَاكَ عَلَى حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَأُمَكِّنَنَّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى تَرْضَى" [[أسد الغابة لابن الأثير (٤/٥٤٩) وذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (٣/٥٢٨) من طريق أبي موسى، وهي من طريق محمد بن إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن سلمة، عن الزهري به، وقال: "عبد الله بن سلمة واهي الحديث".]] .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *
أَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَهُمُ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَالْمُشْرِكُونَ: عَبَدةُ الْأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ، مِنَ الْعَرَبِ وَمِنَ الْعَجَمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَمْ يَكُونُوا ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ يَعْنِي: مُنْتَهِينَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ.
﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ أَيْ: هَذَا الْقُرْآنُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ ثُمَّ فَسَّرَ الْبَيِّنَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا ﷺ، وَمَا يَتْلُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، الَّذِي هُوَ مُكْتَتَبٌ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، فِي صُحُفٍ مُطَهَّرَةٍ كَقَوْلِهِ: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عَبَسَ: ١٣ -١٦] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْ فِي الصُّحُفِ الْمُطَهَّرَةِ كُتُبٌ مِنَ اللَّهِ قِيمَةٌ: عَادِلَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ قَتَادَةُ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ يَذْكُرُ الْقُرْآنَ بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِأَحْسَنِ الثَّنَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ مُسْتَقِيمَةٌ مُعْتَدِلَةٌ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ كقوله: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٠٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: أَهْلَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَنَا، بَعْدَ مَا أَقَامَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحُجَجَ وَالْبَيِّنَاتِ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ كُتُبِهِمْ، وَاخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرِقٍ: "أَنَّ الْيَهُودَ اخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَأَنَّ النَّصَارَى اخْتَلَفُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً". قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي" [[جاء هذا الحديث من حديث أبي هريرة، وأنس، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن عوف المزني، وعوف بن مالك، وأبي أمامة، وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هو حديث صحيح مشهور" وانظر: تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (١/٤٤٧-٤٥٠) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٥] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: حُنَفَاءُ، أَيْ: مُتَحنفين عَنِ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ. كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النَّحْلِ: ٣٦] وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ الْحَنِيفِ فِي سُورَةِ "الْأَنْعَامِ" [[عند تفسير الآية: ١٦١.]] بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا.
﴿وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ وَهِيَ أَشْرَفُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ، ﴿وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ وَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْفُقَرَاءِ [[في أ: "الفقير".]] وَالْمَحَاوِيجِ. ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ أَيْ: الْمِلَّةُ الْقَائِمَةُ الْعَادِلَةُ، أَوِ: الْأُمَّةُ الْمُسْتَقِيمَةُ الْمُعْتَدِلَةُ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، كَالزُّهْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَانِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾
{"ayahs_start":1,"ayahs":["لَمۡ یَكُنِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِینَ مُنفَكِّینَ حَتَّىٰ تَأۡتِیَهُمُ ٱلۡبَیِّنَةُ","رَسُولࣱ مِّنَ ٱللَّهِ یَتۡلُوا۟ صُحُفࣰا مُّطَهَّرَةࣰ","فِیهَا كُتُبࣱ قَیِّمَةࣱ","وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَةُ","وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ حُنَفَاۤءَ وَیُقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَ ٰلِكَ دِینُ ٱلۡقَیِّمَةِ"],"ayah":"وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَةُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق