الباحث القرآني
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ قَالَ: جَبَلٌ فِي جَهَنَّمَ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ هُوَ سَبْعُونَ دَرَجَةً فِي جَهَنَّمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ قَالَ: عَقَبَةٌ فِي جَهَنَّمَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّهَا قَحْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَاقْتَحِمُوهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ قَتَادَةُ [[في جميع النسخ: "وقال قتادة: وقوله (وما أدراك ما العقبة) ". وحذفنا "وقوله" ليستقيم المعنى. مستفادا من هامش طـ. الشعب.]] ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنِ اقْتِحَامِهَا. فَقَالَ: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ﴾
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ أَيْ: أَفَلَا سَلَكَ الطَّرِيقَ الَّتِي فِيهَا النَّجَاةُ وَالْخَيْرُ. ثُمَّ بَيَّنَهَا فَقَالَ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ﴾
قُرِئَ: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ بِالْإِضَافَةِ، وقُرئ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ، وَفِيهِ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ وَالرَّقَبَةُ مَفْعُولُهُ وَكِلْتَا [[في م: "وكلا".]] الْقِرَاءَتَيْنِ مَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ [[في م: "حدثنا مكي".]] بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ سَعِيدِ [[في م: "سعد".]] بْنِ أَبِي هِنْدٍ-عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ -مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ-عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرة يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْب مِنْهَا إِرْبًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُعْتِقُ بِالْيَدِ الْيَدَ، وَبِالرِّجْلِ الرِّجْلَ، وَبِالْفَرْجِ الْفَرْجَ". فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: أنتَ سَمعتَ هَذَا مِنْ أَبِي هُرَيرة؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: نَعَمْ. فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لِغُلَامٍ لَهُ -أفْرَهَ غِلْمَانِهِ-: ادعُ مطْرَفًا. فَلَمَّا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُر لِوَجْهِ اللَّهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، بِهِ [[المسند (٢/٤٢٢) وصحيح البخاري برقم (٢٥١٧،٦٧١٥) وصحيح مسلم برقم (١٥٠٩) وسنن الترمذي برقم (١٥٤١) وسنن النسائي الكبرى برقم (٤٨٧٥) .]] وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ الَّذِي أَعْتَقَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ كَانَ قَدْ أُعْطِيَ فِيهِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعدانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي نَجِيح [[في أ: "عن ابن أبي نجيح".]] قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "أَيُّمَا مُسْلِمٍ أعتقَ رَجُلا مُسْلِمًا، فَإِنَّ اللَّهَ جاعلٌ وَفَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ عَظْمًا مِنْ عِظَامِ مُحَرِّرِهِ مِنَ النَّارِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ وَفَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا عَظْمًا مِنْ عِظَامِهَا مِنَ النَّارِ".
رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ هَكَذَا [[تفسير الطبري (٣٠/١٢٩) ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (٤٨٧٩) من طريق قتادة.]] وَأَبُو نَجِيحٍ هَذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبسَةَ السُّلَمِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي بَحير بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبسَة [[في أ: "ابن عنبسة".]] أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "من بَنَى مَسْجِدًا لِيُذْكَرَ اللَّهُ فِيهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. وَمَنْ أَعْتَقَ نَفْسًا مُسَلِمَةً، كَانَتْ فِدْيَتَهُ مِنْ جَهَنَّمَ. وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [[المسند (٤/٣٨٦) .]] .
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا حَريز؛ عَنْ سُليم بْنِ عَامِرٍ: أَنْ شُرَحْبِيلَ بْنَ السِّمْطِ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ عَبسةَ [[في أ: "عنبسة".]] حَدِّثنا حَدِيثًا لَيْسَ فِيهِ تَزَيّد وَلَا نِسْيَانٌ. قَالَ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ، عُضْوا بعضو. ومن شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فَبَلَغَ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ، كَانَ كَمُعْتِقِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ" [[المسند (٤/١١٣) .]] .
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بَعْضَهُ [[سنن أبي داود برقم (٣٩٦٦) وسنن النسائي الكبرى برقم (٤٨٨٥،٤٨٨٦) .]] .
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا الْفَرَجُ، حَدَّثَنَا لُقْمَانُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبسَةَ [[في أ: "عنبسة".]] قَالَ السُّلَمِيُّ [[في م: "السلمي قال".]] قُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيْسَ فِيهِ انْتِقَاصٌ وَلَا وَهم. قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ وُلد لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فِي الْإِسْلَامِ فَمَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ رَمى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَلَغَ بِهِ الْعَدُّوَ، أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ، كَانَ لَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ. وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ، يُدْخِلُهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ مِنْهَا" [[المسند (٤/٣٨٦) .]] .
وَهَذِهِ أَسَانِيدُ جَيِّدَةٌ قَوِيَّةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ [وَالْمِنَّةُ] [[زيادة من أ.]] .
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا ضَمْرة، عَنِ ابْنِ أَبِي عَبلَة، عَنِ الْغَرِيفِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: أَتَيْنَا وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ فَقُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا حَديثا لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ. فَغَضِبَ وَقَالَ: إِنْ أَحَدَكُمْ لَيَقْرَأُ وَمُصْحَفُهُ مُعَلَّقٌ فِي بَيْتِهِ، فَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ. قُلْنَا: إِنَّمَا أَرَدْنَا حَدِيثًا سمعتَه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَوْجَبَ -يَعْنِي النَّارَ-بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: "أَعْتِقُوا عَنْهُ يُعتق اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ".
وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبلة، عَنِ الغَريف بْنِ عَيَّاشٍ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ، بِهِ [[سنن أبي داود برقم (٣٩٦٤) وسنن النسائي الكبرى برقم (٤٨٩٠،٤٨٩١) .]] .
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ قَيْسٍ الْجُذَامِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةَ مُسْلِمَةٍ فَهُوَ فِدَاؤُهُ مِنَ النَّارِ" [[المسند (٤/١٥٠)]] .
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْخَفَّافُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِر أَنَّ قَيْسًا الْجُذَامِيَّ حَدّث عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "من أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَهِيَ فِكَاكُهُ مِنَ النَّارِ" [[المسند (٤/١٤٧) .]] .
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَأَبُو أَحْمَدَ قَالَا حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عبد الرَّحْمَنِ الْبَجَلِيُّ -مَنْ بَنِي بَجِيلَةَ-مَنْ بَنِي سُلَيْمٍ -عَنْ طَلْحَةَ-قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ -عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. فَقَالَ: "لَئِنْ كُنْتَ أقصرتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ. أَعْتِقِ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَيْسَتَا بِوَاحِدَةٍ؟ قَالَ: "لَا إِنَّ عِتْقَ النَّسَمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكَّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا. وَالْمِنْحَةُ الْوَكُوفُ، وَالْفَيْءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الظَّالِمِ؛ فَإِنْ لَمْ تُطِق ذَلِكَ فَأَطْعِمِ الجائعَ، واسْقِ الظَّمْآنَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَكُفَّ لِسَانَكَ إِلَّا مِنَ الْخَيْرِ" [[المسند (٤/٢٩٩) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذِي مَجَاعَةٍ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. والسَّغَب: هُوَ الْجُوعُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِي: فِي يومٍ الطعامُ فِيهِ عزيزٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي يَوْمٍ يُشتهى فِيهِ الطَّعَامُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿يَتِيمًا﴾ أَيْ: أَطْعِمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ يَتِيمًا، ﴿ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ أَيْ: ذَا قَرَابَةٍ مِنْهُ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ [[في أ: "على المسلمين".]] صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ، صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ".
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ [[المسند (٤/٢١٤) وسنن الترمذي برقم (٦٥٨) وسنن النسائي (٥/٩٢) وقال الترمذي: "حديث سلمان بن عامر حديث حسن".]] وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ أَيْ: فَقِيرًا مُدقعًا لَاصِقًا بِالتُّرَابِ، وَهُوَ الدَّقْعَاءُ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ هُوَ الْمَطْرُوحُ فِي الطَّرِيقِ [[في م: "بالطريق".]] الَّذِي لَا بَيْتَ لَهُ، وَلَا شَيْءَ يَقِيهِ مِنَ التُّرَابِ -وَفِي رِوَايَةٍ: هُوَ الَّذِي لَصِقَ بِالدَّقْعَاءِ مِنَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ -وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: هُوَ الْبَعِيدُ التُّرْبَةِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يَعْنِي الْغَرِيبَ عَنْ وَطَنِهِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الْفَقِيرُ الْمَدْيُونُ الْمُحْتَاجُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الَّذِي لَا أَحَدَ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدٌ، وَقَتَادَةُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: هُوَ ذُو الْعِيَالِ.
وَكُلُّ هَذِهِ قَرِيبَةُ الْمَعْنَى.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [[في م: "آمنوا وعملوا الصالحات".]] أَيْ: ثُمَّ هُوَ مَعَ هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة [[في أ: "الظاهرة".]] مؤمنٌ بِقَلْبِهِ، مُحْتَسِبٌ ثَوَابَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٩] وَقَالَ ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ الْآيَةَ [[في م: "الآيات".]] [النَّحْلِ: ٩٧] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ أَيْ: كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ صَالِحًا، الْمُتَوَاصِينَ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَى النَّاسِ، وَعَلَى الرَّحْمَةِ بِهِمْ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" [[رواه الإمام أحمد في المسند (٢/١٦٠) من حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.]] وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "لَا يَرْحَم اللهُ مَنْ لَا يَرْحَم النَّاسَ" [[رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٣١٩) من حديث جرير رضي الله عنه.]] .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا [أَبُو بَكْرِ] [[زيادة من أ.]] بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ ابْنِ عَامِرٍ [[في أ: "جابر".]] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو -يَرْوِيهِ-قَالَ: "مَنْ لَمْ يَرْحم صَغِيرَنَا ويَعْرِف حَقَّ كَبِيرِنَا، فَلَيْسَ مِنَّا" [[سنن أبي داود برقم (٤٩٤٣) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ أَيِ: الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾ أَيْ: أَصْحَابُ الشِّمَالِ، ﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾ أَيْ: مُطْبَقَةٌ عَلَيْهِمْ، فَلَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا، وَلَا خُرُوجَ لَهُمْ مِنْهَا.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: ﴿مُؤْصَدَةٌ﴾ أَيْ: مُطْبَقَةٌ -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُغْلَقَةُ الْأَبْوَابِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَصَدَ الْبَابَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ: أَيْ أَغْلَقَهُ.
وَسَيَأْتِي فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ فِي سُورَةِ: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿مُؤْصَدَةٌ﴾ حَيْطٌ لَا بَابَ لَهُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿مُؤْصَدَةٌ﴾ مُطْبِقَةٌ فَلَا ضَوْءَ فِيهَا وَلَا فُرَج، وَلَا خُرُوجَ مِنْهَا آخِرَ الْأَبَدِ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَمَرَ اللَّهُ بِكُلِّ جَبَّارٍ وَكُلِّ شَيْطَانٍ وَكُلِّ مَنْ كَانَ يَخاف النَّاسُ فِي الدُّنْيَا شَرَّهُ، فَأُوثِقُوا فِي الْحَدِيدِ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ، ثُمَّ أَوْصَدُوهَا عَلَيْهِمْ، أَيْ: أَطْبَقُوهَا -قَالَ: فَلَا وَاللَّهِ لَا تَسْتَقِرُّ أَقْدَامُهُمْ عَلَى قَرَارٍ أَبَدًا، وَلَا وَاللَّهِ لَا يَنْظُرُونَ فِيهَا إِلَى أَدِيمِ سَمَاءٍ أَبَدًا، وَلَا وَاللَّهِ لَا تَلْتَقِي جُفُونُ أَعْيُنِهِمْ عَلَى غَمْضِ نَوْمٍ أَبَدًا،. وَلَا وَاللَّهِ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَارِدَ شَرَابٍ أَبَدًا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
آخِرُ تَفْسِيرِ سورة "البلد" ولله الحمد والمنة
{"ayahs_start":11,"ayahs":["فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡعَقَبَةُ","فَكُّ رَقَبَةٍ","أَوۡ إِطۡعَـٰمࣱ فِی یَوۡمࣲ ذِی مَسۡغَبَةࣲ","یَتِیمࣰا ذَا مَقۡرَبَةٍ","أَوۡ مِسۡكِینࣰا ذَا مَتۡرَبَةࣲ","ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَیۡمَنَةِ","وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا هُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَشۡـَٔمَةِ","عَلَیۡهِمۡ نَارࣱ مُّؤۡصَدَةُۢ"],"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَیۡمَنَةِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق