تَفْسِيرُ سُورَةِ الْبَلَدِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *
هَذَا قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [[في أ: "تعالى".]] بِمَكَّةَ أُمِّ الْقُرَى فِي حَالِ كَوْنِ السَّاكِنِ فِيهَا حَالًا؛ لِيُنَبِّهَ عَلَى عَظَمَةِ قَدْرِهَا فِي حَالِ إِحْرَامِ أَهْلِهَا.
قَالَ خَصيف، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ لَا رَدَّ عَلَيْهِمْ؛ أَقْسَمَ بِهَذَا الْبَلَدِ.
وَقَالَ شَبيب بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ يَعْنِي: مَكَّةَ، ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ قَالَ: أَنْتَ -يَا مُحَمَّدُ-يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُقَابِلَ بِهِ. وَكَذَا رُوي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَأَبِي صَالِحٍ، وَعَطِيَّةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَابْنِ زَيْدٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا أَصَبْتَ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ لَكَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ قَالَ: أَنْتَ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَرَج وَلَا إِثْمٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَحَلَّهَا اللَّهُ لَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَالُوهُ قَدْ وَرَد بِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ: "إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بحُرمَة اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعضَد شَجَرُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ. وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ". وَفِي لَفْظٍ [آخَرَ] [[زيادة من م.]] فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّص بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ" [[الحديث في صحيح البخاري برقم (١٠٤، ١٠٥، ١٨٣٢، ٤٢٩٥) وصحيح مسلم برقم (١٣٥٣) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا ابْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ خَصِيف، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ الْوَالِدُ: الَّذِي يَلِدُ، وَمَا وَلَدَ: الْعَاقِرُ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ.
وَرَوَاهُ [ابْنُ جَرِيرٍ وَ] [[زيادة من أ.]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ -وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي-بِهِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْوَالِدُ: الْعَاقِرُ، وَمَا وَلَدَ: الَّذِي يَلِدُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وخُصيف، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ: يَعْنِي بِالْوَالِدِ آدَمَ، وَمَا وَلَدَ وَلَدَهُ.
وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مُجَاهِدٌ وَأَصْحَابُهُ حَسَنٌ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَقْسَمَ بِأُمِّ الْقُرَى وَهِيَ الْمَسَاكِنُ أَقْسَمَ بَعْدَهُ بِالسَّاكِنِ، وَهُوَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ وَوَلَدُهُ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: هُوَ إِبْرَاهِيمُ وَذُرِّيَّتُهُ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ. وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ رُوي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وخَيْثَمة، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِهِمْ: يَعْنِي مُنْتَصِبًا -زَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ-فِي [[في م، أ: "منتصبا في".]] بَطْنِ أُمِّهِ.
وَالْكَبَدُ: الِاسْتِوَاءُ وَالِاسْتِقَامَةُ. وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ سَوِيًّا مُسْتَقِيمًا كَقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ [الِانْفِطَارِ: ٦، ٧] ، وَكَقَوْلِهِ ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التِّينِ:٤] .
وَقَالَ ابْنُ [أَبِي نجيحُ] [[زيادة من م.]] جُرَيْجٍ وَعَطَاءٍ [[في م، أ: "عن عطاء".]] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كَبَدٍ، قَالَ: فِي شِدَّةِ خُلق، أَلَمْ تَرَ إِلَيْهِ ... وَذَكَرَ مَوْلِدَهُ وَنَبَاتَ أَسْنَانِهِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿فِي كَبَدٍ﴾ نُطْفَةٌ، ثُمَّ عَلَقَةٌ، ثُمَّ مُضْغَةٌ يَتَكَبَّدُ فِي الْخَلْقِ -قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ وَأَرْضَعَتْهُ كُرْهًا، وَمَعِيشَتُهُ كُرْهٌ، فَهُوَ يُكَابِدُ ذَلِكَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ فِي شِدَّةٍ وطَلَب مَعِيشَةٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: فِي شِدَّةٍ وَطُولٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي مَشَقَّةٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ سَأَلَ رَجُلًا مَنِ الْأَنْصَارِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ قَالَ: فِي قِيَامِهِ وَاعْتِدَالِهِ. فَلَمْ يُنكر عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ.
وَرَوَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَوْدُودٍ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ قَالَ: يُكَابِدُ أَمْرًا مَنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَأَمْرًا مَنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ -وَفِي رِوَايَةٍ: يُكَابِدُ مضايق الدنيا وشدائد الآخرة.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ قَالَ: آدَمُ خُلِقَ فِي السَّمَاءِ، فَسُمي ذَلِكَ الكَبَد.
وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ [بِذَلِكَ] [[زيادة من م.]] مُكَابَدَةُ الْأُمُورِ وَمَشَاقِّهَا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَعْنِي أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَأْخُذُ مَالَهُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾ قَالَ: ابْنُ آدَمَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يُسأل عَنْ هَذَا الْمَالِ: مَنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَأَيْنَ أَنْفَقَهُ؟
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾ قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا﴾ أَيْ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: أَنْفَقْتُ مَالًا لُبَدًا، أَيْ: كَثِيرًا. قَالَهُ مُجَاهِدٌ [وَالْحَسَنُ] [[زيادة من م، أ.]] وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾ أَيْ: يُبْصِرُ بِهِمَا، ﴿وَلِسَانًا﴾ أَيْ: يَنْطِقُ بِهِ، فَيُعبر عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ، ﴿وَشَفَتَيْنِ﴾ [[في م: (ولسانا وشفتين) .]] يَسْتَعِينُ بِهِمَا عَلَى الْكَلَامِ وَأَكْلِ الطَّعَامِ، وَجَمَالًا لِوَجْهِهِ وَفَمِهِ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الرَّبِيعِ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، قَدْ أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ نِعَمًا عِظَامًا لَا تُحْصِي عَدَدَهَا وَلَا تُطِيقُ شُكْرَهَا، وَإِنَّ مِمَّا أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ أَنْ جَعَلْتُ لَكَ عَيْنَيْنِ تَنْظُرُ بِهِمَا، وَجَعَلْتُ لَهُمَا غِطَاءً، فَانْظُرْ بِعَيْنَيْكَ إِلَى مَا أَحْلَلْتُ لَكَ، وَإِنْ رَأَيْتَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ فَأَطْبِقْ عَلَيْهِمَا غِطَاءَهُمَا. وَجَعَلْتُ لَكَ لِسَانًا، وَجَعَلْتُ لَهُ غُلَافًا، فَانْطِقْ بِمَا أَمَرْتُكَ وأحللتُ لَكَ، فَإِنْ عَرَض لَكَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ فَأَغْلِقْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ. وَجَعَلْتُ لَكَ فَرْجًا، وَجَعَلْتُ لَكَ سِتْرًا، فَأَصِبْ بِفَرْجِكَ مَا أَحْلَلْتُ لَكَ، فَإِنْ عَرَض لَكَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ فَأرْخِ عَلَيْكَ سِتْرَكَ. يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَا تَحْمِلُ سُخْطِي، وَلَا تُطِيقُ انْتِقَامِي" [[تاريخ دمشق (١٩/٤٦ "المخطوط") .]] .
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ-: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ قَالَ: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ. وَكَذَا رُوي عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ فِي آخَرِينَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن وهب: أخبرني بْنُ لَهِيعة، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنان بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هُمَا نَجْدَانِ، فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشَّرِّ أحب إليكم من نجد الخير" [[ورواه ابن عدي في الكامل (٣/٣٥٦) من طريق ابن وهب.]] .
تَفَرَّدَ بِهِ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ -وَيُقَالُ: سَعْدُ بْنُ سِنَانٍ -وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْجُوزَجَانِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: تَرَكْتُ حَدِيثَهُ لِاضْطِرَابِهِ. وَرَوَى خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيثًا مُنْكَرَةً كُلَّهَا، مَا أَعْرِفُ مِنْهَا حَدِيثًا وَاحِدًا. يُشْبِهُ حَدِيثُهُ حديثَ الْحَسَنِ -يَعْنِي الْبَصْرِيَّ-لَا يُشْبِهُ حديثَ أَنَسٍ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُمَا النَّجْدَانِ، نَجْدُ الْخَيْرِ وَنَجْدُ الشَّرِّ، فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشَّرِّ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الْخَيْرِ" [[تفسير الطبري (٣٠/١٢٨) .]] .
وَكَذَا رَوَاهُ حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو وَهْبٍ، عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا. وَهَكَذَا أَرْسَلَهُ قَتَادَةُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أبو أحمد الزبيري، حدثنا عيسى ابن عِقَالٍ [[في أ: "عفان".]] عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ قَالَ: الثَّدْيَيْنِ.
وَرُوِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيم [[في أ: "خيثم".]] وَقَتَادَةَ وَأَبِي [[في م: "وابن".]] حَازِمٍ، مِثْلُ ذَلِكَ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْب، عَنْ وَكِيع، عَنْ عِيسَى بْنِ عقَال، بِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ.
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: ٢، ٣] .
{"ayahs_start":1,"ayahs":["لَاۤ أُقۡسِمُ بِهَـٰذَا ٱلۡبَلَدِ","وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَـٰذَا ٱلۡبَلَدِ","وَوَالِدࣲ وَمَا وَلَدَ","لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِی كَبَدٍ","أَیَحۡسَبُ أَن لَّن یَقۡدِرَ عَلَیۡهِ أَحَدࣱ","یَقُولُ أَهۡلَكۡتُ مَالࣰا لُّبَدًا","أَیَحۡسَبُ أَن لَّمۡ یَرَهُۥۤ أَحَدٌ","أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَیۡنَیۡنِ","وَلِسَانࣰا وَشَفَتَیۡنِ","وَهَدَیۡنَـٰهُ ٱلنَّجۡدَیۡنِ"],"ayah":"لَاۤ أُقۡسِمُ بِهَـٰذَا ٱلۡبَلَدِ"}