الباحث القرآني

هَذَا شُرُوعٌ فِي عِتَابِ مَنْ تخلَّف عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وحَمَارَّة [[في أ: "وحماوة".]] الْقَيْظِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أَيْ: إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴿اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ﴾ أَيْ: تَكَاسَلْتُمْ وَمِلْتُمْ إِلَى الْمَقَامِ فِي الدَّعَةِ وَالْخَفْضِ وَطَيِّبِ الثِّمَارِ، ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ﴾ أَيْ: مَا لَكُمْ فَعَلْتُمْ [[في ت، ك، أ: "صنعتم".]] هَكَذَا أَرِضًا مِنْكُمْ بِالدُّنْيَا بَدَلًا مِنَ الْآخِرَةِ ثُمَّ زَهَّدَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا، وَرَغَّبَ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ: ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ﴾ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. حَدَّثَنَا وَكِيع وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ المستَوْرِد أَخِي بَني فِهْر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يَجْعَلُ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي اليم، فلينظر بما تَرْجِعُ؟ [[في أ: "يرجع".]] وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ. انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ [[المسند (٤/٢٢٨) وصحيح مسلم برقم (٢٨٥٨) .]] وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ [[في أ: "عن".]] عَبْدِ الْحَمِيدِ الحِمْصي، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ رَوْح، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ -يَعْنِي الْجَصَّاصَ -عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، سَمِعْتُ مِنْ إِخْوَانِي بِالْبَصْرَةِ أَنَّكَ تَقُولُ: سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي بِالْحَسَنَةِ أَلْفَ أَلْفَ حَسَنَةٍ" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يجزي بالحسنة ألفي ألف حَسَنَةٍ" ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ﴾ [[في ت، ك، أ: "ما الحياة" وهو خطأ.]] [[ورواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن مردويه في تفسيره كما في الدر المنثور (٥/١٩٣) .]] فَالدُّنْيَا مَا مَضَى مِنْهَا وَمَا بَقِيَ مِنْهَا عِنْدَ اللَّهِ قَلِيلٌ. وَقَالَ [سُفْيَانُ] [[زيادة من ت، ك، أ.]] الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ فِي الْآيَةِ: ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ﴾ قَالَ: كَزَادِ الرَّاكِبِ. وَقَالَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ [[في أ: "حاتم".]] عَنْ أَبِيهِ: لَمَّا حَضَرَتْ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مَرْوَانَ الوفاةُ قَالَ: ائْتُونِي بِكَفَنَيِ الَّذِي أُكَفَّنُ فِيهِ، أَنْظُرُ إِلَيْهِ [[في ت: "فيه".]] فَلَمَّا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ نَظَر إِلَيْهِ فَقَالَ: أمَا لِي مِنْ كَبِير [[في ت، ك، أ: "كثير".]] مَا أُخَلِّفُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا هَذَا؟ ثُمَّ وَلَّى ظَهْرَهُ فَبَكَى وَهُوَ يَقُولُ أفٍّ لَكِ مِنْ دَارٍ. إِنْ كَانَ كثيرُك لَقَلِيلٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلُكِ لَقَصِيرٌ، وَإِنْ كُنَّا مِنْكِ لَفِي غُرُورٍ. ثُمَّ تَوَعَّدَ تَعَالَى عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ فَقَالَ: ﴿إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اسْتَنْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ، فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُمُ القَطْر فَكَانَ عَذَابَهُمْ. ﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ أَيْ: لِنُصْرَةِ نَبِيِّهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: ٣٨] . ﴿وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا﴾ أَيْ: وَلَا تَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا بِتَوَلِّيكُمْ عَنِ الْجِهَادِ، ونُكُولكم وَتَثَاقُلِكُمْ عَنْهُ، ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أَيْ: قَادِرٌ عَلَى الِانْتِصَارِ مِنَ الْأَعْدَاءِ بِدُونِكُمْ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَوْلَهُ: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا﴾ وَقَوْلَهُ ﴿مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٠] إِنَّهُنَّ مَنْسُوخَاتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٢] رُوي هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وعِكْرِمة، وَالْحَسَنِ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَرَدَّهُ [[في أ: "ورواه".]] ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا فِيمَنْ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْجِهَادِ، فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَلَوْ تَرَكُوهُ لَعُوقِبُوا عَلَيْهِ. وَهَذَا لَهُ اتِّجَاهٌ، وَاللَّهُ [سُبْحَانَهُ وَ] [[زيادة من ت، أ.]] تَعَالَى أَعْلَمُ [بِالصَّوَابِ] [[زيادة من ت، أ.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب