يَقُولُ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ نَتْرُكَكُمْ مُهْمَلِينَ، لَا نَخْتَبِرُكُمْ بِأُمُورٍ يَظْهَرُ فِيهَا أَهْلُ الْعَزْمِ الصَّادِقِ مِنَ الْكَاذِبِ؟ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ أَيْ: بِطَانَةً وَدَخِيلَةً [[في ت: "دخلة".]] بَلْ هُمْ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ عَلَى النُّصْحِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَاكْتَفَى بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا ... أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي ...
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿ [الم] أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [[زيادة من ت، أ.]] [الْعَنْكَبُوتِ:١-٣] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آلِ عمران: ١٤٢] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٧٩]
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَعَ الْجِهَادَ لِعِبَادِهِ، بَيَّنَ أَنَّ لَهُ فِيهِ حِكْمَةً، وَهُوَ اخْتِبَارُ [[في ت، ك: "إخبار".]] عَبِيدِهِ: مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ، وَهُوَ تَعَالَى الْعَالِمُ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ؟ فَيَعْلَمُ الشَّيْءَ قَبْلَ كَوْنِهِ، وَمَعَ كَوْنِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، وَلَا رَادَّ لِمَا قَدَّرَهُ وَأَمْضَاهُ.
{"ayah":"أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُوا۟ وَلَمَّا یَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ مِنكُمۡ وَلَمۡ یَتَّخِذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَلِیجَةࣰۚ وَٱللَّهُ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ"}