الباحث القرآني
يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، أَيْ: مِنْ جِنْسِهِمْ وَعَلَى لُغَتِهِمْ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٢٩] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٦٤] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ أَيْ: مِنْكُمْ وَبِلُغَتِكُمْ، كَمَا قَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِلنَّجَاشِيِّ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِرَسُولِ كِسْرَى: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ فِينَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِفَتَهُ، وَمُدْخَلَهُ وَمُخْرَجَهُ، وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيينة، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ قَالَ: لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ مِنْ وِلَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ ﷺ: "خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفاح".
وَقَدْ وُصِلَ هَذَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرامهُرْمُزي فِي كِتَابِهِ "الْفَاصِلِ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي": حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ يُوسُفُ بْنُ هَارُونَ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي لَحَدَّثَنِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي لَمْ يَمَسَّنِي [[في ت، أ: "لم يصبني"، وفي ك: "لم يمسسني".]] مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ". [[الفاصل بين الراوي والواعي (ص ١٣٦) ورواه الطبراني في الأوسط برقم (٣٤٨٣) "مجمع البحرين" من طريق عبد الرحمن الرازي، عن محمد بن أبي عمر به، وفيه مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ متكلم فيه.]]
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ أَيْ: يَعِزُّ عَلَيْهِ الشَّيْءُ الَّذِي يَعْنَتُ أُمَّتَهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهَا؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ" [[رواه أحمد في مسنده (٥/٢٦٦) عن أبي أمامة، و (٦/٢٣٣) عن عائشة رضي الله عنهما.]] وَفِي الصَّحِيحِ: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ" [[صحيح البخاري برقم (٣٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] وَشَرِيعَتَهُ كُلَّهَا سَهْلَةٌ سَمْحَةٌ كَامِلَةٌ، يَسِيرَةٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ.
﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾ أَيْ: عَلَى هِدَايَتِكُمْ وَوُصُولِ النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ إِلَيْكُمْ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ المقرئ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ فِطْر، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ. تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَا طَائِرٌ [[في أ: "وما من طائر".]] يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا -قَالَ: وَقَالَ ﷺ: "مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقرب مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لكم". [[المعجم الكبير (٢/١٥٥) وقال الهيثمي في المجمع (٧/٢٦٥) : "رجاله رجال الصحيح غير مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ وهو ثقة".]]
وقال الإمام أحمد: حدثنا [أبو] [[زيادة من ت، ك، أ، والمسند.]] فَطَن، حدثنا السعودي، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدَةَ النَّهدي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ حُرمة إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَطَّلِعُهَا مِنْكُمْ مُطَّلَع، أَلَا وَإِنِّي آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ أَنْ تَهَافَتُوا فِي النَّارِ، كَتَهَافُتِ الْفِرَاشِ، أَوِ الذُّبَابِ". [[المسند (١/٣٩٠) .]]
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعان، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَان، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ [[في ك: "عن".]] رِجْلَيْهِ وَالْآخِرُ عِنْدَ رَأْسِهِ. فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ: اضْرِبْ مَثَلَ هَذَا وَمَثَلَ أُمَّتِهِ. فَقَالَ: إِنَّ مَثَلَهُ [[في ت: "مثل هذا".]] وَمَثَلَ أُمَّتِهِ كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفَرٍ انْتَهَوْا إِلَى رَأْسِ مَفَازَةٍ [[في ك: "مغازة".]] فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنَ الزَّادِ مَا يَقْطَعُونَ بِهِ الْمَفَازَةَ [[في ك: "المغازة".]] وَلَا مَا يَرْجِعُونَ بِهِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ رَجُلٌ فِي حُلَّة حِبَرَة فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ ورَدت بِكُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً، وَحِيَاضًا رِوَاءً تَتَّبِعُونِي؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمْ، فَأَوْرَدَهُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً، وَحِيَاضًا رُوَاءً، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَسَمِنُوا، فَقَالَ لَهُمْ: أَلَمْ أَلْفِكُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَجَعَلْتُمْ لِي إِنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً أَنْ تَتَّبِعُونِي؟ فَقَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ رِيَاضًا هِيَ أَعْشَبُ مِنْ هَذِهِ، وَحِيَاضًا هِيَ أَرَوَى مِنْ هَذِهِ، فَاتَّبَعُونِي. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: صَدَقَ، وَاللَّهِ لَنَتْبَعَنَّهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قَدْ رَضِينَا بِهَذَا نُقِيمُ عَلَيْهِ. [[المسند (١/٢٦٧) وعلى بن زيد بن جدعان ضعيف.]]
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عِكْرِمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِيَسْتَعِينَهُ فِي شَيْءٍ -قَالَ عِكْرِمة: أَرَاهُ قَالَ: "فِي دَمٍ" -فَأَعْطَاهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: "أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ " قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَا وَلَا أَجْمَلْتَ. فَغَضِبَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ، وَهَمُّوا أَنْ يَقُومُوا إِلَيْهِ، فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ: أَنْ كُفُّوا. فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَبَلَغَ إِلَى مَنْزِلِهِ، دَعَا الْأَعْرَابِيَّ إِلَى الْبَيْتِ، فَقَالَ لَهُ: "إِنَّكَ جِئْتَنَا فَسَأَلَتْنَا فَأَعْطَيْنَاكَ، فَقُلْتَ مَا قُلْتَ" فَزَادَهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا، وَقَالَ: "أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ " فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ، فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ خَيْرًا. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِنَّكَ جِئْتَنَا تَسْأَلُنَا [[في ت، ك: "فسألنا" وفي أ: "فسألتنا".]] فَأَعْطَيْنَاكَ، فَقُلْتَ مَا قُلْتَ، وَفِي أَنْفُسِ أَصْحَابِي عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَإِذَا جِئْتَ [[في ت: "خرجت".]] فَقُلْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا قَلْتَ بَيْنَ يَدَيَّ، حَتَّى يَذْهَبَ عَنْ صُدُورِهِمْ". قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا جَاءَ الْأَعْرَابِيُّ. قَالَ [[في ك، أ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ".]] إِنْ صَاحَبَكُمْ كان جَاءَنَا فَسَأَلَنَا فَأَعْطَيْنَاهُ، فَقَالَ مَا قَالَ، وَإِنَّا قَدْ دَعَوْنَاهُ فَأَعْطَيْنَاهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ، [كَذَلِكَ يَا أَعْرَابِيُّ؟] [[زيادة من ت، ك، أ، والبزار.]] قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ، فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ خَيْرًا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ، فَشَرَدَتْ عَلَيْهِ، فَاتَّبَعَهَا النَّاسُ فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلَّا نُفُورًا. فَقَالَ لَهُمْ صَاحِبُ النَّاقَةِ: خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ نَاقَتِي، فَأَنَا أَرْفَقُ بِهَا، وَأَعْلَمُ بِهَا. فَتَوَجَّهَ إِلَيْهَا وَأَخْذَ لَهَا [[في ت، أ: "فأخذها".]] مِنْ قَتَام الْأَرْضِ، وَدَعَاهَا حَتَّى جَاءَتْ وَاسْتَجَابَتْ، وَشَدَّ عَلَيْهَا رحْلها وَإِنَّهُ لَوْ أَطَعْتُكُمْ حَيْثُ قَالَ مَا قَالَ لَدَخَلَ النَّارَ". ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. [[مسند البزار برقم (٢٤٧٦) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (٩/١٥) : "وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو متروك".]]
قُلْتُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ بِحَالِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ. وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ٢١٥-٢١٧] .
وَهَكَذَا أَمَرَهُ تَعَالَى.
وَهَذِهِ [[في ت، ك، أ: "في هذه".]] الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أَيْ: تَوَلَّوْا عَمَّا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ الْعَظِيمَةِ الْمُطَهَّرَةِ الْكَامِلَةِ الشَّامِلَةِ، ﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ﴾ أَيْ: اللَّهُ كافيَّ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا﴾ [الْمُزَّمِّلِ: ٩] .
﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ أَيْ: هُوَ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقِهِ، لِأَنَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الَّذِي هُوَ سَقْفُ المخلوقات وجميع الخلائق من السموات وَالْأَرْضِينَ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا تَحْتَ الْعَرْشِ مَقْهُورُونَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَقَدَره نَافِذٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ [[ساقطة من النسخ.]] الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَان، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. [[زوائد المسند (٥/١١٧) وقال الهيثمي في المجمع (٧/٣٦) : "وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ثقة سيئ الحفظ، وبقية رجاله ثقات" قلت: أجمع الأئمة على تضعيف علي بن زيد بن جدعان.]]
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ فِي مَصَاحِفَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَانَ رِجَالٌ يَكْتُبُونَ وَيُمْلِي عَلَيْهِمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةٌ: ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٧] ، فَظَنُّوا أَنَّ هَذَا آخَرُ مَا أُنْزِلَ [[في أ: "ما نزل".]] مِنَ الْقُرْآنِ. فَقَالَ لَهُمْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَقْرَأَنِي بَعْدَهَا آيَتَيْنِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
إِلَى: ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ قَالَ: "هَذَا [[في أ: "إن هذا".]] آخِرُ مَا أُنْزِلَ [[في أ: "ما نزل".]] مِنَ الْقُرْآنِ" قَالَ: فَخَتَمَ بِمَا فُتح بِهِ، بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٥] [[في أ: "إلا نوحي".]] غَرِيبٌ [[زوائد المسند (٥/١٣٤) .]] أَيْضًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَى الْحَارِثُ بْنُ خَزَمة [[في ك: "خزيمة".]] بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ بَرَاءَةٌ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَشْهَدُ [[في أ: "أشهد".]] لَسَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَوَعَيْتُهَا وَحَفِظْتُهَا. فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ -ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَتْ ثَلَاثَ آيَاتٍ لَجَعَلْتُهَا سُورَةً عَلَى حِدَةٍ، فَانْظُرُوا سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَضَعُوهَا فِيهَا. فَوَضَعُوهَا فِي آخِرِ بَرَاءَةٌ. [[المسند (١/١٩٩) .]]
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَجَمَعَهُ. وَكَانَ عُمَرُ يَحْضُرُهُمْ وَهُمْ يَكْتُبُونَ ذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ زَيْدًا قَالَ: فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ "بَرَاءَةٌ" مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ -أَوْ: أَبِي خُزَيْمَةَ [[صحيح البخاري برقم (٤٦٧٩) .]] وَقَدَّمْنَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ تَذَكَّرُوا [[في ك، أ: "يذكروا".]] ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، كَمَا قَالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ حِينَ ابْتَدَأَهُمْ بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ عُمَرَ -وَقَالَ: كَانَ مِنْ ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ، عَنْ مُدْرِكِ بْنِ سَعْدٍ -قَالَ يَزِيدُ: شَيْخٌ ثِقَةٌ -عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، إِلَّا كَفَاهُ اللَّهُ مَا أَهَمَّهُ. [[في ك: "ما يغمه".]] [[سنن أبي داود برقم (٥٠٨١) .]]
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ عُمَرَ" هَذَا، مِنْ رِوَايَةِ أَبَى زُرْعَة الدِّمَشْقِيِّ، عَنْهُ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ مُدْرِك بْنِ أَبِي سَعْدٍ الْفَزَارِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حُلَيْسٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، صَادِقًا كَانَ بِهَا أَوْ كَاذِبًا، إِلَّا كَفَاهُ اللَّهُ مَا هَمَّه. [[تاريخ دمشق (١٠/٢٩١ "المخطوط") .]]
وَهَذِهِ زِيَادَةٌ غَرِيبَةٌ. ثُمَّ رَوَاهُ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ عُمَرَ، بِسَنَدِهِ فَرَفَعَهُ [[تاريخ دمشق (١٠/٣١٢ "المخطوط") .]] فَذَكَرَ مِثْلَهُ بِالزِّيَادَةِ. وَهَذَا مُنْكَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
آخِرُ سُورَةِ بَرَاءَةٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وحده. [[جاء في ك: [رابع عشر من ربيع الأول سنة ثمانين في سبع من الهجرة النبوية، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم] .]]
{"ayahs_start":128,"ayahs":["لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ","فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقُلۡ حَسۡبِیَ ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ"],"ayah":"لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











