الباحث القرآني
تَفْسِيرُ سُورَةِ سَأَلَ سَائِلٌ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *
﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ فِيهِ تَضْمِينٌ دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ "الْبَاءِ"، كَأَنَّهُ مُقَدر: يَسْتَعْجِلُ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ. كَقَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ أَيْ: وَعَذَابُهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ المِنْهَال بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ قَالَ: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَة.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ قَالَ: ذَلِكَ سُؤَالُ الْكُفَّارِ عَنْ عَذَابِ اللَّهِ وَهُوَ وَاقِعٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: تَعَالَى ﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾ دَعَا دَاعٍ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ يَقَعُ فِي الْآخِرَةِ، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُهُمْ: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الْأَنْفَالِ: ٣٢] .
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ أَيْ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، يَسِيلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْعَذَابِ. وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ، بَعِيدٌ عَنِ الْمُرَادِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ﴾ أَيْ: مُرصد مُعَدّ لِلْكَافِرِينَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَاقِعٍ﴾ جَاءٍ ﴿لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾ أَيْ: لَا دَافِعَ لَهُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ كَوْنَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾ قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ قَالَ: ذُو الدَّرَجَاتِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ يَعْنِي: الْعُلُوُّ وَالْفَوَاضِلُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ مَعَارِجِ السَّمَاءِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذِي الْفَوَاضِلِ وَالنِّعَمِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿تَعْرُجُ﴾ تَصْعَدُ.
وَأَمَّا الرُّوحُ فَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: هُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. يُشْبِهُونَ النَّاسَ، وَلَيْسُوا أُنَاسًا.
قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ جِبْرِيلَ، وَيَكُونَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ جِنْسٍ لِأَرْوَاحِ بَنِي آدَمَ، فَإِنَّهَا إِذَا قُبِضَتْ يُصعد بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ. وَفِي الحديث الذي رواه الإمام أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ المِنْهَال، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا -الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فِي قَبْضِ الرُّوحِ الطَّيِّبَةِ-قَالَ فِيهِ: "فَلَا يَزَالُ يُصْعَدُ بِهَا مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ [[في م: "السماء التي فيها الله".]] السَّابِعَةِ". وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ، فَقَدْ تُكلم فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ، وَلَكِنَّهُ مَشْهُورٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْهُ وَهَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ عَلَى شَرْطِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ بَسَطْنَا لَفْظَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٧] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَسَافَةُ مَا بَيْنَ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ، وَهُوَ قَرَارُ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَذَلِكَ مَسِيرَةُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، هَذَا ارْتِفَاعُ الْعَرْشِ عَنِ الْمَرْكَزِ الَّذِي فِي وَسَطِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ. وَذَلِكَ اتِّسَاعُ الْعَرْشِ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ مَسِيرَةُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَأَنَّهُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ صِفَةِ الْعَرْشِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا حَكَّام، عَنْ عُمَر بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قَالَ: مُنْتَهَى أَمْرِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْأَرَضِينَ إِلَى مُنْتَهَى أَمْرِهِ من فوق السموات مِقْدَارُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَيَوْمٌ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ. يَعْنِي بِذَلِكَ: تَنزل الْأَمْرِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَمِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَذَلِكَ مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِقْدَارُ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ حَكَّام بْنِ سَلْمٍ، عَنْ عُمَر بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ، لَمْ يَذْكُرِ ابْنَ عَبَّاسٍ [[تفسير الطبري (٢٩/٤٤) .]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّنافِسيّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا نُوحٌ الْمُؤَدَّبُ، عَنْ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: غِلَظُ كُلِّ أَرْضٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، فَذَلِكَ سَبْعَةُ آلَافِ عام. وغلظ كل سماء خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، فَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْعَرْشِ مَسِيرَةُ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ عَامٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مُدَّةُ بَقَاءِ الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ هَذَا الْعَالَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قَالَ: الدُّنْيَا عُمْرُهَا خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ. وَذَلِكَ عُمْرُهَا يَوْمَ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ، ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ﴾ قَالَ: الْيَوْمُ: الدُّنْيَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ -وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قَالَ: الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا مِقْدَارُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، لَا يَدْرِي أحدٌ كَمْ مَضَى، وَلَا كَمْ بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ [[تفسير عبد الرزاق (٢/٢٥٣) .]] .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْيَوْمُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٍ جِدًّا. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حَدَّثَنَا بُهلول بْنُ الْمُورِقِ [[في أ: "بهلول بن معروف".]] حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قَالَ: هُوَ يَوْمُ الْفَصْلِ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قَالَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. هَذَا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قَالَ: فَهَذَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ، جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْكَافِرِينَ مِقْدَارَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا دَرّاج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لِيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ يصليها في الدنيا".
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، بِهِ [[المسند (٣/٧٥) وتفسير الطبري (٢٩/٤٥) ودراج عن أب الهيثم ضعيف.]] إِلَّا أَنَّ دَرّاجا وَشَيْخَهُ ضَعِيفَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الغُداني قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي هُرَيرة فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا أَكْثَرُ عَامِرِيٍّ مَالًا. فَقَالَ أبو هريرة: رُدُّوهُ [[في أ: "ردوه إلى".]] فَقَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّكَ ذُو مَالٍ كَثِيرٍ؟ فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: إِيْ وَاللَّهِ، إِنَّ لِي لَمِائَةً حُمْرًا ومائة أُدْمًا، حَتَّى عَدَّ مِنْ أَلْوَانِ الْإِبِلِ، وَأَفْنَانِ الرقيق، ورباط الخيل فقال أبو هريرة: إِيَّاكَ وَأَخْفَافَ الْإِبِلِ وأظلافَ النَّعَمِ [[في م: "الغنم".]] -يُرَدّد ذَلِكَ عَلَيْهِ، حَتَّى جَعَلَ لونُ الْعَامِرِيُّ يَتَغَيَّرُ-فَقَالَ: مَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيرة؟ قَالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يقول: "مَنْ كَانَتْ لَهُ إبلٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا ورِسْلها -قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا نجدتُها ورِسْلُها؟ قَالَ: "فِي عُسرها وَيُسْرِهَا-" فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ وَأَكْثَرِهِ وَأَسْمَنِهِ وَآشَرِهِ، حَتَّى يُبْطَحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرقَر، فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، فَإِذَا جَاوَزَتْهُ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بَقَرٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا وَرِسْلِهَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ وَأَكْثَرِهِ وَأَسْمَنِهِ وَآشَرِهِ ثم يُبْطَحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرقَر فَتَطَؤُهُ كُلُّ ذَاتِ ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ كُلُّ ذَاتِ قَرْنٍ بِقَرْنِهَا، إِذَا جَاوَزَتْهُ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ. وَإِذَا كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا وَرِسْلِهَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنِهِ وَآشَرِهِ، حَتَّى يُبْطَحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرقَر، فَتَطَؤُهُ كُلُّ ذَاتِ ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا وَتَنْطَحُهُ كُلُّ ذَاتِ قَرْنٍ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا عَقصاء وَلَا عَضْبَاءُ، إِذَا جَاوَزَتْهُ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ". قَالَ الْعَامِرِيُّ: وَمَا حَقُّ الْإِبِلِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: أَنْ تُعْطِيَ الْكَرِيمَةَ، وَتَمْنَحَ الغَزيرَة، وَتُفْقِرَ الظَّهْرَ، وتَسقيَ اللَّبَنَ [[في م: "وتسقي الإبل".]] وتُطرقَ الْفَحْلَ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبة، كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ [[المسند (٢/٤٨٩) وسنن أبي داود برقم (١٦٦٠) وسنن النسائي (٥/١٢) .]] .
طَرِيقٌ أُخْرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، عَنْ سُهَيل [[في أ: "عن سهل".]] بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا مِنْ صَاحِبٍ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ إِلَّا جُعِلَ صَفَائِحَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوَى بِهَا بجهته وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تُعِدُّونَ، ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ". وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ فِي الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ: "الْخَيْلُ الثلاثة؛ لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رَجُلٍ وِزْرٌ" إِلَى آخِرِهِ [[المسند (٢/٢٦٢) .]] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِتَمَامِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ دُونَ الْبُخَارِيِّ، مِنْ حَدِيثِ سُهَيل [[في أ: "سهل".]] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرة [[صحيح مسلم برقم (٩٨٧) .]] وَمَوْضِعُ اسْتِقْصَاءِ طُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي "الْأَحْكَامِ"، وَالْغَرَضُ مِنْ إِيرَادِهِ هَاهُنَا قَوْلُهُ: "حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ".
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يَعْقُوبَ [[في أ: "عن منصور".]] عَنِ ابْنِ عُلَيَّة وَعَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكة قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قوله: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قَالَ: فَاتَّهَمَهُ، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: مَا يَوْمٌ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا سَأَلْتُكَ لِتُحَدِّثَنِي. قَالَ: هُمَا يَوْمَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِمَا لَا أَعْلَمُ [[تفسير الطبري (٢٩/٤٥) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا﴾ أَيِ: اصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى تَكْذِيبِ قَوْمِكَ لَكَ، وَاسْتِعْجَالِهِمُ الْعَذَابَ اسْتِبْعَادًا لِوُقُوعِهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ [الشُّورَى: ١٨] قَالَ: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾ أَيْ: وُقُوعَ الْعَذَابِ وَقِيَامَ السَّاعَةِ يَرَاهُ الْكَفَرَةُ بَعِيدَ الْوُقُوعِ، بِمَعْنَى مُسْتَحِيلَ الْوُقُوعِ، ﴿وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ أَيِ: الْمُؤْمِنُونَ يَعْتَقِدُونَ كَوْنَهُ قَرِيبًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَدٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لَكِنْ كُلُّ مَا هُوَ آتٍ فَهُوَ قَرِيبٌ وَوَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["سَأَلَ سَاۤىِٕلُۢ بِعَذَابࣲ وَاقِعࣲ","لِّلۡكَـٰفِرِینَ لَیۡسَ لَهُۥ دَافِعࣱ","مِّنَ ٱللَّهِ ذِی ٱلۡمَعَارِجِ","تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَیۡهِ فِی یَوۡمࣲ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِینَ أَلۡفَ سَنَةࣲ","فَٱصۡبِرۡ صَبۡرࣰا جَمِیلًا","إِنَّهُمۡ یَرَوۡنَهُۥ بَعِیدࣰا","وَنَرَىٰهُ قَرِیبࣰا"],"ayah":"سَأَلَ سَاۤىِٕلُۢ بِعَذَابࣲ وَاقِعࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق