الباحث القرآني
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُمْ صَارُوا إِلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ [[في ك، م، أ: "ففرقة".]] ارْتَكَبَتِ الْمَحْذُورَ، وَاحْتَالُوا عَلَى اصْطِيَادِ السَّمَكِ يَوْمَ السَّبْتِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَفِرْقَةٌ نَهَتْ عَنْ ذَلِكَ، [وَأَنْكَرَتْ] [[زيادة من ك، م، أ.]] وَاعْتَزَلَتْهُمْ. وَفِرْقَةٌ سَكَتَتْ فَلَمْ تَفْعَلْ وَلَمْ تَنْهَ، وَلَكِنَّهَا قَالَتْ لِلْمُنْكِرَةِ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ ؟ أَيْ: لِمَ تَنْهَوْنَ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ هَلَكُوا وَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ مِنَ اللَّهِ؟ فَلَا فَائِدَةَ فِي نَهْيِكُمْ إِيَّاهُمْ. قَالَتْ لَهُمُ الْمُنْكِرَةُ: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ قَرَأَ بَعْضُهُمْ بِالرَّفْعِ، كَأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِهِ: هَذَا مَعْذِرَةٌ وَقَرَأَ آخَرُونَ بِالنَّصْبِ، أَيْ: نَفْعَلُ ذَلِكَ ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ أَيْ: فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ يَقُولُونَ: وَلَعَلَّ بِهَذَا الْإِنْكَارِ يَتَّقُونَ مَا هُمْ فِيهِ وَيَتْرُكُونَهُ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى اللَّهِ تَائِبِينَ، فَإِذَا تَابُوا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَحِمَهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ أَيْ: فَلَمَّا أَبَى الْفَاعِلُونَ الْمُنْكَرَ قَبُولَ النَّصِيحَةِ، ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أَيْ: ارْتَكَبُوا الْمَعْصِيَةَ ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ فَنَصَّ عَلَى نَجَاةِ النَّاهِينَ وَهَلَاكِ الظَّالِمِينَ، وَسَكَتَ عَنِ السَّاكِتِينَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَدْحًا فَيُمْدَحُوا، وَلَا ارْتَكَبُوا عَظِيمًا فَيُذَمُّوا، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِيهِمْ: هَلْ كَانُوا مِنَ الْهَالِكِينَ أَوْ مِنَ النَّاجِينَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [قَالَ:] [[زيادة من أ.]] هِيَ قَرْيَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ بَيْنَ مِصْرَ وَالْمَدِينَةِ، يُقَالُ لَهَا: "أَيْلَةُ"، فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحِيتَانَ يَوْمَ سَبْتِهِمْ، وَكَانَتِ الْحِيتَانُ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَإِذَا مَضَى يَوْمُ السَّبْتِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا. فَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنْ طَائِفَةً مِنْهُمْ أَخَذُوا الْحِيتَانَ يَوْمَ سَبْتِهِمْ، فَنَهَتْهُمْ طَائِفَةٌ وَقَالُوا: تَأْخُذُونَهَا وَقَدْ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ سَبْتِكُمْ؟ فَلَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا غَيًّا وَعُتُوًّا، وَجَعَلَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى تَنْهَاهُمْ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النُّهَاةِ: تَعْلَمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ قَدْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ، ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ [أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا] ﴾ [[زيادة من أ.]] وَكَانُوا أَشَدَّ غَضَبًا لِلَّهِ مِنَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى؟ فَقَالُوا: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ وَكُلٌّ قَدْ كَانُوا يَنْهَوْنَ، فَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ نَجَتِ الطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ قَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ وَالَّذِينَ قَالُوا: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ وَأَهْلَكَ اللَّهُ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ الَّذِينَ أَخَذُوا الْحِيتَانَ، فَجَعَلَهُمْ قِرَدَةً.
وَرَوَى الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَرِيبًا مِنْ هَذَا.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾
قال: ما أدري أنجا الَّذِينَ قَالُوا: "أَتَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ"، أَمْ لَا؟ قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عرَّفته أَنَّهُمْ نَجَوْا، فَكَسَانِي حُلَّةً.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْج، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: جِئْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَوْمًا وَهُوَ يَبْكِي، وَإِذَا [[في أ: "إن".]] الْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ، فَأَعْظَمْتُ أَنْ أَدْنُوَ، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَقَدَّمْتُ فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبَّاسٍ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْوَرَقَاتِ. قَالَ: وَإِذَا هُوَ فِي "سُورَةِ الْأَعْرَافِ"، قَالَ: تَعْرِفُ [[في أ: "قال هل تعرف".]] أَيْلَةَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ بِهَا حَيٌّ مِنْ يَهُودَ سِيقَتِ الْحِيتَانُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ، ثُمَّ غَاصَتْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَغُوصُوا بَعْدَ كَدٍّ وَمُؤْنَةٍ شَدِيدَةٍ، كَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ شُرَّعًا بِيضًا سِمَانًا كَأَنَّهَا الْمَاخِضُ، تَتَبَطَّحُ [[في م: "حتى تنبطح".]] ظُهُورُهَا لِبُطُونِهَا بِأَفْنِيَتِهِمْ. فَكَانُوا كَذَلِكَ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ إِنِ الشَّيْطَانَ أَوْحَى إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنَّمَا نُهِيتُمْ عَنْ أَكْلِهَا يَوْمَ السَّبْتِ، فَخُذُوهَا فِيهِ، وَكُلُوهَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ. فَقَالَتْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ نُهِيتُمْ عَنْ أَكْلِهَا وَأَخْذِهَا وَصَيْدِهَا يَوْمَ السَّبْتِ. فَكَانُوا كَذَلِكَ، حَتَّى جَاءَتِ الْجُمُعَةُ الْمُقْبِلَةُ، فَغَدَتْ طَائِفَةٌ بِأَنْفُسِهَا وَأَبْنَائِهَا وَنِسَائِهَا، وَاعْتَزَلَتْ طَائِفَةٌ ذَاتَ الْيَمِينِ، وَتَنَحَّتْ وَاعْتَزَلَتْ طَائِفَةٌ ذَاتَ الْيَسَارِ وَسَكَتَتْ. وَقَالَ الْأَيْمَنُونَ: وَيَلْكُمُ، اللَّهَ، اللَّهَ نَنْهَاكُمْ أَنْ [[في أ: "الله، الله ينهاكم عن ذلك ولا".]] تَتَعَرَّضُوا لِعُقُوبَةِ اللَّهِ. وَقَالَ الْأَيْسَرُونَ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ ؟ قَالَ الْأَيْمَنُونَ: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ إِنْ يَنْتَهُوا فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا أَلَّا يُصَابُوا وَلَا يَهْلِكُوا، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَمَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ. فَمَضَوْا عَلَى الْخَطِيئَةِ، وَقَالَ الْأَيْمَنُونَ: فَقَدْ [[في أ: "قد".]] فَعَلْتُمْ، يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ. وَاللَّهِ لَا نُبَايِتُكُمُ [[في م: "لنأتينكم".]] اللَّيْلَةَ فِي مَدِينَتِكُمْ، وَاللَّهِ مَا نَرَاكُمْ تُصْبِحُونَ حَتَّى يُصَبِّحَكُمُ اللَّهُ بِخَسْفٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ بَعْضِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعَذَابِ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا ضَرَبُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ وَنَادَوْا، فَلَمْ يُجَابُوا، فَوَضَعُوا سُلَّمًا، وَأَعْلَوْا سُورَ الْمَدِينَةِ رَجُلًا فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ، قِرَدَةٌ وَاللَّهِ تُعَاوِي لَهَا أَذْنَابٌ. قَالَ: فَفَتَحُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ، فَعَرَفَتِ الْقُرُودُ أَنْسَابَهَا [[في م: "أنسابهم".]] مِنَ الْإِنْسِ، وَلَا تَعْرِفُ الْإِنْسُ أَنْسَابَهَا مِنَ الْقِرَدَةِ، فَجَعَلَتِ الْقُرُودُ يَأْتِيهَا نَسِيبُهَا [[في أ: "تأت نسبها".]] مِنَ الْإِنْسِ فَتَشُمُّ ثِيَابَهُ وَتَبْكِي، فَتَقُولُ: أَلَمْ نَنْهَكُمْ عَنْ كَذَا؟ فَتَقُولُ بِرَأْسِهَا، أَيْ نَعَمْ. ثُمَّ قَرَأَ [[في أ: "ثم فسر".]] ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ قَالَ: فَأَرَى الَّذِينَ نَهَوْا قَدْ نَجَوْا، وَلَا أَرَى الْآخَرِينَ ذُكِرُوا، وَنَحْنُ نَرَى أَشْيَاءَ نُنْكِرُهَا وَلَا نَقُولُ فِيهَا؟. قَالَ: قُلْتُ: جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ كَرِهُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَخَالَفُوهُمْ وَقَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ ؟ قَالَ: فَأَمَرَ لِي فَكُسِيتُ ثَوْبَيْنِ غَلِيظَيْنِ [[تفسير عبد الرزاق (١/٢٢٦) .]]
وَكَذَا رَوَى مُجَاهِدٌ، عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عن مالك، قال: زعم ابن رومان أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ﴾ قَالَ: كَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَإِذَا كَانَ الْمَسَاءُ ذَهَبَتْ، فَلَا يُرَى مِنْهَا شَيْءٌ إِلَى يَوْمِ السَّبْتِ الْآخَرِ، فَاتَّخَذَ -لِذَلِكَ -رَجُلٌ خَيْطًا وَوَتَدًا، فَرَبَطَ حُوتًا مِنْهَا فِي الْمَاءِ يَوْمَ السَّبْتِ، حَتَّى إِذَا أَمْسَوْا لَيْلَةَ الْأَحَدِ، أَخَذَهُ فَاشْتَوَاهُ، فَوَجَدَ النَّاسُ رِيحَهُ، فَأَتَوْهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَجَحَدَهُمْ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَالَ لَهُمْ: "فَإِنَّهُ جِلْدُ حُوتٍ وَجَدْنَاهُ". فَلَمَّا كَانَ السَّبْتُ [[في م: "فلما كان يوم السبت".]] الْآخَرُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ -وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ قَالَ: رَبَطَ حُوتَيْنِ -فَلَمَّا أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الْأَحَدِ أَخَذَهُ فَاشْتَوَاهُ، فَوَجَدُوا رَائِحَةً، فَجَاءُوا [[في م: "فأتوه".]] فَسَأَلُوهُ [[في م: "فسألوه عن ذلك فجحدهم".]] فَقَالَ لَهُمْ: لَوْ شِئْتُمْ صَنَعْتُمْ كَمَا أَصْنَعُ. فَقَالُوا لَهُ: وَمَا صَنَعْتَ؟ فَأَخْبَرَهُمْ، فَفَعَلُوا مِثْلَ مَا فَعَلَ، حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ. وَكَانَتْ لَهُمْ مَدِينَةٌ لَهَا رَبَضٌ يُغْلِقُونَهَا عَلَيْهِمْ، فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْمَسْخِ مَا أَصَابَهُمْ. فَغَدَوْا [[في م: "فعدا".]] عَلَيْهِمْ جِيرَانُهُمْ مِمَّا كَانُوا [[في ك، م: "ممن كان".]] حَوْلَهُمْ، يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ مَا يَطْلُبُ النَّاسُ، فَوَجَدُوا الْمَدِينَةَ مُغْلَقَةً عَلَيْهِمْ، فَنَادَوْا فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ، فَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِمْ، فَإِذَا هُمْ قِرَدَةٌ، فَجَعَلَ الْقِرْدُ يَدْنُو يَتَمَسَّحُ بِمَنْ كَانَ يَعْرِفُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيَدْنُو مِنْهُ وَيَتَمَسَّحُ بِهِ [[تفسير الطبري (١٣/١٩٣) .]]
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ "الْبَقَرَةِ" [[سورة البقرة الآية: ٦٠.]] مِنَ الْآثَارِ فِي خَبَرِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ مَا فِيهِ مَقْنَعٌ وَكِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ السَّاكِتِينَ كَانُوا مِنَ الْهَالِكِينَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: ابْتَدَعُوا السَّبْتَ فَابْتُلُوا فِيهِ، فَحَرُمَتْ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْحِيتَانُ، فَكَانُوا إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ، شَرَعَتْ لَهُمُ الْحِيتَانُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا فِي الْبَحْرِ. فَإِذَا انْقَضَى السَّبْتُ، ذَهَبَتْ فَلَمْ تُرَ حَتَّى السَّبْتِ الْمُقْبِلِ، فَإِذَا جَاءَ السَّبْتُ جَاءَتْ شُرَّعًا، فَمَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثُوا كَذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ حُوتًا فَخَزَمَ أَنْفَهُ ثُمَّ، ضَرَبَ لَهُ وَتَدًا فِي السَّاحِلِ، وَرَبَطَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْمَاءِ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، أَخَذَهُ فَشَوَاهُ فَأَكَلَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَلَا يُنْكِرُونَ، وَلَا يَنْهَاهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، إِلَّا عُصْبَةٌ مِنْهُمْ نَهَوْهُ، حَتَّى ظَهَرَ ذَلِكَ فِي الْأَسْوَاقِ، فَفُعِلَ عَلَانِيَةً. قَالَ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لِلَّذِينَ يَنْهَوْنَهُمْ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ فَقَالُوا: سَخِطَ أَعْمَالَهُمْ ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا أَثْلَاثًا: ثُلْثٌ نَهَوْا، وَثُلْثٌ قَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ وَثُلْثٌ أَصْحَابُ الْخَطِيئَةِ، فَمَا نَجَا إِلَّا الَّذِينَ نَهَوْا وَهَلَكَ سَائِرُهُمْ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَكِنْ رُجُوعَهُ إِلَى قَوْلِ عِكْرِمَةَ فِي نَجَاةِ السَّاكِتِينَ، أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ حَالَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ فِيهِ دَلَالَةٌ بِالْمَفْهُومِ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ بَقُوا نَجَوْا.
وَ ﴿بَئِيسٍ﴾ فِيهِ قِرَاءَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَمَعْنَاهُ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ: "الشَّدِيدُ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "أَلِيمٍ". وَقَالَ قَتَادَةُ: مُوجِعٌ. وَالْكُلُّ مُتَقَارِبٌ، وَاللَّهُ أعلم.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿خَاسِئِينَ﴾ أَيْ: ذَلِيلِينَ حَقِيرِينَ مُهَانِينَ.
{"ayahs_start":164,"ayahs":["وَإِذۡ قَالَتۡ أُمَّةࣱ مِّنۡهُمۡ لِمَ تَعِظُونَ قَوۡمًا ٱللَّهُ مُهۡلِكُهُمۡ أَوۡ مُعَذِّبُهُمۡ عَذَابࣰا شَدِیدࣰاۖ قَالُوا۟ مَعۡذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَلَعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ","فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦۤ أَنجَیۡنَا ٱلَّذِینَ یَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلسُّوۤءِ وَأَخَذۡنَا ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ بِعَذَابِۭ بَـِٔیسِۭ بِمَا كَانُوا۟ یَفۡسُقُونَ","فَلَمَّا عَتَوۡا۟ عَن مَّا نُهُوا۟ عَنۡهُ قُلۡنَا لَهُمۡ كُونُوا۟ قِرَدَةً خَـٰسِـِٔینَ"],"ayah":"فَلَمَّا عَتَوۡا۟ عَن مَّا نُهُوا۟ عَنۡهُ قُلۡنَا لَهُمۡ كُونُوا۟ قِرَدَةً خَـٰسِـِٔینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق