الباحث القرآني

﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ﴾ وَهَذِهِ صِفَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ بَشَّرُوا أُمَمَهُمْ بِبَعْثِهِ [[في ك، م، أ: "ببعثته".]] وَأَمَرُوهُمْ بِمُتَابَعَتِهِ، وَلَمْ تَزَلْ صِفَاتُهُ مَوْجُودَةً فِي كُتُبِهِمْ يَعْرِفُهَا عُلَمَاؤُهُمْ وَأَحْبَارُهُمْ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الجُرَيري، عَنْ أَبِي صَخْرٍ الْعُقَيْلِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، قَالَ: جَلَبْتُ جَلُوبَةً إِلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ بَيْعَتِي [[في د: "بيعي".]] قُلْتُ: لَأَلْقِيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ فَلْأَسْمَعَنَّ مِنْهُ، قَالَ: فَتَلَقَّانِي بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ، فَتَبِعْتُهُمْ فِي أَقْفَائِهِمْ حَتَّى أَتَوْا عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ نَاشِرًا التَّوْرَاةَ يَقْرَؤُهَا، يُعَزِّي بِهَا نَفْسَهُ عَنِ ابْنٍ لَهُ فِي الْمَوْتِ كَأَحْسَنِ الْفِتْيَانِ وَأَجْمَلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ، هَلْ تَجِدُ [[في أ: "هل تجدني".]] فِي كِتَابِكَ هَذَا صِفَتِي وَمَخْرَجِي؟ " فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا، أَيْ: لَا. فَقَالَ ابْنُهُ، إِي: وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ إِنَّا لِنَجِدُ فِي كِتَابِنَا صِفَتَكَ ومَخرجك، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ [[في ك: "وأشهد أنك".]] رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: "أَقِيمُوا الْيَهُودِيَّ عَنْ أَخِيكُمْ". ثُمَّ وَلِيَ كَفَنَهُ [[في ك، م، أ: "ثم ولى كفنه وحنطه".]] وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ [[المسند (٥/٤١١) .]] هَذَا حَدِيثٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ لَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ الْحَاكِمُ صَاحِبُ الْمُسْتَدْرَكِ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ -عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ [[في أ: "البكري".]] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُرَحْبِيل بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَرَجُلٌ آخَرُ إِلَى هِرَقْلَ صَاحِبِ الرُّومِ نَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْغُوطَةَ -يَعْنِي غُوطَةَ دِمَشْقَ -فَنَزَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيِّ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا بِرَسُولِهِ نُكَلِّمُهُ، فَقُلْنَا: وَاللَّهِ لَا نُكَلِّمُ رَسُولًا إِنَّمَا بُعِثْنَا إِلَى الْمَلِكِ، فَإِنْ أَذِنَ لَنَا كَلَّمْنَاهُ [[في د: "تكلمنا".]] وَإِلَّا لَمْ نكلم الرَّسُولَ [[في ك: "الرسل".]] فَرَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ: فَأَذِنَ لَنَا فَقَالَ: تَكَلَّمُوا [[في ك: "فتكلموا".]] فَكَلَّمَهُ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ، وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِذَا عَلَيْهِ ثيابُ سوادٍ [[في أ: "سود".]] فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: وَمَا هَذِهِ الَّتِي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: لَبِسْتُهَا وَحَلَفْتُ أَلَّا أَنْزَعَهَا حَتَّى أُخْرِجَكُمْ مِنَ الشَّامِ. قُلْنَا: وَمَجْلِسَكَ هَذَا، وَاللَّهِ [[في د، ك، م: "فوالله".]] لَنَأْخُذَنَّهُ مِنْكَ، وَلَنَأْخُذَنَّ مُلْكَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّنَا [[في أ: "نبينا محمد".]] ﷺ. قَالَ: لَسْتُمْ بِهِمْ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَصُومُونَ بِالنَّهَارِ، وَيَقُومُونَ بِاللَّيْلِ، فَكَيْفَ صَوْمُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، فمُلئ وَجْهُهُ سَوَادًا فَقَالَ: قُومُوا. وَبَعَثَ مَعَنَا رَسُولًا إِلَى الْمَلِكِ، فَخَرَجْنَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ لَنَا الَّذِي مَعَنَا: إِنَّ دَوَابَّكُمْ هَذِهِ لَا تَدْخُلُ مَدِينَةَ الْمَلَكِ، فَإِنْ شِئْتُمْ حَمَلْنَاكُمْ عَلَى بِرَاذِينَ وَبِغَالٍ؟ قُلْنَا: وَاللَّهِ لَا نَدْخُلُ إِلَّا عَلَيْهَا، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْمَلِكِ أَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ ذَلِكَ. فَدَخَلْنَا عَلَى رَوَاحِلِنَا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى غُرْفَةٍ [[في أ: "غرفة له".]] فَأَنَخْنَا فِي أَصْلِهَا وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْنَا، فَقُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَاللَّهُ يَعْلَمُ لَقَدْ تَنَفَّضَت الْغُرْفَةُ حَتَّى صَارَتْ كَأَنَّهَا عِذْق تصَفّقه الرِّيَاحُ، فَأَرْسَلَ [[في د: "قال فأرسل".]] إِلَيْنَا: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا عَلَيْنَا بِدِينِكُمْ. وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا: أَنِ ادْخُلُوا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى فِرَاشٍ لَهُ، وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ مِنَ الرُّومُ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي مَجْلِسِهِ أَحْمَرُ، وَمَا حَوْلَهُ حُمْرَةٌ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ مِنَ الْحُمْرَةِ، فَدَنَوْنَا مِنْهُ فَضَحِكَ، فَقَالَ: مَا كَانَ عَلَيْكُمْ لَوْ حَيَّيْتُمُونِي بِتَحِيَّتِكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ؟ وَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ فَصِيحٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، كَثِيرُ الْكَلَامِ، فَقُلْنَا: إِنْ تَحِيَّتَنَا فِيمَا بَيْنَنَا لَا تَحِلُّ لَكَ، وَتَحِيَّتُكَ الَّتِي تُحيى بِهَا لَا تَحِلُّ [[في د، م: "لا يحل".]] لَنَا أَنْ نُحَيِّيَكَ بِهَا. قَالَ: كَيْفَ تَحِيَّتُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ؟ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ. قَالَ: وَكَيْفَ تُحَيُّونَ مَلِكَكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا. قَالَ: وَكَيْفَ يَرُدُّ عَلَيْكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا. قَالَ: فَمَا أَعْظَمُ كَلَامِكُمْ؟ قُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَلَمَّا تَكَلَّمْنَا بِهَا وَاللَّهُ يَعْلَمُ -لَقَدْ تَنَفَّضت الْغُرْفَةُ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، قَالَ: فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي قُلْتُمُوهَا حَيْثُ تَنَفَّضَتِ الْغُرْفَةُ، كُلَّمَا قُلْتُمُوهَا فِي بُيُوتِكُمْ تَنَفَّضَتْ عَلَيْكُمْ غُرَفُكُمْ؟ قُلْنَا: لَا مَا رَأَيْنَاهَا فَعَلَتْ هَذَا قَطُّ إِلَّا عِنْدَكَ. قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَّكُمْ كُلَّمَا قُلْتُمْ تَنَفَّضَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْكُمْ. وَإِنِّي خَرَجْتُ [[في د. "وأني قد خرجت".]] مِنْ نِصْفِ مُلْكِي. قُلْنَا: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ كَانَ أَيْسَرُ لِشَأْنِهَا، وَأَجْدَرُ أَلَّا تَكُونَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ، وَأَنَّهَا [[في ك، م: "أن".]] تَكُونُ مِنْ حِيَلِ النَّاسِ. ثُمَّ سَأَلَنَا عَمَّا أَرَادَ فَأَخْبَرْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ صَلَاتُكُمْ وَصَوْمُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: قُومُوا فَقُمْنَا. فَأَمَرَ لَنَا بِمَنْزِلٍ حَسَنٍ وَنُزُلٍ كَثير، فَأَقَمْنَا ثَلَاثًا. فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا لَيْلًا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَاسْتَعَادَ قَوْلَنَا، فَأَعَدْنَاهُ. ثُمَّ دَعَا بِشَيْءٍ كَهَيْئَةِ الرَّبْعَةِ الْعَظِيمَةِ مُذْهَبَةٍ، فِيهَا بُيُوتٌ صِغَارٌ عَلَيْهَا أَبْوَابٌ، فَفَتَحَ بَيْتًا وَقُفْلًا فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فَنَشَرَهَا، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ حَمْرَاءُ، وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ ضَخْمُ الْعَيْنَيْنِ. عَظِيمُ الْأَلْيَتَيْنِ، لَمْ أَرَ مِثْلَ طُولِ عُنُقِهِ، وَإِذَا لَيْسَتْ لَهُ لِحْيَةٌ، وَإِذَا لَهُ ضَفِيرَتَانِ أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهِ. قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِذَا هُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ شَعْرًا. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، وَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، وَإِذَا لَهُ شَعْرٌ كَشَعْرِ الْقِطَطِ، أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ، ضَخْمُ الْهَامَةِ، حَسَنُ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هذا نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ [[في د، ك، أ: "فاستخرج منه".]] حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ شَدِيدُ الْبَيَاضِ، حَسَنُ الْعَيْنَيْنِ، صَلْت الْجَبِينِ، طَوِيلُ الْخَدِّ، أَبْيَضُ اللِّحْيَةِ كَأَنَّهُ يَبْتَسِمُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ [[في أ: "آخر فاستخرج منه حريرة سوداء".]] فَإِذَا فِيهِ صُورَةٌ بَيْضَاءُ، وَإِذَا -وَاللَّهِ -رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ [[في د، م: "قال".]] أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَبَكَيْنَا. قَالَ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَامَ قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، إِنَّهُ لَهُوَ، كَأَنَّكَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَأَمْسَكَ سَاعَةً يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ آخِرَ الْبُيُوتِ، وَلَكِنِّي عَجَّلته لَكُمْ لِأَنْظُرَ مَا عِنْدَكُمْ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ أَدْمَاءُ سَحْمَاءُ [[في أ: "جسماء".]] وَإِذَا رَجُلٌ جَعْدٌ قَطَطٌ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، حَدِيدُ النَّظَرِ، عَابِسٌ مُتَرَاكِبُ الْأَسْنَانِ، مقلَّص [[في د: "مفلطس".]] الشَّفَةِ كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا مُوسَى [[في م: "موسى بن عمران".]] عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَإِلَى جَانِبَهُ صُورَةٌ تُشْبِهُهُ، إِلَّا أَنَّهُ مُدْهَان الرَّأْسِ، عَرِيضُ الْجَبِينِ، فِي عَيْنَيْهِ قَبَلٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ رَجُلِ آدَمَ سَبْط رَبْعَة، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا لُوطٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضَ مُشْرَب حُمرة، أَقْنَى، خَفِيفُ الْعَارِضِينَ، حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ هَذَا إِسْحَاقُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ [[في د، ك، أ: "فاستخرج منه".]] حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ تُشْبِهُ إِسْحَاقَ، إِلَّا أَنَّهُ عَلَى شَفَتِهِ خَالٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. [قَالَ] [[زيادة من أ.]] هَذَا يَعْقُوبُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضَ، حَسَنِ الْوَجْهِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، حَسَنِ الْقَامَةِ، يَعْلُو وَجْهَهُ نُورٌ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْخُشُوعُ، يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ، قَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا إِسْمَاعِيلُ جَدُّ نَبِيِّكُمْ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ [[في ك، م، أ: "فاستخرج منه".]] حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ كَأَنَّهَا آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَأَنَّ وَجْهَهَ الشَّمْسُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ [[في ك، م، أ: "فاستخرج منه".]] حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَحْمَرَ حَمْش السَّاقَيْنِ، أَخْفَشِ الْعَيْنَيْنِ ضَخْمِ الْبَطْنِ، رَبْعة مُتَقَلِّدٍ سَيْفًا، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هذا داود، عليه السلام. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ [[في ك، م، أ: "فاستخرج منه".]] حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ ضَخْمِ الْأَلْيَتَيْنِ، طَوِيلِ الرِّجْلَيْنِ، رَاكِبٍ فَرَسًا، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَلَيْهِ [[في أ: "عليهما".]] السَّلَامُ. ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، وَإِذَا شابٌّ [[في د: "وإذا رجل شاب".]] شَدِيدٌ سَوَادِ اللِّحْيَةِ، كَثِيرُ الشِّعْرِ، حَسَنُ الْعَيْنَيْنِ، حَسَنُ الْوَجْهِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. قُلْنَا: مَنْ أَيْنَ لَكَ هَذِهِ الصُّوَرُ؟ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَى مَا صُوِّرَتْ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، لِأَنَّا رَأَيْنَا صُورَةَ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلَهُ. فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ وَلَدِهِ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ صُوَرَهُمْ، فَكَانَ فِي خِزَانَةِ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَاسْتَخْرَجَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ فَدَفَعَهَا إِلَى دَانْيَالَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ نَفْسِي طابت بالخروج من ملكي، وإني كُنْتُ عَبْدًا لِأَشَرِّكُمْ مِلْكَةً، حَتَّى أَمُوتَ. ثُمَّ أَجَازَنَا فَأَحْسَنَ جَائِزَتَنَا، وَسَرَّحَنَا، فَلَمَّا أَتَيْنَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا أَرَانَا، وَبِمَا قَالَ لَنَا، وَمَا أَجَازَنَا، قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: مِسْكِينٌ! لَوْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا لَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُمْ وَالْيَهُودُ يَجِدُونَ نَعْتَ مُحَمَّدٍ ﷺ عِنْدَهُمْ. هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِ "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ"، عَنِ الْحَاكِمِ إِجَازَةً، فَذَكَرَهُ [[دلائل النبوة (١/٣٨٥) .]] وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَر، حَدَّثَنَا فُلَيْح، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي التَّوْرَاةِ. قَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ، إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ كَصِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صخَّاب فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيَفْتَحَ بِهِ قُلُوبًا غُلفا، وَآذَانًا صُمًّا، وَأَعْيُنًا عُمْيًا" قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ لَقِيتُ كَعْبًا فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَمَا اخْتَلَفَ حَرْفًا، إِلَّا أَنَّ كَعْبًا قَالَ بِلُغَتِهِ، قَالَ: "قُلُوبًا غُلوفيًا وَآذَانًا صُمُومِيًا وَأَعْيُنًا عُمُومِيًا". وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَان، عَنْ فُلَيْح، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ -فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ [[تفسير الطبري (١٣/١٦٤) وصحيح البخاري برقم (٢١٢٥) .]] وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: "لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ": "وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ". وَيَقَعُ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ إِطْلَاقُ "التَّوْرَاةِ" عَلَى كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَا يُشْبِهُ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ ورَّاق الْحُمَيْدِيِّ [[في هـ: "محمد بن إدرس بن الحميدي"، وفي بقية النسخ: "محمد بن إدريس بن وراق بن الحميدي" والمثبت من الجرح والتعدل ٢١٣/٢٠٤ مستفاد من هامش ط. الشعب.]] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -مِنْ وَلَدِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ -قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عُثْمَانَ بِنْتُ سَعِيدٍ -وَهِيَ جَدَّتِي -عَنْ أَبِيهَا سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، قَالَ: خَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا كُنْتُ بِأَدْنَى الشَّامِ، لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ رَجُلٌ نَبِيًّا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ تَعْرِفُ صُورَتَهُ إِذَا رَأَيْتَهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَدْخَلَنِي بَيْتًا فِيهِ صُوَرٌ، فَلَمْ أَرَ صُورَةَ النَّبِيِّ ﷺ، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَيْنَا، فَقَالَ: فِيمَ أَنْتُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَذَهَبَ بِنَا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَسَاعَةَ مَا دَخَلْتُ نَظَرْتُ إِلَى صُورَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَإِذَا رَجُلٌ آخِذٌ بِعَقِبِ النَّبِيِّ ﷺ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْقَابِضُ عَلَى عَقِبِهِ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا كَانَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ إِلَّا هَذَا النَّبِيَّ، فَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَهَذَا الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ، وَإِذَا صِفَةُ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [[المعجم الكبير (٢/١٢٥) ورواه أيضا في الأوسط برقم (٣٤٩٦) "مجمع البحرين" وقال: "لا يروى عن جبير إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن إدريس". قال الهيثمي في المجمع (٨/٢٣٣) : "فيه من لم أعرفهم".]] وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ [[في جميع النسخ: "عمر بن حفص أبو عمر الضرير"، والمثبت من سنن أبي داود.]] حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيَّ أَخْبَرَهُمْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنِ الْأَقْرَعِ مُؤَذِّنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ إِلَى الْأَسْقُفِ، فَدَعَوْتُهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ تَجِدُنِي فِي الْكِتَابِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ تَجِدُنِي؟ قَالَ: أَجِدُكَ قَرْنا. قَالَ: فَرَفَعَ عُمَرُ الدُّرَّةَ وَقَالَ [[في أ: "فقال".]] قَرْنُ مَهْ؟ قَالَ: قَرْنُ حَدِيدٍ، أَمِيرٌ شَدِيدٌ. قَالَ: فَكَيْفَ تَجِدُ الَّذِي بَعْدِي؟ قَالَ: أَجِدُ خَلِيفَةً صَالِحًا، غَيْرَ أَنَّهُ يُؤْثِرُ قَرَابَتَهُ قَالَ عُمَرُ: يَرْحَمُ اللَّهُ عُثْمَانَ، ثَلَاثًا. قَالَ: كَيْفَ تَجِدُ الَّذِي بَعْدَهُ؟ قَالَ: أَجِدُ صَدَأَ حَدِيدٍ. قَالَ: فَوَضَعَ عُمَرُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: يَا دَفْرَاهُ، يَا دَفْراه! قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ خَلِيفَةٌ صَالِحٌ، وَلَكِنَّهُ يُستخلف حِينَ يُستخلف وَالسَّيْفُ مَسْلُولٌ، وَالدَّمُ مُهْرَاقٌ [[سنن أبي داود برقم (٤٦٥٦) ، "والدفر: النتن".]] * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ هَذِهِ صِفَةُ الرَّسُولِ ﷺ [[في م: "صلوات الله وسلامه عليه".]] فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهَكَذَا كَانَ [[في ك، م، أ: "كانت".]] حَالُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَلَا يَنْهَى إِلَّا عَنْ شَرٍّ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فَأرْعها سَمْعَكَ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ شَرٌّ يَنْهَى عَنْهُ. وَمِنْ أَهَمِّ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ، مَا بَعَثَهُ اللَّهُ [تَعَالَى] [[زيادة من م.]] بِهِ مِنَ الْأَمْرِ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالنَّهْيِ عَنْ عِبَادَةِ مَنْ سِوَاهُ، كَمَا أَرْسَلَ بِهِ جَمِيعَ الرُّسُلِ قَبْلَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النَّحْلِ:٣٦] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ -هُوَ الْعَقَدِيُّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو -حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ -هُوَ ابْنُ بِلَالٍ -عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ، عن أبي حميد وأبي أسيد، رضي اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: " إِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تَعْرِفُهُ قُلُوبُكُمْ، وَتَلِينُ لَهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ، وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَرِيبٌ، فَأَنَا أَوْلَاكُمْ بِهِ. وَإِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تُنْكِرُهُ قُلُوبُكُمْ، وَتَنْفُرُ مِنْهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ، وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ بَعِيدٌ، فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ" [[المسند من حديث أبي أسيد (٣/٤٩٧) ومن حديث أبي حميد (٥/٤٢٥) .]] هَذَا [حَدِيثٌ] [[زيادة من أ.]] جَيِّدُ الْإِسْنَادِ، لَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ [السِّتَّةِ] [[زيادة من أ.]] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَدِيثًا، فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْدَى، وَالَّذِي هُوَ أَهْنَا، [وَالَّذِي هُوَ أَنْجَى] [[زيادة من أ.]] وَالَّذِي هو أتقى [[في أ: "أبقى".]] [[المسند (١/١٢٢) .]] ثم رواه عن يحيى عن بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَدِيثًا، فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْدَاهُ وَأَهْنَاهُ وَأَتْقَاهُ [[المسند (١/١٣٠) .]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ أَيْ: يُحِلُّ لَهُمْ مَا كَانُوا حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبَحَائِرِ، وَالسَّوَائِبِ، وَالْوَصَائِلِ، وَالِحَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا كَانُوا ضَيَّقُوا بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالرِّبَا، وَمَا كَانُوا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الْمَآكِلِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى، فَهُوَ طَيِّبٌ نَافِعٌ فِي الْبَدَنِ وَالدِّينِ، وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ، فَهُوَ خَبِيثٌ ضَارٌّ فِي الْبَدَنِ وَالدِّينِ. وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَنْ يَرَى التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ الْعَقْلِيَّيْنِ، وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا لَا يَتَّسِعُ هَذَا الْمَوْضِعُ لَهُ. وَكَذَا احْتَجَّ بِهَا مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي حِلِّ الْمَآكِلِ الَّتِي لَمْ يَنُصَّ عَلَى تَحْلِيلِهَا وَلَا تَحْرِيمِهَا، إِلَى مَا اسْتَطَابَتْهُ الْعَرَبُ فِي حَالِ رَفَاهِيَتِهَا، وَكَذَا فِي جَانِبِ التَّحْرِيمِ إِلَى مَا اسْتَخْبَثَتْهُ. وَفِيهِ [[في م: "وفي ذلك".]] كَلَامٌ طَوِيلٌ أَيْضًا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ: إِنَّهُ جَاءَ بِالتَّيْسِيرِ وَالسَّمَاحَةِ، كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ". وَقَالَ لِأَمِيرَيْهِ مُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، لَمَّا [[في أ: "حين".]] بَعَثَهُمَا إِلَى الْيَمَنِ: "بَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا". وَقَالَ صَاحِبُهُ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ: إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وشهدت تيسيره. وَقَدْ كَانَتِ الْأُمَمُ الَّذِينَ [[في ك: "التي".]] كَانُوا قَبْلَنَا فِي شَرَائِعِهِمْ ضِيقٌ عَلَيْهِمْ، فَوَسَّعَ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ أُمُورَهَا، وَسَهَّلَهَا لَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَقُلْ أَوْ تَعْمَلْ" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٥٢٦٩) ومسلم في صحيحه برقم (١٢٧) من حديث أبي هريرة.]] وَقَالَ: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" [[رواه ابن ماجة في السنن برقم (٢٠٤٥) مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقد سبق تخريجه وذكر شواهده.]] ؛ وَلِهَذَا قَدْ أَرْشَدَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ يَقُولُوا: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ:٢٨٦] وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ كُلِّ سُؤَالٍ مِنْ هَذِهِ: قَدْ فَعَلْتُ، قَدْ فَعَلْتُ [[صحيح مسلم برقم (١٢٦) من حديث ابن عباس، رضي الله عنه.]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ﴾ أَيْ: عَظَّمُوهُ وَوَقَّرُوهُ، ﴿وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزلَ مَعَهُ﴾ أَيِ: الْقُرْآنَ وَالْوَحْيَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُبَلِّغًا إِلَى النَّاسِ، ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب