يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ﴾ أَيْ: سَكَنَ ﴿عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ﴾ أَيْ: غَضَبُهُ عَلَى قَوْمِهِ ﴿أَخَذَ الألْوَاحَ﴾ أَيْ: الَّتِي كَانَ أَلْقَاهَا مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ عَلَى عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ، غَيْرَةً لِلَّهِ وَغَضَبًا لَهُ ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ﴾
يَقُولُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا لَمَّا أَلْقَاهَا تَكَسَّرَتْ، ثُمَّ جَمَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: فَوَجَدَ فِيهَا هُدًى وَرَحْمَةً. وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَذَهَبَ، وَزَعَمُوا أَنَّ رُضَاضَهَا لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا فِي خَزَائِنِ الْمُلُوكِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذَا. وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنَّهَا تَكَسَّرَتْ حِينَ أَلْقَاهَا، وَهِيَ مِنْ جَوْهَرِ الْجَنَّةِ [[في أ: "من جوهر من الجنة".]] فَقَدْ [[في ك: "وقد".]] أَخْبَرَ [اللَّهُ] [[زيادة من أ.]] تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا بَعْدَ مَا أَلْقَاهَا وَجَدَ فِيهَا هُدًى وَرَحْمَةً.
﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ ضَمَّنَ الرَّهْبَةَ مَعْنَى الْخُضُوعِ؛ وَلِهَذَا عدَّاها بِاللَّامِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَخَذَ الألْوَاحَ﴾ قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أجدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَاجْعَلْهُمْ [[في د، ك، م، أ: "اجعلهم".]] أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْآخَرُونَ -أَيْ آخَرُونَ فِي الخَلْقِ -السابقون [[في د، أ: "سابقون".]] في دخول الجنة، رَبِّ اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ يَقْرَءُونَهَا -كِتَابَهُمْ -وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ نَظَرًا، حَتَّى إِذَا رَفَعُوهَا لَمْ يَحْفَظُوا [مِنْهَا] [[زيادة من أ.]] شَيْئًا، وَلَمْ يَعْرِفُوهُ. قَالَ قَتَادَةُ: وَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ مِنَ الْحِفْظِ شَيْئًا لَمْ يُعْطِهِ [[في ك، م، أ: "يعط".]] أَحَدًا مِنَ الْأُمَمِ. قَالَ: رَبِّ، اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً يُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَبِالْكِتَابِ الْآخِرِ، وَيُقَاتِلُونَ فُصُولَ الضَّلَالَةِ، حَتَّى يُقَاتِلُوا [[في ك، م: "يقاتلون" وهو خطأ.]] الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً صَدَقَاتُهُمْ يَأْكُلُونَهَا فِي بُطُونِهِمْ، وَيُؤْجَرُونَ عَلَيْهَا -وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَقَبِلَتْ مِنْهُ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا نَارًا فَأَكَلَتْهَا، وَإِنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ تُركَت، فَتَأْكُلُهَا السِّبَاعُ وَالطَّيْرُ، وَإِنَّ اللَّهَ أَخَذَ صَدَقَاتِكُمْ مِنْ غَنِيِّكُمْ لِفَقِيرِكُمْ [[في ك: "غنيهم لفقيرهم".]] -قَالَ: رَبِّ، اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِحَسَنَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعْمَلْهَا، كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، فَإِنْ عَمِلَهَا، كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ [ضِعْفٍ] [[زيادة من أ.]] رَبِّ اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً إِذَا هَم أَحَدُهُمْ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي: قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْمُسْتَجِيبُونَ وَالْمُسْتَجَابُ لَهُمْ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ المشفَّعون وَالْمَشْفُوعُ لَهُمْ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: قَتَادَةُ فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [[زيادة من أ.]] نَبَذَ الْأَلْوَاحَ، وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ [[تفسير الطبري (١٣/١٢٤) .]]
{"ayah":"وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلۡغَضَبُ أَخَذَ ٱلۡأَلۡوَاحَۖ وَفِی نُسۡخَتِهَا هُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّلَّذِینَ هُمۡ لِرَبِّهِمۡ یَرۡهَبُونَ"}