الباحث القرآني

وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ الْأَشْقِيَاءِ إِذَا أُعْطِيَ أَحَدُهُمْ كِتَابَهُ فِي العَرَصات بِشَمَالِهِ، فَحِينَئِذٍ يَنْدَمُ غَايَةَ النَّدَمِ، فَيَقُولُ: ﴿فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ قَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي مَوْتَةً لَا حَيَاةَ بَعْدَهَا. وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَالرَّبِيعُ، وَالسُّدِّيُّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: تَمَنَّى [[في م: "يعني".]] الْمَوْتَ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ فِي الدُّنْيَا أَكْرَهُ إِلَيْهِ مِنْهُ. ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ أَيْ: لَمْ يَدْفَعْ عَنِّي مَالِي وَلَا جَاهِي عذابَ اللَّهِ وبَأسه، بَلْ خَلَص الْأَمْرُ إليَّ وَحْدِي، فَلَا مُعِينَ لِي وَلَا مُجِيرَ. فَعِنْدَهَا يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾ أَيْ: يَأْمُرُ الزَّبَانِيَةَ أَنْ تَأْخُذَهُ عنْفًا مِنَ الْمَحْشَرِ، فَتَغُله، أَيْ: تَضَعُ الْأَغْلَالَ فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ تُورده إِلَى جَهَنَّمَ فَتُصِلِيهِ إِيَّاهَا، أَيْ: تَغْمُرُهُ فِيهَا. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا: أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنِ المِنْهَال بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِذَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ ﴿خُذُوهُ﴾ ابْتَدَرَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِنَّ الْمَلَكَ مِنْهُمْ لَيَقُولُ هَكَذَا، فَيُلْقِي سَبْعِينَ أَلْفًا فِي النَّارِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي "الْأَهْوَالِ": أَنَّهُ يَبْتَدِرُهُ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ، وَلَا يَبْقَى شَيْءٌ إِلَّا دَقَه، فَيَقُولُ: مَا لِي وَلَكَ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ الرَّبَّ عَلَيْكَ غَضْبَانُ، فَكُلُّ شَيْءٍ غَضْبَانٌ عَلَيْكَ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ -هُوَ ابْنُ عِيَاضٍ-: إِذَا قَالَ الرَّبُّ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾ ابْتَدَرَهُ سَبْعُونَ ألفا مَلَكٍ، أَيُّهُمْ يَجْعَلُ الْغُلَّ فِي عُنُقِهِ. ﴿ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾ أَيِ: اغْمُرُوهُ فِيهَا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾ قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارُ: كُلُّ حَلْقَةٍ مِنْهَا قَدْرُ حَدِيدِ الدُّنْيَا. وَقَالَ العَوفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ: بِذِرَاعِ الْمَلَكِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿فَاسْلُكُوهُ﴾ تَدَخُلُ فِي اسْتِهِ ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْ فِيهِ، ثُمَّ يُنْظَمُونَ فِيهَا كَمَا يُنَظَمُ الْجَرَادُ فِي الْعُودِ حِينَ يُشْوَى. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُسْلَكُ فِي دُبُرِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَنْخِرَيْهِ، حَتَّى لَا يَقُومَ عَلَى رِجْلَيْهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهُ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ عِيسَى بْنِ هِلَالٍ الصَّدَفي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَوْ أَنَّ رَصَاصة مِثْلَ هَذِهِ -وَأَشَارَ إِلَى [مِثْلِ] [[زيادة من المسند والترمذي.]] جُمْجُمة-أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، لَبَلَغَتِ الْأَرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ، وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ، لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا الليلَ والنهارَ، قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ قَعْرَهَا أَوْ أَصْلَهَا". وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ سُوَيْد بْنِ نَصْرٍ [[في أ: "سويد بن سعيد".]] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، بِهِ [[المسند (٢/١٩٧) وسنن الترمذي برقم (٢٥٨٨) .]] قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ أَيْ: لَا يَقُومُ بِحَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَلَا يَنْفَعُ خَلْقَهُ وَيُؤَدِّي حَقَّهُمْ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَلِلْعِبَادِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَقُّ الْإِحْسَانِ وَالْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَقُبِضَ النَّبَيُّ ﷺ وَهُوَ يَقُولُ: "الصَّلَاةَ، وما ملكت أيمانكم" [[جاء من حديث أنس، وعلي وأم سلمة، وسفينة، رضي الله عنهم، وحديث علي، رضي الله عنه: "كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، رواه الإمام أحمد في المسند (١/٧٨) وأبو داود في السنن برقم (٥١٥٤) .]] . وقوله: ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ لَا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ﴾ أَيْ: لَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ مَنْ يُنْقِذُهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، لَا حَمِيمٌ -وَهُوَ الْقَرِيبُ-وَلَا شَفِيعٌ يُطَاعُ، وَلَا طَعَامٌ له هاهنا إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ. قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ شَرُّ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ، وَالضَّحَّاكُ: هُوَ شَجَرَةٌ فِي جَهَنَّمَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدَّبُ، عَنْ خُصَيف، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا الْغِسْلِينُ، وَلَكِنِّي أَظُنُّهُ الزَّقُّومَ. وَقَالَ شَبِيب بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْغِسْلِينُ: الدَّمُ وَالْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ لُحُومِهِمْ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ: الْغِسْلِينُ: صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب