يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَ﴾ أَعْتَدْنَا ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ أَيْ: بِئْسَ الْمَآلُ وَالْمُنْقَلَبُ. ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا﴾ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي الصِّيَاحَ.
﴿وَهِيَ تَفُورُ﴾ قَالَ الثَّوْرِيُّ: تَغْلِي بِهِمْ كَمَا يَغْلِي الحَبّ الْقَلِيلُ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾ أَيْ: يَكَادُ يَنْفَصِلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، مِنْ شِدَّةِ غَيْظِهَا عَلَيْهِمْ وَحَنَقِهَا بِهِمْ، ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ يَذْكُرُ تَعَالَى عَدْلَهُ فِي خَلْقِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ وَإِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٥] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزُّمَرِ: ٧١] . وَهَكَذَا عَادُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ، وَنَدِمُوا حَيْثُ لَا تَنْفَعُهُمُ النَّدَامَةُ، فَقَالُوا: ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ أَيْ: لَوْ كَانَتْ لَنَا عُقُولٌ نَنْتَفِعُ بِهَا أَوْ نَسْمَعُ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْحَقِّ، لَمَا كُنَّا عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالِاغْتِرَارِ بِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا فَهْمٌ نَعِي بِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَلَا كَانَ لَنَا عَقْلٌ يُرْشِدُنَا إِلَى اتِّبَاعِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ﴾
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة، عَنْ أَبِي البَخْتَريّ الطَّائِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "لَنْ يَهْلِكَ النَّاسُ حَتَّى يُعذِروا مِنْ أَنْفُسِهِمْ" [[المسند (٤/٢٦٠) .]] وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: "لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ النَّارَ، إِلَّا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ النَّارَ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ" [[في المسند (٢/٥٤١) من حديث أبي هريرة مرفوعا: "لا يدخل أحد النار إلا أرى مقعده من الجنة" وهو في الصحيح.]] .
{"ayahs_start":6,"ayahs":["وَلِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ","إِذَاۤ أُلۡقُوا۟ فِیهَا سَمِعُوا۟ لَهَا شَهِیقࣰا وَهِیَ تَفُورُ","تَكَادُ تَمَیَّزُ مِنَ ٱلۡغَیۡظِۖ كُلَّمَاۤ أُلۡقِیَ فِیهَا فَوۡجࣱ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَاۤ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ نَذِیرࣱ","قَالُوا۟ بَلَىٰ قَدۡ جَاۤءَنَا نَذِیرࣱ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَیۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِی ضَلَـٰلࣲ كَبِیرࣲ","وَقَالُوا۟ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِیۤ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ","فَٱعۡتَرَفُوا۟ بِذَنۢبِهِمۡ فَسُحۡقࣰا لِّأَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ"],"ayah":"وَلِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ"}