وَهَذَا بَيَانٌ لِجَهْلِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فِيمَا كَانُوا حَرّموا مِنَ الْأَنْعَامِ، وَجَعَلُوهَا أَجْزَاءً وَأَنْوَاعًا: بَحِيرَةً، وَسَائِبَةً، وَوَصِيلَةً وَحَامًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا فِي الْأَنْعَامِ وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، فَبَيَّنَ [[في أ: "وبين".]] أَنَّهُ تَعَالَى أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ، وَأَنَّهُ أَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا. ثُمَّ بَيَّنَ أَصْنَافَ الْأَنْعَامِ إِلَى غَنَمٍ وَهُوَ بَيَاضٌ وَهُوَ الضَّأْنُ، وَسَوَادٌ وَهُوَ الْمَعِزُ، ذَكَرُهُ وَأُنْثَاهُ، وَإِلَى إِبِلٍ ذُكُورِهَا وَإِنَاثِهَا، وَبَقَرٍ كَذَلِكَ. وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا شَيْئًا مِنْ أَوْلَادِهِ. بَلْ كُلُّهَا مَخْلُوقَةٌ لِبَنِي آدَمَ، أَكْلًا وَرُكُوبًا، وَحَمُولَةً، وَحَلْبًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ، كَمَا قَالَ [تَعَالَى] [[زيادة من أ.]] ﴿وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ الْآيَةَ [الزُّمَرِ: ٦] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ﴾ رَدٌ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: ﴿مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَيْ: أَخْبِرُونِي عَنْ يَقِينٍ: كَيْفَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [[في م، أ: "عليهم".]] مَا زَعَمْتُمْ تَحْرِيمَهُ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟
وَقَالَ العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَزْوَاجٍ، ﴿وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنْثَيَيْنِ﴾ يَقُولُ: لَمْ أُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ﴿ [أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ] ﴾
يَعْنِي: هَلْ يَشْمَلُ الرَّحِمُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَلِمَ تُحَرِّمُونَ بَعْضًا وَتُحِلُّونَ بَعْضًا؟] [[زيادة من أ.]] ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ يَقُولُ: كُلُّهُ حَلَالٌ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا﴾ تَهَكُّمٌ بِهِمْ فِيمَا ابْتَدَعُوهُ وَافْتَرَوْهُ عَلَى اللَّهِ، مِنْ تَحْرِيمِ مَا حَرَّمُوهُ مِنْ ذَلِكَ، ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾
وَأَوَّلُ مَنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: عَمْرُو بْنُ لُحَيّ بْنِ قَمَعَة، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ، وَحَمَى الْحَامِيَ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ [[سبق ذكر الحديث عند الآية: ١٠٣ من سورة المائدة وتخريجه هناك.]] .
{"ayahs_start":143,"ayahs":["ثَمَـٰنِیَةَ أَزۡوَ ٰجࣲۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَیۡنِۗ قُلۡ ءَاۤلذَّكَرَیۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَیَیۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَیۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۖ نَبِّـُٔونِی بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَیۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَیۡنِۗ قُلۡ ءَاۤلذَّكَرَیۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَیَیۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَیۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَاۤءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَاۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبࣰا لِّیُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَیۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"],"ayah":"ثَمَـٰنِیَةَ أَزۡوَ ٰجࣲۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَیۡنِۗ قُلۡ ءَاۤلذَّكَرَیۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَیَیۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَیۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۖ نَبِّـُٔونِی بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}