الباحث القرآني
يَقُولُ تَعَالَى: وَكَمَا جَعَلْنَا فِي قَرْيَتِكَ -يَا مُحَمَّدُ -أَكَابِرَ مِنَ الْمُجْرِمِينَ، وَرُؤَسَاءَ وَدُعَاةً إِلَى الْكُفْرِ وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِلَى مُخَالَفَتِكَ وَعَدَاوَتِكَ، كَذَلِكَ كَانَتِ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِكَ يُبْتَلون بِذَلِكَ، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ [وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا] [[زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ [الْفُرْقَانِ: ٣١] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا [فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا] [[زيادة من م، أ، وفي هـ: الآية".]] ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٦] ، قِيلَ: مَعْنَاهُ: أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَاتِ، فَخَالَفُوا، فَدَمَّرْنَاهُمْ. وَقِيلَ: أَمَرْنَاهُمْ أَمْرًا قَدَرِيًّا، كَمَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿لِيَمْكُرُوا فِيهَا﴾
وَقَالَ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾ قَالَ: سَلَّطنا شِرَارَهَا فَعَصَوْا فِيهَا، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: ﴿أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾ قَالَ عُظَمَاؤُهَا.
قُلْتُ: وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سَبَأٍ: ٣٤، ٣٥] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ: ٢٣] .
وَالْمُرَادُ بِالْمَكْرِ هَاهُنَا دُعَاؤُهُمْ إِلَى الضَّلَالَةِ بِزُخْرُفٍ مِنَ الْمَقَالِ وَالْفِعَالِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ قَوْمِ نُوحٍ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ [نُوحٍ: ٢٢] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا [وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] ﴾ [[زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".]] [سبأ: ٣١ -٣٣] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: كُلُّ مَكْرٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ عَمَلٌ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أَيْ: وَمَا يَعُودُ وَبَالُ مَكْرِهِمْ ذَلِكَ وَإِضْلَالِهِمْ مَنْ أَضَلُّوهُ إِلَّا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، كَمْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: ١٣] ، وَقَالَ ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النَّحْلِ: ٢٥] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ أَيْ: إِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ وَبُرْهَانٌ وَحُجَّةٌ قَاطِعَةٌ، قَالُوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ أَيْ: حَتَّى تَأْتِيَنَا الْمَلَائِكَةُ مِنَ اللَّهِ بِالرِّسَالَةِ، كَمَا تَأْتِي إِلَى الرُّسُلِ، كَقَوْلِهِ، جَلَّ وَعَلَا ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا [لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا] [[زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ [الْفَرْقَانِ: ٢١] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَضَعُ رِسَالَتَهُ وَمَنْ يَصْلُحُ لَهَا مِنْ خَلْقِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّك﴾ الْآيَةَ [الزُّخْرُفِ: ٣١، ٣٢] يَعْنُونَ: لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ عَظِيمٍ كَبِيرٍ مُبَجَّلٍ فِي أَعْيُنِهِمْ ﴿مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ﴾ أَيْ: مَكَّةَ وَالطَّائِفِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ -قَبَّحَهُمُ اللَّهُ -كَانُوا يَزْدَرُونَ بِالرَّسُولِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بَغْيًا وَحَسَدًا، وَعِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ: ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا﴾ [الْفُرْقَانِ: ٤١] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٠] . هَذَا وَهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ. وَطَهَارَةِ بَيْتِهِ وَمَرْبَاهُ وَمَنْشَئِهِ، حَتَّى أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَهُ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ: "الْأَمِينَ"، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ رَئِيسُ الْكُفَّارِ "أَبُو سُفْيَانَ" حِينَ سَأَلَهُ "هِرَقْلُ" مَلِكُ الرُّومِ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قَالَ: لَا الْحَدِيثُ بِطُولِهِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مَلِكُ الرُّومِ بِطَهَارَةِ [[في أ: "بظاهر".]] صِفَاتِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى صِدْقِهِ وَنُبُوَّتِهِ وَصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصعب، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ شَدَّاد أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ".
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ -وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو إِمَامُ أَهْلِ الشَّامِ، بِهِ نحوه [[المسند (٤/١٠٧) وصحيح مسلم برقم (٢٢٧٦) .]] .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "بُعِثت مِنْ خَيْرِ قُرون بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى بُعِثْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ" [[صحيح البخاري برقم (٣٥٥٧) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيم، عَنْ سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحارث ابن نَوْفَلٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ: بَلَغَهُ ﷺ بعضُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: "مَنْ أَنَا؟ ". قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: "أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ [[في م، أ: "فريقين".]] فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ، وَخَلَقَ الْقَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ. وَجَعَلَهُمْ بُيُوتًا فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا، فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتًا وَخَيْرُكُمْ نَفْسًا" [[المسند (١/٢١٠) .]] . صَدَقَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا الْمَرْوِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "قَالَ لِي جِبْرِيلُ: قَلَّبْتُ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَجِدْ رَجُلًا أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَقَلَّبْتُ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَجِدْ بَنِي أَبٍ أَفْضَلَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ". رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ [[دلائل النبوة للبيهقي (١/١٧٦) من طريق موسى بن عبيدة، عن عمرو بن عبد الله، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ به، ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٣٥١١) "مجمع البحرين" من طريق موسى بن عبيدة الربذي به. قال الهيثمي في المجمع (٨/٢١٧) : "فيه موسى بن عبيدة االربذي وهو ضعيف".]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْش، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من أ.]] قَالَ: إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ. ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ [[المسند (١/٣٧٩) .]] .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا شُجاع بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: ذَكَرَ قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "يَا سَلْمَانُ، لَا تُبْغِضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أبْغِضُك وَبِكَ هَدَانَا اللَّهُ؟ قَالَ: "تُبْغِضُ الْعَرَبَ فَتُبْغِضُنِي" [[المسند (٥/٤٤٠) ورواه الترمذي في السنن برقم (٣٩٢٧) والحاكم في المستدرك (٤/٨٦) والطبراني في المعجم الكبير (٦/٢٣٨) من طريق شجاع بن الوليد عن قابوس به. قال الترمذي: "حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أبي بدر شجاع بن الوليد، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: أبو ظبيان لم يدرك سلمان، مات سلمان قبل علي".]] .
وَذَكَرَ [[في م، أ: "وقال".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: ذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْجَوَازُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ: أَبْصَرَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا نَظَرَ إليه راعه، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ عَبَّاسٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾
* * *
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ [بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ] ﴾ [[زيادة من م، أ. وفي هـ: "الآية".]] هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ مِنَ اللَّهِ وَتَهْدِيدٌ أَكِيدٌ، لِمَنْ تَكَبَّرَ عن اتباع رسله والانقياد لهم [[في أ: "إليهم".]] فيما جاؤوا بِهِ، فَإِنَّهُ سَيُصِيبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ﴿صَغَارٌ﴾ وَهُوَ الذِّلَّةُ الدَّائِمَةُ، لَمَّا [[في أ: "كما".]] أَنَّهُمُ اسْتَكْبَرُوا أَعْقَبَهُمْ ذَلِكَ ذُلا كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غَافِرٍ: ٦٠] أَيْ: صَاغِرِينَ ذَلِيلِينَ حَقِيرِينَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾ لَمَّا كَانَ الْمَكْرُ غَالِبًا إِنَّمَا يَكُونُ خَفِيًّا، وَهُوَ التَّلَطُّفُ فِي التَّحَيُّلِ وَالْخَدِيعَةِ، قُوبِلُوا بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ جَزَاءً وِفَاقًا، ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الْكَهْفِ: ٤٩] ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [الطَّارِقِ: ٩] أَيْ: تَظْهَرُ الْمُسْتَتِرَاتُ وَالْمَكْنُونَاتُ وَالضَّمَائِرُ. وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "يُنْصَب لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسُتِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرة فَلَانٍ ابْنِ فُلَانٍ" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٧١١١) ومسلم في صحيحه برقم (١٧٣٥) من حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عنه.]] .
وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَدْرُ خَفِيَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَصِيرُ عَلَمًا مَنْشُورًا عَلَى صَاحِبِهِ بما فعل.
{"ayahs_start":123,"ayahs":["وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا فِی كُلِّ قَرۡیَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجۡرِمِیهَا لِیَمۡكُرُوا۟ فِیهَاۖ وَمَا یَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ","وَإِذَا جَاۤءَتۡهُمۡ ءَایَةࣱ قَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَاۤ أُوتِیَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَیۡثُ یَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ أَجۡرَمُوا۟ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابࣱ شَدِیدُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَمۡكُرُونَ"],"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا فِی كُلِّ قَرۡیَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجۡرِمِیهَا لِیَمۡكُرُوا۟ فِیهَاۖ وَمَا یَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











