الباحث القرآني
يَقُولُ تَعَالَى مُقَرِّعا لِلْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ وَالْأَنْدَادَ وَالْأَوْثَانَ، وَاتِّخَاذِهِمْ لَهَا الْبُيُوتَ مُضَاهَاةً لِلْكَعْبَةِ الَّتِي بَنَاهَا خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، عَلَيْهِ [الصَّلَاةُ وُ] [[زيادة من م.]] السَّلَامُ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ﴾ ؟ وَكَانَتِ "اللَّاتُ" [[في م: "العزى".]] صَخْرَةً بَيْضَاءَ مَنْقُوشَةً، وَعَلَيْهَا بَيْتٌ بِالطَّائِفِ لَهُ أَسْتَارٌ وسَدَنة، وَحَوْلَهُ فِنَاءٌ مُعَظَّمٌ عِنْدَ أَهْلِ الطَّائِفِ، وَهُمْ ثَقِيفٌ وَمَنْ تَابَعَهَا، يَفْتَخِرُونَ بِهَا عَلَى مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بَعْدَ قُرَيْشٌ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَكَانُوا قَدِ اشْتَقُّوا اسْمَهَا مِنَ اسْمِ اللَّهِ [تَعَالَى] [[زيادة من م.]] ، فَقَالُوا: اللَّاتُ، يَعْنُونَ مُؤَنَّثَةً مِنْهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أنس: أنهم قرؤوا "اللَّاتَّ" بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، وَفَسَّرُوهُ بِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يَلُتُّ لِلْحَجِيجِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ السَّوِيقَ، فَلَمَّا مَاتَ عَكَفُوا عَلَى قَبْرِهِ فَعَبَدُوهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ -هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ-حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [[في م: "عن ابن عباس عن".]] : ﴿اللاتَ وَالْعُزَّى﴾ قَالَ: كَانَ اللَّاتُّ رَجُلًا يَلُتُّ السَّويق، سَوِيقَ الْحَاجِّ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٥٩) .]] .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَكَذَا العُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ.
وَكَانَتْ شَجَرَةً عَلَيْهَا بِنَاءٌ وَأَسْتَارٌ بِنَخْلَةَ، وَهِيَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، كَانَتْ قُرَيْشٌ يعظمونها، كما قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عزَّى لَكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا، وَلَا مَوْلَى لَكُمْ" [[تقدم تخريج الحديث عند تفسير سورة "محمد" الآية: ١١.]] .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أقَامرْك، فَلْيَتَصَدَّقْ" [[صحيح البخاري برقم (٤٨٦٠) .]] .
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ فِي [[في م: "إلى".]] ذَلِكَ، كَمَا كَانَتْ أَلْسِنَتُهُمْ قَدِ اعْتَادَتْهُ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَمَا قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَكَّار وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا مَخْلَد، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَلَفْتُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَقَالَ لِي أَصْحَابِي: بِئْسَ مَا قُلْتَ! قُلْتَ هُجْرًا! فَأَتَيْتُ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِكَ ثَلَاثًا، وتعوَّذ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ لَا تَعُدْ" [[سنن النسائي (٧/٨) .]] .
وَأَمَّا "مَنَاةُ" فَكَانَتْ بالمُشَلَّل [[في أ: "بالمنال".]] -عِنْدَ قُدَيد، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ-وَكَانَتْ خُزَاعَةُ وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا يُعَظِّمُونَهَا، ويُهلّون مِنْهَا لِلْحَجِّ إِلَى الْكَعْبَةِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٦١) .]] . وَقَدْ كَانَتْ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهَا طَوَاغِيتُ أُخَرُ تُعَظِّمُهَا الْعَرَبُ كَتَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ هَذِهِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَشْهَرُ مِنْ غَيْرِهَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ: وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ اتَّخَذَتْ مَعَ الْكَعْبَةِ طَوَاغِيتَ، وَهِيَ بُيُوتٌ تُعَظِّمُهَا كَتَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ، بِهَا [[في م: "لها".]] سَدَنَةٌ وَحُجَّابٌ، وَتُهْدِي لَهَا كَمَا يُهْدَى [[في م: "تهدي".]] لِلْكَعْبَةِ، وَتَطُوفُ بِهَا كطَوْفَاتِها بِهَا، وَتَنْحَرُ عِنْدَهَا، وَهِيَ تَعْرِفُ فَضْلَ الْكَعْبَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا بَيْتُ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَسْجِدُهُ. فَكَانَتْ لِقُرَيْشٍ وَبَنِي كِنَانَةَ العُزَّى بِنَخْلَةَ، وَكَانَتْ سَدَنَتُهَا وَحُجَّابُهَا [[في م: "وحجبتها".]] بَنِي شَيْبَانَ مِنْ سُلَيْمٍ حُلَفَاءَ بَنِي هَاشِمٍ [[السيرة النبوية لابن هشام (١/٨٣) .]] .
قُلْتُ: بَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَهَدَمَهَا، وَجَعَلَ يَقُولُ:
يَا عُزَّ، كُفْرَانَك لَا سُبْحَانَك ... إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أهَانَك ...
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْل، حَدَّثَنَا الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْع، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةَ، وَكَانَتْ بِهَا الْعُزَّى، فَأَتَاهَا خَالِدٌ وَكَانَتْ عَلَى ثَلَاثِ سَمُرات، فَقَطَعَ السَّمُرات، وَهَدَمَ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: "ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا". فَرَجَعَ خَالِدٌ، فَلَمَّا أَبْصَرَتْهُ السَّدَنة -وَهُمْ حَجَبتها-أَمْعَنُوا فِي الحِيَل وَهُمْ يَقُولُونَ: "يَا عُزَّى، يَا عُزَّى". فَأَتَاهَا خَالِدٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا تَحْفِنُ [[في م: "تحثو".]] التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا، فَغَمَسَهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "تِلْكَ الْعُزَّى" [[النسائي في السنن الكبرى رقم (١١٥٦٧) .]] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتِ اللَّاتُ لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ، وَكَانَ سَدَنتها وَحُجَّابُهَا بَنَى مُعَتّب [[في م: "مغيت".]] .
قُلْتُ: وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ، فَهَدَمَاهَا وَجَعَلَا مَكَانَهَا مَسْجِدَ الطَّائِفِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتْ مَنَاةُ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ المُشَلّل بِقُدَيْدٍ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ [إِلَيْهَا] [[زيادة من أ.]] أَبَا سُفْيَانَ صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ، فَهَدَمَهَا. وَيُقَالُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
قَالَ: وَكَانَتْ ذُو الخَلَصة [[في أ: "الحليفة".]] لدَوس وخَثعم وبَجِيلة، وَمَنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ بِتَبَالة.
قُلْتُ: وَكَانَ يُقَالُ لَهَا: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ، وَلِلْكَعْبَةِ الَّتِي بِمَكَّةَ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ فَهَدَمَهُ.
قَالَ: وَكَانَتْ فَلْس [[في م: "فيس".]] لِطَيِّئَ وَلِمَنْ يَلِيهَا بِجَبَلَيْ طَيِّئَ مِنْ [[في م، أ: "بين".]] سَلمى وَأَجَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعث إِلَيْهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَهَدَمَهُ، وَاصْطَفَى مِنْهُ سَيْفَيْنِ: الرّسُوب والمخْذَم، فَنفَّله أَيَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَهُمَا سَيْفَا عَلِيٍّ [[السيرة النبوية لابن هشام (١/٨٧) .]] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ لِحِمْيَرَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ بَيْتٌ بِصَنْعَاءَ يُقَالُ لَهُ: رِيَامٌ. وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ كَلْبٌ أَسْوَدُ، وَأَنَّ الْحَبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَهَبَا مَعَ تُبَّعٍ اسْتَخْرَجَاهُ وَقَتَلَاهُ، وَهَدَمَا الْبَيْتَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتْ "رُضَاء" بَيْتًا لِبَنِي رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَلَهَا يَقُولُ الْمُسْتَوْغِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ حِينَ هَدَمَهَا فِي الْإِسْلَامِ:
وَلَقَدْ شَدَدْتُ عَلَى رُضَاء شَدّةً ... فَتَرَكْتُها قَفْرًا بِقَاع أسحَمَا ...
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: إِنَّهُ عَاشَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ [[في أ: "وستون".]] سَنَةً، وَهُوَ الْقَائِلُ:
وَلَقَد سَئِمْتُ مِنَ الحيَاةِ وَطُولِهَا ... وَعُمّرْتُ منْ عَدَد السّنِينَ مِئِينَا ...
مائَةً حَدّتها بَعْدَها مائَتَان لِي ... وَازْدَدْتُ [[في م، أ: "وعمرت".]] مِنْ عَدَد الشُّهُورِ سِنِينَا ...
هَلْ مَا بَقِي إِلَّا كَمَا قَدْ فَاتَنَا ... يَومٌ يَمُرُّ وَلَيلةٌ تَحْدُونَا ...
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ ذُو الكَعَبَات لِبَكْرٍ وَتَغْلِبَ ابْنَيْ وَائِلٍ، وَإِيَادٍ بِسَنْداد وَلَهُ يَقُولُ أعشى بن قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
بَيْنَ الخَوَرْنَق والسَّدير وَبَارقٍ ... والبيت ذو الكَعَبَات مِنْ سَنْدَاد [[انظر السيرة النبوية لابن هشام (١/٨٧، ٨٨) .]]
وَلِهَذَا قَالَ [تَعَالَى] [[زيادة من م.]] : ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى﴾ ؟ .
ثُمَّ قَالَ: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى﴾ ؟ أَيْ: أَتَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا، وَتَجْعَلُونَ وَلَدَهُ أُنْثَى، وَتَخْتَارُونَ لِأَنْفُسِكُمُ الذُّكُورَ، فَلَوِ اقْتَسَمْتُمْ أَنْتُمْ وَمَخْلُوقٌ مِثْلُكُمْ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَكَانَتْ ﴿قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ أَيْ: جَوْرًا بَاطِلَةً، فَكَيْفَ تُقَاسِمُونَ رَبَّكُمْ هَذِهِ الْقِسْمَةَ الَّتِي لَوْ كَانَتْ بَيْنَ مَخْلُوقِينَ كَانَتْ جَوْرًا وَسَفَهًا.
ثُمَّ قَالَ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ فِيمَا ابْتَدَعُوهُ وَأَحْدَثُوهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ وَالْكُفْرِ، مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَتَسْمِيَتِهَا آلِهَةً: ﴿إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ أَيْ: مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ ﴿مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ أَيْ: مِنْ حُجَّةٍ، ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ﴾ أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ إِلَّا حُسْنَ ظَنِّهِمْ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ سَلَكُوا هَذَا الْمَسْلَكَ الْبَاطِلَ قَبْلَهُمْ، وَإِلَّا حَظَّ نُفُوسِهِمْ فِي رِيَاسَتِهِمْ وَتَعْظِيمِ آبَائِهِمُ الْأَقْدَمِينَ، ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ أَيْ: وَلَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ بِالْحَقِّ الْمُنِيرِ وَالْحُجَّةِ القاطعة، ومع هذا ما اتبعوا ما جاؤوهم بِهِ، وَلَا انْقَادُوا لَهُ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّى﴾ أَيْ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ تَمَنَّى خَيْرًا حَصَلَ لَهُ، ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النِّسَاءِ: ١٢٣] ، مَا كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُهْتَدٍ يَكُونُ كَمَا قَالَ، وَلَا كُلُّ مَنْ وَدَّ [[في م: "رد".]] شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ عُمَرَ [[في أ: "عمرو".]] بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَنْظُرْ مَا يَتَمَنَّى، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ أُمْنِيَتِهِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ [[المسند (١/٣٥٧) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/١٥١) : "رجاله رجال الصحيح".]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأولَى﴾ أَيْ: إِنَّمَا الْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ، مَالِكِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمُتَصَرِّفِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَهُوَ الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ ، كَقَوْلِهِ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٥] ، ﴿وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سَبَأٍ: ٢٣] ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، فَكَيْفَ تَرْجُونَ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ شَفَاعَةَ هَذِهِ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ لَمْ يُشَرِّعْ عِبَادَتَهَا وَلَا أَذِنَ فِيهَا، بَلْ قَدْ نَهَى عَنْهَا عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ رُسُلِهِ، وَأَنْزَلَ بِالنَّهْيِ عَنْ ذلك جميع كتبه؟.
{"ayahs_start":19,"ayahs":["أَفَرَءَیۡتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ","وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰۤ","أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلۡأُنثَىٰ","تِلۡكَ إِذࣰا قِسۡمَةࣱ ضِیزَىٰۤ","إِنۡ هِیَ إِلَّاۤ أَسۡمَاۤءࣱ سَمَّیۡتُمُوهَاۤ أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُم مَّاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَـٰنٍۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَاۤءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰۤ","أَمۡ لِلۡإِنسَـٰنِ مَا تَمَنَّىٰ","فَلِلَّهِ ٱلۡـَٔاخِرَةُ وَٱلۡأُولَىٰ","۞ وَكَم مِّن مَّلَكࣲ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ لَا تُغۡنِی شَفَـٰعَتُهُمۡ شَیۡـًٔا إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ أَن یَأۡذَنَ ٱللَّهُ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَرۡضَىٰۤ"],"ayah":"أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلۡأُنثَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











