الباحث القرآني
تَفْسِيرُ سُورَةِ الطُّورِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
قَالَ مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَير بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا -أَوْ قِرَاءَةً-مِنْهُ.
أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٤٥) وصحيح مسلم برقم (٤٦٣) .]] وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَل، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: "طُوفي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ"، فَطُفْتُ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٥٣) وصحيح مسلم برقم (١٢٧٦) .]] .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *
يُقْسِمُ تَعَالَى بِمَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ: أَنَّ عَذَابَهُ وَاقِعٌ بِأَعْدَائِهِ، وَأَنَّهُ لَا دَافِعَ لَهُ عَنْهُمْ. فَالطُّورُ هُوَ: الْجَبَلُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَشْجَارٌ، مِثْلَ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى، وَأُرْسِلَ مِنْهُ عِيسَى، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَجَرٌ لَا يُسَمَّى طُورًا، إِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: جَبَلٌ.
﴿وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ﴾ قِيلَ: هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَقِيلَ: الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ الْمَكْتُوبَةُ الَّتِي تُقْرَأُ عَلَى النَّاسِ جِهَارًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ . ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ -بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ-: "ثُمَّ رُفِعَ بِي [[في م: "لي".]] إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ" يَعْنِي: يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ ويطوفون، كما يَطُوفُ أَهْلُ الْأَرْضِ بِكَعْبَتِهِمْ كَذَلِكَ ذَاكَ الْبَيْتُ، هُوَ كَعْبَةُ أَهْلِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ؛ وَلِهَذَا وَجَدَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ؛ لِأَنَّهُ بَانِي الْكَعْبَةِ الْأَرْضِيَّةِ، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَهُوَ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ، وَفِي كُلِّ سَمَاءٍ بَيْتٌ يَتَعَبَّدُ فِيهِ أَهْلُهَا، وَيُصَلُّونَ إِلَيْهِ، وَالَّذِي فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا يُقَالُ لَهُ: بَيْتُ الْعِزَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ جَنَاحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ: "الْمَعْمُورُ"؛ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ، وَفِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ نَهْرٌ يُقَالُ لَهُ: "الْحَيَوَانُ" يَدْخُلُهُ جِبْرِيلُ كُلَّ يَوْمٍ، فَيَنْغَمِسُ فِيهِ انْغِمَاسَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَنْتَفِضُ انْتِفَاضَةً يَخِرُّ عَنْهُ سَبْعُونَ أَلْفَ قَطْرَةٍ، يَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ مَلَكَا يُؤْمَرُونَ أَنْ يَأْتُوا الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، فَيُصَلُّوا [[في م: "فيصلون".]] فِيهِ فَيَفْعَلُونَ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ فَلَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ أَبَدًا، وَيُوَلِّي عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ، يُؤْمَرُ أَنْ يَقِفَ بِهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَوْقِفًا يُسَبِّحُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ".
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، تَفَرَّدَ بِهِ رَوْحُ بْنُ جَنَاحٍ هَذَا، وَهُوَ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو سَعْدٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ مِنْهُمُ: الْجَوْزَجَانِيُّ، وَالْعُقَيْلِيُّ، وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ الْحَاكِمُ: لَا أَصِلَ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا سَعِيدٍ، وَلَا الزُّهْرِيِّ [[ورواه ابن عدي في الكامل (٣/١٤٤) من طريق هشام بن عمار به، وقال: "سمعت ابن حماد يقول: قال السعدي: روح بن جناح ذكر عنالزهري حديثا معضلا في البيت المعمور" ثم ساقه بإسناده وتعقبه بقوله: "ولا يعرف هذا الحديث إلا بروح بن جناح عن الزهري".]]
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا هَنَّاد بْنُ السُّريّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ [[في م: "عن".]] عُرْعُرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَعَلِيٍّ: مَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ؟ قَالَ: بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ: "الضُّراح" وَهُوَ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ مِنْ فَوْقِهَا، حُرْمَتُهُ فِي السَّمَاءِ كَحُرْمَةِ الْبَيْتِ فِي الْأَرْضِ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لَا [[في م: "ثم لا".]] يَعُودُونَ فِيهِ أَبَدًا [[تفسير الطبري (٢٧/١٠)]]
وَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سِمَاك وَعِنْدَهُمَا أَنَّ ابْنَ الْكُوَّاءِ هُوَ السَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيب، عَنْ طَلْق بْنِ غَنَّامٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَأَلَ ابْنُ الْكُوَّاءِ عَلِيًّا عَنِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، قَالَ: مَسْجِدٌ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ: "الضُّراح"، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ أَبَدًا. وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْل، عَنْ عَلِيٍّ بِمِثْلِهِ.
وَقَالَ العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ بَيْتٌ حِذَاءَ الْعَرْشِ، تُعَمِّرُهُ الْمَلَائِكَةُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سبعون أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ فِي السَّمَاءِ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ، لَوْ خَرَّ لَخَرَّ عَلَيْهَا، يُصَلَّى فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ".
وَزَعَمَ الضَّحَّاكُ أَنَّهُ يُعَمِّرُهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمْ: الحِن [[في م، أ: "الجن".]] ، مِنْ قَبِيلَةِ إِبْلِيسَ [[تفسير الطبري (٢٧/١١) .]] ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ : قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاك، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَة، عَنْ عَلِيٍّ: ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ يَعْنِي: السَّمَاءَ، قَالَ سُفْيَانُ: ثُمَّ تَلَا ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٢] . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جُرَيْج، وَابْنُ زَيْدٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: هُوَ الْعَرْشُ يَعْنِي: أَنَّهُ سَقْفٌ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَهُ اتِّجَاهٌ، وَهُوَ يُراد مَعَ غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ : قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: هُوَ الْمَاءُ الَّذِي تَحْتَ الْعَرْشِ، الَّذِي يُنْزِلُ [اللَّهُ] [[زيادة من م، أ.]] مِنْهُ الْمَطَرَ الَّذِي يُحْيِي بِهِ الْأَجْسَادَ فِي قُبُورِهَا يَوْمَ مَعَادِهَا. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ هَذَا الْبَحْرُ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿الْمَسْجُورِ﴾ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يُوقَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا كَقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ [التَّكْوِيرِ: ٦] أَيْ: أُضْرِمَتْ فَتَصِيرُ [[في م: "فصيرت".]] نَارًا تَتَأَجَّجُ، مُحِيطَةً بِأَهْلِ الْمَوْقِفِ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ’ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ورُوي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمير [[في م: "وعبيد الله بن عمير".]] وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ بَدْرٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَحْرَ الْمَسْجُورَ لِأَنَّهُ لَا يُشرب مِنْهُ مَاءٌ، وَلَا يُسْقَى بِهِ زَرْعٌ، وَكَذَلِكَ الْبِحَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. كَذَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبير: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ يَعْنِي: الْمُرْسَلَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿ [وَالْبَحْرِ] الْمَسْجُورِ﴾ [[زيادة من م.]] الْمَمْلُوءُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُوقَدًا الْيَوْمَ فَهُوَ مَمْلُوءٌ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْفَارِغُ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ ذِي الرُّمَّةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ قَالَ: الْفَارِغُ؛ خَرَجَتْ أُمَّةٌ تَسْتَسْقِي فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: "إِنَّ الْحَوْضَ مَسْجُورٌ"، تَعْنِي: فَارِغًا. رَوَاهُ ابْنُ مردويه في مسانيد الشعراء.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَسْجُورِ: الْمَمْنُوعُ الْمَكْفُوفُ عَنِ الْأَرْضِ؛ لِئَلَّا [[في م: "لا".]] يَغْمُرَهَا فَيُغْرِقَ أَهْلَهَا. قَالَهُ [[في م: "وقال".]] عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ يَقُولُ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي مُسْنَدِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا [[في م: "بن".]] الْعَوَّامُ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ كَانَ مُرَابِطًا بِالسَّاحِلِ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَيْسَ مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا وَالْبَحْرُ يُشْرِفُ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَسْتَأْذِنُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَضِخَ [[في م: "ينفضح".]] عَلَيْهِمْ، فَيَكُفُّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" [[المسند (١/٤٣) ورواه من طريق ابن الجوزي في العلل المتناهية (١/٥٢) وقال: "العوام ضعيف، والشيخ مجهول".]] .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، عَنْ يَزِيدَ -وَهُوَ ابْنُ هَارُونَ-عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ مُرَابِطٌ قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً لِحَرَسِي [[في م: "لمحرثي".]] لَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنَ الْحَرَسِ غَيْرِي، فَأَتَيْتُ الْمِينَاءَ فَصَعِدْتُ، فَجَعَلَ يُخَيَّلُ إليَّ أَنَّ الْبَحْرَ يُشْرِفُ يُحَاذِي رُءُوسَ الْجِبَالِ، فُعِلَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَا مُسْتَيْقِظٌ، فَلَقِيتُ أَبَا صَالِحٍ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَا مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا وَالْبَحْرُ يُشْرِفُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَسْتَأْذِنُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَضِخَ عَلَيْهِمْ، فَيَكُفُّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ". فِيهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ [[وذكره المؤلف في مسند عمر (٢/٦٠٨) من رواية الإسماعيلي، وقال: "فِيهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بحاله".]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ : هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ، أَيِ: الْوَاقِعُ [[في م: "واقع".]] بِالْكَافِرِينَ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ أَيْ: لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ ذَلِكَ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، عَنْ صَالِحٌ الْمُرْيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ [[في أ: "عن".]] زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ يَعِسّ الْمَدِينَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَمَرَّ بِدَارِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَوَافَقَهُ قَائِمًا يُصَلِّي، فَوَقَفَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ فَقَرَأَ: ﴿وَالطُّورِ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ قَالَ: قَسَمٌ -وَرَبِّ الْكَعْبَةِ-حَقٌّ. فَنَزَلَ عَنْ حِمَارِهِ وَاسْتَنَدَ إِلَى حَائِطٍ، فَمَكَثَ مَلِيًّا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنْزِلِهِ، فَمَكَثَ شَهْرًا يَعُودُهُ النَّاسُ لَا يَدْرُونَ مَا مَرَضُهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [[وذكره المؤلف في مسند عمر (٢/٦٠٨) من رواية ابن أبي الدنيا وفي إسناده صالح المري، ووقع في مسند عمر "المدني" فإن كان المري فهو ضعيف.]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "فَضَائِلِ الْقُرْآنِ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ [[زيادة من م.]] ، فَرَبَا لَهَا رَبْوَةً عِيدَ مِنْهَا عِشْرِينَ يَوْمًا [[فضائل القرآن لأبي عبيد (ص ٦٤) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقَتَادَةُ: تَتَحَرَّكُ تَحْرِيكًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ تَشَقُّقُهَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَدُورُ دَوْرًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: اسْتِدَارَتُهَا وتحريكها لأمر الله، وموج بعضها في بَعْضٍ. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّهُ التَّحَرُّكُ [[في م، أ: "المتحرك".]] فِي اسْتِدَارَةٍ. قَالَ: وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى بَيْتَ الْأَعْشَى:
كَأَنَّ مشْيَتَها مِنْ بيتِ جَارتها ... مَورُ السَّحَابَةِ لَا رَيْثٌ وَلَا عَجَلُ [[البيت في تفسير الطبري (٢٧/١٣) .]]
﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ أَيْ: تَذْهَبُ فَتَصِيرُ هَبَاءً مُنْبَثًّا، وَتُنْسَفُ نَسْفًا.
﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ أَيْ: وَيْلٌ لَهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَنَكَالِهِ بِهِمْ، وَعِقَابِهِ لَهُمْ.
﴿الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ﴾ أَيْ: هُمْ فِي الدُّنْيَا يَخُوضُونَ فِي الْبَاطِلِ، وَيَتَّخِذُونَ دِينَهُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا.
﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ﴾ أَيْ: يُدْفَعُونَ وَيُسَاقُونَ، ﴿إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ : وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَالثَّوْرِيُّ: يُدْفَعُونَ فِيهَا دَفْعًا.
﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ أَيْ: تَقُولُ لَهُمُ الزَّبَانِيَةُ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا.
﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ اصْلَوْهَا﴾ أَيِ: ادْخُلُوهَا دُخُولَ مَنْ تَغْمُرُهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ ﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ﴾ أَيْ: سَوَاءٌ صَبَرْتُمْ عَلَى عَذَابِهَا وَنَكَالِهَا أَمْ لَمْ تَصْبِرُوا، لَا مَحِيدَ لَكُمْ عَنْهَا وَلَا خَلَاصَ لَكُمْ مِنْهَا [[في أ: "فيها".]] ، ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أَيْ: وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ أَحَدًا، بَلْ يُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلطُّورِ","وَكِتَـٰبࣲ مَّسۡطُورࣲ","فِی رَقࣲّ مَّنشُورࣲ","وَٱلۡبَیۡتِ ٱلۡمَعۡمُورِ","وَٱلسَّقۡفِ ٱلۡمَرۡفُوعِ","وَٱلۡبَحۡرِ ٱلۡمَسۡجُورِ","إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَ ٰقِعࣱ","مَّا لَهُۥ مِن دَافِعࣲ","یَوۡمَ تَمُورُ ٱلسَّمَاۤءُ مَوۡرࣰا","وَتَسِیرُ ٱلۡجِبَالُ سَیۡرࣰا","فَوَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ","ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی خَوۡضࣲ یَلۡعَبُونَ","یَوۡمَ یُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا","هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِی كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ","أَفَسِحۡرٌ هَـٰذَاۤ أَمۡ أَنتُمۡ لَا تُبۡصِرُونَ","ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوۤا۟ أَوۡ لَا تَصۡبِرُوا۟ سَوَاۤءٌ عَلَیۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"وَٱلۡبَیۡتِ ٱلۡمَعۡمُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق