الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَقُولُ لِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: هَلِ امْتَلَأْتِ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَعَدَهَا أَنْ سَيَمْلَؤُهَا مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَأْمُرُ بِمَنْ [[في م: "من".]] يَأْمُرُ بِهِ إِلَيْهَا، وَيُلْقَى وَهِيَ تَقُولُ: ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ أَيْ: هَلْ بَقِيَ شَيْءٌ تَزِيدُونِي؟ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَعَلَيْهِ تَدَلُّ الْأَحَادِيثُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمي بْنُ عُمَارة حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "يُلقَى فِي النَّارِ، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ قدمه فيها، فتقول قط قط" [[صحيح البخاري برقم (٤٨٤٨) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يَلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطُّ قَطُّ، وَعِزَّتِكَ وكَرَمِك وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ فَيُسْكِنُهُمْ فِي فُضُولِ [[في أ: "فضل".]] الْجَنَّةِ" [[المسند (٣/٢٣٤) .]] . ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ [[صحيح مسلم برقم (٤٨٤٨) .]] . وَرَوَاهُ أَبَانُ الْعَطَّارُ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ [[أخرجه الطبري في تفسيره (٢٦/١٠٦) .]] . حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ [[في م: "وقال".]] الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَوْف، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَفَعَهُ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يُوقِفُهُ أَبُو سُفْيَانَ-: "يُقَالُ لِجَهَنَّمَ: هَلِ امْتَلَأْتِ، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، فَيَضَعُ الرَّبُّ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدَمَهُ عَلَيْهَا [[في م: "عليها قدمه".]] ، فَتَقُولُ: قَطُّ قَطُّ" [[صحيح البخاري برقم (٤٨٤٩) .]] . رَوَاهُ أَيُّوبُ وَهُشَامُ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، بِهِ [[رواه احمد في مسنده (٢/٥٠٧) من طريق هشام بن حسان به. ورواه الطبري في تفسيره (٢٦/١٠٧) من طريق أيوب وهشام بن حسان به.]] . طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ [[في م: "وقال".]] الْبُخَارِيُّ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ [[في م: "همام بن منبه".]] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقْطُهُمْ. قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي، أُعَذِّبُ بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ، فَتَقُولَ: قَطٍ قَطٍ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيَزْوِي [[في أ: "ينزوي".]] بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ" [[صحيح البخاري برقم (٤٨٥٠) .]] . حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ [[في م: "وقال".]] مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "احْتَجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: فيَّ الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ. وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فيَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَمَسَاكِينُهُمْ. فَقَضَى بَيْنَهُمَا، فَقَالَ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أنت عذابي، أعذب بك من أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا" انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ دُونَ الْبُخَارِيِّ [[صحيح مسلم برقم (٢٨٤٧) .]] مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَاللَّهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ وَرَوْحٌ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "افْتَخَرَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: يَا رَبِّ، يَدْخُلُنِي الْجَبَابِرَةُ وَالْمُتَكَبِّرُونَ وَالْمُلُوكُ وَالْأَشْرَافُ. وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: أَيْ رَبِّ، يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ. فَيَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي، أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ. وَقَالَ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَيُلْقَى فِي النَّارِ أَهْلُهَا فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ قَالَ: وَيُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ وَيُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَأْتِيَهَا [[في م: "يأتيها ربها".]] عَزَّ وَجَلَّ، فَيَضَعَ قَدَمَهُ عَلَيْهَا، فَتُزْوَى وَتَقُولُ: قَدِنِي، قَدِنِي. وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيَبْقَى فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْقَى، فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا مَا يَشَاءُ" [[المسند (٣/١٣) .]] . حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَم، حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ عُدي بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْش، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "يُعَرِّفُنِي اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، نَفْسَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَسْجُدُ سَجْدَةً يَرْضَى بِهَا عَنِّي، ثُمَّ أَمْدَحُهُ مِدْحَةً يَرْضَى بِهَا عَنِّي، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فِي الْكَلَامِ، ثُمَّ تَمُرُّ أُمَّتِي عَلَى الصِّرَاطِ -مَضْرُوبٍ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ-فَيَمُرُّونَ أَسْرَعَ مِنَ الطَّرْفِ وَالسَّهْمِ، وَأَسْرَعَ مِنْ أَجْوَدِ الْخَيْلِ، حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ مِنْهَا يَحْبُو، وَهِيَ الْأَعْمَالُ. وَجَهَنَّمُ تَسْأَلُ الْمَزِيدَ، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطُّ قَطُّ! وَأَنَا عَلَى الْحَوْضِ". قِيلَ: وَمَا الْحَوْضُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ شَرَابَهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ. وَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ، لَا يَشْرَبُ مِنْهُ إِنْسَانٌ فَيَظْمَأُ أَبَدًا، وَلَا يُصْرَفُ فَيَرْوَى أَبَدًا" [[ورواه ابن أبي عاصم في السنة برقم (٧٩٠) من طريق عقبة بن مكرم به. وقال الألباني: "إسناده موضوع آفته عبد الغفار بن القاسم، وهو أبو مريم الأنصاري كان يضع الحديث كما قال ابن المديني وأبو داود".]] . وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الحمَّاني [[في م: "الحمان".]] عَنْ نَضْرٍ الْخَزَّازِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ قَالَ: مَا امْتَلَأَتْ، قَالَ: تَقُولُ: وَهَلْ فِيَّ مِنْ مَكَانٍ يُزَادُ فِيَّ. وَكَذَا رَوَى الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ : وهل في مدخل واحد، قد امْتَلَأْتُ. [وَ] [[زيادة من م.]] قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: لَا يَزَالُ يُقْذَفُ فِيهَا حَتَّى تَقُولَ: قَدِ امْتَلَأْتُ فَتَقُولُ: هَلْ [فيَّ] [[زيادة من م.]] مِنْ مَزِيدٍ؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَحْوَ هَذَا. فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿هَلِ امْتَلأتِ﴾ ، إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَا يَضَعُ عَلَيْهَا قَدَمَهُ، فَتَنْزَوِي وَتَقُولُ حِينَئِذٍ: هَلْ بَقِيَ فِيَّ [مِنْ] [[زيادة من م.]] مَزِيدٍ؟ يَسَعُ شَيْئًا. قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَذَلِكَ حِينَ لَا يَبْقَى فِيهَا مَوْضِعٌ [يَسَعُ] [[زيادة من م، أ.]] إِبْرَةً. فَاللَّهُ [[في م: "والله".]] أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ : قَالَ قَتَادَةُ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالسُّدِّيُّ: ﴿أُزْلِفَتِ﴾ أُدْنِيَتْ وَقُرِّبَتْ مِنَ الْمُتَّقِينَ، ﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ. ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ﴾ [[في أ: (أواب حفيظ) .]] أَيْ: رَجَّاعٌ تَائِبٌ مُقْلِعٌ، ﴿حَفِيظٍ﴾ أَيْ: يَحْفَظُ الْعَهْدَ فَلَا يَنْقُضُهُ وَ [لَا] [[زيادة من م.]] يَنْكُثُهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: الْأَوَّابُ: الْحَفِيظُ الَّذِي لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا [فَيَقُومُ] [[زيادة من م، أ.]] حَتَّى يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ. ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ أَيْ: مَنْ خَافَ اللَّهَ فِي سِرِّهِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ. كَقَوْلِهِ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [[زيادة من م، أ.]] وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". ﴿وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ أَيْ: وَلَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ مُنِيبٍ إِلَيْهِ خَاضِعٍ لَدَيْهِ. ﴿ادْخُلُوهَا﴾ أَيِ: الْجَنَّةَ ﴿بِسَلامٍ﴾ ، قَالَ قَتَادَةُ: سَلِمُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴾ أَيْ: يَخْلُدُونَ فِي الْجَنَّةِ فَلَا يَمُوتُونَ أَبَدًا، وَلَا يَظْعَنُونَ أَبَدًا، وَلَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا﴾ أَيْ: مَهْمَا اخْتَارُوا وَجَدُوا مِنْ أَيِّ أَصْنَافِ الْمَلَاذِّ طَلَبُوا أُحْضِرَ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّة، عَنْ بَحِير [[في م: "يحيى".]] بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدان، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّة قَالَ: مِنَ الْمَزِيدِ أَنَّ تَمُرَّ السَّحَابَةُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ فَتَقُولَ: مَاذَا تُرِيدُونَ فَأُمْطِرُهُ لَكُمْ؟ فَلَا يَدْعُونَ بِشَيْءٍ إِلَّا أَمْطَرَتْهُمْ. قَالَ كُثَيِّرٌ: لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ ذَلِكَ لَأَقُولَنَّ: أَمْطِرِينَا جواري مزينات. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ: "إِنَّكَ لَتَشْتَهِي الطَّيْرِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَخِرُّ بَيْنَ يَدَيْكَ مَشْوِيًّا" [[رواه الحسن بن عرفة في جزئه برقم (٢٢) والبزار في مسنده برقم (٣٥٣٢) "كشف الأستار" وابن عدي في الكامل (٦/٦٨٩) من طريق خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابن مسعود مرفوعا به. وفيه حميد الأعرج، قال البخاري: منكر الحديث وقال ابن حبان: أحاديثه شبه الموضوعة.]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ [[في م: "عن أبي بكر الصديق".]] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا اشْتَهَى الْمُؤْمِنُ الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ، كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وسِنّه فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ بُنْدار، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، بِهِ [[المسند (٣/٩) وسنن الترمذي برقم (٢٥٦٣) وسنن ابن ماجة برقم (٤٣٣٨) .]] وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَزَادَ "كَمَا يَشْتَهِي". * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يُونُسَ: ٢٦] . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ صُهَيب بْنِ سِنَانٍ الرُّومِيِّ: أَنَّهَا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ. وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ أَبِي الْيَقْظَانِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ قَالَ: يَظْهَرُ لَهُمُ الرَّبُّ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي كُلِّ جُمُعَةٍ [[في أ: "جهة".]] . وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ مَرْفُوعًا فَقَالَ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَزْهَرِ مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ [[في م: "عن عبيد الله بن عمير" وفي الأصل: "عبد الله عمير" والتصويب من الأم للشافعي.]] أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: أَتَى جِبْرَائِيلُ بِمِرْآةٍ بَيْضَاءَ فِيهَا نُكْتَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ [[في م: "رسول الله".]] ﷺ: "مَا هَذِهِ؟ " فَقَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ، فُضّلتَ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ، فَالنَّاسُ لَكُمْ فِيهَا تَبَعٌ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَلَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، وَلَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُؤْمِنٌ [[في أ: "لا يوافقها عبد مؤمن".]] يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ، وَهُوَ عِنْدَنَا يَوْمُ الْمَزِيدِ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "يَا جِبْرِيلُ، وَمَا يَوْمُ الْمَزِيدِ؟ " قَالَ: إِنْ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْفِرْدَوْسِ وَادِيًا أَفْيَحَ فِيهِ كُثُبُ الْمِسْكِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ مَا شَاءَ [[في م: "ناسا".]] مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَحَوْلَهُ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، عَلَيْهَا مَقَاعِدُ النَّبِيِّينَ، وَحَفَّ تِلْكَ الْمَنَابِرَ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ، مُكَلَّلَةٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، عَلَيْهَا الشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ [[في أ: "الصالحون".]] فَجَلَسُوا مِنْ وَرَائِهِمْ عَلَى تِلْكَ الْكُثُبِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا رَبُّكُمْ، قَدْ صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي، فَسَلُونِي أُعْطِكُمْ. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، نَسْأَلُكَ رِضْوَانَكَ، فَيَقُولُ: قَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مَا تَمَنَّيْتُمْ، وَلَدَيَّ مَزِيدٌ. فَهُمْ يُحِبُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَا يُعْطِيهِمْ فِيهِ رَبُّهُمْ مِنَ الْخَيْرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَى فِيهِ رَبُّكُمْ عَلَى الْعَرْشِ، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة". [وَ] [[زيادة من م.]] هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ "الْجُمُعَةِ" مِنَ الْأُمِّ [[الأم (١/١٨٥) .]] ، وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَنَسٍ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا [[تفسير الطبري (٢٦/١٠٩) .]] وَذَكَرَ هَاهُنَا أَثَرًا مُطَوَّلًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَوْقُوفًا وَفِيهِ غَرَائِبُ كَثِيرَةٌ [[تفسير الطبري (٢٦/١٠٩) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا دَراج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال: "إِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيَتَّكِئُ فِي الْجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ ثُمَّ تَأْتِيهِ امْرَأَةٌ فَتَضْرِبُ عَلَى مَنْكِبِهِ [[في أ: "منكبيه".]] فَيَنْظُرُ وَجْهَهُ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا تُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَيَرُدُّ السَّلَامَ، فَيَسْأَلُهَا: مَنْ أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا مِنَ الْمَزِيدِ. وَإِنَّهُ لَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً، أَدْنَاهَا مِثْلُ النُّعْمَانِ، مِنْ طُوبَى، فَيَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، وَإِنَّ عَلَيْهَا مِنَ التِّيجَانِ، إِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ مِنْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ" [[المسند (٣/٧٥) وفيه: دراج عن أبي الهيثم، ضعيف.]] . وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارث، عن دراج، به [[رواه الطبري في تفسيره (٢٦/١١٠) والكلام عليه كسابقه.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب