الباحث القرآني

قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ الْكَلَامُ عَلَى لَغْوِ الْيَمِينِ، وَإِنَّهُ قَوْلُ الرَّجُلِ فِي الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ: لَا وَاللَّهِ، بَلَى وَاللَّهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ [[في ر: "وهذا مذهب يأتي".]] وَقِيلَ: هُوَ فِي الهَزْل. وَقِيلَ: فِي الْمَعْصِيَةِ. وَقِيلَ: عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ. وَقِيلَ: الْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ. وَقِيلَ: فِي النِّسْيَانِ. وَقِيلَ: هُوَ الْحَلْفُ عَلَى تَرْكِ الْمَأْكَلِ وَالْمُشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ: ﴿لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ الْيَمِينُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأيْمَانَ﴾ أَيْ: بِمَا صَمَّمْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَيْمَانِ وَقَصَدْتُمُوهَا، فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ يَعْنِي: مَحَاوِيجَ مِنَ الْفُقَرَاءِ، وَمَنْ لَا يَجِدُ مَا يَكْفِيهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ: أَيْ مِنْ أَعْدَلِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: مِنْ أَمْثَلِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ. قَالَ [[في أ: "وقال".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعي، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: خُبْزٌ وَلَبَنٌ، خُبْزٌ [[في ر: "وخبز".]] وَسَمْنٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَنْبَأَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قِرَاءَةً، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عييْنَة، عَنْ سُلَيْمَانَ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ-عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ بَعْضَ أَهْلِهِ قُوتَ دُونٍ وَبَعْضُهُمْ قُوتًا فِيهِ سعَة، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ أَيْ: مِنَ الْخُبْزِ وَالزَّيْتِ. وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ قَالَ: مِنْ عُسْرِهِمْ وَيُسْرِهِمْ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَف الحِمْصِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيب -يَعْنِي ابْنَ شَابُورَ-حَدَّثَنَا شَيْبان بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيُّ، عَنْ لَيْث بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ قَالَ: الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ، وَالْخُبْزُ وَالسَّمْنُ، وَالْخُبْزُ وَاللَّبَنُ، وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَالْخُبْزُ وَالْخَلُّ. وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ قال: الخبز والسمن، والخبزوالزيت، وَالْخُبْزُ وَالتَّمْرُ، وَمِنْ أَفْضَلِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمُ: الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ هَنَّاد وَابْنِ وَكِيع كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. ثُمَّ رَوَى [[في أ: "وروى".]] ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عُبَيدة وَالْأَسْوَدِ، وشُرَيح الْقَاضِي، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِين، وَالْحَسَنِ، وَالضَّحَّاكِ، وَأَبِي رَزِين: أَنَّهُمْ قَالُوا نَحْوَ ذَلِكَ، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَكْحُولٍ أَيْضًا. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ أَيْ: فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِقْدَارِ مَا يُطْعِمُهُمْ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ حُصَيْن الْحَارِثِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من أ.]] فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ قَالَ: يُغَذِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: يَكْفِيهِ أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ أَكْلَةً وَاحِدَةً خُبْزًا وَلَحْمًا، زَادَ الْحَسَنُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ [[في ر: "فإن لم تجد".]] فَخُبْزًا وَسَمْنًا وَلَبَنًا، فَإِنْ لَمْ يَجُدْ فَخُبْزًا وَزَيْتًا وَخَلًّا حَتَّى يَشْبَعُوا. وَقَالَ آخَرُونَ: يُطْعِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشْرَةِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرّ أَوْ تَمْرٍ، وَنَحْوِهِمَا. هَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعي، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْران، وَأَبِي مَالِكٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَالْحَاكِمِ [[في ر: "والحكم".]] وَمَكْحُولٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، ومُقَاتِل بْنِ حَيَّان. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: نِصْفُ صَاعٍ [مِنْ] [[زيادة من أ.]] بُرٍّ، وَصَاعٌ مِمَّا عَدَاهُ. وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبِيدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الله بن الطُّفَيل بن سَخْبَرَة بن أَخِي عَائِشَةَ لِأُمِّهِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يَعْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كفَّر رسولُ اللَّهِ ﷺ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ، عَنْ عُمر [[في ر: "عمرو".]] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيِّ، عَنِ الْمُنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، بِهِ. [[سنن ابن ماجة برقم (٢١١٢) .]] لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ لِحَالِ عُمر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا فَإِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ. وقال الدارقطني: متروك. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ [[في ر: "هو".]] دَاوُدَ -يَعْنِي ابْنُ أَبِي هِنْدٍ-عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مُدٌّ [[في ر: "مدًا".]] مِنْ بُرٍّ -يَعْنِي لِكُلِّ مِسْكِين-وَمَعَهُ إِدَامُهُ. ثُمَّ قَالَ: ورُوِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَالْقَاسِمِ [[في ر: "وأبي القاسم".]] وَسَالِمٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيِّ، نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْوَاجِبُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدٌّ بمُدِّ النَّبِيِّ ﷺ لِكُلِّ مِسْكِينٍ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْأُدُمِ -وَاحْتَجَّ بِأَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ لِلَّذِي جَامَعَ فِي رَمَضَانَ بِأَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا مِنْ مِكْيَلٍ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدٌّ. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ آخَرُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا النضْر بْنُ زُرَارة الْكُوفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر [[في ر: "عمرو".]] العُمَري، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُقِيمُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِالْمَدِّ الْأَوَّلِ. إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، لِحَالِ النَّضِرِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَكْرَمِ الذُّهْلِيِّ الْكُوفِيِّ نَزِيلِ بَلْخ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ مَجْهُولٌ مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ: رَوَى عَنْهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَشْيَاءَ مُسْتَقِيمَةً، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ إِنَّ شَيْخَهُ العُمَري ضَعِيفٌ أَيْضًا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الْوَاجِبُ مُدّ مِنْ بُرٍّ، أَوْ مُدَّانِ مِنْ غَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ قَالَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: لَوْ دُفِعَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكِسْوَةِ مِنْ قَمِيصٍ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ إِزَارٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ مقْنَعَة أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي الْقُلُنْسُوَةِ: هَلْ تُجْزِئُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْجَوَازِ، احْتِجَاجًا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، وَعَمَّارُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ قَالَ: لَوْ أَنَّ وَفْدًا قَدِمُوا عَلَى أَمِيرِكُمْ وَكَسَاهُمْ [[في أ: "فكساهم".]] قَلَنْسُوَةً قَلَنْسُوَةً، قُلْتُمْ: قَدْ كُسُوا. وَلَكِنَّ هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ؛ لِحَالِ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَكَذَا حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الِاسْفَرَايِنِيُّ [[في ر: "الاسفراييني".]] فِي الْخُفِّ وَجْهَيْنِ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا بُدَّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنِ الْكُسْوَةِ مَا يَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، إِنْ كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، كلٌّ بِحَسْبِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَبَاءَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، أَوْ ثَمْلَة. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَدْنَاهُ ثَوْبٌ، وَأَعْلَاهُ مَا شِئْتَ. وَقَالَ لَيْث، عَنْ مُجَاهِدٍ: يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا التُّبَّان. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعي، وَحَمَّادُ بْنُ أَبَى سُلَيْمَانَ، وَأَبُو مَالِكٍ: ثَوْبٌ ثَوْبٌ. وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَيْضًا: ثَوْبٌ جَامِعٌ كَالْمِلْحَفَةِ وَالرِّدَاءِ، وَلَا يُرَى الدِّرْعُ وَالْقَمِيصُ وَالْخِمَارُ وَنَحْوُهُ جَامِعًا. وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ: ثَوْبَانِ. [[في ر، أ: "ثوبان ثوبان".]] وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: عِمَامَةٌ يَلُفُّ بِهَا رَأْسَهُ، وَعَبَاءَةٌ يَلْتَحِفُ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا هَنَّاد، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَكَسَا ثَوْبَيْنِ مِنْ مُعقَّدة الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ قَالَ: "عَبَاءَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ". [[وفي إسناده مقاتل بن سليمان البلخي، كذبه وكيع والنسائي. وقال البخاري: سكتوا عنه. وإسماعيل بن عياش روايته عن غير أهل الشام ضعيفة.]] حَدِيثٌ غَرِيبٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِطْلَاقِهَا، فَقَالَ: تُجْزِئُ الْكَافِرَةُ كَمَا تُجْزِئُ الْمُؤْمِنَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ: لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً. وَأَخَذَ تَقْيِيدَهَا بِالْإِيمَانِ مِنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ؛ لِاتِّحَادِ الْمُوجَبِ وَإِنِ اخْتَلَفَ السَّبَبُ وَلِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، الَّذِي هُوَ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ وَمُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَجَاءَ مَعَهُ بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَيْنَ اللَّهُ؟ " قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: "مَنْ أَنَا؟ " قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ". الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. [[الموطأ (٢/٧٧٧) ومسند الشافعي برقم (١١٩٦) "بدائع المنن" وصحيح مسلم برقم (٥٣٧) .]] فَهَذِهِ خِصَالٌ ثَلَاثٌ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، أيُّها فَعَلَ الحانثُ أَجْزَأَ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، فَالْإِطْعَامُ أَيْسَرُ مِنَ الْكِسْوَةِ، كَمَا أَنَّ الْكِسْوَةَ أَيْسَرُ مِنَ الْعِتْقِ، فَرُقىَ فِيهَا مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرِ الْمُكَلَّفُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ كَفَّرَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ﴾ وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا مَنْ وَجَدَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ الْإِطْعَامُ وَإِلَّا صَامَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، حَاكِيًا عَنْ بَعْضِ مُتَأَخَّرِي مُتَفَقِّهَةِ زَمَانِهِ أَنَّهُ قَالَ: جَائِزٌ لِمَنْ لَمْ يكن له فضل عن رَأْسِ مَالٍ يَتَصَرَّفُ بِهِ لِمَعَاشِهِ مَا يُكَفِّرُ بِهِ بِالْإِطْعَامِ، أَنْ يَصُومَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ كِفَايَةٌ، وَمِنَ الْمَالِ مَا يَتَصَرَّفُ بِهِ لِمَعَاشِهِ، وَمِنَ الْفَضْلِ عَنْ ذَلِكَ مَا يُكَفِّرُ بِهِ عَنْ يَمِينِهِ. ثُمَّ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَنَّهُ الَّذِي لَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ [[في أ: "مؤنته".]] وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ مَا يُخْرِجُ بِهِ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ. [[تفسير الطبري (١٠/٥٥٩) .]] وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يَجِبُ فِيهَا التَّتَابُعُ، أَوْ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ وَيُجْزِئُ التَّفْرِيقُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ، هَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ "الْأَيْمَانِ"، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ﴾ وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الْمَجْمُوعَةِ وَالْمُفَرَّقَةِ، كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٨٤] . وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي "الْأُمِّ" عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَهَا: "فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: "فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ". وَحَكَاهَا مُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ". وَقَالَ الْأَعْمَشُ: كَانَ أَصْحَابُ ابن مسعود يقرؤونها كَذَلِكَ. وَهَذِهِ [[في أ: "وهذا".]] إِذَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا قُرْآنًا مُتَوَاتِرًا، فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَاحِدًا، أَوْ تَفْسِيرًا مِنَ الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ [[في أ: "أحمد".]] الْأَشْعَرِيُّ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْكَفَّارَاتِ قَالَ حُذَيْفَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ بِالْخِيَارِ؟ قَالَ: "أَنْتَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شِئْتَ أَعْتَقْتَ، وَإِنْ شِئْتَ كَسَوْتَ، وَإِنْ شِئْتَ أَطْعَمْتَ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا. [[وذكره السيوطي في الدر المنثور (٣/١٥٥) ولم يعزه لغير ابن مردويه. ويزيد بن قيس أظن أنه "يزيد بن قيس" وأنه تصحف هنا، وإسماعيل بن يحيى هو ابن عبيد الله كان يضع الحديث قال ابن عدي: عامة ما يرويه بواطيل، ثم الإسناد معضل، فإن بينه وبين ابن عباس قرن من الزمان تقريبًا.]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهُ لَا تَتْرُكُوهَا بِغَيْرِ تَكْفِيرٍ. ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ أَيْ: يُوَضِّحُهَا وَيَنْشُرُهَا [[في ر، أ: "ويفسرها".]] ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب