الباحث القرآني

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفَتْحِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ [[في ت: "وروى البخاري ومسلم والإمام أحمد".]] حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ فِي مَسِيرِهِ سُورَةَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فرجَّع فِيهَا -قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْلَا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْنَا لَحَكَيْتُ لَكُمْ قِرَاءَتَهُ، أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ [[المسند (٥/٢٤) وصحيح البخاري برقم (٤٨٣٥) وصحيح مسلم برقم (٧٩٤) .]] . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * * * نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الْكَرِيمَةُ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ من الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، حِينَ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِيَقْضِيَ عُمْرَتَهُ فِيهِ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَالُوا إِلَى الْمُصَالَحَةِ وَالْمُهَادَنَةِ، وَأَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ هَذَا ثُمَّ يَأْتِيَ مِنْ قَابِلٍ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ عَلَى تَكَرُّهٍ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمَّا نَحَرَ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ، وَرَجَعَ، أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، هَذِهِ السُّورَةَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِهِمْ، وَجَعَلَ ذَلِكَ الصُّلْحَ فَتْحًا بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَمَا آلَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكُمْ تَعُدُّونَ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَا كُنَّا نَعُدُّ الْفَتْحَ إِلَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ [[رواه الطبري (٢٦/٤٤) .]] . وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ. فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَدَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا، فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرَكَائِبُنَا [[صحيح البخاري برقم (٤١٥٠) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ [[في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده".]] ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في سَفَرٍ، قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-فلم يَرُدَّ عَلَيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ لِنَفْسِي: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا ابن الْخَطَّابِ، نَزَرْتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثٌ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي فَتَقَدَّمْتُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ، قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِمُنَادٍ يُنَادِي: يَا عُمَرُ، أَيْنَ عُمَرُ؟ قَالَ: فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٍ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "نَزَلَتْ [[في م: "نزل".]] عَلَيَّ اللَّيْلَةَ [[في ت، م: "البارحة".]] سُورَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مَالِكٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ [[المسند (١/٣١) وصحيح البخاري برقم (٤٨٣٣) وسنن الترمذي برقم (٣٢٦٢) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤٩٩) .]] ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هَذَا إِسْنَادٌ مَدِينِيٌّ [جَيِّدٌ] [[زيادة من م.]] لَمْ نَجِدْهُ إِلَّا عِنْدَهُمْ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عن قتادة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى الْأَرْضِ"، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالُوا: هَنِيئًا مَرِيئًا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، مَاذَا يَفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ﴾ حَتَّى بَلَغَ: ﴿فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الْفَتْحِ: ٥] ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ بِهِ [[المسند (٣/١٩٧) وصحيح البخاري برقم (٤١٤٨) وصحيح مسلم برقم (١٧٨٦) .]] . وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ -وَكَانَ أَحَدَ [[في ت: "أحب".]] الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ-قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا إِذَا النَّاسُ يُنَفِّرُونَ الْأَبَاعِرَ، فَقَالَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا لِلنَّاسِ؟ قَالُوا: أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَخَرَجْنَا مَعَ النَّاسِ نُوجِفُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ كَرَاعِ الْغَمِيمِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أي رَسُولَ اللَّهِ، وَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: "إِي وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَفَتْحٌ". فَقُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْجِهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَعْقُوبَ، بِهِ [[المسند (٣/٤٢٠) وسنن أبي داود برقم (٢٧٣٦) .]] . وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ [[في ت: "عن ابن مسعود قال".]] : لما أَقْبَلْنَا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَعْرَسْنَا فَنِمْنَا، فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ إِلَّا بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ، فَاسْتَيْقَظْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَائِمٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: "امْضُوا" [[في م: "انصتوا".]] . فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَقَالَ: "افْعَلُوا مَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ وَكَذَلِكَ [يَفْعَلُ] [[زيادة من ت، أ.]] مَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ". قَالَ: وَفَقَدْنَا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبنها، فَوَجَدْنَاهَا قَدْ تَعَلَّقَ خِطَامُهَا بِشَجَرَةٍ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَرَكِبَهَا [[في ت: "فركب".]] ، فَبَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذْ أَتَاهُ الْوَحْيُ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ [الْوَحْيُ] [[زيادة من م.]] اشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ . وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ بِهِ [[تفسير الطبري (٢٦/٤٣) والمسند (١/٤٦٤) وسنن أبي داود برقم (٤٤٧) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٨٨٥٣) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ [[في ت: "وروى الإمام أحمد بسنده".]] يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ [[في أ: "رسول الله".]] ﷺ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: "أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا". أَخْرَجَاهُ [[في ت: "أخرجه البخاري ومسلم".]] وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ زِيَادٍ بِهِ [[المسند (٤/٥٥) وصحيح البخاري برقم (٤٨٣٦) وصحيح مسلم برقم (٢٨١٩) وسنن الترمذي برقم (٤١٢) وسنن النسائي (٣/٢١٩) وسنن ابن ماجه برقم (١٤١٩) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَتَفَطَّرَ رَجُلَاهُ [[في أ: "ينفطر قدماه".]] . فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، بِهِ [[المسند (٦/١١٥) وصحيح مسلم برقم (٢٨٢٠) .]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ الْخَرَّازُ -وَكَانَ ثِقَةً بِمَكَّةَ-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ [[في ا: "بشير".]] حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ -أَوْ قَالَ سَاقَاهُ-فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: "أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ " غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [[ورواه أبو يعلى في المسند (٥/٢٨٠) من طريق عبد الله بن عون الخراز به، ورواه البزار في مسنده برقم (٢٣٨٠) "كشف الأستار" من طريق الحسين بن الأسود عن محمد بن بشر به، وقال البزار: "لا نعلم أحدا حدث بهذا الحديث بهذا الإسناد إلا الحسين بن بشر وعبد الله بن عون الخزار، وقد رواه غيرهما عن محمد بن بشر عن مسعر، عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبةن وهو الصواب" فكلام الإمام البزار هنا موضح لقول الحافظ ابن كثير: "غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ".]] . فَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ أَيْ: بَيِّنًا ظَاهِرًا، وَالْمُرَادُ بِهِ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ فَإِنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِهِ خَيْرٌ جَزِيلٌ، وَآمَنَ النَّاسُ وَاجْتَمَعَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ [[في م: "بعضا".]] ، وَتَكَلَّمَ الْمُؤْمِنُ مَعَ الْكَافِرِ، وَانْتَشَرَ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْإِيمَانُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ : هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-الَّتِي لا يشاركه فيها غيره. وليس صحيح فِي ثَوَابِ الْأَعْمَالِ لِغَيْرِهِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. وَهَذَا فِيهِ تَشْرِيفٌ عَظِيمٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْبِرِّ وَالِاسْتِقَامَةِ الَّتِي لَمْ يَنَلْهَا بَشَرٌ سِوَاهُ، لَا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَلَا مِنَ الْآخِرِينَ، وَهُوَ أَكْمَلُ الْبَشَرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَسَيِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَلَمَّا كَانَ أَطْوَعَ خَلْقِ اللَّهِ لِلَّهِ، وَأَكْثَرَهُمْ [[في ت، أ: "وأشدهم"]] تَعْظِيمًا لِأَوَامِرِهِ [[في ت: "لأوامر الله".]] وَنَوَاهِيهِ. قَالَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ النَّاقَةُ: "حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ" ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئًا يُعَظِّمُونَ بِهِ حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَجَبْتُهُمْ إِلَيْهَا" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٢٧٣١، ٢٧٣٢) .]] فَلَمَّا أَطَاعَ اللَّهَ فِي ذَلِكَ وَأَجَابَ إِلَى الصُّلْحِ، قَالَ اللَّهُ لَهُ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ أَيْ: بِمَا يُشَرِّعُهُ لَكَ مِنَ الشَّرْعِ الْعَظِيمِ وَالدِّينِ الْقَوِيمِ. ﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ أَيْ: بِسَبَبِ خُضُوعِكَ لِأَمْرِ اللَّهِ يَرْفَعُكَ اللَّهُ وَيَنْصُرُكَ عَلَى أَعْدَائِكَ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ" [[رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٥٨٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] . وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من ت.]] أَنَّهُ قَالَ: مَا عَاقَبْتَ -أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ-أَحَدًا عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيكَ بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب