الباحث القرآني
يَقُولُ تَعَالَى مُرْشِدًا لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَا يَعْتَمِدُونَهُ فِي حُرُوبِهِمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ أَيْ: إِذَا وَاجَهْتُمُوهُمْ فَاحْصُدُوهُمْ حَصْدًا بِالسُّيُوفِ، ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا﴾ أَيْ: أَهْلَكْتُمُوهُمْ قَتْلًا ﴿فَشُدُّوا﴾ [وَثَاقَ] [[زيادة من ت، أ.]] الْأُسَارَى الَّذِينَ تَأْسِرُونَهُمْ، ثُمَّ أَنْتُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَانْفِصَالِ الْمَعْرَكَةِ مُخَيَّرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، إِنْ شِئْتُمْ مَنَنْتُمْ عَلَيْهِمْ فَأَطْلَقْتُمْ أُسَارَاهُمْ مَجَّانًا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ بِمَالٍ تَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ وَتُشَاطِرُونَهُمْ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ، عَاتَبَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الْأُسَارَى يَوْمَئِذٍ لِيَأْخُذُوا مِنْهُمُ الْفِدَاءَ، وَالتَّقَلُّلِ مِنَ الْقَتْلِ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [الْأَنْفَالِ: ٦٧، ٦٨] .
ثُمَّ قَدِ ادَّعَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ -الْمُخَيِّرَةَ بَيْنَ مُفَادَاةِ الْأَسِيرِ وَالْمَنِّ عَلَيْهِ-مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ] ﴾ [[زيادة من أ.]] الْآيَةَ [التَّوْبَةِ: ٥] ، رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَهُ قَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جُرَيْج.
وَقَالَ الْآخَرُونَ -وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ-: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ.
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا الْإِمَامُ مُخَيَّر بَيْنَ الْمَنِّ عَلَى الْأَسِيرِ وَمُفَادَاتِهِ فَقَطْ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ إِنْ شَاءَ، لِحَدِيثِ قَتْلِ النَّبِيِّ ﷺ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيط مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ، وَقَالَ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَالَ لَهُ: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " فَقَالَ: إِنْ تَقْتَلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَمْنُنْ تَمْنُنْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٤٣٧٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] .
وَزَادَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَتْلِهِ أَوِ الْمَنِّ عَلَيْهِ، أَوْ مُفَادَاتِهِ أَوِ اسْتِرْقَاقِهِ أَيْضًا. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُحَرّرة فِي عِلْمِ الْفُرُوعِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا "الْأَحْكَامِ"، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: حَتَّى يَنْزِلَ عيسى ابن مريم [عَلَيْهِ السَّلَامُ] . [[زيادة من ت.]] وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الدَّجَّالَ" [[رواه أبو داود في السنن برقم (٢٤٨٤) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُرَشي [[في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده".]] ، عَنْ جُبَير بْنِ نُفيَر؛ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ نُفيَل أَخْبَرَهُمْ: أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي سَيَّبْتُ الْخَيْلَ، وَأَلْقَيْتُ السِّلَاحَ، وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَقُلْتُ: "لَا قِتَالَ" فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: "الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ يُزيغ [[في أ: "يرفع".]] اللَّهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ فَيُقَاتِلُونَهُمْ: وَيَرْزُقُهُمُ اللَّهُ [[في أ: "قاتلونهم ويرزقه الله".]] مِنْهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ، والخيلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ جُبَيْر بْنِ نُفَير، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْل السَّكُونِيِّ، بِهِ [[المسند (٤/١٠٤) وسنن النسائي (٦/٢١٤) .]] .
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْد، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُرَشي، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَير، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: لَمَّا فُتِحَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتْح فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سُيِّبَتِ الْخَيْلُ، وَوُضِعَتِ السِّلَاحُ، وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، قَالُوا: لَا قِتَالَ، قَالَ: "كَذَبُوا، الْآنَ، جَاءَ الْقِتَالُ، لَا يَزَالُ اللَّهُ يُرَفِّع [[في أ: "يرفع".]] قُلُوبَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَرْزَقُهُمْ مِنْهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وعُقْر دَارِ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّامِ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْد، بِهِ [[ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (١٦١٧) "موارد" من طريق أبي يعلى عن داود بن رشيد به، ورواه النسائي في السنن (٦/٢١٤) من طريق إبراهيم بن أبي عبلة، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ مرفوعا بنحوه.]] . وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْل كَمَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِعَدَمِ النَّسْخِ، كَأَنَّهُ شَرَّعَ هَذَا الْحُكْمَ فِي الْحَرْبِ إِلَى أَلَّا يَبْقَى حَرْبٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ حَتَّى لَا يَبْقَى شِرْكٌ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٩٣] . ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ أَيْ: أَوْزَارَ الْمُحَارِبِينَ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، بِأَنْ يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: أَوْزَارُ أَهْلِهَا [[في ت، أ: "وقيل: أوزارها".]] بِأَنْ يَبْذُلُوا الْوُسْعَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ﴾ أَيْ: هَذَا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَانْتَقَمَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِعُقُوبَةٍ ونَكَال مِنْ عِنْدِهِ، ﴿وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ أَيْ: وَلَكِنْ شَرَعَ لَكُمُ الْجِهَادَ وَقِتَالَ الْأَعْدَاءِ لِيَخْتَبِرَكُمْ، وَيَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ. كَمَا ذَكَرَ حِكْمَتَهُ فِي شَرْعِيَّةِ الْجِهَادِ فِي سُورَتَيْ "آلِ عِمْرَانَ" وَ "بَرَاءَةَ" فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آلِ عمران: ١٤٢] .
وَقَالَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٤، ١٥] .
ثُمَّ لَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْقِتَالِ أَنْ يُقتل كثيرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ أَيْ: لَنْ يُذْهِبَهَا بَلْ يُكَثِّرُهَا وَيُنَمِّيهَا وَيُضَاعِفُهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ عَمَلُهُ فِي طُولِ بَرْزَخه، كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، حَيْثُ قَالَ:
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرّة [[في ت: "أحمد بإسناده".]] ، عَنْ قَيْسٍ الْجُذَامِيِّ -رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "يُعْطَى الشَّهِيدُ سِتُّ خِصَالٍ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ: يُكَفر عَنْهُ كُلُّ خَطِيئَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُؤَمَّنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيُحَلَّى حُلَّة [[في أ: "بحلة".]] الْإِيمَانِ" [[المسند (٤/٢٠٠) قال الهيثمي في المجمع (٥/٢٩٣) : "فيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبانن وثقه أبو حاتم وجماعة وضعفه جماعة".]] . تَفَرَّدَ [[في ت: "انفرد".]] بِهِ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَحْمَدُ [[في ت: "وروى أحمد".]] أَيْضًا: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عن بَحِير [[في م، أ: "يحيى".]] ابن سَعِيدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدان، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ معد يكرب الْكِنْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتَّ خِصَالٍ: أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَة مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّة [[في ت، م، أ: "حلية".]] الْإِيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، ويَأمَن مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، ويُشَفَّع فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ".
وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَاجَهْ [[المسند (٤/١٣١) وسنن الترمذي برقم (١٦٦٣) وسنن ابن ماجه برقم (٢٧٩٩) .]] .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: "يُغفر لِلشَّهِيدِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْن" [[صحيح مسلم برقم (١٨٨٦) .]] . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ [[سنن أبي داود برقم (٢٥٢٢) .]] . وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ الشَّهِيدِ [[في ت، م: "الشهداء".]] كَثِيرَةٌ جِدًّا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿سَيَهْدِيهِمْ﴾ أَيْ: إِلَى الْجَنَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [يونس: ٩] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾ أَيْ: أَمْرَهُمْ وَحَالَهُمْ، ﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ أَيْ: عَرَّفَهُمْ بِهَا وَهَدَاهُمْ إِلَيْهَا.
قَالَ مُجَاهِدٌ: يَهْتَدِي أَهْلُهَا إِلَى بُيُوتِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ، وَحَيْثُ قَسَمَ اللَّهُ لَهُمْ مِنْهَا، لَا يُخْطِئُونَ كَأَنَّهُمْ سَاكِنُوهَا مُنْذُ خُلِقُوا، لَا يَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهَا أَحَدًا. وَرَوَى مَالِكٌ عَنِ ابْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَحْوَ هَذَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: يَعْرِفُونَ بُيُوتَهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ، كَمَا تَعْرِفُونَ بُيُوتَكُمْ إِذَا انْصَرَفْتُمْ مِنَ الْجُمُعَةِ.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّان: بَلَغَنَا أَنَّ الْمَلَكَ الَّذِي كَانَ وُكِّل بِحِفْظِ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْجَنَّةِ، وَيَتْبَعُهُ ابْنُ آدَمَ حَتَّى يَأْتِيَ أَقْصَى مَنْزِلٍ هُوَ لَهُ، فَيُعَرِّفُهُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى أَقْصَى مَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ دَخَلَ [إِلَى] [[زيادة من ت، أ.]] مَنْزِلِهِ وَأَزْوَاجِهِ، وَانْصَرَفَ الْمَلَكُ عَنْهُ ذَكَرَهُنَّ [[في ت: "ذكر هذا".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِذَلِكَ أَيْضًا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من ت.]] ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، يَتَقَاصُّونَ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذّبوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ أَحَدَهُمْ بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ أَهْدَى مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا" [[صحيح البخاري برقم (٦٥٣٥) .]] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الْحَجِّ: ٤٠] ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "مَنْ بَلَّغ ذَا سُلْطَانٍ حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ﴾ ، عَكْسُ تَثْبِيتِ الْأَقْدَامِ لِلْمُؤْمِنِينَ النَّاصِرِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ﷺ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "تَعِس عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ القَطِيفة -[وَفِي رِوَايَةٍ: تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ] [[زيادة من تن أ.]] -تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ"، أَيْ: فَلَا شَفَاهُ اللَّهُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ أَيْ: أَحْبَطَهَا وَأَبْطَلَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ أَيْ: لَا يُرِيدُونَهُ وَلَا يحبونه، ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾
{"ayahs_start":4,"ayahs":["فَإِذَا لَقِیتُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّوا۟ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَاۤءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَ ٰلِكَۖ وَلَوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَا۟ بَعۡضَكُم بِبَعۡضࣲۗ وَٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَلَن یُضِلَّ أَعۡمَـٰلَهُمۡ","سَیَهۡدِیهِمۡ وَیُصۡلِحُ بَالَهُمۡ","وَیُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ یَنصُرۡكُمۡ وَیُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ","وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَتَعۡسࣰا لَّهُمۡ وَأَضَلَّ أَعۡمَـٰلَهُمۡ","ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَرِهُوا۟ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَـٰلَهُمۡ"],"ayah":"فَإِذَا لَقِیتُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّوا۟ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَاۤءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَ ٰلِكَۖ وَلَوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَا۟ بَعۡضَكُم بِبَعۡضࣲۗ وَٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَلَن یُضِلَّ أَعۡمَـٰلَهُمۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











