الباحث القرآني

قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ؛ إِذْ بَعَثَهُ رسول النبي ﷺ فِي سَرِيَّةٍ. وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ، بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ [[صحيح البخاري برقم (٨٥٨٤) ، وصحيح مسلم برقم (١٨٣٤) ، وسنن أبي داود برقم (٢٦٢٤) ، وسنن الترمذي برقم (١٦٧٢) ، وسنن النسائي (٧/ ١٥٤) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا خَرَجُوا وَجَد عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ. قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: اجْمَعُوا [[في أ: "قال: فقال اجمعوا".]] لِي حَطَبًا. ثُمَّ دَعَا بِنَارٍ فَأَضْرَمَهَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَتَدْخُلُنَّهَا. [قَالَ: فَهَمَّ الْقَوْمُ أَنْ يَدْخُلُوهَا] [[زيادة من أ، والمسند.]] قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ شَابٌّ مِنْهُمْ: إِنَّمَا فَرَرْتُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ النَّارِ، فَلَا تَعْجَلُوا حَتَّى تَلْقَوْا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَإِنَّ أَمَرَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوهَا فَادْخُلُوهَا. قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: "لَوْ دَخَلْتُمُوهَا مَا خَرَجْتُمْ مِنْهَا أَبَدًا؛ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ [[المسند (١/٨٢) وصحيح البخاري برقم (٤٣٤٠) ، وصحيح مسلم برقم (١٨٤٠) .]] . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ الله بن عمر، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ". وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى الْقَطَّانِ [[سنن أبي داود برقم (٢٦٢٦) ، وصحيح البخاري برقم (٧١٤٤) ، وصحيح مسلم برقم (١٨٣٩) .]] . وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطنا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وأثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَلَّا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ. قَالَ: "إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحا، عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ" أَخْرَجَاهُ [[صحيح البخاري برقم (٧١٩٩) ، وصحيح مسلم برقم (١٧٠٩) .]] . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنَّ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [[صحيح البخاري برقم (٦٩٣) .]] . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّع الْأَطْرَافِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [[رواه مسلم في صحيحه برقم (١٨٣٧) مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وليس من حديث أبي هريرة.]] . وَعَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: "وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبَدٌ [[في أ: "عبد حبشي".]] يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، اسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ [[صحيح مسلم برقم (١٨٣٨) .]] وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "عَبْدًا حَبَشِيًّا مَجْدُوعًا". وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ [[في أ: "عرفة".]] عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ، فَيَلِيكُمُ الْبَرُّ بِبِرِّهِ، وَيَلِيكُمُ الْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَصَلُّوا وَرَاءَهُمْ، فَإِنْ أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ" [[تفسير الطبري (٨/٤٩٨) .]] . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "أَوْفُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطَوْهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ" أَخْرَجَاهُ [[صحيح البخاري برقم (٣٤٥٥) ، وصحيح مسلم برقم (١٨٤٢) .]] . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً". أخرجاه [[صحيح البخاري برقم (٧١٤٣) ، وصحيح مسلم برقم (١٨٤٩) .]] . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً". رَوَاهُ مُسْلِمٌ [[صحيح مسلم برقم (١٨٥١) .]] . وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضل، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَره [[في أ: "شجرة".]] إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًا عَلَيْهِ أَنْ يَدُل أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا [[في ر: "عاقبتها".]] فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ [[في أ: "وبقيت".]] آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكرونها، وَتَجِيءُ فِتَنٌ يَرفُق بعضُها بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَة يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُق الْآخَرِ". قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النِّسَاءِ:٢٩] قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ [[صحيح مسلم برقم (١٨٤٤) .]] . وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ [[في ر، أ: "ابن الفضل".]] حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً عَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَفِيهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَسَارُوا قِبَلَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ، فَلَمَّا بَلَغُوا قَرِيبًا [[في أ: "قبلا".]] مِنْهُمْ عَرَّسوا، وَأَتَاهُمْ ذُو العُيَيْنَتَين فَأَخْبَرَهُمْ، فَأَصْبَحُوا قَدْ هَرَبُوا غَيْرَ رَجُلٍ. فَأَمَرَ [[في أ: "أمر".]] أَهْلَهُ فَجَمَعُوا [[في ر: "فخرقوا"، وفي أ: "فحزموا".]] مَتَاعَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، حَتَّى أَتَى عَسْكَرَ خَالِدٍ، فَسَأَلَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنَّ قَوْمِي لَمَّا سَمِعُوا بِكُمْ هَرَبُوا، وَإِنِّي بَقِيتُ، فَهَلْ إِسْلَامِي نَافِعِي غَدًا، وَإِلَّا هَرَبْتُ؟ قَالَ عَمَّارٌ: بَلْ هُوَ يَنْفَعُكَ، فَأَقِمْ. فَأَقَامَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَغَارَ خَالِدٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا غَيْرَ الرَّجُلِ، فَأَخَذَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ. فَبَلَغَ عَمَّارًا الْخَبَرُ، فَأَتَى خَالِدًا فَقَالَ: خَلِّ عَنِ الرَّجُلِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، وَإِنَّهُ فِي أَمَانٍ مِنِّي. فقال خالد: وفيم أنت تُجِيرُ؟ فَاسْتَبَّا وَارْتَفَعَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَجَازَ أَمَانَ عَمَّارٍ، وَنَهَاهُ أَنْ يُجِيرَ الثَّانِيَةَ عَلَى أَمِيرٍ. فَاسْتَبَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَتْرُكُ هَذَا الْعَبْدَ الْأَجْدَعَ يَسُبُّني، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا خَالِدُ، لَا تَسُبَّ عَمَّارًا، فَإِنَّهُ مَنْ يَسُبُّ عَمَّارًا يَسُبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يُبْغِضْهُ يُبْغِضْهُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ عَمَّارًا يَلْعَنْهُ اللَّهُ" [[في أ: "من أبغض عمارا أبغضه الله، ومن لعن عمارا لعنه الله".]] فَغَضِبَ عَمَّارٌ فَقَامَ، فَتَبِعَهُ خَالِدٌ حَتَّى أَخَذَ بِثَوْبِهِ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَرَضِيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلَهُ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ عَنِ السُّدِّيِّ، مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ ابن مردويه من رواية الحكم [[في ر: "الحاكم".]] بن ظُهَيْرٍ، عَنِ السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ [[تفسير الطبري (٨/٤٩٨)]] وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: ﴿وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ يَعْنِي: أَهَّلَ الْفِقْهِ وَالدِّينِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ: ﴿وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ يَعْنِي: الْعُلَمَاءُ. وَالظَّاهِرُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-أَنَّ الْآيَةَ فِي جَمِيعِ [[في ر، أ: "كل".]] أُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾ [الْمَائِدَةِ:٦٣] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النَّحْلِ:٤٣] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدَ عَصَا اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَا أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٧١٣٧) ، ومسلم في صحيحه برقم (١٨٣٥) .]] . فَهَذِهِ أَوَامِرٌ بِطَاعَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾ أَيْ: اتَّبِعُوا كِتَابَهُ ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أَيْ: خُذُوا بِسُنَّتِهِ ﴿وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ أَيْ: فِيمَا أَمَرُوكُمْ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا هُمَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي مرابة، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ" [[المسند (٤/٤٢٦) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أَيْ: إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسَنَةِ رَسُولِهِ. وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَنَازَعَ النَّاسُ [[في د: "المسلمون".]] فِيهِ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ أَنْ يَرُدَّ التَّنَازُعَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشُّورَى:١٠] فَمَا حَكَمَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَشَهِدَا لَهُ بِالصِّحَّةِ فَهُوَ الْحَقُّ، وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أَيْ: ردوا الخصومات والجهالات إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِمَا فِيمَا شَجَرَ بَيْنَكُمْ ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَحَاكَمْ فِي مَجَالِ النِّزَاعِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا يَرْجِعْ إِلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ، فَلَيْسَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ أَيِ: التَّحَاكُمُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. وَالرُّجُوعُ فِي فَصْلِ النِّزَاعِ إِلَيْهِمَا خَيْرٌ ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾ أَيْ: وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً وَمَآلًا كَمَا قَالَهُ السُّدِّيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَأَحْسَنُ جَزَاءً. وهو قريب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب