الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْقَالَ حَبَّةِ خَرْدَلٍ وَلَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، بَلْ يُوَفِّيهَا بِهِ وَيُضَاعِفُهَا لَهُ إِنْ كَانَتْ حَسَنَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ [لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ] [[زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٤٧] وَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ لُقْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ] [[زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية"]] ﴾ [لُقْمَانَ: ١٦] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ. فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْري، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الطويلِ، وَفِيهِ: فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "ارْجِعُوا، فَمَن وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مثقالَ حَبَّةِ [[في ر، أ: "ذرة".]] خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجُوهُ مِنَ النَّارِ". وَفِي لَفْظٍ: "أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا" ثُمَّ يَقُولُ أَبُو سَعِيدٍ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا] [[زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ [[صحيح البخاري برقم (٧٤٣٩) وصحيح مسلم برقم (١٨٣) .]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُس، عَنْ هارونَ بْنِ عَنْتَرَةَ [[في أ: "عنبرة".]] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ قَالَ: قَالَ عبدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُود: يُؤْتَى بِالْعَبْدِ والأمَة يومَ القيامةِ، فَيُنَادِي منادٍ على رءوس الْأَوَّلِينَ والآخِرين: هَذَا فلانُ بنُ فلانٍ، مَنْ كان له حق فليأت إلى حقه. فتفرحُ المرأةُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْحَقُّ عَلَى أَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا أَوْ زَوْجِهَا. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ:١٠١] فَيَغْفِرُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ مَا يَشَاءُ، وَلَا يَغْفِرُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ شَيْئًا، فينصَب لِلنَّاسِ فينادَي: هَذَا فلانُ بْنُ فلانٍ، مَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فليأتِ إِلَى حَقِّهِ. فَيَقُولُ: رَبّ، فَنِيَت الدُّنْيَا، مِنْ أَيْنَ أُوتِيِهْم حقوقَهم؟ قَالَ: خُذُوا مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، فَأَعْطُوا كلَ ذِي حَقِّ حَقَّهُ بِقَدْرِ طَلَبَتِهِ فَإِنْ كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ ففَضَلَ لَهُ مثقالُ ذَرَّةٍ، ضَاعَفَهَا اللَّهُ لَهُ حَتَّى يدخلَه بِهَا الْجَنَّةَ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا﴾ قَالَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ؛ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا شَقِيًّا قَالَ الْمَلَكُ: ربِّ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، وَبَقِيَ طَالِبُونَ كَثِيرٌ؟ فَيَقُولُ: خُذُوا مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَأَضِيفُوهَا إِلَى سَيِّئَاتِهِ، ثُمَّ صُكُّوا لَهُ صَكًّا إِلَى النَّارِ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ زَاذَانَ -بِهِ نَحْوَهُ. وَلِبَعْضِ هَذَا الْأَثَرِ شَاهَدٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثتا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا فُضَيلٌ -يَعْنِي ابْنَ مَرْزُوقٍ-عَنْ عطيَّة العَوْفي، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَعْرَابِ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٦٠] قَالَ رَجُلٌ: فَمَا لِلْمُهَاجِرِينَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: مَا هُوَ أفضلُ مِنْ ذَلِكَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ . وَحَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا﴾ فَأَمَّا الْمُشْرِكُ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ أَبَدًا. وَقَدِ اسْتُدِلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَبَا طَالِبٍ [[في أ: "إن عمك أبا طالب".]] كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ فَهَلْ نَفَعْتَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاح مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أنا لكان في الدَّرْك الأسفل مِنَ النَّارِ" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٨٨٣، ٦٢٠٨) ومسلم في صحيحه برقم (٢٠٩) .]] . وَقَدْ يَكُونُ هَذَا خَاصًّا بِأَبِي طَالِبٍ مِنْ دُونِ الْكَفَّارِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيالسِي فِي سُنَنِهِ [[في د، ر، أ: "مسنده".]] حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً، يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا ويُجْزَى بِهَا [[في ر: "فيها".]] فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ" [[مسند الطيالسي برقم (٤٧) "منحة المعبود" ورواه مسلم برقم (٢٨٠٨) من طريق يزيد بن هارون عن همام بن يحيى عن قتادة بنحوه.]] . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وعِكْرِمَةُ، وسعيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والحسنُ وقتادةُ والضحاكُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ يَعْنِي: الْجَنَّةَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ -يَعْنِي ابْنَ الْمُغَيْرَةِ-عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِالْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ. قَالَ: فقُضي أَنِّي انْطَلَقْتُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَلَقِيتُهُ فقلت: بلغني عنك حَدِيثٌ أَنَّكَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يُعْطَى عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِالْحَسَنَةِ أَلْفَ أَلْفَ حَسَنَةٍ" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا بَلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِيهِ أَلْفَيْ أَلْفِ حَسَنَةٍ" ثُمَّ تَلَا ﴿يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ فَمِنْ يُقَدِّرُهُ قَدْرَهُ [[في د، ر، أ: "يقدر قدره".]] [[المسند (٥/٥٢١) .]] . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا مباركُ بْنُ فَضَالَة، عَنِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي [[في ر: "إنه بلغني.]] أَنَّكَ تَقُولُ: إِنَّ الْحَسَنَةَ تُضَاعَفُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: وَمَا أَعْجَبَكَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ -يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ-كَذَا قَالَ أَبِي -يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لِيُضَاعِفُ الْحَسَنَةَ أَلْفَيْ أَلْفِ حَسَنَةٍ" [[المسند (٢/٢٩٦) .]] . عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ فِي أَحَادِيثِهِ نَكَارَةٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى -مُخْبِرًا عَنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَشِدَّةِ أَمْرِهِ وَشَأْنِهِ: فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ وَالْحَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحِينَ [[في ر: "حين".]] يَجِيءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ -يَعْنِي الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؟ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ [وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ] [[زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية"]] ﴾ [الزُّمَرِ: ٦٩] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] [[زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ [النَّحْلِ: ٨٩] . قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سفيانُ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إبراهيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ "اقْرَأْ عَلَيَّ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنزلَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنِّي أُحِبُّ أَنَّ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي" فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ قَالَ: "حَسْبُكَ الْآنَ" فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَان. وَرَوَاهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٥٠٥٠) وصحيح مسلم برقم (٨٠٠) .]] وَقَدْ رُوي مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ عَنْهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَيَّانَ، وَأَبِي رَزِين، عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو [[في ر: "أبي" وهو خطأ.]] بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بنُ مَسْعُود الجَحْدَري، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا يونُس بنُ مُحَمَّدِ بْنِ فضَالَة الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ -وَكَانَ أَبِي مِمَّنْ صَحِبَ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَاهُمْ فِي بَنِي ظَفَر، فَجَلَسَ عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي فِي بَنِي ظَفَرٍ الْيَوْمَ، وَمَعَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَمْرَ النَّبِيُّ ﷺ قَارِئًا فَقَرَأَ، فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حتى اضْطَرَبَ [[في ر: "ضرب".]] لِحْيَاهُ وَجَنْبَاهُ، فَقَالَ: "يَا رَبُّ هَذَا شهدتُ عَلَى مَنْ أَنَا بَيْنَ ظَهْرَيْهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ أَرَهُ؟ " [[ورواه البغوي في معجمه ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (١٩/٢٤٣) من طريق الصلت بن مسعود الجحدري به. قال الهيثمي في المجمع (٧/٤) : "رجاله ثقات".]] . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ- ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتُ فِيهِمْ، فَإِذَا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ". وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ القُرْطُبي فِي "التَّذْكِرَةِ" [[التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص٢٩٤) .]] حَيْثُ قَالَ: بَابُ [[في أ: "يارب".]] مَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ على أمته: قال: أخبرنا ابن المبارك، أخبرنارجل مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنِ المِنْهَال بنِ عمرٍو، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إِلَّا تُعْرَضُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أُمَّتُهُ غُدْوة وعَشيّة، فَيَعْرِفُهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [[في أ: "بسيماهم".]] وَأَعْمَالِهِمْ، فَلِذَلِكَ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ فَإِنَّهُ أَثَرٌ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، فَإِنَّ فِيهِ رَجُلًا مُبْهَمًا لَمْ يُسَمَّ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ لَمْ يَرْفَعْهُ. وَقَدْ قَبِلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ بَعْدَ إِيرَادِهِ: [قَدْ تَقَدَّمَ] [[زيادة من ر، أ، والتذكرة.]] أَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ يَوْمَ الجُمُعة. قَالَ: وَلَا تَعَارُضَ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُخَصَّ نَبِيُّنَا بِمَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. * * * وَقَوْلُهُ ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ﴾ أَيْ: لَوِ انْشَقَّتْ وَبَلَعَتْهُمْ، مِمَّا يَرَوْنَ مِنْ أَهْوَالِ الْمَوْقِفِ، وَمَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالْفَضِيحَةِ وَالتَّوْبِيخِ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا] [[زيادة من ر، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ وَقَوْلُهُ ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ أَخْبَرَ [[في ر، أ: "إخبار".]] عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِجَمِيعِ مَا فَعَلُوهُ، وَلَا يَكْتُمُونَ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْد، حَدَّثَنَا حكَّام، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ مُطرِّف، عَنِ الْمِنْهِالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر قَالَ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: سمعتُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ -يَعْنِي إِخْبَارًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا-: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٢٣] وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ فَقَالَ ابنُ الْعَبَّاسِ: أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا أهلُ الْإِسْلَامِ قَالُوا: تَعَالَوْا فَلْنَجْحَدْ، فَقَالُوا: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَتَكَلَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ عَنِ المِنْهال بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَشْيَاءٌ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ فِي الْقُرْآنِ. قَالَ: مَا هُوَ؟ أَشُكُّ في القرآن؟ قال: ليس هُوَ بِالشَّكِّ. وَلَكِنِ [[في ر، أ: "ولكنه".]] اخْتِلَافٌ. قَالَ: فَهَاتِ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٢٣] وَقَالَ ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ ؛ فَقَدْ كَتَمُوا! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ إِلَّا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ [[في أ: "إن الله يغفر لأهل الإسلام".]] وَيَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلَا يَغْفِرُ شِرْكًا، وَلَا يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ، جَحَدَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالُوا: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ ؛ رَجَاءَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُمْ. فَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَتَكَلَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ: ﴿يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ وَقَالَ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاك: إِنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ أَتَى ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، قَوْلُ اللَّهِ: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ وَقَوْلُهُ ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَحْسَبُكَ قُمْتَ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِكَ فَقُلْتَ ألْقي عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مُتَشَابِهُ الْقُرْآنِ. فَإِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِمْ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ جَامِعُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي بَقِيعٍ وَاحِدٍ. فَيَقُولُ الْمُشْرِكُونَ: إِنِ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا إِلَّا مِمَّنْ وَحَّدَهُ، فَيَقُولُونَ: تَعَالَوْا نَقُلْ فَيَسْأَلُهُمْ فَيَقُولُونَ: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ قَالَ: فَيُخْتَم عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وتُسْتَنطق [[في د: "ويستنطق".]] جَوَارِحُهُمْ، فَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ جوارحُهم أَنَّهُمْ كَانُوا مُشْرِكِينَ. فَعِنْدَ ذَلِكَ تَمَنَّوْا لَوْ أَنَّ الأرضَ سُوِّيَتْ بِهِم ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب