الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّنْ دَخَلَ فِي الْإِيمَانِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، ثُمَّ عَادَ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ضَلَالِهِ [[في أ: "ضلالته".]] وَازْدَادَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ لَا تَوْبَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَجْعَلُ لَهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَرَجًا وَلَا مَخْرَجًا، وَلَا طَرِيقًا إِلَى الْهُدَى؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا﴾ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبَدَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ جُمَيع، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ قال: تَمَّمُوا [[في ر، أ: "تموا".]] عَلَى كُفْرِهِمْ حَتَّى مَاتُوا. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْمُعَلَّى، عَنْ عَامِرٍ الشّعْبي، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ، ثَلَاثًا، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا﴾ ثُمَّ قَالَ: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ يَعْنِي: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا، فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مَعَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، يُوَالُونَهُمْ وَيُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ إِذَا خَلَوْا بِهِمْ: إِنَّمَا نَحْنُ مَعَكُمْ، إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ. أَيْ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي إِظْهَارِنَا لَهُمُ الْمُوَافَقَةَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ فِيمَا سَلَكُوهُ مِنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ﴾ ؟ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّ الْعِزَّةَ كُلَّهَا لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلِمَنْ جَعَلَهَا لَهُ. كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فَاطِرٍ: ١٠] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الْمُنَافِقُونَ: ٨] . وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّهْيِيجِ عَلَى طَلَبِ الْعِزَّةِ مِنْ جَنَابِ اللَّهِ، وَالِالْتِجَاءِ إِلَى عُبُودِيَّتِهِ، وَالِانْتِظَامِ فِي جُمْلَةِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَهُمُ النُّصْرَةُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ. ويُنَاسبُ أَنْ يُذْكَرَ [[في ر: "ومناسب أن ذكر".]] هَاهُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْد الْكِنْدِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيِّ، عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "مَنِ انْتَسَبَ إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ كُفَّارٍ، يُرِيدُ بِهِمْ عِزًّا وَفَخْرًا، فَهُوَ عَاشِرُهُمْ فِي النَّارِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ [[المسند (٤/١٣٣) قال الهيثمي في المجمع (٨/٨٥) : "رجال أحمد ثقات".]] وَأَبُو رَيْحَانَةَ هَذَا هُوَ أَزْدِيٌّ، وَيُقَالُ: أَنْصَارِيٌّ. اسْمُهُ [[في ر، أ: "واسمه".]] شَمْعُونُ بِالْمُعْجَمَةِ، فِيمَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بِالْمُهْمَلَةِ، وَاللَّهُ [[في ر، أ: "فالله".]] أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] [[زيادة من ر، أ.]] ﴿وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ أَيْ: إِذَا ارْتَكَبْتُمِ النَّهْيَ بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَيْكُمْ، وَرَضِيتُمْ بِالْجُلُوسِ مَعَهُمْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُكْفَرُ فِيهِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيُسْتَهْزَأُ وَيُنْتَقَصُ بِهَا، وَأَقْرَرْتُمُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ شَارَكْتُمُوهُمْ فِي الَّذِي هُمْ فِيهِ. فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [أَيْ] [[زيادة من ر، أ.]] فِي الْمَأْثَمِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَار عَلَيْهَا الخَمْر" [[رواه الترمذي في سننه برقم (٢٨٠١) من حديث جابر، وفي إسناده ليث بن أبي سليم ضعيف، ورواه أحمد في المسند (١/٢٠) من حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفِي إسناده مجهول، ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١١/١٩١) من حديث عبد الله ابن عباس، وفي إسناده يحيى بن أبي سليمان وهو ضعيف.]] . وَالَّذِي أُحِيلَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ النَّهْيِ فِي [[في ر: "عن".]] ذَلِكَ، هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] [[زيادة من: ر، أ، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٦٨] قَالَ مُقَاتِلُ بُنُ حَيَّانَ: نَسَخَت هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْأَنْعَامِ. يَعْنِي نُسخَ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ لِقَوْلِهِ ﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: ٦٩] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ أَيْ: كَمَا أَشْرَكُوهُمْ [[في ر، أ: "اشتركوا".]] فِي الْكُفْرِ، كَذَلِكَ شَارَكَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ [[في أ: "عليهم".]] فِي الْخُلُودِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ أَبَدًا، وَجَمَعَ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ، وَالْقُيُودِ وَالْأَغْلَالِ. وَشَرَابِ [[في ر، أ: "وشرب".]] الْحَمِيمِ والغِسْلين لا الزّلال.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب