الباحث القرآني

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى عَنْ أَكْثَرِ الْأَوَّلِينَ أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْ سَبِيلِ النَّجَاةِ، شَرَعَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فَذَكَرَ نُوحًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ التَّكْذِيبِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ، [فَإِنَّهُ] [[زيادة من ت.]] لَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ تَكْذِيبُهُمْ، وَكُلَّمَا دَعَاهُمُ ازْدَادُوا نُفْرَةً، فَدَعَى رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فَغَضِبَ اللَّهُ لِغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ أَيْ: فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ [[في ت، أ: "المجيبون كنا له".]] لَهُ. ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ ، وَهُوَ التَّكْذِيبُ وَالْأَذَى، ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمْ تَبْقَ إِلَّا ذُرِّيَّةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ قَالَ: النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [[زيادة من ت، أ.]] . وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سُمْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ قَالَ: "سَامٌ، وَحَامٌ وَيَافِثُ". وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ [[في ت: "النبي"]] ﷺ قَالَ: "سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ، وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَقَدِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ سعيد -وهو ابن أبي عروبة- عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ [[المسند (٥/٩) وسنن الترمذي برقم (٣٩٣١) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن".]] . قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ [[في س: "عمر".]] بْنِ حُصين، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ. [[حديث عمران بن حصين: رواه الطبراني في المعجم الكبير (١٨/١٤٦) مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ وسمرة بن جندب به.]] وَالْمُرَادُ بِالرُّومِ هَاهُنَا: هُمُ الرُّومُ الأوَل، وَهُمُ الْيُونَانُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى رُومِيِّ بْنِ لَيْطِيِّ بْنِ يُونَانَ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: وَلَدُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَلَاثَةٌ: سَامٌ وَحَامٌ وَيَافِثُ، وَوَلَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةً، فَوَلَدَ سامُ العربَ وفارسَ وَالرُّومَ، وَوَلَدَ يافثُ التُّرْكَ وَالصَّقَالِبَةَ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَوَلَدَ حامُ القبطَ وَالسُّودَانَ وَالْبَرْبَرَ. وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ نَحْوُ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ﴾ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُذْكَرُ بِخَيْرٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي لِسَانَ صِدْقٍ لِلْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ فِي الْآخَرِينَ. قَالَ الضَّحَّاكُ: السَّلَامُ وَالثَّنَاءُ الْحَسَنُ. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ مُفَسِّرٌ لِمَا أَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَالْأُمَمِ. ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ أَيْ: هَكَذَا نَجْزِي مَنْ أَحْسَنَ مِنَ الْعِبَادِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، نَجْعَلُ [[في ت، س: "يجعل".]] لَهُ لسانَ صدْق يُذَكَرُ بِهِ بَعْدَهُ بِحَسَبِ مَرْتَبَتِهِ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيِ الْمُصَدِّقِينَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُوقِنِينَ، ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ﴾ أَيْ: أَهْلَكْنَاهُمْ، فَلَمْ تبْق [[في ت، أ: "يبق".]] مِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، وَلَا ذِكْرَ لَهُمْ وَلَا عَيْنَ وَلَا أَثَرَ، وَلَا يُعَرَفُونَ إِلَّا بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْقَبِيحَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب