الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ زَيَّنَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا لِلنَّاظِرِينَ إِلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ ، قُرِئَ بِالْإِضَافَةِ وَبِالْبَدَلِ، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَالْكَوَاكِبُ السَّيَّارَةُ وَالثَّوَابِتُ يَثْقُبُ ضَوْءُهَا جِرْمَ السَّمَاءِ الشَّفَّافَ، فَتُضِيءُ [[في ت، س: "فيضئ".]] لِأَهْلِ الْأَرْضِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾ [الْمُلْكِ:٥] ، وَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ﴾ [الْحِجْرِ:١٦-١٨] . * * * وَقَوْلُهُ هَا هُنَا: ﴿وَحِفْظًا﴾ تَقْدِيرُهُ: وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا، ﴿مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾ يَعْنِي: الْمُتَمَرِّدَ الْعَاتِيَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِقَ السَّمْعَ، أَتَاهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ فَأَحْرَقَهُ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى﴾ أَيْ: لِئَلَّا يَصِلُوا [[في ت، س: "يصلون".]] إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَهِيَ السَّمَاوَاتُ وَمِنْ فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِذَا تَكَلَّمُوا بِمَا يُوحِيهِ اللَّهُ مِمَّا يَقُولُهُ مِنْ شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سَبَأٍ:٢٣] وَلِهَذَا قَالَ ﴿وَيُقْذَفُون﴾ أَيْ: يُرْمَوْنَ ﴿مِنْ كُلِّ جَانِبٍ﴾ أَيْ: مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يَقْصِدُونَ السَّمَاءَ مِنْهَا، ﴿دُحُورًا﴾ أَيْ:رَجْمًا يُدْحَرُونَ بِهِ وَيُزْجَرُونَ، وَيُمْنَعُونَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى ذَلِكَ، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ أَيْ:فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ لَهُمْ عَذَابٌ دَائِمٌ مُوجِعٌ مُسْتَمِرٌّ، كَمَا قَالَ: ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾ [الْمُلْكِ:٥] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ أَيْ: إِلَّا مَنِ اخْتَطَفَ مِنَ الشَّيَاطِينِ الخطفة، وهي الكلمة يسمعها مِنَ السَّمَاءِ فَيُلْقِيهَا إِلَى الَّذِي تَحْتَهُ، وَيُلْقِيهَا الْآخَرُ إِلَى الَّذِي تَحْتَهُ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الشِّهَابُ فَيُحْرِقَهُ، فَيَذْهَبُ بِهَا الْآخَرُ إِلَى الْكَاهِنِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ أَيْ: مُسْتَنِيرٌ. قَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ لِلشَّيَاطِينِ مَقَاعِدُ فِي السَّمَاءِ فَكَانُوا [[في ت، س: "قال: فكانوا".]] يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ. قَالَ: وَكَانَتِ النُّجُومُ لَا تَجْرِي، وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ لَا تُرْمى قَالَ: فَإِذَا سَمِعُوا [[في أ: "استمعوا".]] الْوَحْيَ نَزَلُوا إِلَى الْأَرْضِ، فَزَادُوا فِي الْكَلِمَةِ تِسْعًا. قَالَ: فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، جعل الشَّيْطَانُ إِذَا قَعَدَ مَقْعَدَهُ جَاءَ شِهَابٌ فَلَمْ يُخْطئه حَتَّى يُحرقَه. قَالَ: فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مِنْ أمْر حَدَثَ. قَالَ: فَبَثّ جُنُودَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَائِمٌ يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْ نَخْلَةَ -قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بَطْنَ نَخْلَةَ-قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى إِبْلِيسَ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي حَدَثَ. [[تفسير الطبري (٢٣/٢٥) .]] وَسَتَأْتِي الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ مَعَ الْآثَارِ فِي هَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْجِنِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا. وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الْجِنِّ:٨-١٠] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب